ما لم نعرفه عن طه حسين
السبت / 17 / محرم / 1445 هـ - 19:02 - السبت 5 أغسطس 2023 19:02
على الرغم من كل ما كُتب عن طه حسين (١٨٨٩-١٩٧٣) من الكُتاب والنقاد ، وما تناولته الدراما عن شخصية هذا المفكر الكبير ، إلا أنني أعتقد أن هذا الرجل لم يستوف حقه من الكتابة بعد ، وخصوصًا فيما يتعلق بالجوانب الشخصية من حياته ، على الرغم من أن بعض كتاباته قد اقتربت كثيرا من سيرته الشخصية ، من قبيل (الأيام ) ١٩٢٩ ، وهي سيرة معبرة عن حياته البائسة ، إلا انه قد ارتفع فوق آلامه ، فقد واجه قدره بكل شجاعة ، بعد أن كف بصره وهو طفل صغير ، لكنه منذ هذه البدايات كان متعطشا إلى المعرفة بعزيمة صلبة ، متحديًا إعاقته ، متمردًا على المسكوت عنه في ثقافتنا الإسلامية والعربية ، لذا خاض حربا ضارية من أساتذته وزملائه ، لدرجة أن حياته كلها كانت بمثابة معارك متواصلة ، لكنه انتصر في كل معاركه الفكرية ، انتصر على الجهل وجمود الفكر ، وتبدو قدرة طه حسين على مواجهة كل التحديات ، وخصوصًا عندما ذهب إلى باريس وهو شاب كفيف البصر لا يعرف الفرنسية ، وقد إجادها بسرعة لفتت إنظار أساتذته ، فضلًا عن إتقانه اللغتين اليونانية واللاتينية.
نشر طه حسين في حياته عشرات المؤلفات ، ومئات الدراسات والمقالات في النقد الأدبي والفكري والفلسفة ، وكتاباته الشهيرة عن الإسلام ، وجميع هذه الأعمال قد قرأها معاصروه ، ومازالت الأجيال اللاحقة تنهل من فيض معارفه ، لكن بقي تراث طه حسين فيما كتبه في الصحافة ، بعيدًا عن أعني الأجيال اللاحقة ، إلى أن تولت دار الكتب المصرية في أوائل هذا القرن ( ٢٠٠٥) ، جمع هذه المقالات من مختلف الصحف عبر ما يزيد عن الستين عامًا ، ونشرت في عدة مجلدات وهي جميعها تتناول مختلف صنوف المعرفة ، فضلًا عن معاركه السياسية والاجتماعية والثقافية التي خاضها بكل اقتدار ، لكن جزءا من تراثه ظل مغمورا ، وهي أوراقه الخاصة التي تتمثل في كثير من الأوراق والمراسلات وتوثيق الكثير من معاركه الفكرية والثقافية ، سواء فيما واجهه من معارك حول كتابه ( الشعر الجاهلي) أو غير ذلك من الموضوعات ، وخصوصًا مراسلاته مع طلابه وأصدقائه ، وقد حرصت أسرة طه حسين في عام ١٩٩٨ ، على إيداع هذه الأوراق بدار الوثائق المصرية ، حينما تفضل السفير محمد حسن الزيات زوج ( أمينة ) كريمة طه حسين بتسليم هذه الوثائق إلى الدار إيمانا من الأسرة بإن تراث هذا المصلح الكبير ليست ملكا لأبنائه ، بقدر ما هي ملك لقرائه ومحبيه .
في عام ٢٠٠٧ ، حينما كنت مسئولا عن هيئة دار الكتب والوثائق المصرية ، أخذنا الإذن من الأسرة بنشر هذه الأوراق التي جاءت في مجلدين من القطع الكبير ، وقد شاركني الدكتور أحمد زكريا في دراسة هذه الأوراق وتحقيقها وفق سياقها الزمني ، منذ أول رسالة ١٩٢٥ ، وحتى بداية الأربعينيات ، وقد حرصنا على أن نذكر أمام كل رسالة اسم مرسلها وتاريخها، ثم أعددنا فهرسا تفصيليا لكل مجلد أوضحنا فيه بيانات كل ورقة أو رسالة. الملاحظ على كل هذه الرسائل والأوراق أنها كانت جميعها تتعلق بالفكر وحرية الرأي والأوضاع الثقافية والاجتماعية التي كان يمر بها المجتمع ، وهي أوضاع كان يشعر بأن ضميره الثقافي يستوجب عليه أن يلاحقها بالكتابة ، إضافة إلى توثيق معاركه السياسية والفكرية.
إمتدت معارك طه حسين إلى كل الأقطار العربية ، وخصوصًا حينما اتهمه خصومه بالمروق عن الإسلام ، ودخل الأزهر طرفا في القضية ، التي وصلت إلى ساحة القضاء تحت ضغط الساسة وشيوخ الأزهر ، وقد مثُل طه حسين للتحقيق أمام النائب العام ، وقد دافع عن نفسه بكل اقتدار ، وفي النهاية أصدر النائب العام ( محمد نور ) حكمًا تاريخيًا ٣٠ مارس ١٩٢٧ ، وقد تضمن الحكم براءة الرجل من كل ما نُسب إليه ، وعلى حد قول النائب العام: لقد سلك طه حسين طريقا جديدا في البحث العلمي حذا فيه حذو العلماء الغربيين ، ولم يكن غرضه الطعن في الدين حيث لم يتوفر القصد الجنائي. لذلك قررت النيابة حفظ القضية إداريًا.
تتناول هذه الأوراق والمراسلات السنوات الأكثر عطاءً في حياته ، وهي الفترة الممتدة من عام ١٩٢٥ إلى عام ١٩٤٠ ، وقد حظيت الجامعة المصرية بالاستقلال وتقدير المجتمع لمكانتها ، حينما نُص في قانونها على احترام الجامعة لأساتذتها وإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن أفكارهم دون قيود ، إلا أن ما تعرض له طه حسين كان مخالفا لقانون الجامعة وتقاليدها منذ نشأتها كجامعة أهلية ١٩٠٨ ، حتى إلحاقها بوزارة المعارف ١٩٢٥ .
تضمنت أوراق طه حسين صورًا مأساوية حينما راح الساسة وكُتاب الصحف وأعضاء البرلمان يتهمون الرجل بالمروق والإلحاد عقب نشر كتابه ( الشعر الجاهلي) ، حتى بعض أصدقائه من صفوة المثقفين والمفكرين راحوا يهاجمون الرجل بكل قسوة ، وهي فترة ربما هي الًثر اضطرابا في حياته ، لكن اللافت للنظر أنها كانت من أكثر الفترات إنتاجًا وكتابة ، ولم تكتف الحكومة ببراءة طه حسين مما نُسب إليه ، بل راحت جهات عديدة تواصل النيل من الرجل ، وخصوصًا حينما طالب شيخ الأزهر وقتئذ بفصل طه حسين ليس من الجامعة فقط بل من أي عمل آخر ، وهو ما حدث بالفعل ( مارس ١٩٣٢) ، وقد احتفظ طه حسين من بين أوراقه الخاصة بملف كامل عن تطور أزمته ، وقد نشرناها في المجلد الأول .
كان طه حسين في كل كتاباته صاحب مشروع ثقافي وفكري ، وقد كشفت هذه الأوراق عن جوانب عميقة من حياة عميد الأدب العربي ذات بُعد إنساني ونبل ورقي في شخصيته ، إضافة إلى تكوينه العلمي والثقافي وعلاقته بتلاميذه ، من خلال مراسالاته معهم. متابعته لبحوثهم ودراساتهم ، خاصة المبتعثون إلى الخارج ، مقترحًا عليهم ما يقرأون من آداب أوروبية ، أو يختارون موضوعات رسائلهم العلمية محفزا لهم على سرعة الانتهاء من دراستهم لكي يعودوا إلى وطنهم ، كما راح يطالب أصدقاءه وطلابه بالبحث عن المكتابات الخاصة المعروضة للبيع ، والسعي لشرائها وضمها إلى مكتبة الجامعة المصرية ، وأعتقد أن هذه الرسائل والأوراق تكشف الجديد عن تاريخ البعثات العلمية إلى أوروبا على نحو ربما لا تحفل به الوثائق الرسمية.
الجدير بالملاحظة إن هذه الأوراق قد احتوت على ملف كبير عن حرية الفكر والبحث العلمي ، التي ضيَّقت عليها السياسة منذ أزمة كتاب ( الشعر الجاهلي) ، فقد احتفظ طه حسين بكل وثائق الأزمة وظروف إبعاده عن الجامعة ، وانتهاء بعزله من الوظيفة ( ١٩٣٢-١٩٣٤ )، وإلى أي حد تدهورت حياته الخاصة ، بعد أن فقد مصدر رزقه ، واضطراره إلى الاقتراض ليتمكن من العيش بعد أن انصرف عنه أصدقاؤه .
أعتقد أن أوراق طه حسين الخاصة ، والتي نُشرت في مجلدين يشكلان إضافة جديدة لم يُكشف النقاب عنها من قبل ، وتعبر عن مواقف صارمة في حياته ، دفع ثمنها غاليًا لكنه انتصر في كل المعارك ، حينما صار فيما بعد عميدًا لكلية الآداب ثم رئيسًا للجامعة ثم وزيرًا للمعارف، وقد أصبح أنموذجا للمفكر والمصلح الكبير ، وقد أغفل التاريخ كل خصومه بينما بقي طه حسين رائدًا كبيرا من رواد التنوير في عالمنا العربي.
نشر طه حسين في حياته عشرات المؤلفات ، ومئات الدراسات والمقالات في النقد الأدبي والفكري والفلسفة ، وكتاباته الشهيرة عن الإسلام ، وجميع هذه الأعمال قد قرأها معاصروه ، ومازالت الأجيال اللاحقة تنهل من فيض معارفه ، لكن بقي تراث طه حسين فيما كتبه في الصحافة ، بعيدًا عن أعني الأجيال اللاحقة ، إلى أن تولت دار الكتب المصرية في أوائل هذا القرن ( ٢٠٠٥) ، جمع هذه المقالات من مختلف الصحف عبر ما يزيد عن الستين عامًا ، ونشرت في عدة مجلدات وهي جميعها تتناول مختلف صنوف المعرفة ، فضلًا عن معاركه السياسية والاجتماعية والثقافية التي خاضها بكل اقتدار ، لكن جزءا من تراثه ظل مغمورا ، وهي أوراقه الخاصة التي تتمثل في كثير من الأوراق والمراسلات وتوثيق الكثير من معاركه الفكرية والثقافية ، سواء فيما واجهه من معارك حول كتابه ( الشعر الجاهلي) أو غير ذلك من الموضوعات ، وخصوصًا مراسلاته مع طلابه وأصدقائه ، وقد حرصت أسرة طه حسين في عام ١٩٩٨ ، على إيداع هذه الأوراق بدار الوثائق المصرية ، حينما تفضل السفير محمد حسن الزيات زوج ( أمينة ) كريمة طه حسين بتسليم هذه الوثائق إلى الدار إيمانا من الأسرة بإن تراث هذا المصلح الكبير ليست ملكا لأبنائه ، بقدر ما هي ملك لقرائه ومحبيه .
في عام ٢٠٠٧ ، حينما كنت مسئولا عن هيئة دار الكتب والوثائق المصرية ، أخذنا الإذن من الأسرة بنشر هذه الأوراق التي جاءت في مجلدين من القطع الكبير ، وقد شاركني الدكتور أحمد زكريا في دراسة هذه الأوراق وتحقيقها وفق سياقها الزمني ، منذ أول رسالة ١٩٢٥ ، وحتى بداية الأربعينيات ، وقد حرصنا على أن نذكر أمام كل رسالة اسم مرسلها وتاريخها، ثم أعددنا فهرسا تفصيليا لكل مجلد أوضحنا فيه بيانات كل ورقة أو رسالة. الملاحظ على كل هذه الرسائل والأوراق أنها كانت جميعها تتعلق بالفكر وحرية الرأي والأوضاع الثقافية والاجتماعية التي كان يمر بها المجتمع ، وهي أوضاع كان يشعر بأن ضميره الثقافي يستوجب عليه أن يلاحقها بالكتابة ، إضافة إلى توثيق معاركه السياسية والفكرية.
إمتدت معارك طه حسين إلى كل الأقطار العربية ، وخصوصًا حينما اتهمه خصومه بالمروق عن الإسلام ، ودخل الأزهر طرفا في القضية ، التي وصلت إلى ساحة القضاء تحت ضغط الساسة وشيوخ الأزهر ، وقد مثُل طه حسين للتحقيق أمام النائب العام ، وقد دافع عن نفسه بكل اقتدار ، وفي النهاية أصدر النائب العام ( محمد نور ) حكمًا تاريخيًا ٣٠ مارس ١٩٢٧ ، وقد تضمن الحكم براءة الرجل من كل ما نُسب إليه ، وعلى حد قول النائب العام: لقد سلك طه حسين طريقا جديدا في البحث العلمي حذا فيه حذو العلماء الغربيين ، ولم يكن غرضه الطعن في الدين حيث لم يتوفر القصد الجنائي. لذلك قررت النيابة حفظ القضية إداريًا.
تتناول هذه الأوراق والمراسلات السنوات الأكثر عطاءً في حياته ، وهي الفترة الممتدة من عام ١٩٢٥ إلى عام ١٩٤٠ ، وقد حظيت الجامعة المصرية بالاستقلال وتقدير المجتمع لمكانتها ، حينما نُص في قانونها على احترام الجامعة لأساتذتها وإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن أفكارهم دون قيود ، إلا أن ما تعرض له طه حسين كان مخالفا لقانون الجامعة وتقاليدها منذ نشأتها كجامعة أهلية ١٩٠٨ ، حتى إلحاقها بوزارة المعارف ١٩٢٥ .
تضمنت أوراق طه حسين صورًا مأساوية حينما راح الساسة وكُتاب الصحف وأعضاء البرلمان يتهمون الرجل بالمروق والإلحاد عقب نشر كتابه ( الشعر الجاهلي) ، حتى بعض أصدقائه من صفوة المثقفين والمفكرين راحوا يهاجمون الرجل بكل قسوة ، وهي فترة ربما هي الًثر اضطرابا في حياته ، لكن اللافت للنظر أنها كانت من أكثر الفترات إنتاجًا وكتابة ، ولم تكتف الحكومة ببراءة طه حسين مما نُسب إليه ، بل راحت جهات عديدة تواصل النيل من الرجل ، وخصوصًا حينما طالب شيخ الأزهر وقتئذ بفصل طه حسين ليس من الجامعة فقط بل من أي عمل آخر ، وهو ما حدث بالفعل ( مارس ١٩٣٢) ، وقد احتفظ طه حسين من بين أوراقه الخاصة بملف كامل عن تطور أزمته ، وقد نشرناها في المجلد الأول .
كان طه حسين في كل كتاباته صاحب مشروع ثقافي وفكري ، وقد كشفت هذه الأوراق عن جوانب عميقة من حياة عميد الأدب العربي ذات بُعد إنساني ونبل ورقي في شخصيته ، إضافة إلى تكوينه العلمي والثقافي وعلاقته بتلاميذه ، من خلال مراسالاته معهم. متابعته لبحوثهم ودراساتهم ، خاصة المبتعثون إلى الخارج ، مقترحًا عليهم ما يقرأون من آداب أوروبية ، أو يختارون موضوعات رسائلهم العلمية محفزا لهم على سرعة الانتهاء من دراستهم لكي يعودوا إلى وطنهم ، كما راح يطالب أصدقاءه وطلابه بالبحث عن المكتابات الخاصة المعروضة للبيع ، والسعي لشرائها وضمها إلى مكتبة الجامعة المصرية ، وأعتقد أن هذه الرسائل والأوراق تكشف الجديد عن تاريخ البعثات العلمية إلى أوروبا على نحو ربما لا تحفل به الوثائق الرسمية.
الجدير بالملاحظة إن هذه الأوراق قد احتوت على ملف كبير عن حرية الفكر والبحث العلمي ، التي ضيَّقت عليها السياسة منذ أزمة كتاب ( الشعر الجاهلي) ، فقد احتفظ طه حسين بكل وثائق الأزمة وظروف إبعاده عن الجامعة ، وانتهاء بعزله من الوظيفة ( ١٩٣٢-١٩٣٤ )، وإلى أي حد تدهورت حياته الخاصة ، بعد أن فقد مصدر رزقه ، واضطراره إلى الاقتراض ليتمكن من العيش بعد أن انصرف عنه أصدقاؤه .
أعتقد أن أوراق طه حسين الخاصة ، والتي نُشرت في مجلدين يشكلان إضافة جديدة لم يُكشف النقاب عنها من قبل ، وتعبر عن مواقف صارمة في حياته ، دفع ثمنها غاليًا لكنه انتصر في كل المعارك ، حينما صار فيما بعد عميدًا لكلية الآداب ثم رئيسًا للجامعة ثم وزيرًا للمعارف، وقد أصبح أنموذجا للمفكر والمصلح الكبير ، وقد أغفل التاريخ كل خصومه بينما بقي طه حسين رائدًا كبيرا من رواد التنوير في عالمنا العربي.