omandaily

أعمدة

الربوبة، وإشكالية التسمية

توجد صعوبة في فهم معاني أسماء بعض فنون الموسيقى التقليدية العُمانية، وبسبب صعوبة العثور على مصادر مكتوبة تفسر تلك الأسماء، فإن أحد الخيارات لفهم تلك المعاني الاستئناس إلى روايات الممارسين الذين توارثوا هذه الفنون الغنائية. ولكن، يستعصي أحيانا حتى على هؤلاء تفسير العديد من المعاني في هذا الشأن، وتختفي الحقيقة بالتقادم أو تكاد. ولا يبقى لفك لغز معاني بعض التسميات غير المقارنات والاستنتاجات من خلال بعض الدلالات أو المؤشرات في اللغة المحلية كما في حال اسم 'الربوبة' الذي -حسب علمي- لا جذر لغوي له في معجم العربية الدارجة إلا أن يكون تحريفا لاسم 'ربابة' كما قد يبدو من ظاهر اللفظ. من هنا السؤال يعيد نفسه: ما معنى اسم ربوبة؟.

منذ نهاية الثمانينيات من القرن العشرين سار تفسير معنى الربوبة مسار عدم اليقين انطلاقا من التعريف الذي أورده الدكتور يوسف شوقي مصطفى -رحمة الله عليه- في معجم موسيقى عُمان التقليدية، حيث كتب إن الربابة: ' آلة وترية من ذوات القوس لها وتر واحد، كانت تعزف فيما مضى في المنطقة الجنوبية (ظفار) مصاحبة لرقصة الربوبة التي سميت باسم الآلة الموسيقية. والربابة آلة وافدة من اليمن وانقرضت في عُمان منذ عهد ليس بعيدا، ولم يبق منها إلا اسم ذلك الفن الذي كانت تصاحبه، الربوبة'.

كان هذا هو التفسير الذي يستند كما لاحظنا إلى الاعتقاد بوجود آلة الربابة في ظفار وهو التفسير الوحيد المكتوب، ولكن حسب معلوماتي، هذه الآلة غير مستعملة لا في ظفار ولا في اليمن، وإن هذا الفن له جذور محلية صرفة. وفي الواقع، رقصة الربوبة واحدة من الرقصات العُمانية المختلطة الأكثر جمالا وأناقة. وصنع في هذا الفن بعض الشعراء الملحنين أجمل الأصوات الشعبية في مقدمتهم الشاعر جمعان ديوان، ومنها: يا صولي، ويا صانع اصنع لي طيارة، وحبيبي من سافر ما رسل لي مكتوب.. وحديثا يعلم الجميع أصوات الربوبة الوطنية الشهيرة التي صنعها ملحنون شباب مثل: يا حافظ احفظها من ديرة، وحلوة عُمان وغيرهما.

وبالعودة إلى إشكالية تفسير التسمية فإن 'الحكاية تبتدئ' من التعريف السابق ذكره. ولما كان الدكتور شوقي يعتقد بأن التسمية جاءت من اسم آلة الربابة المعروفة، فقد ذكرت في كتابي: 'الموسيقى التقليدية مقاربة تعريفية وتحليلية' بأن آلة الربابة حديثة نسبيا في الموسيقى التقليدية العُمانية وتستورد من بعض البلدان العربية.. ولكن، مصطلح الربابة شائع في المعجم الموسيقي الشفهي، وربما اسم الربوبة مشتق منه أو تحريف له '. وهذا يعني أني كنت أشك بأن تكون آلة الربابة المعروفة هي مصدر التسمية السابقة لحداثة الآلة وقدم الفن، واعتقدت بوقوع تحريف في التسمية من الكلمة ربابة إلى ربوبة. ولكن استنادا إلى روايات أشخاص أثناء بحث ميداني في مرباط وصلالة وجدت أن ' فرقة بيت جوهر وهم متخصصون في الربوبة، كان لدى أحدهم آلة وترية يسميها 'إروت'؛ وهي كذلك تسمية شائعة للربوبة عندهم. كما وجدت كذلك غناء آخر أقدم يسمى بالعربية الشحرية/ الجبالية: ' إروت أو إريب'؛ وهو غناء تقليدي قديم يمارسه بشكل خاص رعاة الإبل، وربما له رواسب ثقافية قديمة كنوع من الابتهالات للرب، فمعنى الكلمة حسب ترجمتي: الغناء للرب أو يا رب. ولكن هذا ' الابتهال ' إن جاز الوصف لا تزال معلوماتي محدودة بشأنه ولم يوثق بعد. من هنا، أعتقد بإن الربوبة تسمية محرفة أو (معربة) من كلمة 'إروت' الشحرية وعرفت بالربوبة عند الناطقين بالعربية الدارجة في مدن ظفار الساحلية، وهناك أمثلة مشابهة ومتعددة لمثل هذا 'التعريب' إن جاز القول من الشحرية إلى العربية والعكس كذلك صحيح.

أما الآلة المذكورة من قبل بعض الرواة والتي سماها صاحبها ' إروت ' نسبة إلى الغناء الذي حمل نفس التسمية، فهي آلة نقر وليست آلة قوسية، وتتكون كما ذكرت في الكتاب المشار إليه نقلا عن الرواة ' من صندوق مصوت من ثمرة القرع، ويشد عليها وتر واحد من المعدن، ويضرب عليه بأداة حادة، وقد انقرضت هذه الآلة منذ فترة طويلة '، ولكن شاهدها واحد من رواتي الموثوقين وذكرته في كتابي: 'من الغناء العُماني المعاصر دراسة في ألحان سالم بن علي وجمعان ديوان '.

وعلى كل حال هذه آلة محدودة الاستعمال وربما صنعت باجتهاد فردي ولم تترسخ كآلة مصاحبة للربوبة. ولكن السؤال الآن: هل لا يزال رعاة الإبل محافظين على غنائهم إروت؟.