عمان العلمي

الطباعة ثلاثية الأبعاد.. طفرة التكنولوجيا الجديدة

 
كثيرا ما نسمع عن تقنيات الثورة الصناعة الرابعة، وتقنيات التصنيع أو بتعبير آخر الطباعة ثلاثية الأبعاد، فما هي هذه التقنية؟ وكيف بدأت؟ ومتى؟ وما أهميتها ومستقبلها؟ ولماذا تحوز كل هذه الاهتمام؟ الطباعة ثلاثية الأبعاد هي تقنية تصنيع تعمل على صنع المجسمات بمختلف المواد مثل البلاستيك، والمعادن، والخرسانة الإسمنتية وغيرها، عن طريق «إضافة» مجموعة من «الطبقات» فوق بعضها البعض حتى يتم تشكيل المنتج المطلوب. وهو مبدأ معاكس لتقنيات التصنيع التقليدية التي تعتمد على حفر المادة حتى يتم تشكيل المنتج المطلوب.

بداية وتطور التقنية:

بدأت الطباعة ثلاثية الأبعاد في العقود الأخيرة من القرن الماضي ولكن كانت تقنية مكلفة جدا ومحصورة على عدد بسيط من الجامعات والمراكز البحثية والجهات العسكرية، وفي الألفية الجديدة شهدت طفرة كبيرة من التطور، حيث أصبحت التقنية أسرع بشكل كبير، وأكثر دقة، وبتكلفة أقل بكثير مما كانت عليه الأمر الذي جعلها متاحة لعامة الناس. فعلى سبيل المثال صار بإمكان كل مدرسة في العالم أن تمتلك طابعة ثلاثية الأبعاد خاصة بها، والأمر نفسه ينطبق على الجامعات والأفراد ممن يمكنهم استخدام هذه التقنية لصناعة أعداد لا محدودة من المنتجات مثل المشاريع الهندسية، والابتكارات، وقطع الغيار، والأكسسوارات، والمنتجات البلاستيكية، والقوالب وغيرها. وهنا تأتي إحدى أهم مميزات تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، وهي قدرتها على تصنيع أشكال معقدة جدا، خلال مدة زمنية قصيرة نسبيا تمتد لساعات وربما أيام، دون الحاجة إلى خبرة عالية في التصنيع أو إلى تكاليف عالية. كل ما يحتاج إليه المستخدم هو إمكانية تصميم تصاميم ثلاثية الأبعاد بأحد البرامج الحاسوبية، ومن ثم يقوم بنقل الملف إلى الطابعة ثلاثية الأبعاد للبدء في عملية التصنيع.

برامج التصميم ثلاثية الأبعاد

برامج التصميم ثلاثية الأبعاد هي الأخرى شهدت نقلة كبيرة جدا من حيث سهولة الاستخدام، وتوفرها، وانخفاض تكاليفها، حيث كانت سابقا تكلف عشرات الآلاف من الريالات، وتحتاج لأجهزة حواسيب بمواصفات عالية جدا، كما كانت معقدة جدا ولا يقدر على استخدامها إلا المحترفون والمختصون، بينما أصبحت الآن سهلة الاستخدام وبإمكان حتى طلاب المدارس في المراحل المتوسطة أن يبدأوا في استخدامها، وصارت هناك برامج تصميم ثلاثية الأبعاد بشكل مجاني بالكامل، مثل برنامج «بلندر» الذي ينتشر بسرعة كبيرة لسهولة استخدامه ولأنه مجاني بالكامل.

أما بالنسبة لمن لا يملكون مهارة التصميم ثلاثي الأبعاد، فقد ظهرت عدة مواقع متخصصة توفر آلاف التصاميم ثلاثية الأبعاد مفتوحة المصدر والتي يمكن لأي شخص استخدامها بشكل مجاني بالكامل، ما يعني أن استخدام الطابعة ثلاثية الأبعاد صار أسهل من أي وقت مضى.

مجالات الطباعة ثلاثية الأبعاد

تخدم الطباعة ثلاثية الأبعاد العديد من القطاعات، من أهمها:

صناعة قطع الغيار: وهو أحد أكبر الأسواق للطباعة ثلاثية الأبعاد، بحيث صار بالإمكان طباعة قطع الغيار للمعدات والسيارات وحتى الطائرات ومركبات الفضاء بشكل سريع وتكلفة أقل، بدلا من انتظار الشحن من دولة مختلفة أو عدم توفر قطع الغيار أصلا في كثير من الأحيان.

القطاع الطبي: نجح الأطباء في عدد من الدول في طباعة أجزاء تم استخدامها كبديل لأعضاء بشرية، من ضمنها عملية جراحية تم تنفيذها في سلطنة عمان لمريض تم استبدال جزء مصاب من مقدمة جمجمته بجزء آخر تم طباعته بطابعة ثلاثية أبعاد، وفي دول أخرى تم طباعة أعضاء أخرى مثل أجزاء من الجلد والعظام وغيرها.

البناء: وهو أحد أهم القطاعات الواعدة للطباعة ثلاثية الأبعاد، لأنه يحل العديد من المشاكل في قطاع البناء مثل العدد الكبير من القوى العاملة غير الماهرة المطلوبة للعمل، والتكاليف العالية للبناء، وبطء عملية البناء، وأخطاء البناء من المقاولين، والتأثير البيئي السلبي للبناء من حيث كثرة مخلفات البناء وصعوبة التعامل معها. تمكن تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد من توفير بديل مناسب، فعلى سبيل المثال قام عدد من الشركات ببناء منازل بأكملها باستخدام طابعة ثلاثية الأبعاد بالأسمنت، وتم تقليل عدد العمال المطلوبين إلى أقل من النصف، وتضاعفت سرعة البناء عدة مرات، كما أن التكلفة الكلية للمبنى كانت أقل بكثير مقارنة بما لو تم البناء بالطرق التقليدية. أما من حيث المخلفات، فالطباعة ثلاثية الأبعاد تقنية عالية الكفاءة وتوفر الكثير من ناحية المواد المهدرة في كل الصناعات، كونها تقنية تقوم على ضخ المادة المطلوبة في المكان المطلوب دون أي إهدار للمواد تقريبا.

الصناعات الغذائية: شهدنا في الفترة الأخيرة قيام عدة جهات باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في مجال الأغذية، مثل أحد المصانع الذي طور طابعة ثلاثية الأبعاد تقوم بطباعة الحلويات والشوكولا بأي شكل يطلبه الزبون، وشركة ناشئة قامت بتطوير طابعة تقوم بطباعة اللحم والشحم لتشكيل شريحة لحم كتلك التي تستخدم في المطاعم الراقية التي يتم استخدامها في أطعمة المشاوي والتي تكون بنسبة معينة من الدهن واللحم كما يفضلها الكثيرون.

مستقبل الطباعة ثلاثية الأبعاد

من المؤكد أن هذه التقنية باستخداماتها المتعددة في عدة قطاعات، وبالفوائد الكبيرة التي تقدمها من توفير في التكلفة والوقت وزيادة الجودة، ستكون حجر أساس لصناعات المستقبل، ما يعني أهمية أن نؤهل الأجيال القادمة لاستخدام وتطوير هذه التقنية، حيث تتسابق دول العالم لإدخال هذه التقنية في المناهج لتجهيز الأجيال القادمة للإبداع فيها.

وفي سلطنة عمان أعلنت وزارة التربية والتعليم عن دخول تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد بشكل رسمي في مناهج الصف العاشر، إضافة إلى خطة طويلة المدى لتدريس هذه التقنية بشكل عملي لمختلف المراحل الدراسية.

حجم سوق الطباعة ثلاثية الأبعاد

تعتبر الطباعة ثلاثية الأبعاد من أسرع الصناعات تطورا ونموا حيث نما حجم السوق من 17 مليار دولار عام 2022 إلى 98 مليار دولار لعام 2023 وهي نسبة نمو هائلة خلال سنة واحدة.

أما سوق الطباعة ثلاثية الأبعاد في البناء فيتوقع أن ينمو من 360 مليون دولار عام 2021 إلى 253 مليار دولار لعام 2030 في نقلة كبيرة جدا خلال أقل من عشر سنوات.

م. عثمان بن مكتوم المنذري، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة إنوتك