أعمدة

نوافذ: نحنُ مجرد صدى لجوائز خارجية !

 
يتلاحقُ الفوز العُماني بصورة مطردة في مجالات مختلفة -ولعلي أخص هنا فوز الكِتابة على وجه التحديد- فيفتحُ البعضُ عينيه بدهشة قائلا: «لم نكن نعرفكم من قبل، وها أنتم الآن على الخارطة الثقافية العربية!»، الأمر الذي يجعلنا أمام جملة صادمة تتردد في دواخلنا بعنف: «هل نحن مجرد صدى لجوائز عالمية وعربية، تُختطفُ من هنا وهناك؟ وهل نحنُ دونها غير موجودين أصلا؟

لا ينتبه ربما -إلا قلة قليلة- إلى أنّ ما يظهر الآن على السطح - جرّاء الجوائز- هو حصيلة اشتغالات مُضنية ومتواصلة من العمل الدؤوب الذي بقي لسنوات طويلة في الظل والعزلة!

قد يأتي صوت آخر ليقول لنا: «توقفوا عن جلد الذات إنّ عدم معرفة الآخر بكم أو عدم شعوره باستحقاق التجربة العُمانية، نابع من ضعف متابعته وبحثه وذلك شأنه»، لكن الأمر يغدو أكثر «شيزوفرينيا» عندما يكون الداخل المحلي -بمؤسساته وأفراده- هو الآخر مجرد ردة فعل لصدى الجوائز التي تأتي من الخارج! إذ يصحو من نومه تحت تأثير الضجيج القادم من الخارج، ليبحث عن هذا الكتاب أو لكي يصفق للكاتب.

وفي الغالب الأعم سيكون هذا الكتاب غير متوفر -فرغم الفرق الذي أحدثته المكتبات الخاصة في السنوات الأخيرة في عُمان- إلا أنّه ليس علينا أن نتفاجأ عندما نتعثر بكلمة: «نفد» الكتاب، دون أن ندرك من يُحدد قيمة الأشياء؟ من يحدد وفرتها أو انعدامها؟

والسؤال: كيف يمكن أن نصنع قيمة الأدب والبحث، في بلد لا توجد فيه حتى الآن جائزة الدولة التشجيعية في كافة المجالات الكتابية والبحثية، جائزة محلية يتم عبرها تسويق الكُتاب الجيدين من الداخل العُماني، قبل أن يتم اكتشافهم في الخارج!

يمضي هذا الغياب مع غياب المشروع المؤسسي الكبير الذي ينبغي أن تنمو تحت مظلته الكتابة على أصعدة متنوعة تتماس مع كافة الأشكال الأدبية والمعرفية الجادة.

ولعلنا -في هذه الآونة- نتفاءل بمجمع عُمان الثقافي المُنتظر، ونأمل أن يُحدث فرقا ملموسا في الرؤى والطموحات.

لنترك ما قبل الفوز -رغم أهميته الجادة- ولنتحدث الآن كيف يمكن أن يُستثمر هذا «الفوز» عندما يأتي من الخارج، كيف يمكن أن يُرى وأن يُحس وأن يُعاش محليا! وأن يُحتفى به ! فكما يبدو، نحنُ سريعا ما نتجاهل «الزوبعة» ونمتصها بهدوء كأن شيئا لم يكن، دون أن نستثمر هذه النجاحات على أكثر من صعيد معرفي، فينمو اللغز الكبير بشقيه: لماذا لا نمتلك كشافات للمواهب الحقيقية في الداخل العُماني؟ ولماذا عندما يكتشفها الآخر لنا نتركها لتجف وتذبل وتذهب إلى النسيان الكبير؟

في مشاركتي الأخيرة في المغرب، في النسخة الأولى من نشاط «جمعية الصداقة المغربية العُمانية»، لفتني كثيرا الحديث حول التحولات الفكرية التي تعصف بالثقافة وإمكانية أن نُراهن عليها كمنتج له عوائد اقتصادية، وهذا ما تفعله الآن العديد من دول العالم منذ بداية الألفية الجديدة.

سأتذكر أحدهم عندما قال لي يوما: «ماذا لو تحولت قرية العوافي المتخيلة في رواية «سيدات القمر» لجوخة الحارثي الحاصلة على جائزة البوكر العالمية، إلى قرية واقعية يأتي إليها السائح والمهتم ليرى عُمان من وجهة نظر الأدب»!

أكاد أجزم أنّ عُمان تمتلك قصّتها الخاصة شديدة الفرادة لتخوض مغامرة من هذا النوع، حيث يمكن للثقافة الأصيلة أن تتعاطى مع مفردات السياحة والاقتصاد بصورة خلابة وخلاقة لفرص جديدة لجيل متعطش من الشباب، شريطة أن نُؤمن بدور الثقافة وأن نتبناها من منابعها الأولى، لا أن تترك المسائل عفو الخاطر، وشريطة أن نوجد السياسات التي تنظم العملية ضمن الخطة الأكثر شساعة، تلك التي تنوي أن تذهب إليها البلاد لتنويع مصادر دخلها.

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى