إعانات الدعم: حرب بلا رابح
الاثنين / 7 / رجب / 1444 هـ - 22:52 - الاثنين 30 يناير 2023 22:52
بعد «حروب الـعُـملة» في العقد المنصرم و«الحروب التجارية» التي شنها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ينشأ شكل جديد من أشكال الصراع بين اثنتين من القوى الكبرى في العالم. أو على الأقل، كانت هذه فحوى الأحاديث أثناء المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، حيث ساور الخبراء وصناع السياسات القلق الشديد بشأن ما يسمى «حروب إعانات الدعم».
كان إقرار قانون خفض التضخم في الولايات المتحدة الطلقة الأولى في هذه الحرب. يتضمن هذا القانون 369 مليار دولار من إعانات الدعم والمزايا الضريبية المقدمة للشركات الأمريكية التي تستخدم التكنولوجيات الخضراء. في الرد عليه، وعدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بتخفيف قواعد الاتحاد الأوروبي التي تحكم المساعدات التي تقدمها كل دولة، بما يمكن البلدان الأعضاء من ضخ السيولة النقدية إلى الصناعات الخضراء. قالت في محاولة جاهدة للدفاع عن تحول الكتلة نحو سياسات الحماية: «للحفاظ على جاذبية الصناعة الأوروبية، نحن في احتياج إلى القدرة على منافسة العروض والحوافز المتاحة حاليا خارج الاتحاد الأوروبي». من الإنصاف أن نذكر هنا أن أولئك المهتمين بتكاليف حرب إعانات الدعم الأوروبية الأمريكية هم الأكاديميون في الأساس. لا يكره أهل المال والأعمال إعانات الدعم إلا عندما لا يتلقونها. سمعت أحد ملوك المال يقول عن قانون خفض التضخم: «إنه يغير قواعد اللعبة». وأضاف أن شركته قررت مؤخرا إطلاق أربعة مشاريع استثمارية خضراء ضخمة في الولايات المتحدة وأنها تفكر في إطلاق مشاريع مماثلة عبر الأطلسي إذا وضع الاتحاد الأوروبي القدر الكافي من المال على الطاولة. مع التحركات الأمريكية والأوروبية الأخيرة، يحتدم الجدال حول إعانات الدعم الخضراء. يصف أنصار هذه السياسات بأنها استجابة لا غنى عنها في التصدي للتهديد الوجودي المتمثل في تغير المناخ، في حين يزعم المشككون أن نشر الموارد على هذا النحو الهائل سيؤدي حتما إلى السعي وراء الريع وانعدام الكفاءة.
القضية ليست ما إذا كان ينبغي للحكومات أن تدعم الصناعات الرحيمة بالبيئة. فمن الـمُـسَـلَّـم به على نطاق واسع أن الحكومات يتعين عليها أن تقدم الحوافز المالية لمنع نقص الاستثمار، خاصة أن عوائد الاستثمارات الخضراء الاجتماعية تتجاوز العوائد التي تتحقق للشركات الخاصة. القضية خلافا لذلك هي ما إذا كان من الواجب على الحكومات أن تقدم هذه الحوافز للشركات المحلية فقط.
في دافوس، دعت فون دير لاين إدارة الرئيس جو بايدن إلى منح الشركات الأوروبية العاملة في الولايات المتحدة إمكانية الحصول على ذات إعانات الدعم التي تحصل عليها الشركات المحلية. ولكن في حالة موافقة بايدن، وهو احتمال غير مرجح، فإن هذا من شأنه أن يدفع ببقية العالَـم إلى وضع غير موات. إذا كانت السيارة الكهربائية المجمعة في ولاية ميشيجان بواسطة شركة أمريكية تحقق ذات معدلات توفير الانبعاثات التي تحققها سيارة مماثلة مجمعة في سول بواسطة شركة كورية جنوبية، فلماذا ندعم إحداهما وليس الأخرى؟
ثلاثة أسباب على الأقل تجعل حرب إعانات الدعم ضارة اقتصاديا. الأول هو الانتقام. برغم أن إعانات الدعم الخضراء من الممكن أن تشجع المزيد من الاستثمار، فإنها قد تؤدي أيضا إلى ترسيخ الشركات القائمة غير الفَـعّـالة. وإذا قررت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشكل تعاوني مستوى الدعم، فسوف يختارا ما «يناسب» الجميع. لكن هذه ليست النتيجة في حرب إعانات الدعم. إذ إن محاولة أحد الجانبين اجتذاب الاستثمار الأخضر من شأنها أن تُـفضي إلى ردة فعل من الجانب الآخر. وقد يؤدي التصعيد اللاحق لإعانات الدعم وإعانات الدعم المضادة إلى جعل التكاليف تتجاوز الفوائد.
المشكلة الثانية هي أن ما يعود بالفائدة على أوروبا والولايات المتحدة لا يفيد العالَـم بالضرورة. إذا كان الهدف هو تقليص الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي، فقد يكون الكوكب في حال أفضل إذا استُـخـدِمَت إعانات الدعم بالدولار واليورو لشراء ألواح شمسية صينية أرخص. بهذه الطريقة، سيحقق ذات الإنفاق قدرا أعظم من خفض الانبعاثات ودرجات الحرارة للبشرية جمعاء. الخطر الثالث هو أن حرب إعانات الدعم قد تؤدي إلى إهدار الموارد المالية. فإذا ظلت أسعار الفائدة الحقيقية طويلة الأجل في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أقل من معدلات نموهما، كما يعتقد كثيرون من الاقتصاديين البارزين، فلن تكون هذه مشكلة، لأن الحكومات تستطيع أن تنفق وتقترض دون الحاجة إلى زيادة الضرائب في المستقبل. ولكن إذا انتهى عصر أسعار الفائدة المنخفضة، فلا بد أن تشكل التكلفة المالية الضخمة المترتبة على إعانات الدعم مصدر قلق. ولكن ما حجم هذه المخاطر الاقتصادية؟ لا أحد يستطيع أن يجزم، لكن هناك من الأسباب ما يدعونا إلى التعامل بقدر من الحذر مع التحذيرات الرهيبة. على سبيل المثال، تشير تقديرات حديثة إلى أن حرب ترامب التجارية مع الصين كان لها تأثير أقل كثيرا على الاقتصاد الأمريكي مما توقع كثيرون، حيث أسفرت عن خسائر في الرفاهة بنسبة تقرب من 0.1% من الناتج المحلي الإجمالي. وكانت أداة هذه الحرب الرسوم الجمركية، التي تثبط التجارة، في حين تشجع إعانات الدعم تخفيضات مفيدة للانبعاثات. بالإضافة إلى هذا، يعتمد التأهل للحصول على معونات الدعم على متطلبات معقدة تتعلق «بالمحتوى المحلي» والتي يمكن تعديلها إذا أصبحت مرهقة بدرجة أكبر مما ينبغي. علاوة على ذلك، سوف يكون التأثير الاقتصادي المترتب الذي ستخلفه حرب إعانات الدعم بين الولايات المتحدة وأوروبا على بقية العالم محدودا في الأرجح. صحيح أن الشركات خارج الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد تتضرر، ولكن إذا تسببت إعانات الدعم الخضراء في التعجيل بالتحول إلى الطاقة النظيفة وساعدت في احتواء الاحتباس الحراري الكوكبي، فسوف يجني العالم بأسره الفوائد. ينطبق الأمر ذاته على المخاطر المالية. فقد تواجه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف بعض المشكلات إذا استمرت أسعار الفائدة الحقيقية في الارتفاع وظلت مرتفعة. ولكن عندما يأتي ذلك اليوم، إذا أتى، فهناك الكثير من النفقات المهدرة التي تستطيع الحكومات -وينبغي لها- أن تقلصها قبل خفض إعانات الدعم الخضراء.
الواقع أن الخطر الأكثر إلحاحا سياسي. ذلك أن إعانات الدعم الأمريكية تنتهك قواعد منظمة التجارة العالمية التي تحظر التمييز ضد المنتجات أو الشركات على أساس بلد المنشأ. ولا يجوز للاتحاد الأوروبي أن يسير على خطى بايدن. في وقت يتسم بتصاعد التوترات الجيوسياسية، ينبغي للديمقراطيات الرائدة في العالم أن تستهدف تعزيز النظام العالمي القائم على القواعد، وليس تقويضه. الأمر الأكثر أهمية هنا هو أن حرب إعانات الدعم من شأنها أن تفسد العلاقات السياسية والدبلوماسية بين الولايات المتحدة وأوروبا في أسوأ وقت ممكن، حيث تواجه الديمقراطيات الليبرالية الحرب الروسية في أوكرانيا، والتوسعية الصينية، والأنظمة غير الليبرالية في أوروبا الوسطى والشرقية، وآسيا، وأمريكا اللاتينية.
إذا كان لنا أن ننجح في تخفيف أسوأ التأثيرات المترتبة على تغير المناخ، فمن الأهمية بمكان أن يعمل صناع السياسات الأمريكيون والأوروبيون معا، بدلا من الاستغراق في مجادلات تافهة حول إعانات الدعم الخضراء.
أندريس فيلاسكو، المرشح الرئاسي السابق ووزير المالية في تشيلي، وعميد كلية السياسة العامة في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.
كان إقرار قانون خفض التضخم في الولايات المتحدة الطلقة الأولى في هذه الحرب. يتضمن هذا القانون 369 مليار دولار من إعانات الدعم والمزايا الضريبية المقدمة للشركات الأمريكية التي تستخدم التكنولوجيات الخضراء. في الرد عليه، وعدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بتخفيف قواعد الاتحاد الأوروبي التي تحكم المساعدات التي تقدمها كل دولة، بما يمكن البلدان الأعضاء من ضخ السيولة النقدية إلى الصناعات الخضراء. قالت في محاولة جاهدة للدفاع عن تحول الكتلة نحو سياسات الحماية: «للحفاظ على جاذبية الصناعة الأوروبية، نحن في احتياج إلى القدرة على منافسة العروض والحوافز المتاحة حاليا خارج الاتحاد الأوروبي». من الإنصاف أن نذكر هنا أن أولئك المهتمين بتكاليف حرب إعانات الدعم الأوروبية الأمريكية هم الأكاديميون في الأساس. لا يكره أهل المال والأعمال إعانات الدعم إلا عندما لا يتلقونها. سمعت أحد ملوك المال يقول عن قانون خفض التضخم: «إنه يغير قواعد اللعبة». وأضاف أن شركته قررت مؤخرا إطلاق أربعة مشاريع استثمارية خضراء ضخمة في الولايات المتحدة وأنها تفكر في إطلاق مشاريع مماثلة عبر الأطلسي إذا وضع الاتحاد الأوروبي القدر الكافي من المال على الطاولة. مع التحركات الأمريكية والأوروبية الأخيرة، يحتدم الجدال حول إعانات الدعم الخضراء. يصف أنصار هذه السياسات بأنها استجابة لا غنى عنها في التصدي للتهديد الوجودي المتمثل في تغير المناخ، في حين يزعم المشككون أن نشر الموارد على هذا النحو الهائل سيؤدي حتما إلى السعي وراء الريع وانعدام الكفاءة.
القضية ليست ما إذا كان ينبغي للحكومات أن تدعم الصناعات الرحيمة بالبيئة. فمن الـمُـسَـلَّـم به على نطاق واسع أن الحكومات يتعين عليها أن تقدم الحوافز المالية لمنع نقص الاستثمار، خاصة أن عوائد الاستثمارات الخضراء الاجتماعية تتجاوز العوائد التي تتحقق للشركات الخاصة. القضية خلافا لذلك هي ما إذا كان من الواجب على الحكومات أن تقدم هذه الحوافز للشركات المحلية فقط.
في دافوس، دعت فون دير لاين إدارة الرئيس جو بايدن إلى منح الشركات الأوروبية العاملة في الولايات المتحدة إمكانية الحصول على ذات إعانات الدعم التي تحصل عليها الشركات المحلية. ولكن في حالة موافقة بايدن، وهو احتمال غير مرجح، فإن هذا من شأنه أن يدفع ببقية العالَـم إلى وضع غير موات. إذا كانت السيارة الكهربائية المجمعة في ولاية ميشيجان بواسطة شركة أمريكية تحقق ذات معدلات توفير الانبعاثات التي تحققها سيارة مماثلة مجمعة في سول بواسطة شركة كورية جنوبية، فلماذا ندعم إحداهما وليس الأخرى؟
ثلاثة أسباب على الأقل تجعل حرب إعانات الدعم ضارة اقتصاديا. الأول هو الانتقام. برغم أن إعانات الدعم الخضراء من الممكن أن تشجع المزيد من الاستثمار، فإنها قد تؤدي أيضا إلى ترسيخ الشركات القائمة غير الفَـعّـالة. وإذا قررت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشكل تعاوني مستوى الدعم، فسوف يختارا ما «يناسب» الجميع. لكن هذه ليست النتيجة في حرب إعانات الدعم. إذ إن محاولة أحد الجانبين اجتذاب الاستثمار الأخضر من شأنها أن تُـفضي إلى ردة فعل من الجانب الآخر. وقد يؤدي التصعيد اللاحق لإعانات الدعم وإعانات الدعم المضادة إلى جعل التكاليف تتجاوز الفوائد.
المشكلة الثانية هي أن ما يعود بالفائدة على أوروبا والولايات المتحدة لا يفيد العالَـم بالضرورة. إذا كان الهدف هو تقليص الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي، فقد يكون الكوكب في حال أفضل إذا استُـخـدِمَت إعانات الدعم بالدولار واليورو لشراء ألواح شمسية صينية أرخص. بهذه الطريقة، سيحقق ذات الإنفاق قدرا أعظم من خفض الانبعاثات ودرجات الحرارة للبشرية جمعاء. الخطر الثالث هو أن حرب إعانات الدعم قد تؤدي إلى إهدار الموارد المالية. فإذا ظلت أسعار الفائدة الحقيقية طويلة الأجل في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أقل من معدلات نموهما، كما يعتقد كثيرون من الاقتصاديين البارزين، فلن تكون هذه مشكلة، لأن الحكومات تستطيع أن تنفق وتقترض دون الحاجة إلى زيادة الضرائب في المستقبل. ولكن إذا انتهى عصر أسعار الفائدة المنخفضة، فلا بد أن تشكل التكلفة المالية الضخمة المترتبة على إعانات الدعم مصدر قلق. ولكن ما حجم هذه المخاطر الاقتصادية؟ لا أحد يستطيع أن يجزم، لكن هناك من الأسباب ما يدعونا إلى التعامل بقدر من الحذر مع التحذيرات الرهيبة. على سبيل المثال، تشير تقديرات حديثة إلى أن حرب ترامب التجارية مع الصين كان لها تأثير أقل كثيرا على الاقتصاد الأمريكي مما توقع كثيرون، حيث أسفرت عن خسائر في الرفاهة بنسبة تقرب من 0.1% من الناتج المحلي الإجمالي. وكانت أداة هذه الحرب الرسوم الجمركية، التي تثبط التجارة، في حين تشجع إعانات الدعم تخفيضات مفيدة للانبعاثات. بالإضافة إلى هذا، يعتمد التأهل للحصول على معونات الدعم على متطلبات معقدة تتعلق «بالمحتوى المحلي» والتي يمكن تعديلها إذا أصبحت مرهقة بدرجة أكبر مما ينبغي. علاوة على ذلك، سوف يكون التأثير الاقتصادي المترتب الذي ستخلفه حرب إعانات الدعم بين الولايات المتحدة وأوروبا على بقية العالم محدودا في الأرجح. صحيح أن الشركات خارج الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد تتضرر، ولكن إذا تسببت إعانات الدعم الخضراء في التعجيل بالتحول إلى الطاقة النظيفة وساعدت في احتواء الاحتباس الحراري الكوكبي، فسوف يجني العالم بأسره الفوائد. ينطبق الأمر ذاته على المخاطر المالية. فقد تواجه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف بعض المشكلات إذا استمرت أسعار الفائدة الحقيقية في الارتفاع وظلت مرتفعة. ولكن عندما يأتي ذلك اليوم، إذا أتى، فهناك الكثير من النفقات المهدرة التي تستطيع الحكومات -وينبغي لها- أن تقلصها قبل خفض إعانات الدعم الخضراء.
الواقع أن الخطر الأكثر إلحاحا سياسي. ذلك أن إعانات الدعم الأمريكية تنتهك قواعد منظمة التجارة العالمية التي تحظر التمييز ضد المنتجات أو الشركات على أساس بلد المنشأ. ولا يجوز للاتحاد الأوروبي أن يسير على خطى بايدن. في وقت يتسم بتصاعد التوترات الجيوسياسية، ينبغي للديمقراطيات الرائدة في العالم أن تستهدف تعزيز النظام العالمي القائم على القواعد، وليس تقويضه. الأمر الأكثر أهمية هنا هو أن حرب إعانات الدعم من شأنها أن تفسد العلاقات السياسية والدبلوماسية بين الولايات المتحدة وأوروبا في أسوأ وقت ممكن، حيث تواجه الديمقراطيات الليبرالية الحرب الروسية في أوكرانيا، والتوسعية الصينية، والأنظمة غير الليبرالية في أوروبا الوسطى والشرقية، وآسيا، وأمريكا اللاتينية.
إذا كان لنا أن ننجح في تخفيف أسوأ التأثيرات المترتبة على تغير المناخ، فمن الأهمية بمكان أن يعمل صناع السياسات الأمريكيون والأوروبيون معا، بدلا من الاستغراق في مجادلات تافهة حول إعانات الدعم الخضراء.
أندريس فيلاسكو، المرشح الرئاسي السابق ووزير المالية في تشيلي، وعميد كلية السياسة العامة في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.