رأي عُمان

السودان.. عند المنعطف الصعب

 
لم يكن ينقص السودان إلا هذا الفصل الجديد من القتال الشرس والعنيف بين قوات الجيش وبين قوة التدخل السريع، لتعيش البلاد في حالة «حرب داخلية» حقيقية تدور رحاها في جميع المؤسسات العسكرية والشوارع والمطارات والمؤسسات الحيوية والحساسة في الخرطوم، وراح ضحيتها الكثيرون في يومها الأول رغم تضارب الأنباء القادمة من السودان حتى الآن. والحرب، كما هي عبر التاريخ البشري، قمة المأساة الإنسانية التي يُعرف لحظة إطلاق رصاصتها الأولى ولكن لا يعلم إلا الله وحده متى يمكن لقادتها أن يكتبوا بيان وقفها.

ورغم أن السودان دولة إسلامية ملتزمة بالقيم والمبادئ الإسلامية ويحضر فيها ذلك الحس الصوفي الذي يتعالى فوق الخلافات ونزعات القتل والتدمير إلا أن كل ذلك لم يكن له أي قيمة خلال القتال المجنون كما يحدث الآن، فلم يكن هناك أي اعتبار لقدسية أيام شهر رمضان المبارك ولا للعشر الأواخر التي يتحرى الناس فيها ليلة القدر وعظيم الثواب، ليتحولوا إلى إحصاء أعداد القتلى التي تتناثر في كل مكان دون اعتبار للأطفال المروعين أو المعتكفين في المساجد.

إنها لحظة صعبة جدا وعصيبة على السودان الذي عاش لسنوات طويلة أوضاعا صعبة، تفاقمت إثر الاحتجاجات الشعبية في 2019 والتي قادت إلى تهاوي نظام الرئيس عمر البشير بعد ثلاثة عقود من الحكم.

وقبل القتال الذي بدأ عمليا السبت كان السودان يعيش الكثير من الأزمات الحقيقية التي تدعوه إلى البعد عن أي احتقانات وأي خلافات داخلية يمكن أن تفاقم أوضاعه السيئة وفي مقدمتها الأزمة الاقتصادية والتضخم المرتفع حيث تراكمت المشكلات على مدى العقود الماضية ووقف النظام السياسي عاجزا عن تحقيق أي تقدم أو تنمية مستدامة، وضاعف كل ذلك العقوبات الدولية التي شلت أي رغبة في التنمية والتقدم. ولا يخفى على أحد أن السودان يعيش أزمة التدخلات الخارجية التي تسعى إلى تحقيق مصالحها على حساب الشعب السوداني واستقراره. فبينما تدعم بعض الدول الإقليمية جهود الانتقال الديمقراطي، تحاول دول أخرى تعزيز تأثيرها السياسي والاقتصادي ومحاولة السيطرة على مصيره نظرا لما يملكه من قوى بشرية ضخمة وموارد طبيعية وموقع استراتيجي على خط البحر الأحمر المواجه.

وعلى الصعيد الداخلي، عاش السودان لسنوات حالة من التوتر السياسي والاجتماعي بين المكونات المختلفة للشعب السوداني، وكل هذه العوامل تحضر بشكل جلي لحظة بدء القتال الجديد وتؤثر في توجيه العمليات والولاءات.

لكن الشعب السوداني شعب متعلم وواعٍ جدا للمخاطر التي تحيط به وسيقف سدا منيعا أمام أي عبث يهدف إلى تقويض الدولة ومكتسباتها، وهذه الحقيقة لا بد أن تعلمها القوى الخارجية أو الداخلية التي تتصارع على السلطة، والمستقبل لمن يحمل التنمية للسودان؛ ولذلك لا خيار للمتصارعين إلا تحكيم العقل والنظر إلى مصلحة السودان وشعبه وتاريخه العريق.