هوامش ومتون :على سَفَر: الصورةُ فكرة
الأربعاء / 6 / رمضان / 1444 هـ - 20:42 - الأربعاء 29 مارس 2023 20:42
حين يضع المسافر في حقيبته أغاني الليل تتكثّف الصورة، لتكشف عن فكرة تتقدّم، شيئا فشيئا، إلى الأمام، فيجد الجمهور نفسه أمام لوحات تشكيلية، تتجاوز المشهد الماثل أمام العدسة، ليرى الأسرار الكامنة خلفه، وبواعثه، وتساؤلاته، وهذا ما أحسسنا به، ونحن نتجوّل في المعرض الضوئي (على سَفَر) للمصوّرينِ الدكتور عبدالمنعم الحسني وداليا البسامية، الذي احتضنه بيت الزبير، فمضى بنا الحسني والبسامية في رحلة ممتعة مع أشكال غالبا ما تكون مضبّبة، وبلا ملامح سوى ملامح الأفكار العميقة والرؤى الفلسفية، من خلال خدوش محفورة بعناية تارة، لتعطي للمشهد أبعادا أعمق، ودون خدوش تارة أخرى، لتُسلِم العين لشاعرية الصورة، ومن (احتمالات المرايا)، و(نفق)، و(مشوار) و(مدينة)، بعض عناوين لوحات الحسني، إلى (ملامسات الحنين)، و(أجراس الفراغ) و(حصاد المسافر)، و(الغريب)، و(أجنحة في ضباب الوقت)، و(سكون)، كما تفصح لوحات للدكتورة داليا البسامية. واصلنا الرحلة مع الفنّانينِ والأكاديميينِ اللذينِ توّجا حياتهما المشتركة بمعرض مشترك جاء ليكون خلاصة تفاهم وانسجام في الحياة، والفن، دون نسيان البحث عن الخصوصية في التجربة الفنّيّة، وسعي للاكتمال، عبر تعدّد الرؤى، وتعميق المشتركات، ليقدّما إسهاما بصريّا ومدخلا جماليا ضمن تحوّلات في مرحلة زمنيّة متقدّمة، تبسط بها الصورة، يوما بعد آخر، نفوذها في ثقافة قوامها اللغة والكتابة، والشفاهية، لتخاطب أعماقنا ووجداننا من خلال زوايا اللقطة والأشكال، والألوان، ومعطيات عصر النظام الرقمي.
وكلّ ذلك، جاء في احتفال ضوئي ضمّ 31 عملا فوتوغرافيا لكلّ منهما 15 عملا، أما العمل الذي حمل الرقم واحدا وثلاثين، فقد جاء مشتركا، وكأنهما وضعاه تعزيزا للمشاركة بالحياة، وتتويجا لها عبر عمل فني ذابت فيه الأفكار، وامتزجت الألوان.
إنّ المصوّر الدكتور عبدالمنعم الحسني يحمل، كما ورد في دليل المعرض «عدسة مكبرة لنرى من خلالها تعرّج خيوط البروق والزجاج المتشظي والجزئيات الصغيرة، والقطع الكولاجية التي تتشكّل منها روح الكائن، سبقنا لها كمصور، ثم دخل في تشظياتها كشاعر، وخرج منها كالعائد من خواتيم الأساطير القديمة بضوء الحقيقة المقدس».
فالجزء، بالنسبة له، حجر زاوية أساس، وقيمة، فمن الجزء تتأسّس الظواهر، والمقدمات الصغيرة، التي تقود لنتائج كبيرة بفعل التراكمات الروحيّة، والمشاهدات البصريّة، والتجارب الشخصيّة، والتاريخيّة، ومن مجموع الأجزاء تتشكّل الكلّيّات، ولو أهملنا الجزء لفرّطنا بقطعة من كيان الكلّ، فيكون دور الفنان الذي «دخل في تشظّياتها كشاعر» هو مزج الجزء الإنساني بكلّ تفاصيله ليذوب في الكلّ الكوني، مبعدا عن طريقه الجزء النشاز، لتكون الصورة أنقى، وأعمق، دون إهمال النظر إلى الكليّات، التي جعلت فلاسفة اليونان يضعون الشعر في مرتبة أعلى من التاريخ، وأقرب ما يكون للفلسفة كونه يتعاطى مع الكليات، بينما التاريخ يتعاطى مع الجزئيات، فالحسني لا يفرّط بالجزئيات، لأنها أحجار صغيرة ودقيقة في جدار الكليات، وحين يوصي «لا تنظر إلى الصورة كاملة بل أنظر إلى الجزء المكون منها، قطعة قطعة تصبح الصورة مكتملة، ولا تؤمن بالجزء الضئيل بل ابتعد مسافة كافية وتأمّل ثقة الصورة وكبريائها، صورة صورة تصبح الحقيقة مكتملة»، فهل وجد الاكتمال في أعمق نقطة يمكن أن تصل إليها العدسة؟ ولكن هذا الاكتمال يبدو ناقصا، فلا بدّ له الانتقال إلى الواقع حيث تسكب شريكته في الحياة والفن الدكتورة داليا البسامية، ألوانها «في زجاجة الرحيل» حين وجدت في هذا المسافر الشريك في الرحلة «الضوء المترائي من خلف غبار الزمن، الذي يشف من وراء شلال السديم»، لتطلق أسئلة شعرية، هي الأخرى، وتنفتح تلك الأسئلة على أسئلة أكثر عمقا، فلا نمتلك نحن، وربما ولا هي، أجوبة لأسئلتها التي أطلقتها في لوحاتها كما يكشف دليل المعرض، وكانت من وزن: «من أين يبدأ السفر إذا كان الغريب لا يقرأ حكمة المطارات؟ ماذا تضع في حقيبتك أولا: الوداع أم أغنية المهاجر؟ من ستنسى عند أول بوابة: المديح أم المراثي المهذبة؟ الفراغ الذي ستتركه خلفك ستأكله الطيور المرحة، كيف ستقوى على تفويت النظر لهذا المشهد؟ وأخيرا، الذين استندوا على حائط بانتظار النداء الأخير من سيقنع الحائط بأن النداءات بريد الغرباء».
لقد أتاح لنا معرض (على سفر) المضيّ في رحلة مع اللون في أبهى تجلياته، وهو يرسم لوحات ضوئية يدخل فيها الخيال باعتباره طرفا فاعلا ومهمّا، يعمّق المشهد الماثل أمام العدسة، لنتوغّل في تفاصيل تلك الرحلة تقودنا بها الدهشة، والمتعة.
وكلّ ذلك، جاء في احتفال ضوئي ضمّ 31 عملا فوتوغرافيا لكلّ منهما 15 عملا، أما العمل الذي حمل الرقم واحدا وثلاثين، فقد جاء مشتركا، وكأنهما وضعاه تعزيزا للمشاركة بالحياة، وتتويجا لها عبر عمل فني ذابت فيه الأفكار، وامتزجت الألوان.
إنّ المصوّر الدكتور عبدالمنعم الحسني يحمل، كما ورد في دليل المعرض «عدسة مكبرة لنرى من خلالها تعرّج خيوط البروق والزجاج المتشظي والجزئيات الصغيرة، والقطع الكولاجية التي تتشكّل منها روح الكائن، سبقنا لها كمصور، ثم دخل في تشظياتها كشاعر، وخرج منها كالعائد من خواتيم الأساطير القديمة بضوء الحقيقة المقدس».
فالجزء، بالنسبة له، حجر زاوية أساس، وقيمة، فمن الجزء تتأسّس الظواهر، والمقدمات الصغيرة، التي تقود لنتائج كبيرة بفعل التراكمات الروحيّة، والمشاهدات البصريّة، والتجارب الشخصيّة، والتاريخيّة، ومن مجموع الأجزاء تتشكّل الكلّيّات، ولو أهملنا الجزء لفرّطنا بقطعة من كيان الكلّ، فيكون دور الفنان الذي «دخل في تشظّياتها كشاعر» هو مزج الجزء الإنساني بكلّ تفاصيله ليذوب في الكلّ الكوني، مبعدا عن طريقه الجزء النشاز، لتكون الصورة أنقى، وأعمق، دون إهمال النظر إلى الكليّات، التي جعلت فلاسفة اليونان يضعون الشعر في مرتبة أعلى من التاريخ، وأقرب ما يكون للفلسفة كونه يتعاطى مع الكليات، بينما التاريخ يتعاطى مع الجزئيات، فالحسني لا يفرّط بالجزئيات، لأنها أحجار صغيرة ودقيقة في جدار الكليات، وحين يوصي «لا تنظر إلى الصورة كاملة بل أنظر إلى الجزء المكون منها، قطعة قطعة تصبح الصورة مكتملة، ولا تؤمن بالجزء الضئيل بل ابتعد مسافة كافية وتأمّل ثقة الصورة وكبريائها، صورة صورة تصبح الحقيقة مكتملة»، فهل وجد الاكتمال في أعمق نقطة يمكن أن تصل إليها العدسة؟ ولكن هذا الاكتمال يبدو ناقصا، فلا بدّ له الانتقال إلى الواقع حيث تسكب شريكته في الحياة والفن الدكتورة داليا البسامية، ألوانها «في زجاجة الرحيل» حين وجدت في هذا المسافر الشريك في الرحلة «الضوء المترائي من خلف غبار الزمن، الذي يشف من وراء شلال السديم»، لتطلق أسئلة شعرية، هي الأخرى، وتنفتح تلك الأسئلة على أسئلة أكثر عمقا، فلا نمتلك نحن، وربما ولا هي، أجوبة لأسئلتها التي أطلقتها في لوحاتها كما يكشف دليل المعرض، وكانت من وزن: «من أين يبدأ السفر إذا كان الغريب لا يقرأ حكمة المطارات؟ ماذا تضع في حقيبتك أولا: الوداع أم أغنية المهاجر؟ من ستنسى عند أول بوابة: المديح أم المراثي المهذبة؟ الفراغ الذي ستتركه خلفك ستأكله الطيور المرحة، كيف ستقوى على تفويت النظر لهذا المشهد؟ وأخيرا، الذين استندوا على حائط بانتظار النداء الأخير من سيقنع الحائط بأن النداءات بريد الغرباء».
لقد أتاح لنا معرض (على سفر) المضيّ في رحلة مع اللون في أبهى تجلياته، وهو يرسم لوحات ضوئية يدخل فيها الخيال باعتباره طرفا فاعلا ومهمّا، يعمّق المشهد الماثل أمام العدسة، لنتوغّل في تفاصيل تلك الرحلة تقودنا بها الدهشة، والمتعة.