لو قسمنا مفهوم الصحراء، إلى السطحي والعميق، ويقصد بالسطحي ما يشاهد على سطح الأرض من أشياء مادية، فالصحراء بالمفهوم السطحي هي: الأراضي الجافة التي يقل فيها المطر، وبالتالي تكون بيئة غير ملائمة للنبات ولا الحيوان، ولكن ارتادها الإنسان منذ أقدم العصور حتى وقت قريب، لوجود قلة قليلة من النباتات والحيوانات ومصادر المياه. ورغم اتسام رمال الصحراء بالجفاف، إلا أن كثيرًا منها تعد بيئة طبيعية لكثير من الحيوانات، مثل: الريم والمها والضبا، وتنبت فيها أنواع كثيرة من الأشجار.

وتغطي الصحارى ثلث مساحة جزيرة العرب بمساحة تشمل 780,000 كيلو متر تقريبا، و90% من هذه الصحارى تتشكل من: صحراء الربع الخالي، والدهناء، وصحراء النفود الكبير. وتكتسي جزيرة العرب صحراء رملية كبيرة، مثل: الربع الخالي والنفود الكبير والدهناء. ويأتي بعدها مصفوفة منتشرة من «الرمال» التي تسمى الآن «النفود». وبحار الرمال ليست جافة كليًا، وإنما يتخللها مصائد مياه وبحيرات صغيرة، وآبار محفورة لسقيا المارة على طرق القوافل، كما يوجد بها أشجار دائمة، ونباتات موسمية.

فالصحراء بحر من الرمال، كما أن البحر صحراء من الماء، فكلاهما مملوء بالمجاهل والمغامرات، ومن السواحل، ومن الحيوانات والأفاعي والحشرات النافعة والضارة، ومن النباتات الغذائية والعلاجية والسامة، وبداخل الصحراء والبحار ملاعب لرياضة الصيد، وطرق تجارية دولية لا يمكن التنازل عنها، ولكليهما مواسم هيجان من غبار ومن أمواج، وخرج من كليهما أبطال، كما دفن فيهما ضحايا.

وعلى سواحل البحار توجد سلسلة من الرمال، كما أن داخل رمال الصحراء بحيرات ومصائد مائية، وكانت المقارنة بين الصحراء والبحر حاضرة في ذهن عمرو بن كلثوم عندما افتخر بقومه:

ملأنا البرّ حتى ضاق عنا

وظهر البحر نملأه سفينا

وبالتالي، فالصحراء موضوع اجتماعي وفلسفي ما يزال مجهولًا، ولم يكتب عنه بما يستحق.

أما الصحراء بالمفهوم العميق، فهي تفاعل الإنسان مع بيئته الصحراوية، ومصفوفة القيم والمعاني المرفقة بالحياة بالصحراء، وسوف يتضمن المقال تحليل هذا المفهوم والتفاعل الاجتماعي في صحراء جزيرة العرب، من خمسة محاور، هي: الإنسان والبيئة، والصحراء والأدب، ورياضة الصحراء، وعمارة الصحراء، والصورة الذهنية للصحراء.

الإنسان والبيئة

يبرر الفيلسوف علي شريعتي مسألة فلسفة الصحراء وقدرتها على منح الإنسان قيم التأمل ورؤية نهاية العالم، وهذا ما جعلها منطلق الأنبياء للدعوة إلى الله تعالى، بأنها تتكون من عواصف دائمة وسكون دائم، وهي دومًا في طور التحول، ولكن لا يتحول منها شيء، فهي كالبحر، إلا أنها أمواج من بحر الرمال والغبار والأفاعي والزواحف، ويحوم حولها طير تائه أو سرب لا وكر له، ويقف في وسط لهيب الصحراء شجر الرمث الصبور البطل، وينبت بثبات دون ماء ولا تربة خصبة ولا رعاية، فهذه الشجرة الشجاعة التي تنبت في الجحيم بلا ورق ولا ثمر ولا زهر، فالصحراء هي نهاية الأرض، ونهاية موطن الحياة؛ لذلك يمكن رؤية ما وراء الطبيعة، الذي تتحدث عنه الفلسفة ويدعو إليه الدين، بأم العين ويمكن الشعور به؛ ولذلك نهض الأنبياء كلهم من الصحراء، واتجهوا نحو المدن والقرى.

ويوجد علاقة وثيقة بين الأنبياء والصحراء والجبال والأودية، وكلها من معالم الصحراء، فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم يقول: ما من نبي إلا رعى الغنم، ورعيها لا يكون إلا في الصحراء من أطراف المدن، وهي مهمة تقتضي التأمل والصبر وفقد الإحساس بالزمان والمكان، كما نزل إبراهيم عليه السلام في وادٍ غير ذي زرع، وارتبط غار حراء في جبل ثور بعزلة النبي قبل بعثته، وارتبط جبل طور سيناء بالنبي موسى عليه السلام. فالصحراء منجم لقيم التحمل والتأمل والصبر وصفاء الذهن ورؤية ما لا يراه إنسان المدينة، وتقليل من قيم حب الحياة والاقتتال على المال والتسامي بالذات.

وتحتضن الجزيرة العربية جميع مكونات النسيج الاجتماعي من حاضرة يسكنون المدن، وقرى وأرياف زراعية، وبادية كانت متنقلة، ثم استقرت. كما يمر بها أهم طريقين دوليين للقوافل التجارية، أحدهما طريق البخور واللبان الذي ينطلق من أرض عمان، ثم يجوب العالم، والآخر طريق الحرير الذي ينطلق من الصين، وبالتالي، فإن أهالي الجزيرة العربية يعيشون حالة معولمة من تصدير السلع والخدمات والأفكار والعادات، واستيرادها، منذ آلاف السنين حتى الآن. والصحراء هي المكان الملائم لاحتواء العزلة من أجل تأمل الكون والحياة، والتقشف وشظف العيش وفلسفة الحياة. وقد قاوم الإنسان مهالك الصحراء وانعدام الماء فيها بالتفاؤل، وسماها «مفازة» و«الرملة»، فإذا كسر الحواجز النفسية بالمصطلحات، استطاع أن يطوع مجاهلها، ويحفر آبار المياه للمارة، ويغرس الأشجار لمن بعده، وعلاقة إنسان جزيرة العرب بالصحراء هي قصة «أنسنة الصحراء».

وتراوحت العلاقة بين الإنسان والصحراء من التوجس من المجهول إلى استئناس المعلوم، وكلما تحضر الإنسان ببناء المدن المتاخمة للصحراء، زاد الاستغناء عنها، وتحولت إلى مكان نزهة ومرمى للهموم. كما أن البدوي جعل من الصحراء منصة تمايز وتحقيق المكانة، فكلما صار صاحب إبل توغل في الصحراء، وتمايز عن صاحب الأغنام الذي لا يجرؤ على تجاوز أطرافها، والتوغل في مجاهل الصحراء مخاطرة واكتشاف، ومن يفعلها ينتزع الاعتراف الشعبي بالقوة والوجاهة.

ومن يكتسب خبرة بمعرفة دروب الصحراء، فإنه يحقق مكانة اجتماعية بارزة، وتقول العرب في الأمثال «قتل أرضا عالمُها، وقتلت أرض جاهلها»، وغالبًا ما تستعين قوافل الحج والتجارة والجيوش بالخبراء في معرفة الصحراء، لأن معرفة الطرق يعني بالضرورة معرفة مواقع آبار المياه، ومعرفة الدروب السهلة وتجنب الأودية الوعرة والجبال والمرتفعات المرهقة للحملة، ويعني معرفة كافية بمواقع النجوم والاهتداء بها في المسير ليلًا.

وقد كنت أظن أن حياة الترحال في الصحراء انتهت مع حياة المدنية والتحضر، ولكن عندما شاركت في رحلة بحثية ميدانية استمرت شهرين في ربيع عام 1418هـ/ 1998م، وهو أحد مواسم الربيع الخالدة في ذاكرة الأجيال التي أدركتها، أقمنا مدة أسبوع على آبار الزرنوقة في رمال الجافورة، على أطراف الربع الخالي، وكنا نرى القبائل يقطعون الصحراء من بادية السعودية وقطر والإمارات باتجاه الربيع في الشمال وفي الصمان، وإذا رحل البدو مع أسرهم وأعدوا لإقامة تستمر لأشهر، فيقال لهم «محيلين»، ويقصد بها التحول من مكان إلى مكان للبحث عن الربيع. ثم رأيت هذا المشهد يتكرر في الربيع الشهير في منطقة الحدود الشمالية لموسم الربيع عام 1418هـ/ 2018م، وهذه الطقوس لا تتكرر عند البادية إلا في مواسم الربيع، وكانت معروفة قبل عصر التحضر.

إذن، تعد الصحراء بيئة مهيمنة على سلوك الإنسان، وتفرض قيمها على ساكنيها ومرتاديها.

الصحراء والأدب

تكاد تكون الصحراء هي الموضوع الرئيس لبعض المعلقات العشر، وفي معلقة امرئ القيس:

قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ

بِسِقط اللوى بين الدخول فحومل

وما تلاها من أبيات تحدد مواضع وجبال وأودية ما تزال معروفة في عالية نجد.

وقد خاض الباحث الأمريكي وليام بولك تجربة محاكاة قصيدة معلقة لبيد بن ربيعة وقرر أن يمشي على نهجها ويشرحها بالصور الحية من داخل صحراء نجد، وأصدر تجربته في شرح المعلقة بالصور في كتاب «القصيدة الذهبية».

وفي القصيدة الخالدة للحطيئة، التي وصف فيها رجل تائه في الصحراء ولم يذق طعم الأكل ثلاثة أيام، ثم صادف بيت أسرة فقيرة، فقال الابن لأبيه: اذبحني وأكرم ضيفك ولا تعتذر بالفقر. وأثناء جداله مع أبيه، مرت قطيع من الضباء لتشرب من مناقع ماء، فتركها حتى ارتوت، ثم صاد واحدة من القطيع، وذبحها وقدمها عشاء لضيفه وأهل بيته، وانتهت القصة الخيالية، التي تحاكي الواقع في صحراء نجد، ومطلعها:

وطاوي ثلاثٍ عاصب البطن مرمل

بتيهاء لم يعرف بها ساكن رسمًا

وتعكس القصيدة أهمية قيم الكرم وحسن الضيافة والمروءة والتضحية في الصحراء، بوصفها ضرورة وليست ترفًا؛ وذلك لأن كل من تعامل مع الصحراء، فسيكون في حالات منقذًا وحالات محتاجًا إلى الإنقاذ، فهي بمثابة عقد أخلاقي مضمر داخل السلوك، وألقت الصحراء بقيمها لإلزام الجميع بالتعاون من أجل الجميع، ومن ثم، كانت الصحراء منجمًا لقيم الكرم والضيافة والمروءة والتضحية وتقبل الغريب وتقدير ظروف الآخرين والمسؤولية الاجتماعية...

أما شعراء صعاليك العرب، وهم اللصوص الذي فروا من الدولة، وقضوا سنوات عمرهم في الصحراء، فقد أسسوا لأدب جديد، يمكن تسميته بمؤانسة الليل والوحوش؛ حيث جعلوا من الوحش وظلمة الليل أنيسًا لهم، لمقاومة الملل والعزلة وعزاء لأنفسهم من الوصم الاجتماعي بالخروج عن القيم العامة. حتى صارت بعض ألقاب الثناء بالشجاعة والكرم تنبع من حياة الصحراء، مثل «معشي الذئب» و«مخاوي الذيب»؛ وذلك لأن الذئب هو أكثر وحوش جزيرة العرب هيبة واقترابًا من منازل أهلها، والعدو التقليدي لهم، ويحفل التراث العربي بشعراء وفرسان استأنسوا الوحوش في الصحراء، ويكثر ورود أسماء الذئاب والضباع والنمور في أشعار الصعاليك الذين عاشوا حياتهم متنقلين في الصحراء.

وقد ارتبطت الصحراء بحياة البداوة، وتكاد تجمع المؤلفات التي تحمل عنوان الصحراء، أنها تقصد وصف حياة البادية في العالم العربي، أو مجتمع جزيرة العرب، رغم أن الصحراء جزء من منظومة حياة البادية، إلا أنها الجزء المحيط بالمدن والحواضر.

رياضة الصحراء

تعد رياضة الصيد هي العامل الوحيد تقريبا الذي يجمع بين مصادر المياه وكل من الأودية والجبال والصحراء، فحيثما توجد تجمعات مياه في هذه الأماكن، فسوف يوجد حيوانات شاردة تشرب، وإنسان يتربص لصيدها.

«ذلك لأن الصيد لم يكن سبيلا إلى طلب القوت وكفى، بل كان كذلك حربا يراد بها الطمأنينة والسيادة» وفق ما يقول ول ديورانت في قصة الحضارة. وتشهد بنادق أهالي جزيرة العرب القديمة على قضاء أطول أوقات النهار في الصيد؛ حيث كان الإنسان يغلف قاعدة بندقيته بجلد محنط لوجه صيده، لتأكيد فروسيته.

وقد أعاد الشباب اكتشاف الصحراء برياضة التطعيس، ورحلات التخييم الطويلة، وقد احتضنت الصحارى رياضة رالي السيارات والشاحنات العالمية.

وهذا يؤكد على ثنائية الصورة الذهنية للصحراء، ما بين الجفاف وانعدام الأمن، وبين الربيع والتأمل والنزهة.

الصحراء والعمارة

تؤدي الرمال دورا كبيرا في تشكيل ذاكرة الإنسان، وتحدد هويته. ويقول الفيلسوف الصوفي ابن عربي (توفي عام 638هـ/ 1240م): «كل مكان لا يؤنث، لا يعوَّل عليه»، وتكمن جماليات العبارة في أبعادها التفسيرية التي تستوعب ما يمكن أن يقال، بما في ذلك الأماكن، لأن «المكان» الذي لا يمنح صاحبه «مكانة» لا يعتد به، والمكان قد يكون البيت والقرية والصحراء، وقد كانت جزيرة العرب تعيش حالة المكان والمكانة بأوديتها وجبالها وبلدانها وصحاريها، وهي أماكن تمنح مرتاديها وأهلها مكانة اجتماعية واقتصادية، حتى تحولت إلى أيقونة للذكريات والحنين إلى الوطن لعشاق الأماكن التي تمنح أصحابها حميمية.

وترى بعض نظريات العمارة الحديثة أن ذكريات الإنسان في الزمان والمكان تعد شكلا من أشكال العمارة، حتى ولو لم يبن فيها منزلا أو يزرع شجرة، وأبرز المنظرين في هذا المجال الفيلسوف الفرنسي بيير نورا، وقد أسهم في هذا المجال بكتاب «أماكن الذاكرة» وبمقالة «فكرة آن أوانها: كيف أصبحت فرنسا على وعي بتراثها» ، ومقالة «الارتقاء العالمي للذاكرة» . ويحقق الاهتمام بالذاكرة الجمعية بعيدة المدى أو قريبة المدى عوائد اجتماعية واقتصادية ذات أبعاد رمزية، وحماية للصورة الذهنية التاريخية.

إن الأماكن أو البيئة غير الحية، كالهواء والجبال والأودية والصحراء، كانت تقوم بأدوار ثلاثية الأبعاد، فهي تمنح ذاتها بسخاء للبيئة الحية، المتمثلة في الإنسان والحيوان والطيور والنبات، للعيش الآمن في جنباتها، كما أن الوجد والشوق للأماكن بجبالها وصحراؤها، هي معاني رمزية مضمرة في ذات أهلها، والبعد الثالث يكمن في عمارة الذكريات والحنين للأوطان، بكثرة ما احتضنته من أحداث وأسرار.

الصورة الذهنية للصحراء

استطاع الشعر العربي في الجاهلية وصدر الإسلام أن يؤسس لصورة ذهنية تربط بين الصحراء وبين مهارات الخيال والهدوء والتأمل، وامتد التأمل ليشمل التغزل بريح الصبا ووصف السحب المطيرة، وتفضيل الصحراء على سكنى المدن.

وقد احتضنت الجزيرة العربية أكثر من ثلثي تاريخ العرب قبل الإسلام وفجره، ومنها صدر منتجها الأدبي ومعجمها اللغوي، وشخصياتها في الشعر واللغة والفروسية والزعامة، وقد تعرض تاريخها لبعض الاختلالات بعد نشأة الدولة الأموية في الشام والدولة العباسية في بغداد، ثم ظهور الشعوبية التي تحاول الحط من شأن العرب، وتقلل من إنجازاتهم، وقد بقيت رواسب هذه الشعوبية حتى الآن.

وقد شكلت رمال الصحراء صورة ذهنية قوية حول مجتمع جزيرة العرب، واختزلت الهوية الاجتماعية والثقافية في الصحراء والبداوة؛ وذلك بسبب أنها صحارى قاحلة ولا بساتين خضراء فيها، مما جعل أهلها يوصمون بالقسوة وعدم الإنجاز.

وكثيرا ما ترتبط الصحراء في مخيلة الإنسان بالانقطاع والعزلة والظروف المعيشية الصعبة. فالرمال والغبار والجو الحار والقحط والزوابع هي المكونات البارزة لتلك الصورة النمطية في أذهان الناس. غير أن ذلك كثيرا ما يغمط حق ابن الصحراء ويخفي ذلك الإبداع الذي وصل إليه عندما واجه كل تلك العوامل وأنشأ بيئة حضرية وسط تلك الندرة والعدم.

وتعد الصحراء من المصطلحات النادرة التي تختزل صورًا ذهنية متناقضة، فالصحراء إما كثبان رملية ضخمة، وإما أرض جرداء وقليلة الماء، وليست أرضا زراعية ولا نباتية، على أن الصحراء قد يراد بها الأرض المستوية بما تحويه من رمال وجبال وأودية. والصحراء بوصفها حدثا، فهي رمز من قيم العزة والشموخ والتحدي والكرم والفروسية. ولكن الصورة الذهنية للصحراء في استخدامات الأنثروبولوجيا تعد رمزا لحياة البادية، وقد ظن بعض الدارسين أن الجزيرة العربية كلها صحراء.

والواقع أن جانبا مهما من الهوية يكمن في حوار الإنسان مع البيئة المحيطة به، ومعرفته لآليات تصميم حياته وفقًا للطبيعة، وقد تكيف الأهالي مع الرمال، وجعلوا منها بستانًا شتويًا والخروج للبرية في مواسم الربيع والشتاء، ومنجما لاكتساب الخبرات ومعرفة الدروب، ورياضة للتحمل والصبر.

ويبرز سؤال: لماذا تحولت الصحراء إلى هوية لدى أهلها، بينما تعتبر وصم ثقافي لدى بعض الشعوب العربية؟ وهو سؤال مفتوح لا يستدعي إجابة، لأنه لا يمثل مشكلة في الهوية ولا الثقافة في جزيرة العرب.

وقد اكتسب رواد الصحراء خبرات كبيرة في معرفة أنواع النباتات السامة والغذائية والعلاجية، وخصائصها وأماكن انتشارها، وأساليب التعامل مع شح المياه للإقامة لأطول مدة زمنية بلا ماء أو غذاء، والأماكن الملائمة للنزول والإقامة.

كما أسهمت الطبيعة الجغرافية للمنطقة في تحديد معالم هوية اللغة والقيم، من خلال اكتساب بعض قيم الصبر والتحمل والشجاعة والكرم، من البيئة الحية وغير الحية، وصارت الجبال مضربًا للمثل في الصلابة والثبات والشموخ، والأودية مضربا للمثل في السخاء وفي عدم طريقها الواضح، والإبل مضربا للمثل في الصبر والتحمل، والذئب مضربا للمثل في الشجاعة والافتراس، وأكثرها جاءت امتداد لشخصية إنسان جزيرة العرب منذ ما قبل الإسلام.

ختام

تؤكد حياة الإنسان في الصحراء، على أن العلاقة بينهما علاقة تعايش وتكيف مع الظروف، بل وصناعة جودة حياة، والقدرة على إضفاء المعاني وبناء القيم والعادات من البيئة، وتشهد السنوات الأخيرة قدرات ابن الجزيرة العربية على قهر الصحراء وتطويعها لجودة حياته، مثل: شق شبكة طرق السيارات والقطارات في وسط صحارى الربع الخالي والدهناء والنفود الكبير، وإنشاء المدن الذكية في الصحراء، وهذا يعني أن الصحراء أحد محددات الهوية الثقافية للشعوب، ومدخلًا لفهم رؤية الإنسان للحياة، ووسيلة اتصال وتواصل بين أبناء الجزيرة العربية.

د. عبدالرحمن بن عبدالله الشقير/ باحث سعودي في علم الاجتماع