أعمدة

الاكتفاء

 
أورد الكاتب مورجان هاوسل في كتابه (سيكولوجية المال) هذه القصة عن الكاتب چوزيف هيلر كاتب الرواية التاريخية الشهيرة (كاتش ٢٢) وكان مع رفيق له في ضيافة مدير صندوق تحوط إذ قال له رفيقه إن مضيفهم يجني في اليوم الواحد ما جناه هيلر طوال حياته من عوائد روايته، فأجابه هيلر «هذا صحيح، لكن لدي أمر لن يعرفه، إنه الاكتفاء». وفي ذات الكتاب يورد الكاتب قصة (راجات جوبتا) المولود في كالكتا، والذي تيتم في سن مبكرة، لكنه انتصر على ظروفه واجتهد حتى تولى قيادة أكبر شركة استشارية في العالم وهي شركة (ماكنزي) إضافة إلى توليه أدوارا مهمة في الأمم المتحدة، ومنتدى الاقتصاد العالمي، وعمل في مجالس عدة شركات عالمية، جنى خلالها ثروة طائلة بلغت ١٠٠ مليون دولار، لكن جوبتا لم يكتف بالملايين على حد تعبير هاوسل، ذلك أنه خلال عضويته في مجلس إدارة بنك جولدمان ساكس تعرض البنك لأزمة مالية هددت بقاءه، وقد عرض وارن بفت آنذاك إنقاذ البنك من الانهيار باستثمار 5 مليارات دولار أمريكي فيه، وحالما علم جوبتا بالخبر هاتف صديقه راج راجاراتنام مدير صندوق تحوط الذي اشترى ١٧٥٠٠٠ سهم من أسهم البنك، وكما توقع جوبتا فإن أسهم البنك ما إن انتشر خبر تدخل وارن بفت حتى قفزت قفزة كبيرة، ليحقق الشريكان مليون دولار على الفور، دخل الاثنان طبعا السجن، ودمرت سمعتهما ومشوارهما المهني.

المال نعمة عظيمة جدا من نعم الله سبحانه وتعالى علينا، فهو الذي يتيح لنا الاستمتاع بمنتجات الحضارة الحديثة، التي وفرت لنا حياة مريحة سهلة، وأحضرت منتجات العالم إلينا بضغطة زر أحيانا على هاتفنا المحمول، وأصبح اليوم من السهل جدا جني الأموال الذي أصبح بحد ذاته هدفا يسعى له الكثيرون، فالكل يريد أن يكون ثريا، وحتى لو أصبح ثريا فإنه يريد أن يكون أكثر ثراء ممن حوله، وهكذا إلى ما لا نهاية، حتى أن البعض يعجز عن الاستمتاع بالثراء الذي حققه لأنه لا يراه ببساطة شديدة، فعينه على ثراء المحيطين به الذي لم يحققه بعد، لهذا من الضروري أن يضع كل منا تعريفا للثراء الذي يريد حتى يقتنع عندما يصل إليه، وبالتالي يستمتع به، عوضا عن إمضاء حياته يلهث وراء الأكبر والأفخم، والأغلى.

حمدة الشامسية كاتبة عمانية في القضايا الاجتماعية