أعمدة

هوامش ومتون :«القافر» يُمسك الوعل من قرونه

 
حين أذيع خبر فوز رواية الكاتب زهران القاسمي (تغريبة القافر) بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) 2023م كنت في النادي الثقافي أصغي للباحث سلام الكندي، وهو يردّ على استفسارات المتداخلين عقب إلقائه محاضرته (أيقونة الجمال والموت)، فما كان منّي إلّا سحب الناقل الصوتي (المايكرفون)، وزفّ الخبر للحضور الذي قابله بالتصفيق، قبل ذلك صفّقت قلوبنا للقاسمي، الذي أعادني خبر فوزه بالجائزة لسنوات بعيدة خلتْ، عندما قدّم نفسه للوسط الثقافي شاعرا «يمسك الوعل من قرونه»، - الملاحظ أنّ عددا ممن نالوا ( البوكر) انطلقوا من خلفيّات شعريّة، كأحمد السعداوي وجلال برجس، وزهران القاسمي- وقد بهرني كتابه الشعري «الهيولى» الصادر عن دار الفرقد بدمشق، وقد صدر بعد ديوانه الأوّل «أمسكنا الوعل من قرونه»عام 2007 عن النادي الثقافي ودار الانتشار العربي ـ بيروت، وفيهما طفحت لغة السرد، فالكتاب نص واحد طويل مؤلّف من مقاطع، وضع به مفردة (الهيولى) اليونانية، التي قدّم من خلالها الفلاسفة اليونان تفسيرا للكون، وتعني مادة الشيء وجوهره، وصورته، لدى الفلاسفة، وحسب ابن عربي «العنصر الأعظم الذي هو أصل السماوات والأرض»، فالهيولى حجر زاوية بنى عليه رؤاه، وسياحته في الذات، والوجود، وأحداث التاريخ، والفكر، دون أن ينقطع عن الحاضر، وتفاصيله اليومية،

سأترككم الآن في رعاية الهيولى

لكن إنْ مررتم ذات يوم

بعجوز تبيع حاجياتها

من الجوع والفقر

فلا تنظروا إلى عينيها

ففيهما تغرق الهيولى في نومها الأبدي

نومها الذي لن ينفتح ثانيةً

إلا على عصفور دامع العينين

ينام في بئر الهيولى العميق

ثمّ رأيته ممثّلا في الفيلم الروائي القصير «بنت غربي» الذي كتبه الشاعر سماء عيسى وأخرجه عبدالله البطاشي، ونال أكثر من جائزة عن مشاركات له في مهرجانات خليجية وعربية، ولم يقف بعيدا عن السينما، فقد استثمر المخرج جاسم البطاشي طاقة السرد الكامنة في قصيدة القاسمي، وتحديدا قصيدة له عنوانها «رحيل الشاوية» ليخرج فيلما قصيرا حمل عنوان (رحيل) مثلته البحرينية فاطمة عبدالرحيم ونال جائزة أفضل إخراج، وأفضل ممثلة في مهرجان مسقط السينمائي 2010م وبقي اسم زهران تميمة تجلب الحظّ في المسابقات، وتحصد الجوائز، وسرّ هذه التميمة بسيط، وهو أن القاسمي انتمى لبيئته وعجن مخيّلته في سرديّاتها، وحوّل كل ما يحيط به إلى نصوص شعريّة، وقصص، لذا لم يكن من المفاجئ فوز روايته «تغريبة القافر» بالجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر 2023م»، ففي هذه الرواية، ناقش موضوع «الماء في علاقته بالبيئة الطبيعية وبحياة الإنسان الصعبة..من خلال تآلف مستمر بين الواقع والأسطورة من خلال بناء روائي محكم ولغة شعرية شفافة» كما جاء في تقرير لجنة التحكيم، فلم تغب معطيات المكان عن روايته، ولا سرديّات بيئته، وهو القريب من الحقول، والفصول، والمياه، كونه مزارعا يمارس (الفلاحة)، من باب الهواية، المحبّبة لديه، وقد قدّم الكاتب نبيل سليمان كشفا بأسماء «عناصر الطبيعة العمانيّة، التي تطرّز الرواية» وذكر أسماء: «شجرة الزام، والسدر، والغاف، والنخيل، والسمر، والأثل والحبن، والحلف وطيور الرقراق، وأمّ البوبوة والثعالب، والوعول والظباء والأرانب، أما المياه في الينابيع والأفلاج فشأن آخر هو الأكبر في الرواية».

وهذا الملمح الجمالي لفت انتباه قرّاء رواية (سيدات القمر) للكاتبة جوخة الحارثية الفائزة بجائزة مان بوكر العالمية لعام 2019م، وكذلك قرّاء رواية (دلشاد) للكاتبة بشرى خلفان التي كانت على بعد قاب قوسين أو أدنى من الفوز بالبوكر العربية العام الماضي، بعد وصولها للقائمة القصيرة، ولم يغب الشعر الذي ظلّت مياهه تتدفّق من شقوق أرضية السرد في روايات القاسمي ومشروعه السردي: (جبل الشوع) و(سيرة الحجر)، و(القناص) و(جوع العسل) و(تغريبة القافر)، فأضفى عليها رونقا وجمالا.

لكي «تتصدر الرواية الخليجية مرتقى السنام» كما وصف الكاتب عبده خال الذي نال الجائزة عام 2010م عن روايته (ترمي بشرر) مثلما فاز الكاتب الكويتي سعود السنوسي عام 2013 عن (ساق البامبو) والكاتب السعودي محمد حسن علوان عام 2017م عن روايته (موت صغير)، وجاء فوز زهران القاسمي تعزيزا، لموقع الرواية في السلطنة، «خاصّة أن البوكر ذهبت لعمان مرتين: باللغة الإنجليزية (جوخة الحارثية) والعربية بفوز زهران» كما كتب لي المبدع عبده خال في رسالة نصية، وكذلك جاء تتويجا للأشواط التي قطعتها الرواية الخليجية محقّقة حضورا لافتا في معارض الكتب الدولية، والمسابقات العالمية، ليمسك القاسمي على (البوكر) من قرونه بقوّة.