عمان العلمي

صعود الآلات

 
ترجمة: أحمد شافعي -

لو أننا أخذنا تأكيدات الرؤساء التنفيذيين لشركات التكنولوجيا المرموقة على علاتها، فقد تكون البشرية معرضة لخطر الانقراض إذا ما ترك الحبل للذكاء الاصطناعي على الغارب. فلقد أظهرت النماذج اللغوية الكبيرة كتلك التي تقوم بتشغيل (تشات جي بي تي) أولى شرارات الذكاء حسبما يقولون وقد تفضي إلى هرمجدون (ولو أن التفاصيل الدقيقة لكيفية حدوث ذلك لم تتضح بعد). لقد وجدت نفسي قبل أسابيع قليلة في واقع ذكاء اصطناعي بديل، بلا أدنى إشارة إلى انقراض الإنسانية أو تشبيهات بحرب نووية، وذلك حينما حضرت أضخم قمة عالمية للروبوتات في مؤتمر (آي إي إي إي IEEE) الدولي للروبوتات والأتمتة في لندن.

كان أمرا باعثا على الارتياح أن نرى كيف يجري تطبيق الذكاء الاصطناعي في مجال مختلف تمام الاختلاف، برغم وجود مشكلات ومخاطر مجتمعية مع الروبوتات الذكية أيضا. فكيف تتكيف الروبوتات وتتعلم في العالم الواقعي دون أن يتعرض الناس للخطر؟ ولماذا يمثل التواصل بين أساطيل الروبوتات مشكلة صعبة وتنطوي على خطورة محتملة؟ إن هذه المنطقة من بحوث الذكاء الاصطناعي لا تلقى القدر المستحق من الضوء قياسا إلى الأثر الهائل الذي قد يكون لها على المستقبل.

لو أنكم شاهدتم روبوتات التواصل الاجتماعي، من قبيل روبوت أطلس البهلواني من بوسطن ديناميكس وهو ينقلب من منصة أو روبوت أميكا المخيف في الحوار الذي أجراه معه برنامج هذا الصباح، فلربما ظننتم أن الروبوتات تبدو بالفعل قادرة تماما، لولا أن الأمر يكتنفه شيء من الضباب. إذ تم تدريب هذه الروبوتات على أداء نطاق ضيق من المهام في بيئات مهيكلة. في حين أنني عندما أذهب إلى متجر وأرى أن البيض نفد عندهم، يمكنني أن أعدل من نفسي وأحاول العثور على البيض في متجر آخر، أما الروبوت فلا يستطيع بعد أن يفعل مثل ذلك.

ومثلما قالت تشيلسي فين من جامعة ستانفورد في كاليفورنيا لحشد الحاضرين في المؤتمر الدولي للروبوتات والأتمتة فإن ما نحن بحاجة إليه هو روبوتات قادرة على التكيف مع عدد يكاد يكون لا نهائيا من السيناريوهات التي قد تواجهها. وقالت إنه «بدلا من برمجة الروبوتات أو تدريبها وتوظيف سياسة ثابتة، ربما نجعل الروبوتات تتكيف مع ما تواجهه في حينه خلال وجودها في العالم الواقعي».

والتكيف وامتلاك القدرة على التعلم يمثلان نطاقا شاسعا من البحث الروبوتي وها نحن نشرع في رؤية أولى ثمار النجاحات في سيناريوهات العالم الواقعي.

في وقت سابق من العام الحالي، كتبت عن مشروع لفريق روبوتات جوجول الذي شهد تعليم الروبوتات فرز القمامة إلى ما هو قابل للتدوير أو السماد أو النفاية. تم تعليم ذلك الأسطول من الروبوتات باستخدام التعلم المعزز، حيث يتم عرض نتيجة ناجحة على روبوت ثم يترك ليكتشف طريقة لتحقيق هذه النتيجة من خلال التجربة والخطأ باستعمال نظام التغذية العكسية. وبعد دروس في فصول الروبوتات والتجول بين سلال قمامة مكاتب جوجول المتخمة لمدة عامين، أصبح بوسع الروبوتات أن تفرز القمامة بدرجة دقة تبلغ أربعة وثمانين بالمائة.

السمة المثيرة حقا للاهتمام في هذا الأسطول الروبوتي أنه في حال تعلم روبوت واحد فإن جميع الروبوتات تتعلم. وعلى الرغم من أن الروبوتات معزولة في أجسادها المادية، فإنها تشترك جميعا في نموذج واحد لكيفية فرز محتويات سلة قمامة. وهذا الذكاء المشترك، أو الجمعي، مجال بحثي آخر مزدهر وملائم للروبوتات. وفي حين أن البشر يعتمدون على أشكال عديدة من الذكاء الجمعي، فإننا محدودون بحدود سرعتنا في التواصل. في حين أن الروبوتات قادرة على إرسال رسائل بسرعة الضوء بين بعضها بعضا.

قالت أماندا بروروك من جامعة كمبريدج لجمهور الحاضرين في المؤتمر الدولي للروبوتات والأتمتة «إننا في وقت تصبح فيه الروبوتات أكثر انتشارا، وتوزيعا، واتصالا». فمجموعات الروبوتات القادرة على التواصل منتشرة في كل مكان: في السيارات بلا سائقين، وسيارات المستودعات المستقلة ذاتيا، وأسراب الطائرات المسيرة. أما أن تقوم الروبوتات الفردية باستعمال البيانات التي تجمعها ثم تنقلها إلى بعضها بعضا بذكاء فمسألة صعبة. ذلك أنه من الممكن أن تتكاثر الأخطاء والشكوك بسرعة وتخرج عن السيطرة، والعالم الواقعي الصاخب مليء بمثل هذه الأخطاء.

أوضحت بروروك كيف أن مشكلة بسيطة ـ من قبيل ضمان عدم إزعاج مسارات جوية لقليل من الطائرات المسيرة بهبات الرياح الناجمة عن حركة بعضها بعضا ـ قد تستوجب ذكاء اصطناعيا معقدا ومتطورا. وأن رفع هذه النوعية من المشكلات إلى أنظمة أكبر سوف يقتضي الكثير من العمل، والسلبيات الناجمة عن الخطأ فيها قد تكون هائلة. فلو أن أحدكم يقود سيارته وانتهى الأمر بها وهي محصورة بين سيارتين بلا سائقين، فقد يكون منطقيا أن تتواصل هاتان السيارتان حول ما يجري، لكن هذا التواصل يجب أن يكون منصفا ويجتنب تعريضك أنت للخطر.

على الرغم من هذه المزالق المحتملة، لم أملك إلا أن أشعر بالإثارة حيال هذا المستقبل الذي عرضه المؤتمر الدولي للروبوتات والأتمتة. يحتمل أن يفشل الكثير من هذا كله، فالسيارات المؤتمتة بالكامل قريبة منا منذ أكثر من عقد، ويحتمل أن يهوي كثير من هذا إلى الدستوبيا، مثلما رأينا في حرب الطائرات المسيرة في أوكرانيا. ولكنني ابتهجت بما رأيته من قوة عقلية وموارد تنصب انصبابا من أجل تحقيق هذه الوعود الروبوتية الإيجابية.

خدمة تربيون عن مجلة «New Scientist»