افشل مرة أخرى.. افشل بشكل أفضل
الثلاثاء / 23 / ذو القعدة / 1444 هـ - 22:06 - الثلاثاء 13 يونيو 2023 22:06
عندما نقرأ عن قصص نجاح شركات التكنولوجيا الناشئة في وادي السيليكون؛ يتبادر للذهن أن ملهمي هؤلاء الرواد الناجحين هو أحد التقنيين من ذوي العقلية التجارية الفذة، أو أحد رجال الأعمال من ذوي المعرفة التكنولوجية المتوقدة، لكن الحقيقة هي أن أبرز الملهمين كان الروائي والمسرحي والشاعر الإيرلندي صموئيل باركلي بيكيت، معظم المتحدثين من رواد الأعمال الناجحين مغرمون باقتباس جملته الشهيرة التي تحولت إلى تعويذة النجاح وهي: «هل سبق وحاولت في أي وقت مضى وفشلت؟ لا يهم! حاول مرة أخرى، افشل مرة أخرى، افشل بشكل أفضل.» والسؤال هنا: هل نحن نتعلم دروسا قيمة من إخفاقاتنا، أم أننا نقع في الأخطاء نفسها بصورة لا متناهية؟ في البدء دعونا نقترب من أقوال الروائي صموئيل بيكيت، إن هذه الاقتباسات التي ألهمت رواد الأعمال القائمة على التكنولوجيا في وادي السيلكون، وفي كل مكان في العالم، ما هي سوى انعكاسات شخصية لظروف الكاتب نفسه، وخلاصه تجربته الذاتية، وهي تمثل الحكمة الناتجة عن صراع واقعي، فقد واجه صموئيل صعوبات كثيرة في بداياته الأدبية، لم يجد دار نشر تقبل بطباعة روايته الأولى، ولم يؤمن بموهبته سوى عدد قليل من أهله وأصدقائه، في المقابل هو لم يترك المحاولة، واصل الكتابة ليكتشف مواهبه وإمكانياته الأدبية الأخرى بجانب الرواية، فكتب مسرحيات، ومجموعة قصصية قصيرة، وديوان شعر، ثم حققت روايته الثانية نجاحا باهرا، وتغيرت المعادلة بالكامل، ودخل إلى هالة الشهرة والانتشار، وأجمع النقاد والمفكرون بأنه واحد من أعظم أساتذة الأدب الكلاسيكي في القرن العشرين، وهذا الكفاح الشخصي هو الذي جعل من مقولة «افشل بشكل أفضل» منبع الإلهام لدى الشركات التكنولوجية التي هي بالأساس بعيدة كل البعد عن الكلمات الشاعرية، ولكن فحوى هذه المقولة تتواءم بشكل كامل مع طبيعة شركات التكنولوجيا التي تواجه مخاطر واحتمالات عالية من الفشل، وتتطلب الكثير من مهارات الوعي الذاتي، والتحفيز الداخلي، وعدم الاستسلام السريع للفشل.
خلال العقدين الماضيين، زخرت أدبيات التطوير والتحفيز بالكثير من الدراسات والبحوث التي أدخلت مفهوم «الفشل إلى الأمام» في عمق استراتيجيات التعامل مع الإخفاقات والتحديات للأفراد والمؤسسات على حدٍ سواء، وهذا المفهوم غير المألوف يعني التأكد من عدم تكرار الأخطاء نفسها؛ هذا من جهة، ومن جهة أخرى ضمان التعلم من الأخطاء بشكل مدرك وواع من أجل تحسين الأداء المستقبلي، مما يجعل من الأخطاء المحتملة الحدوث في المستقبل أفضل من سابقاتها من حيث الشدة والتأثير، ويسمح بظهور فرص للتطور والبقاء في عالم الأعمال، لأن نسبة كبيرة من الإخفاقات التي تقع فيها الشركات الريادية ليست هيكلية من الداخل، وإنما هي تحدث نتيجة قلة الخبرة العملية في توقع وإدارة المخاطر في بيئة العمل، وهنا يكمن سر نجاح الشركات التي قاومت إخفاقاتها بمواصلة المحاولات مع التعلم من التحديات.
وهذا يقودنا إلى السؤال التالي وهو: ما أفضل الطرق للتعلم من الإخفاقات في حياتنا المهنية والشخصية، وهل هي عملية سهلة التحقيق؟ لا بد أن نسلم بحقيقة أن الوقوع في دوامة تكرار الخطأ نفسه أسهل بكثير من تبني مسارات التعلم وإعادة المحاولة، كما أن الوعي بأن كل محاولة فاشلة تحمل في عمقها بذور النجاح في المستقبل يراه الكثيرون ضربا من المثالية، وهذا ما يدفع الكثيرين للتوقف عن إعادة المحاولة، لا سيما في العالم الديناميكي والسريع لبيئة الشركات الناشئة والمثقلة بالأعباء المالية والإدارية، وهي في مواجهة احتمالات عالية للخروج من المنافسة والخسارة، ولكن لو تأملنا التجارب المشهورة سيتضح بأن مسارات التعلم ليست موحدة، وهي غالبا ما تكون غير بديهية، وتكتسب خصوصية مميزة في كل حالة من الحالات، ولكنّ هناك قاسما مشتركا لجميع هذه المسارات وهي مشاركة التجربة بشفافية، حيث إن كل تجربة تحمل عمقا ليس من السهل معرفته إلا بتقديمه للآخرين بصورة نموذج كامل، وبذلك يمكن للأطراف الأخرى قراءة نقاط الخطر التي أدت للإخفاق، فالمعنيون بالحالة لا يمكنهم رؤية الصورة الكاملة وهم في خضم التجربة.
تشير مخرجات بحوث علم النفس السلوكي إلى أنه حين يقوم شخص بتقديم النصح والمشورة لشخص آخر يواجه تحديات كان قد واجهها في السابق، فإن احتمالات عدم عودته لتكرار الخطأ تقل بشكل تدريجي، كما أنها تعزز احتمالات نجاحه في المستقبل، لأن المحفز الجوهري لمشاركة التجربة هنا هو المساهمة في توجيه مسارات العمل أو الحياة لدى الآخرين بعيدا عن مكامن الفشل المتحقق، وهو ما يعني تثمين الكفاءة الذاتية للمعرفة لدى صاحب التجربة، والتمتع بالشعور بقيمة المعرفة الضمنية التي يحملها من خوض تجربة فاشلة في الماضي، وكسر الحاجز العقلي والاعتقاد السائد بأن مشاركة الإخفاقات لا تؤدي سوى للوم والانتقاد، لأن الفشل أو الإخفاق المهني أو الشخصي هو في أبسط معانيه عدم الوصول إلى الهدف المحدد، بسبب عوامل غير مواتية وكذلك غير متوقعة، ومعظم حالات الفشل يمكن تلافيها بتشخيص العوامل الدافعة لحدوثها، ولكن هناك فشل لا مفر منه حتى مع الحذر الشديد.
وبالعودة لهذه المنطلقات يمكن التعاطي مع الإخفاق بمنظور مختلف، لأن التسليم بأن الفشل جزء لا مفر منه في الحياة وفي العمل، يصنع الحاجة لتطوير المعرفة اللازمة لمواجهة هذه الحالة وتحويلها كمحفز لتحقيق الأهداف وليس سببا للتراجع، على غرار المقولة الشهيرة في عالم ريادة الأعمال وهي: «إذا لم تفشل أبدا، فمن المحتمل أنك تضع أهدافا غير طموحة»، كما أن السائد في مختلف التجارب الريادية هو ميل الناس إلى التخلي عن أحلامهم قبل الأوان، وهذا ما دفع الباحثين للتركيز في محاولة لفهم سبب حالات الاستسلام المبكر التي تحدث لدى رواد الأعمال الناشئين، على الرغم من أن أسباب التعثر تكون واضحة، وكل ما يتطلبه الموقف هو التحلي بالصبر، والإصرار على المحاولة، إذ تشير دراسة مشهورة في علم نفس الفشل من جامعة بنسلفانيا إلى أن سبب التراجع عن إعادة المحاولة يعود إلى رغبة الأشخاص أو الشركات في المحافظة على سمعتها ككيانات قادرة وكفؤة، لذلك عندما تشير التعليقات الخارجية إلى خلاف ذلك، فإنها تشكل تهديدا خطيرا لتلك الصورة الذاتية، وعليه فإن أسهل طريقة للخروج هي رفض الإشارة الخارجية للتجربة الفاشلة، أو تفسيرها بعيدا عن المعطيات الواقعية، وتجنب تكرارها بتجنب المحاولة مرة أخرى، وذلك لتقليل التناقض، والحفاظ على الشعور الإيجابي بالذات.
تركز الكثير من أبحاث وتجارب علم سلوك الفشل على اختبار مختلف سلوكيات وأنماط التعامل مع الإخفاقات والتي أطلق عليها مصطلح «لعبة مواجهة الفشل»، تسعى هذه الجهود لكشف الستار عن الاستراتيجيات العميقة للتغلب على الحواجز العاطفية التي تحفز الانسحاب والتخلي عن تحقيق الأهداف، لأن صناعة النجاح من بعد الإخفاقات المتتالية لا يعد تحديا بحد ذاته، ولكن الخروج من حالة النأي بالنفس، ومعالجة خيبة الأمل بشكل أكثر موضوعية، ومواجهة الواقع بكل تبعاته هو جوهر القضية، وحسب تحليل الباحثين فإن استراتيجيات مواجهة الفشل لا تعتمد على آليات معقدة، على العكس تماما فهي لا تتجاوز وضع الحوافز النفسية الصغيرة، والتدخلات غير المباشرة، التي تساعد على بناء الثقة في جدوى مواجهة الفشل.
يُعد التعامل البنَّاء مع الفشل من أهم المهارات التي يجب تعزيزها في ريادة الأعمال وفي الحياة على وجه العموم، وهي مهارة ثمينة، وتتطلب الكثير من الاستثمار في الوقت، والجدية في جمع المعرفة وتوظيفها، والإيمان بحكمة الآخرين، وقيمة خبراتهم وتجاربهم، والمثابرة في تحقيق الأهداف في أوقات النجاح والإخفاق، مع الإدراك الواعي بالفرق الكبير بين الطموحات ومسارات تحقيقها، فالفشل لا يعني التخلي عن الطموح، وإنما هو مؤشر لإعادة رسم المسارات، وكذلك إعادة شحن هذه الطموحات بمدخلات جديدة قادرة على تسريع الوصول للأهداف.
خلال العقدين الماضيين، زخرت أدبيات التطوير والتحفيز بالكثير من الدراسات والبحوث التي أدخلت مفهوم «الفشل إلى الأمام» في عمق استراتيجيات التعامل مع الإخفاقات والتحديات للأفراد والمؤسسات على حدٍ سواء، وهذا المفهوم غير المألوف يعني التأكد من عدم تكرار الأخطاء نفسها؛ هذا من جهة، ومن جهة أخرى ضمان التعلم من الأخطاء بشكل مدرك وواع من أجل تحسين الأداء المستقبلي، مما يجعل من الأخطاء المحتملة الحدوث في المستقبل أفضل من سابقاتها من حيث الشدة والتأثير، ويسمح بظهور فرص للتطور والبقاء في عالم الأعمال، لأن نسبة كبيرة من الإخفاقات التي تقع فيها الشركات الريادية ليست هيكلية من الداخل، وإنما هي تحدث نتيجة قلة الخبرة العملية في توقع وإدارة المخاطر في بيئة العمل، وهنا يكمن سر نجاح الشركات التي قاومت إخفاقاتها بمواصلة المحاولات مع التعلم من التحديات.
وهذا يقودنا إلى السؤال التالي وهو: ما أفضل الطرق للتعلم من الإخفاقات في حياتنا المهنية والشخصية، وهل هي عملية سهلة التحقيق؟ لا بد أن نسلم بحقيقة أن الوقوع في دوامة تكرار الخطأ نفسه أسهل بكثير من تبني مسارات التعلم وإعادة المحاولة، كما أن الوعي بأن كل محاولة فاشلة تحمل في عمقها بذور النجاح في المستقبل يراه الكثيرون ضربا من المثالية، وهذا ما يدفع الكثيرين للتوقف عن إعادة المحاولة، لا سيما في العالم الديناميكي والسريع لبيئة الشركات الناشئة والمثقلة بالأعباء المالية والإدارية، وهي في مواجهة احتمالات عالية للخروج من المنافسة والخسارة، ولكن لو تأملنا التجارب المشهورة سيتضح بأن مسارات التعلم ليست موحدة، وهي غالبا ما تكون غير بديهية، وتكتسب خصوصية مميزة في كل حالة من الحالات، ولكنّ هناك قاسما مشتركا لجميع هذه المسارات وهي مشاركة التجربة بشفافية، حيث إن كل تجربة تحمل عمقا ليس من السهل معرفته إلا بتقديمه للآخرين بصورة نموذج كامل، وبذلك يمكن للأطراف الأخرى قراءة نقاط الخطر التي أدت للإخفاق، فالمعنيون بالحالة لا يمكنهم رؤية الصورة الكاملة وهم في خضم التجربة.
تشير مخرجات بحوث علم النفس السلوكي إلى أنه حين يقوم شخص بتقديم النصح والمشورة لشخص آخر يواجه تحديات كان قد واجهها في السابق، فإن احتمالات عدم عودته لتكرار الخطأ تقل بشكل تدريجي، كما أنها تعزز احتمالات نجاحه في المستقبل، لأن المحفز الجوهري لمشاركة التجربة هنا هو المساهمة في توجيه مسارات العمل أو الحياة لدى الآخرين بعيدا عن مكامن الفشل المتحقق، وهو ما يعني تثمين الكفاءة الذاتية للمعرفة لدى صاحب التجربة، والتمتع بالشعور بقيمة المعرفة الضمنية التي يحملها من خوض تجربة فاشلة في الماضي، وكسر الحاجز العقلي والاعتقاد السائد بأن مشاركة الإخفاقات لا تؤدي سوى للوم والانتقاد، لأن الفشل أو الإخفاق المهني أو الشخصي هو في أبسط معانيه عدم الوصول إلى الهدف المحدد، بسبب عوامل غير مواتية وكذلك غير متوقعة، ومعظم حالات الفشل يمكن تلافيها بتشخيص العوامل الدافعة لحدوثها، ولكن هناك فشل لا مفر منه حتى مع الحذر الشديد.
وبالعودة لهذه المنطلقات يمكن التعاطي مع الإخفاق بمنظور مختلف، لأن التسليم بأن الفشل جزء لا مفر منه في الحياة وفي العمل، يصنع الحاجة لتطوير المعرفة اللازمة لمواجهة هذه الحالة وتحويلها كمحفز لتحقيق الأهداف وليس سببا للتراجع، على غرار المقولة الشهيرة في عالم ريادة الأعمال وهي: «إذا لم تفشل أبدا، فمن المحتمل أنك تضع أهدافا غير طموحة»، كما أن السائد في مختلف التجارب الريادية هو ميل الناس إلى التخلي عن أحلامهم قبل الأوان، وهذا ما دفع الباحثين للتركيز في محاولة لفهم سبب حالات الاستسلام المبكر التي تحدث لدى رواد الأعمال الناشئين، على الرغم من أن أسباب التعثر تكون واضحة، وكل ما يتطلبه الموقف هو التحلي بالصبر، والإصرار على المحاولة، إذ تشير دراسة مشهورة في علم نفس الفشل من جامعة بنسلفانيا إلى أن سبب التراجع عن إعادة المحاولة يعود إلى رغبة الأشخاص أو الشركات في المحافظة على سمعتها ككيانات قادرة وكفؤة، لذلك عندما تشير التعليقات الخارجية إلى خلاف ذلك، فإنها تشكل تهديدا خطيرا لتلك الصورة الذاتية، وعليه فإن أسهل طريقة للخروج هي رفض الإشارة الخارجية للتجربة الفاشلة، أو تفسيرها بعيدا عن المعطيات الواقعية، وتجنب تكرارها بتجنب المحاولة مرة أخرى، وذلك لتقليل التناقض، والحفاظ على الشعور الإيجابي بالذات.
تركز الكثير من أبحاث وتجارب علم سلوك الفشل على اختبار مختلف سلوكيات وأنماط التعامل مع الإخفاقات والتي أطلق عليها مصطلح «لعبة مواجهة الفشل»، تسعى هذه الجهود لكشف الستار عن الاستراتيجيات العميقة للتغلب على الحواجز العاطفية التي تحفز الانسحاب والتخلي عن تحقيق الأهداف، لأن صناعة النجاح من بعد الإخفاقات المتتالية لا يعد تحديا بحد ذاته، ولكن الخروج من حالة النأي بالنفس، ومعالجة خيبة الأمل بشكل أكثر موضوعية، ومواجهة الواقع بكل تبعاته هو جوهر القضية، وحسب تحليل الباحثين فإن استراتيجيات مواجهة الفشل لا تعتمد على آليات معقدة، على العكس تماما فهي لا تتجاوز وضع الحوافز النفسية الصغيرة، والتدخلات غير المباشرة، التي تساعد على بناء الثقة في جدوى مواجهة الفشل.
يُعد التعامل البنَّاء مع الفشل من أهم المهارات التي يجب تعزيزها في ريادة الأعمال وفي الحياة على وجه العموم، وهي مهارة ثمينة، وتتطلب الكثير من الاستثمار في الوقت، والجدية في جمع المعرفة وتوظيفها، والإيمان بحكمة الآخرين، وقيمة خبراتهم وتجاربهم، والمثابرة في تحقيق الأهداف في أوقات النجاح والإخفاق، مع الإدراك الواعي بالفرق الكبير بين الطموحات ومسارات تحقيقها، فالفشل لا يعني التخلي عن الطموح، وإنما هو مؤشر لإعادة رسم المسارات، وكذلك إعادة شحن هذه الطموحات بمدخلات جديدة قادرة على تسريع الوصول للأهداف.