أعمدة

نوافذ :«إخوة يوسف».. نوازع الشر ونقيضه

 
shialoom@gmail.com

تتجسد العلاقات القائمة بين الأفراد بحمولتها الاجتماعية الكبيرة؛ والمتمثلة في القيم الإنسانية، والعادات والتقاليد، وأشكال الأنساق الاجتماعية المختلفة، وتضاف إليها مجموعة السلوكيات الفطرية؛ والمكتسبة؛ حيث تحضر كل هذه «التوليفة» لتكون مرجعا مهمّا لحمل هذه العلاقات على البقاء والاستمرار، أو التراجع والاضمحلال، بغض النظر عن درجة القرابة فيها، فالمحصلة هي ما يجسدها الواقع القائم بين هؤلاء الأفراد في تبادلاتهم للمصالح مع بعضهم البعض، وفق ظرفية زمنية مستمرة، وفي هذه الظرفية الزمنية من العلاقات؛ تنبني أحكام، وتتخذ مواقف، ويعاد ترتيب مستويات القرب أو البعد، وهذه كلها ممارسات ملموسة في لحظات الاشتغال «تبادل المنافع»، وانعكاسا لهذه المنافع يمكن الحكم على صفاء العلاقة، أو تشويهها بين الطرفين، ومن خلال هذه الظرفية الزمنية تتداخل فيها مسائل الحقوق والواجبات، والكثير من المجاملات، وقد يتحمّل؛ هذه المجاملات؛ أحد الطرفين أكثر أعبائها، وخاصة عندما يكون في موقف الضعف، أو الحاجة، وأخطرها عندما لا تكون هذه المجاملات صادقة إلا بقدر تحقيق الحاجة في لحظة زمنية معينة، ثم يتوارى صاحبها بعيدا، وأكثرها خطورة عندما يستغل الطرف الأقوى الاستسلام المطلق من الطرف الأضعف، ويستمرئ الطرفان اللعب على الورقة الرابحة لكليهما؛ كل حسب نيته، وتوجهه، مخالفين بذلك مقولة آل باتشينو: «كي لا تسقط؛ لا تسند ظهرك على أحد من البشر».

في مسافة «الظرفية الزمنية» التي تجمعنا بالآخر هناك أكثر من حديث يمكن أن يُطرح بين مختلف أطراف العلاقات؛ هذه الأحاديث ليست عشوائية، بل هي موضوعية على قدر كبير من الأهمية، لأنه تبنى عليها أحكام في العلاقات القائمة ليس فقط في ظرفيتها الزمنية، بل على المدى البعيد، وهذه مسألة مهمة، فالعلاقات قد تتجذر عند الأطراف؛ وتظل هناك مقاومة شرسة لرياح التغيير بين الطرفين؛ لأن بناء علاقات جديدة ليس بالأمر الهيّن، والتضحية بعلاقات قائمة؛ أيضا؛ ليست أمرا هيّنا، وتظل لدى الطرفين دائما حالة من الترقب، ومن «المسايسة»، وقد تتبعها قائمة من التنازلات بغية أن تبقى العلاقات قائمة، ومزدهرة، رغم رياح التغيير التي تمر عليها بين فترة وأخرى، ومع ذلك فهناك من يُقَيِّم مضامين العلاقات القائمة بين الناس، فيرفعها، أو يسقط تقييمها بناءً على مسألتَي الحق والواجب، فإن يسعفك العمر لأداء كل الواجبات التي ترى لنفسك أنك مجبر على أدائها وذلك يعني أنك تنظر حقوقا مستحقة على الطرف الآخر، والآخر كذلك على حالتك نفسها، وهذا في حالة تكافؤ المعاملة، أما المبالغة في الأمر ذاته، فتبقى أمرا غير محمود، وفي مقولة أدهم الشرقاوي؛ مقاربة موضوعية لذات المعنى: «أول خطوة لإيقافهم عن التصرف كسادة، هي التوقف عن التصرف كعبيد!» فمهما تكن من خصوصية في العلاقة بين أي طرفين، يبقى من الحكمة أن تكون هناك مسافة فاصلة بين الطرفين، تتيح لكلا الطرفين التصرف بحكمة.

تبقى رمزية (إخوة يوسف) هي حالات التضاد والمشاكسة بين الخير والشر، وهي ممارسة يومية بين أي طرفين تجمعهما علاقة ما (أخوة، صداقة؛ مصلحة عمل؛ مجتمع أسري، مجتمع عام) حيث تعيش كل العلاقات القائمة بين هؤلاء الناس على النقيضين، بين المراوحة في توظيف سلوك الخير، أو سلوك الشر، هل هناك من يتقصد الخير دون الشر؟ نعم؛ وهل هناك من يتقصد الشر دون الخير؟ نعم، وهل يتساوى الطرفان في هذا التناوب؟ ليس شرطا، فقد ينكفئ أحدهم على وجه واحد، ويبالغ فيه، وهذا أمر مذموم.