أفكار وآراء

خطاب حالة الاتحاد وأجندة بايدن الخارجية

ترجمة قاسم مكي -

على الرغم من أن ملاحظات رئيس الولايات المتحدة التي يُدلِي بها في 'خطاب حالةِ الاتحاد' شأن داخلي أساسا إلا أنها توضح أولويات السياسة الخارجية الأمريكية لباقي العالم، فهي تكشف عن 'المؤثرات' التي تفهمُ عبرَها الولاياتُ المتحدة أمنَها القومي ودورَها في العالم.

يأتي خطاب حالة الاتحاد في العام الحالي غدا (7 فبراير) مع اقتراب الذكرى الأولى لحرب أوكرانيا، وفيما تحاول الولايات المتحدة بناء دعم دولي لإجراءات اقتصادية قاسية تجاه الصين.

محليا ستفرض سيطرةُ الجمهوريين على مجلس النواب ضغطا جديدا على خيارات السياسة الخارجية، أيضا الضغوط الانتخابية تقترب، وسيتوجب على بايدن أن يعلن قريبا عن موقفه من الانتخابات الرئاسية في عام 2024، وهل سيخوضها أم لا.

التحالفات والشراكات هي القوة المحركة بالنسبة لبايدن، ومع اشتداد الضغط لإنهاء الحرب في أوكرانيا سيكون الحفاظ على الوحدة عبر الأطلسية (بين أوروبا والولايات المتحدة) بشأن أوكرانيا أولويةً رئيسية للرئيس بايدن، ومع تحول الأنظار إلى السياسة الانتخابية الأمريكية سيكون ضمان وضوح دور أوروبا في كفالة الأمن بحديقتها الخلفية الخاصة بها ضروريا.

اعتبار رئيس أمريكي الصين، والمنطقةَ الهندو- باسيفيكية (بلدان المحيطين الهندي والهادي) أهم تحد جيوسياسي للولايات المتحدة في الأجل الطويل، ومنافسَها النِّدَّ والوحيد سيعرِّض وحدة الموقف الأوروبي-الأمريكي تجاه الصين لضغوط أيضا.

في الأثناء، يواصل القادة الجمهوريون الذين يرأسون معظم اللجان الرئيسية لمجلس النواب إرسال إشارات بدعمهم لأوكرانيا، وتوضح الاستطلاعات أن الرأي العام الأمريكي في أغلبه (54%) يفضل إرسال إما الأسلحة أو أنظمة الدفاع الجوي، وتكشف آخر الاستطلاعات عن فجوة متزايدة بين مؤيدي الديموقراطيين والجمهوريين مع أغلبية ضئيلة (52%) للجمهوريين الذين يعارضون الآن تقديم المزيد من الدعم لأوكرانيا.

قدرة بايدن على إثبات استمرار وحدة أمريكا وشركائها الأوروبيين في سياستهم تجاه أوكرانيا، وروسيا ستعينه على تحاشي التعصب الحزبي، وسيساعده تصديق الكونجرس بمبلغ 45 بليون دولار لأوكرانيا في موازنة إنفاق نهاية العام على النأي عن معترك السياسة الحزبية في الوقت الحالي، لكن إذا كان هناك غياب لمؤشرات واضحة أن أوكرانيا تحقق نجاحا في أهدافها من الحرب يمكن أن يصبح الحفاظ على الدعم الداخلي أكثر صعوبة.

من المرجح أيضا أن يكون هنالك اهتمام أكبر بالصين والهند والمنطقة الهندو-باسيفيكية في عام 2023، والتعاون بين الجمهوريين والديموقراطيين قوي حول الصين، والجمهوريون أكثر تشددا في مقاربتهم للصين من الرئيس الأمريكي، فيما يؤيد الرأي العام الإجراءات المتشددة، ومع أوضاع الحرب في أوروبا سيؤكد بايدن أكثر على ضرورة الحفاظ على الوحدة الأوروبية الأمريكية، والعمل مع ائتلاف أوسع للشركاء في المنطقة الهندو- باسيفيكية.

التركيز على الصين تم التمهيد له مسبقا، فطوال عام 2022 عملت إدارة بايدن باستمرار، ولكن في هدوء على رسم سياستها تجاه الصين.

قبل حرب روسيا لأوكرانيا في فبراير نشرت الولايات المتحدة استراتيجيتها الأمريكية - الهندو باسيفيكية الجديدة التي تؤكد على الشراكات الإقليمية، خصوصا الرباعية ومجموعة الآسيان، وعزمها على صياغة المبادئ الأساسية للمنطقة، وذكرت في جرأة، ولو أن ذلك كان في وثيقة لم يتم الانتباه لها إلى حد كبير، أن هدفها ليس تغيير الصين، ولكن 'تشكيل البيئة الاستراتيجية التي تعمل فيها'.

هذه سياسة تؤشر إلى تخلٍّ واضح عن المقاربة الأكثر نزوعا إلى الأيديولوجيا التي اتبعتها الولايات المتحدة خلال السنة الأخيرة لرئاسة دونالد ترامب.

وفي مايو أعلنت الولايات المتحدة عن استراتيجيتها الاقتصادية للمنطقة المتمثلة في الإطار الاقتصادي الهندو باسيفيكي،

الآن مجال التنافس مع الصين والاصطفاف إلى جانب شركاء وحلفاء الولايات المتحدة يتركز بشدة على التقنية ويختفي بسرعة الفاصل بين الأمن القومي، والاستراتيجية الاقتصادية في سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين.

لقد طغى تركيز سياسة بايدن على الاستثمار (في الداخل)، والوقوف (مع الحلفاء والشركاء)، والمنافسة (مع الصين) على المحادثات السابقة حول التعاون بين الولايات المتحدة والصين.

لكن مع فتح الصين أبوابها، وتطلع أوروبا إلى تعزيز اقتصاداتها سيتوجب على الولايات المتحدة الاجتهاد أكثر للحفاظ على الوحدة عبر الأطلسية.

قبول اليابان ونيذرلاند بضوابط تصدير رقائق أشباه الموصِّلات التي تبنتها الولايات المتحدة مؤشر إيجابي، لكن الاستراتيجية الأمريكية تجاه الصين قد تطرح خيارات قاسية لأوروبا، وإذا استخدمت الصين دبلوماسيتها سيتزايد الضغط أيضا على الوحدة عبر الأطلسية.

مجلس النواب بتشكيله الجديد سيزيد من تشدد بايدن تجاه الصين، ولا يزال بعض القادة الجمهوريين ينكرون حقيقة التغير المناخي، ولم يبد منهم أي اهتمام يذكر بالتعاون مع الصين حول إعفاء ديون البلدان النامية.

احتمال معالجة التحديات الدولية بدون تعاون الصين يبدو ضئيلا، وعلى بريطانيا وأوروبا العمل مع الرئيس الأمريكي والكونجرس لتصحيح ذلك.

من الواضح أن بايدن أدرك الأهمية البالغة للدبلوماسية في الشهور القادمة، ففي وقت يشهد تزايد التوترات سيتزايد أيضا احتمال أن يقود سوء الفهم أو سوء التفاهم إلى نزاع، لذلك الحاجة ملحّة لتعهد الولايات المتحدة والأوروبيين بتوسيع وتعميق الدبلوماسية مع الصين والصبر والمثابرة على ذلك.

الذين سينصتون باهتمام لخطاب حالة الاتحاد ومن تابعوا السياسة الأمريكية سيلاحظون أن الهيمنة المطلقة لليبرالية الجديدة تختفي بسرعة، لقد بدا أن الدولة الأمريكية كانت غائبة في الشهور الأولى للجائحة، وكان ذلك مزعجا، لكنها عائدة الآن وفي تحول مدهش للأحداث يجري تصوُّر الدولة 'حَلاّ' وليس 'مشكلة'.

فيما يتعلق بالاستراتيجية الاقتصادية وسياسة المناخ يبدو دور الدولة متعاظما، فالاستثمار الحكومي في التقنيات الجديدة والبحث والتطوير يحتل موقعا بارزا في استراتيجية بايدن تجاه الصين، وللمفارقة جاء هذا التحرك لتوظيف 'قوة الدولة' في لحظة تشهد تدني ثقة الأمريكيين في المؤسسات.

تشريع بايدن للمناخ الذي يسمى خطأ 'قانون خفض التضخم' يعتمد على الحوافز الضريبية والدعومات المالية لحفز الاستثمارات في السيارات الكهربائية والطاقة النظيفة، ومؤخرا سافر كبار حكام الولايات الأمريكية إلى المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس للتودد إلى الشركات الأوروبية، وحثها على نقل عملياتها الإنتاجية إلى ولاياتهم من خلال إغرائها بالفوائد التي يقدمها هذا القانون.

لكنه أيضا يقود إلى منافسة أوروبية أمريكية، ويذكِّر عدم رضا الأوروبيين عنه بأن الولايات ستواجه مصادر عديدة للتوتر سيلزمها التعامل معها في عام 2023، وأي منها يمكنه تقويض الوحدة الأوروبية الأمريكية في عام يجعلها أهم من أي وقت مضى، ويجب عدم اعتبار هذه الوحدة تحصيل حاصل.

ليزلي فينجاموري مديرة برنامج الولايات المتحدة والأمريكيتين بالمعهد الملكي للشؤون الدولية (شاتام هاوس) وعميدة أكاديمية الملكة إليزابيث الثانية للقيادة والشئون الدولية.

ترجمة خاصة لـ 'عمان'