أفكار وآراء

اليمين المتطرف .. التهديد الأساسي

ترجمة - أحمد شافعي -

لعلها كانت سترة التويد وربطة العنق. أو ربما اللقب الآتي من القرون الوسطى: أي هنريتش الثالث عشر أمير رويس. في أي من الحالتين، فإن الرجل الذي ظهر على رأس المؤامرة المشتبهة للإطاحة بالحكم الألماني، والذي كشف أمره من خلال سلسلة من المداهمات يوم الأربعاء الماضي، كان من السهل اعتباره مزحة. وقد مضت برامج السهرة التلفزيونية في ألمانيا إلى السخرية المباشرة من الأرستقراطي البالغ من العمر إحدى وسبعين سنة ومن أحلامه الضالة ومن خزانة ثيابه أيضا.

قبل أسبوع، كانت السخرية من الثياب موجهة إلى (يي Ye)، مطرب الراب المعروف سابقا بـ(كانيي ويست)، ووجهه المحجوب تماما بقناع تزلج، وثنائه على هتلر والنازيين في مقر (إنفووورزInfowars ) باعتباره ضيفا على صاحب نظريات المؤامرة المفلس أليكس جونز.

فاقت بعض أقوال (يي) قدرة جونز نفسه على الاحتمال، وأثارت الضحك على الإنترنت، لأسباب ليس أقلها أن (يي)كان قد تناول العشاء مسبقا مع دونالد ترامب، بحضور منكر الهولوكوست القائل بتفوق العرق الأبيض نيك فوينتيس. فما فيه تجاوز للحدود بالنسبة لجونز بدا في ظاهر الأمر مقبولا لدى ترامب.

لكن ليس أي من ذلك كله مزحة. بل إن كلا الحدثين ـ أي المؤامرة الإرهابية المحبَطة ممن وصفوا بـ«مواطني الرايخ» وإضفاء الشرعية على العنصرية المتطرفة من القائد الفعلي لأحد الحزبين الحاكمين في الولايات المتحدة ـ يشير إلى تصاعد خطر عالمي، كثيرا ما يعد إما أكثر سخفا أو أكثر هامشية من أن يمثل تهديدا حقيقيا. وهذا الخطر يعيش بصورة شبه تامة على الإنترنت، وجنود مشاته لا ينتمون إلى النبالة الأوروبية أو نجوم الراب، وإنما هم مثلما يقول أحد مراقبيهم عن كثب «شباب، بيض، مناهضون للهجرة، نازيون جدد، تمتد بينهم شبكات على الإنترنت قوامها ثقافات ثانوية تعظِّم الإرهاب وتولِّده».

ربما يكون الخطر كامنا وراء الشاشات، لكنه لا يبقى هناك. وذلك أمر واضح منذ بعض الوقت. وتذكروا المجزة التي راح ضحيتها اثنان وتسعون نرويجيا في 2011 أغلبهم من الشباب. أو ذبح تسعة وأربعين في مسجدين بكرايستشيرش في نيوزيلاندا سنة 2019. أو القتل الجماعي في معبد شجرة الحياة اليهودي في بيتسبرج قبل ستة أشهر. أو إطلاق الرصاص على عشرة من العمال والزبائن السود في متجر في بافالو على يد مراهق أبيض في مايو من العام الحالي.

تتبع هذه الفظائع نمطا نجد فيه القاتل يسعى لا إلى القتل فحسب، وإنما إلى البث المباشر لوحشيته، مصاحبا ذلك بإطلاق بيانه المفترض، ويكون نصا طويلا يحدد فيه نفس الأعداء جميعا: أي السود والمثليين واليهود.

في أكتوبر، اتبع مراهق سلوفاكي النموذج المعتاد حينما فتح النار على حانة للمثليين في براتيسلافا فقتل اثنين. وقبل ذلك بساعات، كان قد نشر نصا من 65 صفحة يبين فيه مرة أخرى أن هناك مؤامرة عالمية للحط من السلالة البيضاء وتدميرها، وإن أسلحة المتآمرين فيها هي التنوع العرقي وحقوق المثليين. ومن الذي قد يكون وراء هذا الشر؟ تقول الوثيقة في بدايتها «إنهم اليهود. إنهم اليهود. إنهم اليهود».

على مدار عقدين بعد الحادي عشر من سبتمبر، كان أي حديث عن الإرهاب العالمي أو «الحرب على الإرهاب» يعني شيئا واحدا: هو مواجهة الجهادية العنيفة. ولا تتوهموا أن هذا الخطر قد انتهى، حتى لو أن المحللين يؤمنون بأنه تراجع في المملكة المتحدة في السنتين أو السنوات الثلاث الماضية. ولكن عندما يتعلق الأمر بالإرهاب الدولي، لم تعد الجهادية تنفرد بالمسرح.

يتطلب هذا تحولا. في الأسبوع الحالي، نبه وزير الشؤون الداخلية في أستراليا إلى أن قوانين مكافحة الإرهاب ينبغي أن تتغير لو أراد البلد أن يتعامل مع خطر العنف اليميني المتطرف الصاعد. وفي ألمانيا، بعد التعرف على اثنين وخمسين متآمرا انقلابيا محتملا، أعلن الحزب الحاكم أن «الإرهاب اليميني لم يزل الخطر الأكبر على الديمقراطية الألمانية».

وقد وصلت هذه الرسالة في بريطانيا إلى المنخرطين عمليا في مكافحة هذا الخطر. ففي حين استخف أحد ضباط الأمن الكبار ذات مرة باليمين المتطرف قائلا: إنه لا يعدو حفنة من «مشاغبي كرة القدم، والمخرفين، والسكارى»، فإن الأمن الآن يوليهم الوقت والاهتمام الكافيين. وكانت نقطة التحول هي اغتيال جو كوكس سنة 2016 والهجوم على مسجد فينسبيري بارك في العام التالي.

الآن تصف الشرطة اليمين المتطرف بالخطر الإرهابي الأسرع تناميا في المملكة المتحدة، حيث يمثل المشتبهون اليمينيون 41% من الاعتقالات التي تمت على خلفية مكافحة الإرهاب في 2021. وحيث ثلاثة من كل أربعة مؤامرات تحبطها الشرطة تتعلق بمتطرفين يمينيين.

هذه التحول يتطلب تغييرا في العمل الشرطي مثلما يتطلب تغييرا في تفكيرنا أيضا. فمن ناحية، في حين كان الجهاديون يحلمون بإقامة حكومة لهم في مكان ما ـ وهي رؤية (الدولة الإسلامية) لخلافة جديدة ـ فإن المعتقلين في ألمانيا هذا الأسبوع شأن المتمردين الذين اقتحموا البرلمان الأمريكي في السادس من يناير 2021 يسعون إلى الإطاحة بالحكومات القائمة في الغرب ووضع أنفسهم في مواضعها. (وهم يجدون تشجيعا من نداءات ترامب التي تطالب بتعليق الدستور الأمريكي لإرجاعه إلى السلطة مثلما فعل هذا الأسبوع).

المضمون مختلف، ولكن الشكل أيضا مختلف. صحيح أن الجهادية كانت دائما تصنيفا واسعا، ولكن كان ثمة بنية أساسية تنظيمية على الأقل يمكن حظرها أو استهدافها: بل لقد كانت الدولة الإسلامية تصدر مجلة الرقة وتنشر فيها موضوعات من قبيل أفضل السبل لطعن شخص. أما اليمين المتطرف فأكثر تفككا وعديم القيادة، ويتطرف أتباعه أساسا من خلال الميمات ومحتوى الإنترنت. ويتألف من منصات من قبيل فورتشان أو تيروجرام وهي شبكة قنوات على تلجرام، يحظى فيها القتلة الجماعيون بالاحترام، من أمثل قلة كرايستشيرش وبيتسبرج الذين يجري تصويرهم وكأنهم «قديسون» ـ دونما إغفال حتى لهالات النور ـ وحيث تعرض فيديوهات قصيرة لأعمالهم الإجرامية بطريقة ألعاب الفيديو دونما إغفال لإعطاء نقاط عن كل قتيل.

قال لي نيك لويلز مدير حملة «الأمل لا الكراهية» «إنني أفعل هذا منذ ثلاثين سنة ولم أر قط مواد بهذا الشكل». ففي هذه المنصات يحثون بعضهم بعضا ويغرقون في أعمال أكثر عدمية، ويثيرون خيالات بعضهم بعضا بشأن الاغتصاب والاعتداء الجنسي على الأطفال وما هو أفدح من ذلك. وأعمار الذين يرون هذه المواد تزداد صغرا. وقد أفادت شرطة العاصمة بأن ثمانية عشرة من عشرين اعتقلوا في العام الماضي لاعتداءات إرهابية مرتبطون جميعا إلا واحدا بأيديولوجية اليمين المتطرف. وأصغر المعتقلين كان يبلغ من العمر ثلاثة عشر عاما.

ثمة ما يمكن القيام به، ابتداء بالشركات التي توفر خدمات دعم الإنترنت لأمثال فورتشان. «فهذه الشركات هي التي تقف لحراسة الأبواب بينما الإرهابيون بالداخل» حسبما قال ديفيد ريتس من جماعة (صندوق أمن المجتمع) التي تراقب معاداة السامية وتكافحها.

لكن ذلك يقتضي إرادة سياسية. وفي حين يبدو أن هيئات مكافحة الإرهاب تحتل مواضعها الصحيحة، لا يمكن قول مثل ذلك عن محركيها السياسيين. إذ يرصد لويلز «رد فعل أيديولوجي» في وزارة الداخلية وفي إدارة رفع المستوى التابعة لمايكل جوف «الناشط في الدفع إلى تغيير في الاستراتيجية يبتعد بها عن اليمين المتطرف».

ولاحظوا المقتطفات المسربة من تقرير وليم شوكروس حول مراجعة برنامج بريفنت لمكافحة الإرهاب، والتي يشكو فيها من وجود تركيز كبير للغاية على اليمين العنصري وعدم كفاية التركيز على الجهادية. فالظاهر أن ركنا من اليمين السياسي قد اهتز في العام الماضي حينما حدث للمرة الأولى أن فاق عدد الإشارات إلى اليمين المتطرف في ما يتصل ببرفنت عدد الإشارات إلى التطرف الإسلامي.

يمكنكم أن تروا لماذا يشعر البعض بمزيد من الارتياح وهم يطاردون الإرهابيين المسلمين أكثر من ارتياحهم لمطاردة الكارهين المتطرفين للمسلمين (وأي أقلية أخرى)، ربما خوفا من تعريف قد يشمل الخطاب المعادي للمسلمين الذي نجده في متن الخطاب اليميني. لكن لا يمكن السماح للأيديولوجيا وحدها بالتدخل هنا، ليس حينما يكون الخطر شديد الجسامة. فعلى حماتنا أن يحاربوا المصممين على إحداث الفوضى المهلكة أينما يظهرون، وأيا من يكونون.

جوناثان فريدلاند - كاتب رأي في جارديان