أفكار وآراء

قمة العقبة تقود لقمة النقب.. والعرب الخاسر الوحيد

في أول العام الماضي وقفت مع نفر قليل للغاية في مواجهة تيار جارف من زملائي من الكتاب العرب في تقييم قمة النقب التي عقدت في إسرائيل مارس ٢٠٢٢ وبينما مالوا هم إلى أنها فشلت ووئدت في مهدها ولن تعقد مرة ثانية أبدا، ملت أنا إلى العكس، وصرت كالمتشائم الذي يفسد العرس وكتبت أن مخططيها الأمريكيين وشريكهم الأصغر الإسرائيليين نجحوا في وضع أساس لشرق أوسط جديد ينشئ منظومة أمنية واستراتيجية عربية - إسرائيلية. يجعل قيادة العمل اليومي تحت إمرة إسرائيل ويجعل القيادة العليا والتوجيه الاستراتيجي للولايات المتحدة بأقل تكلفة في حضور مباشر أو تخصيص موارد بشرية ولوجستية كبرى في المنطقة كما كان الأمر في السابق وإعادة توجيه هذه الموارد لمنطقة المحيطين الهندي والهادي حيث الصراع القادم مع الصين الصاعدة المزعجة لهيمنة القطب الواحد الأمريكي.

ووقفت في الموقف نفسه مرة ثانية في شهر يوليو من العام الماضي بعد زيارة بايدن للسعودية والمنطقة فالغالبية من الكتاب تحدثت عن فشل الزيارة (غالبا بسبب إخفاق بايدن في كسر الجليد الشخصي مع ولي العهد ورئيس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان أو بسبب رفض أوبك - بلس زيادة العرض النفطي) بينما كنت من القلة الذين رأوا أنها نجحت في تحقيق هدفها الرئيسي وإعادة تموضع واشنطن الاستراتيجي بما يبقي على هيمنتها على المنطقة وفي الوقت نفسه يسلم عصا العمل المباشر وأوركسترا المنطقة للمايسترو الإسرائيلي.

بعد زيارة بايدن للمنطقة تسارعت خطى حل العقدة الإسرائيلية التاريخية وهي أنها دولة غير طبيعية في المنطقة صنعتها الإمبراطورية البريطانية ورعتها لاحقا الإمبراطورية الأمريكية أي تسارعت خطى إدماجها أمنيا واقتصاديا ونقل موقعها من التحالف مع الغرب من أوروبا والناتو إلي القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط.

باتت إسرائيل تجري مع عدد وازن من الدول العربية يقترب من ثلث الأمة العربية تدريبات عسكرية مشتركة هم كذلك حلفاء لأمريكا في المنطقة.

وفرت الزيارة الرئاسية والإرادة السياسية القاهرة للولايات المتحدة على المنطقة قوة دفع كبيرة لمنتدى قمة النقب الذي حدد إيران باعتبارها العدو أو التهديد لأعضائه العرب والإسرائيليين وأعطت زخم تطور خطير في اجتماع مايو ٢٠٢٢ المتمثل في الانتهاء من وضع وثيقة التحالف الإقليمي الجديد السياسية والفكرية وهي الوثيقة التي يستطيع أي محلل موضوعي لبنودها أن يقول ببساطة: إنها دفنت المعادلة والمبادرة العربية للسلام في صياغة الأرض مقابل السلام وأحلت محلها الصياغة الإسرائيلية السلام مقابل السلام.

وتواصل الضغط الأمريكي على جميع الأطراف العربية «مصر والمغرب والبحرين والإمارات» لتحويل منتدى النقب لجهاز وهيكل منظمة إقليمية نشطة تعقد اجتماعاتها بكثافة وفي مواعيدها لجنة التسيير steering Committee واجتمعت فرق العمل التابعة للمنتدى في يناير ٢٠٢٣ وصاغت أوراقا تفصيلية للتعاون في مجالات مختلفة لكن التنسيق الأمني والاستخباراتي وبناء نظام دفاع جوي موجه للمسيرات والصواريخ الباليستية الإيرانية تقدم خطوة على المجالات الأخرى.

ورافق ذلك تطور لا يقل خطورة ألا وهو نمو مذهل في العلاقات الثنائية بين دول الاتفاقيات الإبراهيمية وإسرائيل يكاد يستحيل حصر جوانبه المخيفة على الأمن العربي وأمن الدولة الوطنية العربية نفسها سواء في نمط الزيارات المتبادلة، مستواها العالي أو موضوعاتها الخطيرة أو معدلات واتفاقيات التعاون الاقتصادي والاستثمار العربي في الاقتصاد الإسرائيلي وضمان ازدهاره وتقدمه.

كل هذه المسارات وأوراق العمل كانت جاهزة للتوقيع والتصديق عليها في قمة النقب ٢ التي حدد موعدها في شهر مارس الجاري بالمغرب، لكن الموعد تم تأجيله غالبا بطلب من الدول العربية الأربع المشاركة والسبب ليس حدوث أي تراجع من جانبهم ولكن الخشية من أن تؤدي السياسات والأعمال المجنونة لأكبر حكومة متطرفة في تاريخ إسرائيل من توسع في سرقة أراضي الضفة الغربية المحتلة وبناء مستوطنات واقتحام الجيش الإسرائيلي للمدن والقرى الفلسطينية في أكبر عمليات مجازر وقتل الفلسطينيين وصلت لأكثر من ستين فلسطينيا خلال أقل من ٣ أشهر إلى إحراج سياسي كبير للحكومات العربية الأعضاء أمام الشعوب العربية خاصة مع اقتراب شهر رمضان المبارك وما تسببه المضايقات العنصرية الإسرائيلية للفلسطينيين في الصلاة بالمسجد الأقصى واعتدائهم على باحاته المقدسة.

ولأن واشنطن ترغب في إنقاذ قمة النقب ٢ وعقدها في أقرب وقت ملائم سياسيا وترغب في منع المقاومة الفلسطينية مثل عرين الأسد أو فدائيي مخيم جنين وغيرهم في رد فعل مضاد على الإرهاب الثلاثي المنسق لمجازر المستوطنين وجيش وشرطة الاحتلال الذي أوجع إسرائيل بسقوط عشرة قتلى.. ولن تسمح أيضا بتجميد خطة إدماج إسرائيل في المنطقة قررت الدفع والضغط في اتجاه اجتماع النقب الذي تكفلت الأزمة المالية والاقتصادية الطاحنة لكل من مصر والأردن والسلطة الفلسطينية بجعلهم يوافقون على عقدها في أول اجتماع من نوعه منذ عشر سنوات كاملة.

- توسيع إطار النقب وإنهاء المقاطعة الأردنية لقمته الأولى واجتماعات لجانه أي أن إسرائيل الملزومة أمنيا سيضمن الفلسطينيون أمنهم من ناحية وتحصل على مكافأة إضافية ألا وهي انضمام الأردن الدولة المحورية في القضية الفلسطينية إلى المنتدى الإقليمي إذ إن الأردن الذي هو في حاجة للمساعدات المالية الأمريكية في أزمته الراهنة والذي يتم تحذيره- صدقا أو كذبا- أنه سيتم تجاوزه كلاعب إقليمي في هذه الترتيبات الإقليمية- الجديدة إذا ظل بعيدا عنها سينضم في الغالب لمنتدى النقب.

- تحويل السلام البارد مع مصر والأردن على مدى العقود السابقة ومحاولة إنهاء العداء الشعبي العربي الجارف للتطبيع (حسب استطلاعات الرأي فإن ٩٠٪ من الشعبين المصري والأردني معادون للتطبيع مع إسرائيل). أي تحويله إلى سلام ساخن على غرار السلام الإبراهيمي.

حسين عبد الغني إعلامي وكاتب مصري