بعد «بريكس».. الدور السعودي تحت المجهر
السبت / 9 / صفر / 1445 هـ - 22:29 - السبت 26 أغسطس 2023 22:29
تتراكم المؤشرات التي تعطي انطباعا جديا، ولكن ليس حاسما، بأن المملكة العربية السعودية ربما باتت تميل نحو المضي قدما وعدم التراجع عن استراتيجيتين مهمتين - إن سارت فيهما إلى نهاية الشوط - ستقود إلى نتيجتين سياسيتين كبيرتين.
النتيجة الأولى: هي إنجاز أكبر لمصالحها الوطنية، والنتيجة الثانية: المساعدة في استقرار أمني لمنطقة الخليج وخلق بيئة مواتية لطموحات خطط التنمية في دول مجلس التعاون التي يمتد بعضها لعشرين عاما قادمة.
الاستراتيجية الأولى: مفادها أن السعودية تنظر إلى نفسها الآن وتريد للعالم أن ينظر إليها باعتبارها لاعبا مهما على الساحة الدولية يتمتع في حركته بقدر كبير من الاستقلال حتى عن سلاسل الروابط الوثيقة القديمة مع الغرب، وأنها في سبيل نيل مكانة تمنحها تأثيرا، ونفوذا في شؤون الطاقة، والعلاقات الدولية والإقليم الشرق أوسطي مستعدة لأن تتخذ قرارات سياسة خارجية قد لا ترضي بالضرورة واشنطن ولندن وباريس وبرلين.
الاستراتيجية الثانية: هي جنوحها النسبي الحالي إلى ما يسميه بعض علماء السياسة باستراتيجية «الإقليمية الجديدة» التي تعني في بعض تفسيراتها قيام توافق بين دول أو معظم دول إقليم معين على سياسة أن أفضل طريقة لتحقيق أمن إقليمهم هو التعاون فيما بينهم وتوليهم بأنفسهم مهمات حماية هذا الأمن.
أما إذا كان هذا الأمن ذي طابع عالمي وعلى تماس مع مصالح دول كبرى وهو ما ينطبق على منطقة الخليج بضفتيه العربية والإيرانية يتولون على الأقل قسم كبير من مسؤوليات أمن منطقتهم ويسعون لأن لا يتحول الدور العالمي في إقليمهم إلى وسيلة لوضع بذور الصراع مع جيرانهم.
في الاستراتيجية الأولى بالظهور كلاعب مستقل وفاعل على الساحة العالمية يمكن القول إن الرياض تحقق تقدما تدريجيا في تقليل حالة الشك التي حامت بشأن بعض المواقف السعودية التي تعارضت جزئيا مع حليفها الأمريكي منذ ثمانين عاما. فلقد رآها البعض في هذا السياق كرد فعل مؤقت وغاضب لحفظ الكرامة العربية والسعودية من الانتقادات الأمريكية والتصريحات غير الدبلوماسية من إدارة بايدن الديمقراطية لرموز في الأسرة الحاكمة السعودية.
رفضت الرياض بعد اندلاع حرب أوكرانيا مطالب علنية أمريكية لزيادة إنتاج النفط بعد الحرب الأوكرانية وهو رفض أدى إلى ارتفاع أسعار البترول، وفاقم بالتالي من التضخم غير المسبوق الذي تواجهه الدول الغربية بسبب إنفاقها الكثيف على الدولة والجيش الأوكرانيين وهو إنفاق يقدر البعض أنه قد يصل إلى خمسمائة مليار دولار.
كان قرار عدم رفع الإنتاج بل تخفيضه خلال الـ ١٨ شهرا الأخيرة في حاجة إلى الإبقاء على صيغة (أوبك – بلس) التي تضم روسيا مع دول الأوبك فاعلة، وهو ما اعتبرته واشنطن تحديا حقيقيا لتحكمها التاريخي في سوق النفط الذي بلورته منذ عام ٧٤ صيغة البترودولار.
وواصل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التنسيق مع موسكو بما يحقق مصالح خزانة بلاده، وهو ما أدى في نظر واشنطن إلى زيادة الموارد النقدية لموسكو وإضعاف نسبي لأثر العقوبات الغربية على روسيا، واعتبره الغرب كذلك دعما غير مباشر لروسيا مكنها من إطالة قدرتها على مواصلة الحرب في أوكرانيا التي تستنزف دول الغرب اقتصاديا.
باتفاقها في مارس ٢٠٢٣ على تطبيع العلاقات مع إيران بعد نحو أربعة عقود من العداء بوساطة صينية ومن قلب عاصمتها بكين منحت المملكة الصين أكبر نفوذ سياسي تحققه في الشرق الأوسط. هذا الشرق الأوسط الذي تعتبره واشنطن منذ قيام إسرائيل عامة ومنذ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر واسرائيل خاصة منطقة نفوذ مطلق لها. ولمعرفة حجم الضربة الاستراتيجية يمكن الاشارة الى ما تردد في الصحف الأمريكية من أن مسؤولا أمريكيا قد عاتب الرياض بقوله: «لقد تمت تعميتنا والقفز فوقنا عند عقد هذا الاتفاق».
بسبب عناصر المنافسة الإقليمية المستمرة بين الرياض وطهران وتعدد وتعقيد الصراعات التي يتواجهان سياسيا فيها من أول اليمن إلى سوريا ولبنان، وكذلك من خبرات عدة اتفاقات سابقة بينهما للتطبيع انهارت بعد فترة من توقيعها، حامت الشكوك كذلك بشأن ما إذا كان هذا القرار قرارا حاسما من القيادة السعودية.
هنا أيضا تبدد الرياض جزءا من الشكوك إذ مضى البلدان قدما في تنفيذ خطوات الاتفاق الذي رعته الصين مثل إعادة التمثيل الدبلوماسي الرسمي وبدأ الحوار بينهما حول الملفات المعقدة إما لتبريدها أو حلها من جذورها.
الأهم من ذلك كانت عملية بناء الثقة التدريجي والبطيء عبر القيام بزيارات على مستوى عال بين طهران والرياض واستخدام لغة صريحة في إعلان نوايا «التصميم» على السير في طريق المصالحة لآخره كما حدث في زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى الرياض مؤخرا وما قاله المسؤولون السعوديون أثناءها من أن العلاقات بينهما تسير في الاتجاه الصحيح.
التطور الأهم حدث في الأيام الماضية مع إعلان مجموعة «البريكس» قبول السعودية وإيران ضمن قائمة تضم ٦ دول. ومن المؤكد أن سعي الدولتين الغنيتين بالنفط والأكبر سكانا واقتصادا في المنطقة للحصول معا على عضوية تجمع البريكس وحصولهما عليه فعلا إنما يعني أن صانع القرار في طهران والرياض يعلم أن ذلك بمثابة عنصر تقارب بين البلدين على طريق التعاون لا الصراع سواء في الساحة الخليجية أو الساحة العربية أو في الحد الأدنى يعلم أن ذلك سيقيد من فرص نكوص كل منهما عن طريق التطبيع. كما أنهما يفهمان ذلك أنه يجعلهما -إن لم يكن مباشرة فعلى الأقل على المدى الطويل - متموضعين في خانة التوازنات الدولية في قلب الاستراتيجية التي تتبناها البريكس وتحظى بدعم الصين وروسيا وعشرات الدول في الجنوب ألا وهي استراتيجية تحويل النظام الدولي القائم من نظام أمريكي - غربي - أنجلوساكسوني مهيمن إلى نظام متعدد الأقطاب، وهذه ليست بالتأكيد الخانة التي يقف فيها الغرب حاليًا.
وإذا كان هذا ليس بجديد على الطرف الإيراني الذي يتبع منذ عقدين سياسة الاتجاه شرقا نحو الصين وبات في شراكة وتحالف استراتيجي مع الصينيين والروس، فإن الجديد هنا بامتياز أن تتواجد الرياض في تجمع دولي يرى نفسه كبديل لهيمنة الغرب المستمرة على العالم منذ نحو ٤ قرون تمت غالبا عبر استغلال ثروات دول الجنوب.
هذه القرارات في السياسة الخارجية السعودية تواجه تحديات غير قليلة وقد تتطلب دفع أثمان حقيقية وسيتوقف الكثير من تبديد المشككين فيها على ما إذا كانت سياسة الاستقلال ستمضي للنهاية أم ستعود أدراجها إلى السياسة «الآمنة» القديمة ولكن الموالية للغرب.
ستتوقف أيضا على قدرة الرياض على العمل دون تردد بمقولة دينج شياو بينج باني المعجزة الصينية الحالية في البراجماتية- الوطنية وهي مقولة: «لا يهم لون القط» فتحدد ما إذا كان مناسبا لمصالحها الوطنية أن تبيع نفطها باليوان بدلا من الدولار فتفعل ذلك حتى لو أدى ذلك إلى هز هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي. وتحدد ما إذا كان قبول العرض الصيني الحالي للرياض لبناء المفاعل النووي الذي ترغب فيه السعودية بدون شروط سياسية في مصلحتها أم لا، خاصة أنه بات معروفا أن بناء مثل هذا المفاعل عن طريق الولايات المتحدة تضع له واشنطن شروطا سياسية صعبة.
خطة واشنطن لاستعادة السعودية لمعسكرها تقود إلى التحدي الأكبر الذي يواجه تطلع الرياض إلى لعب دور القائد الإقليمي ولعب دور مؤثر على الساحة الدولية ألا وهو موقفها النهائي من هذه الخطة، التي تقضي بأن يكون التطبيع الشامل بين المملكة السعودية وإسرائيل وقبل حصول الفلسطينيين على دولتهم المستقلة هو المقابل العلني الذي يتوجب على الرياض قبوله للحصول على المفاعل النووي والأسلحة المتقدمة وتعاهدا أمنيا أمريكيا بضمان أمن السعودية في حال واجهت حرب.
ويشمل المقابل لهذه الصفقة أيضا ولكن ضمنيا أن تبتعد السعودية عن الصين ما وسعها اقتصاديا وتقنيا وجيوسياسيا، وتنأى كذلك عن اتفاق التطبيع مع إيران بما يعيد التوتر والاستقطاب الإقليمي متمثلا في حروب الوكالة في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
حتى تكشف الأيام عن نوع الاستجابة السعودية لهذه التحديات سيظل دورها الإقليمي والدولي تحت المجهر وسيظل يقرأه المحللون بطرق متباينة أشد التباين.
حسين عبدالغني إعلامي وكاتب مصري
النتيجة الأولى: هي إنجاز أكبر لمصالحها الوطنية، والنتيجة الثانية: المساعدة في استقرار أمني لمنطقة الخليج وخلق بيئة مواتية لطموحات خطط التنمية في دول مجلس التعاون التي يمتد بعضها لعشرين عاما قادمة.
الاستراتيجية الأولى: مفادها أن السعودية تنظر إلى نفسها الآن وتريد للعالم أن ينظر إليها باعتبارها لاعبا مهما على الساحة الدولية يتمتع في حركته بقدر كبير من الاستقلال حتى عن سلاسل الروابط الوثيقة القديمة مع الغرب، وأنها في سبيل نيل مكانة تمنحها تأثيرا، ونفوذا في شؤون الطاقة، والعلاقات الدولية والإقليم الشرق أوسطي مستعدة لأن تتخذ قرارات سياسة خارجية قد لا ترضي بالضرورة واشنطن ولندن وباريس وبرلين.
الاستراتيجية الثانية: هي جنوحها النسبي الحالي إلى ما يسميه بعض علماء السياسة باستراتيجية «الإقليمية الجديدة» التي تعني في بعض تفسيراتها قيام توافق بين دول أو معظم دول إقليم معين على سياسة أن أفضل طريقة لتحقيق أمن إقليمهم هو التعاون فيما بينهم وتوليهم بأنفسهم مهمات حماية هذا الأمن.
أما إذا كان هذا الأمن ذي طابع عالمي وعلى تماس مع مصالح دول كبرى وهو ما ينطبق على منطقة الخليج بضفتيه العربية والإيرانية يتولون على الأقل قسم كبير من مسؤوليات أمن منطقتهم ويسعون لأن لا يتحول الدور العالمي في إقليمهم إلى وسيلة لوضع بذور الصراع مع جيرانهم.
في الاستراتيجية الأولى بالظهور كلاعب مستقل وفاعل على الساحة العالمية يمكن القول إن الرياض تحقق تقدما تدريجيا في تقليل حالة الشك التي حامت بشأن بعض المواقف السعودية التي تعارضت جزئيا مع حليفها الأمريكي منذ ثمانين عاما. فلقد رآها البعض في هذا السياق كرد فعل مؤقت وغاضب لحفظ الكرامة العربية والسعودية من الانتقادات الأمريكية والتصريحات غير الدبلوماسية من إدارة بايدن الديمقراطية لرموز في الأسرة الحاكمة السعودية.
رفضت الرياض بعد اندلاع حرب أوكرانيا مطالب علنية أمريكية لزيادة إنتاج النفط بعد الحرب الأوكرانية وهو رفض أدى إلى ارتفاع أسعار البترول، وفاقم بالتالي من التضخم غير المسبوق الذي تواجهه الدول الغربية بسبب إنفاقها الكثيف على الدولة والجيش الأوكرانيين وهو إنفاق يقدر البعض أنه قد يصل إلى خمسمائة مليار دولار.
كان قرار عدم رفع الإنتاج بل تخفيضه خلال الـ ١٨ شهرا الأخيرة في حاجة إلى الإبقاء على صيغة (أوبك – بلس) التي تضم روسيا مع دول الأوبك فاعلة، وهو ما اعتبرته واشنطن تحديا حقيقيا لتحكمها التاريخي في سوق النفط الذي بلورته منذ عام ٧٤ صيغة البترودولار.
وواصل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التنسيق مع موسكو بما يحقق مصالح خزانة بلاده، وهو ما أدى في نظر واشنطن إلى زيادة الموارد النقدية لموسكو وإضعاف نسبي لأثر العقوبات الغربية على روسيا، واعتبره الغرب كذلك دعما غير مباشر لروسيا مكنها من إطالة قدرتها على مواصلة الحرب في أوكرانيا التي تستنزف دول الغرب اقتصاديا.
باتفاقها في مارس ٢٠٢٣ على تطبيع العلاقات مع إيران بعد نحو أربعة عقود من العداء بوساطة صينية ومن قلب عاصمتها بكين منحت المملكة الصين أكبر نفوذ سياسي تحققه في الشرق الأوسط. هذا الشرق الأوسط الذي تعتبره واشنطن منذ قيام إسرائيل عامة ومنذ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر واسرائيل خاصة منطقة نفوذ مطلق لها. ولمعرفة حجم الضربة الاستراتيجية يمكن الاشارة الى ما تردد في الصحف الأمريكية من أن مسؤولا أمريكيا قد عاتب الرياض بقوله: «لقد تمت تعميتنا والقفز فوقنا عند عقد هذا الاتفاق».
بسبب عناصر المنافسة الإقليمية المستمرة بين الرياض وطهران وتعدد وتعقيد الصراعات التي يتواجهان سياسيا فيها من أول اليمن إلى سوريا ولبنان، وكذلك من خبرات عدة اتفاقات سابقة بينهما للتطبيع انهارت بعد فترة من توقيعها، حامت الشكوك كذلك بشأن ما إذا كان هذا القرار قرارا حاسما من القيادة السعودية.
هنا أيضا تبدد الرياض جزءا من الشكوك إذ مضى البلدان قدما في تنفيذ خطوات الاتفاق الذي رعته الصين مثل إعادة التمثيل الدبلوماسي الرسمي وبدأ الحوار بينهما حول الملفات المعقدة إما لتبريدها أو حلها من جذورها.
الأهم من ذلك كانت عملية بناء الثقة التدريجي والبطيء عبر القيام بزيارات على مستوى عال بين طهران والرياض واستخدام لغة صريحة في إعلان نوايا «التصميم» على السير في طريق المصالحة لآخره كما حدث في زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى الرياض مؤخرا وما قاله المسؤولون السعوديون أثناءها من أن العلاقات بينهما تسير في الاتجاه الصحيح.
التطور الأهم حدث في الأيام الماضية مع إعلان مجموعة «البريكس» قبول السعودية وإيران ضمن قائمة تضم ٦ دول. ومن المؤكد أن سعي الدولتين الغنيتين بالنفط والأكبر سكانا واقتصادا في المنطقة للحصول معا على عضوية تجمع البريكس وحصولهما عليه فعلا إنما يعني أن صانع القرار في طهران والرياض يعلم أن ذلك بمثابة عنصر تقارب بين البلدين على طريق التعاون لا الصراع سواء في الساحة الخليجية أو الساحة العربية أو في الحد الأدنى يعلم أن ذلك سيقيد من فرص نكوص كل منهما عن طريق التطبيع. كما أنهما يفهمان ذلك أنه يجعلهما -إن لم يكن مباشرة فعلى الأقل على المدى الطويل - متموضعين في خانة التوازنات الدولية في قلب الاستراتيجية التي تتبناها البريكس وتحظى بدعم الصين وروسيا وعشرات الدول في الجنوب ألا وهي استراتيجية تحويل النظام الدولي القائم من نظام أمريكي - غربي - أنجلوساكسوني مهيمن إلى نظام متعدد الأقطاب، وهذه ليست بالتأكيد الخانة التي يقف فيها الغرب حاليًا.
وإذا كان هذا ليس بجديد على الطرف الإيراني الذي يتبع منذ عقدين سياسة الاتجاه شرقا نحو الصين وبات في شراكة وتحالف استراتيجي مع الصينيين والروس، فإن الجديد هنا بامتياز أن تتواجد الرياض في تجمع دولي يرى نفسه كبديل لهيمنة الغرب المستمرة على العالم منذ نحو ٤ قرون تمت غالبا عبر استغلال ثروات دول الجنوب.
هذه القرارات في السياسة الخارجية السعودية تواجه تحديات غير قليلة وقد تتطلب دفع أثمان حقيقية وسيتوقف الكثير من تبديد المشككين فيها على ما إذا كانت سياسة الاستقلال ستمضي للنهاية أم ستعود أدراجها إلى السياسة «الآمنة» القديمة ولكن الموالية للغرب.
ستتوقف أيضا على قدرة الرياض على العمل دون تردد بمقولة دينج شياو بينج باني المعجزة الصينية الحالية في البراجماتية- الوطنية وهي مقولة: «لا يهم لون القط» فتحدد ما إذا كان مناسبا لمصالحها الوطنية أن تبيع نفطها باليوان بدلا من الدولار فتفعل ذلك حتى لو أدى ذلك إلى هز هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي. وتحدد ما إذا كان قبول العرض الصيني الحالي للرياض لبناء المفاعل النووي الذي ترغب فيه السعودية بدون شروط سياسية في مصلحتها أم لا، خاصة أنه بات معروفا أن بناء مثل هذا المفاعل عن طريق الولايات المتحدة تضع له واشنطن شروطا سياسية صعبة.
خطة واشنطن لاستعادة السعودية لمعسكرها تقود إلى التحدي الأكبر الذي يواجه تطلع الرياض إلى لعب دور القائد الإقليمي ولعب دور مؤثر على الساحة الدولية ألا وهو موقفها النهائي من هذه الخطة، التي تقضي بأن يكون التطبيع الشامل بين المملكة السعودية وإسرائيل وقبل حصول الفلسطينيين على دولتهم المستقلة هو المقابل العلني الذي يتوجب على الرياض قبوله للحصول على المفاعل النووي والأسلحة المتقدمة وتعاهدا أمنيا أمريكيا بضمان أمن السعودية في حال واجهت حرب.
ويشمل المقابل لهذه الصفقة أيضا ولكن ضمنيا أن تبتعد السعودية عن الصين ما وسعها اقتصاديا وتقنيا وجيوسياسيا، وتنأى كذلك عن اتفاق التطبيع مع إيران بما يعيد التوتر والاستقطاب الإقليمي متمثلا في حروب الوكالة في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
حتى تكشف الأيام عن نوع الاستجابة السعودية لهذه التحديات سيظل دورها الإقليمي والدولي تحت المجهر وسيظل يقرأه المحللون بطرق متباينة أشد التباين.
حسين عبدالغني إعلامي وكاتب مصري