رأي عُمان

مؤشرات مالية مفرحة

 
كشفت نشرة الأداء المالي الصادرة اليوم من وزارة المالية عن تحقيق سلطنة عمان فائضا ماليا قدره ٧٠٢ مليون ريال عماني خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري. ورغم أن هذا الفائض أقل بمقدار ٣٠٠ مليون ريال عماني عما كان عليه الفائض في الفترة نفسها من العام الماضي إلا أن هذا ليس خبرا سيئا على الإطلاق، فمتوسط أسعار النفط وصلت العام الماضي إلى ٨٩ دولارا لبرميل النفط، فيما انخفض المتوسط هذا العام حتى نهاية يوليو إلى ٨٣ دولارا فقط حيث مرت أسعار النفط بحالة تذبذب منذ مطلع العام الجاري ووصلت إلى ما دون ٦٥ دولارا للبرميل. ورغم تراجع أسعار النفط إلا أن الإجراءات المالية الجديدة استطاعت أن تحقق فائضا مرتفعا بالمقارنة مع السنوات الماضية، إضافة إلى ذلك فإن سلطنة عمان استطاعت خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري أن تصل بالدين العام إلى قرابة ١٦ مليار ريال عماني وبـنسبة ٣٧٪ من الدخل الوطني وهو مستوى أقرب إلى المستوى الآمن جدا.

إن فكرة خفض الدين العام أساسية في سياسة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- وهي سياسة تحوط مهمة بالنظر إلى الأزمات السياسية والاقتصادية التي يعيشها العالم، وقد جربت سلطنة عمان بوضوح مثل هذه الظروف خلال السنوات الخمس الماضية. إن ذاكرة الأزمات المالية يجب أن لا تكون ذاكرة قصيرة، فالظروف التي صنعت الأزمات الاقتصادية والسياسية الماضية ما زالت حاضرة وقادرة على إحداث أزمات مالية أصعب من الأزمات الماضية، خاصة أن التوجه العالمي اليوم يتجه إلى التقليل من الاستثمار في مشروعات الطاقة الأحفورية والتوجه إلى الطاقة الخضراء التي لا يبقى معها النفط سلعة ذات أهمية كبرى. من جانب آخر، فإن العالم الذي اكتوى بجائحة فيروس كورونا لا يستطيع أن يأمن عودة خطر الوباء مرة ثانية خاصة في ظل عودة بعض المتحورات للظهور مع اقتراب فصل الشتاء الذي تنشط فيه فيروسات الجهاز التنفسي حيث ظهرت الكثير من التحذيرات من عودة موجات الوباء إلى أوروبا في الشتاء. ورغم أن هذه التحذيرات لم تصل إلى درجة الخطر الحقيقي إلا أن العالم ما زال مهددا بالكثير من الفيروسات التي يمكن أن تتحول إلى جوائح قاتلة.

وما يستحق الإشادة، حقا، أن سلطنة عمان وظفت الفائض المالي الذي استطاعت تحقيقه العام الماضي وما مضى من العام الجاري في خفض الدين العام وإدارة المحفظة الإقراضية، حيث استبدلت بقروض عالية الخدمة قروضا منخفضة الخدمة، كما عززت الإنفاق الاجتماعي والذي يمكن ملاحظته مع بداية العام القادم، وعززت النمو الاقتصادي عبر العديد من المبادرات الاقتصادية التي من شأنها تحريك الاقتصاد العماني.

هل نستطيع أن نتنفس الصعداء مع استمرار تحقيق مثل هذه الفوائض المالية؟

هذا سؤال يطرح بكثرة في سلطنة عمان هذه الأيام وهو سؤال مهم جدا وضروري ولكن الإجابة عنه ليست سهلة على الإطلاق ولا يمكن أن نحصرها في قول نعم أو لا.. لقد تجاوزت سلطنة عمان مرحلة متقدمة من الخطر المالي منذ العام الماضي، وهذا واضح للجميع، ولكن التحولات الكبرى التي يشهدها العالم تجعل الجميع يتوقع الأزمات المالية والسياسية في كل وقت.. ولذلك فإن سياسة الاستمرار في خفض الدين العام وتحفيز النمو الاقتصادي ودعم الاستثمار في مختلف القطاعات وخصوصا القطاعات غير النفطية أمرٌ في غاية الأهمية وسيبقى على الدوام ضرورة ملحة.