أعمدة

نوافذ :لحظة حاسمة

 
shialoom@gmail.com

كثيرا ما نمتحن في ذواتنا؛ سواء من قبل أنفسنا، أو من قبل الآخرين من حولنا، هذا الامتحان الذي يضعنا أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن نكون أو لا نكون، وهي من المواقف التي لا يُحسد عليها أي إنسان، لأن النتائج المترتبة بعدها إما أن ترفع السقف السلوكي عند هذا الفرد، أو تهوي به إلى السحيق، وهناك الكثيرون ممن وقعوا في هذا المأزق، ولأن عوامل النجاة تكون؛ غالبا؛ ضئيلة، فإنهم دفعوا مقابل ذلك ثمنا باهظا؛ لربما؛ لم يدر في خلده أنه سيقع في ذلك في يوم من الأيام، وهذه الصورة أعلاه لا تخرج عن الفهم الذي تشير إليه الآية الكريمة: (وإذا قيل له اتقِ الله أخذته العزة بالإثم...) فالمقاربة هنا هي حالة التعنت التي يبديها الفرد، مع إدراكه أنه مخطئ، أو في طريقه نحو الخطأ، ومع ذلك -حسب التعبير الدارج- 'يركب رأسه' ولذلك هو يتلقى المأزق الناشئ بين مكابرته على الخطأ؛ وبين إنقاذ نفسه قبل فوات الأوان.

هناك من يسمي هذه المواقف بأنها نوع من العناد المبالغ في تقديره، لأن بعض المواقف لا تحتاج إلى هذا المستوى من التشدد، ويمكن أن تحل الأمور بأريحية بسيطة، حتى وإن رأى الفرد الواقع في مأزق المفاضلة بين أن يستسلم أو أن يصر على عناده؛ وإلا قَيَّم موقفه على أنه متخاذل، وأن الآخرين سوف يعيبون عليه قرار الانهزام، فإن في ذلك لحظة زمنية، لا يلبث الآخرون أن ينسوا ما حدث، أو يقدروا حالة الضعف هذه، وتعود المجاري عبر مساراتها الطبيعية المعتادة، وتكون الصورة خاتمتها 'لا ضرر ولا ضرار' ولكن مع ذلك فالإنسان محمّل بنوازع الشر كما هو محمّل بنوازع الخير، ومتى تغلب الشر على مجمل تصرفاته وقراراته، أدى ذلك إلى كثير من المتاعب عليه، وبصورة شخصية، وقد يؤثر ذلك على من حوله من خاصته.

يمكن النظر أيضا على التعنت في مثل المواقف المفصلية في حالة أن ذلك لا يحرّم حلالا، ولا يحلل حراما؛ تكون الأمور أقرب إلى السهل منها إلى الصعب، والناس فيما بينهم يتعافون الحدود، ويقدرون المواقف؛ بعد تراجع حالات شدة الغضب والتشدد، ولكن عندما يتعلق الأمر في الدخول في متون الحلال والحرام، وارتفاع سقف الخطورة المفضية إلى غضب الله سبحانه وتعالى هنا يتطلب الأمر العودة السريعة إلى منهج الحق، حتى ولو أدى هذا التراجع إلى الهزيمة الوجدانية التي قد يستشعرها الفرد في تلك اللحظة الحاسمة من اتخاذ القرار، وفي الآية أعلاه هناك تشديد كبير وقوي: (... فحسبه جهنم ولبئس المهاد)، فمن هذا العاقل يصل بمكابرته إلى هذا المستوى من التعنت والعناد؟ لا أتصوّر أن لدى ذو بصيرة يمكن أن يصل به العناد عن العودة إلى الحق، والالتحام بالباطل، ولو كان في هذا الباطل منجاة -كما يتصوّر.

أجزم أن الكثيرين منا وقعوا في مآزق 'مواقف مفصلية' وكانت أمامهم خيارات صعبة في اتخاذ موقف موافق أو مختلف في تلك اللحظة المصيرية من حياته 'والمرء في المحنة عي' فيا حظ من انحاز إلى ما يرضي الله، وما يبعث إلى الاطمئنان والرضا، ونعزي من خانته البصيرة، فذهب إلى حيث المآلات الصعبة، والنتائج الوخيمة.