تجديد الفكر ومراجعة الموروث
السبت / 8 / جمادى الأولى / 1444 هـ - 18:43 - السبت 3 ديسمبر 2022 18:43
لا يوجد تعريف محدد للثقافة، فقد وضع لها المفكرون والفلاسفة وعلماء الأنثروبولوجيا تعريفات كثيرة لكن بقيت كل هذه التعريفات مصطلح فضفاض، ولعل التعريف الأدق هو أن الثقافة نمط حياة، بكل ما تعني الحياة فنًا وأدبًا وفكرًا وفلكولوراً. تختلف التعريفات وفق اختلاف البيئات الاجتماعية والثقافية، بهذا المعنى فالثقافة ليست ترفا في الحياة، وإنما هي ضرورة من ضرورات النهوض والتقدم في كل المجتمعات الإنسانية، وقد أدرك طه حسين (١٨٣٩-١٩٧٣) هذه الحقيقة منذ منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، حينما وضع كتابه الشهير: 'مستقبل الثقافة في مصر' ١٩٣٨.
على الرغم من أن العنوان يوحي بإنه حديث عن الثقافة، لكن كل ما ورد في الكتاب كان عن التعليم والثقافة والحياة الاجتماعية، إلا أنه قد عُني بالتعليم باعتباره قاطرة الشعوب نحو التقدم، وأن مراحل التعليم وسياساته وبرامجه منذ المرحلة الابتدائية وحتى المرحلة الجامعية هو طريق الخلاص من الجهل والتخلف، وأن الثقافة قوام التعليم، لأنه المحرك الأساسي للعقل، بما في ذلك ترسيخ القيم الإيجابية والشغف بالمعرفة، لذا فمن الخطأ وضع فروق ما بين التعليم والثقافة.
في مدارسنا العربية قد تُخصص برامج للموسيقى والفنون الأخرى أو حتى المعارف الفكرية والتاريخية والفلسفية، لكننا نفتقد إلى المعايير العلمية والفنية، بما في ذلك حق الشاب أو الفتاة في إختيار هواياتهم والتعبير عن آرائهم وأفكارهم، ولم تعد في كثير من أوطاننا المدرسة أو الجامعة بيئة جاذبة، ليس فقًط بسبب افتقاد برامج الهوايات الفنية والثقافية، وإنما بسبب طريقة التعليم القائم على الحفظ والتلقين بعيدا عن إعمال العقل، والعناية بكل مهارات الإبداع الحقيقي الذي لا يمكن إن يتحقق إلا بإطلاق العنان للعقل، الذي يستحق أن يشغل العناية الأهم في برامجنا التعليمية.
منذ فجر التاريخ الأوروبي الحديث والتعلم والثقافة هما القضية الأهم، من خلال بيئة مدرسية محفزة على التفكير، ووضع برامج فكرية واجتماعية ورياضية، فضلًا عن بيئة مدرسية يقوم عليها معلمون مؤهلون مؤمنون برسالتهم، أما في كثير من عالمنا العربي فقد تركنا الساحة لجماعة من المتشددين، الذين راحوا يقرأون النصوص منزوعة من سياقاتها، وهو ما أدخلنا في متاهات فكرية دفع ثمنها طلاب المدارس والجامعات، حينما ابتعدوا كثيرًا عن المقاصد الحقيقية- ليس للإسلام فقط – وإنما عن كل قيم الحياة الإيجابية، لدرجة أن البعض قد أخذ موقفًا من العلم والتقنية الحديثة، وهي قضية قديمة حديثة قال بها أساتذتهم من قبيل (لا اجتهاد مع النص)، أو (ليس في الإمكان أبدع مما كان).
إذا أردنا أن نبني أوطانا كبيرة قوامها العقل، ووسيلتها التسامح فعلينا بشيوع ثقافة الحوار وحرية الفكر واحترام كل الآراء، وتقبل الآخر مهما كان جنسه أو عقيدته، وهو أمر لا يمكن أن يتحقق إلا في بيئة ثقافية منفتحة على كل الآراء والمدارس الفكرية التي تُعلي من دور العقل، وهي قضية تستحق العناية وخصوصًا حينما يتعلق الأمر بمستقبل شبابنا ومصائر أوطاننا، حينما يذهب البعض إلى قراءة متعسفة ليس لتراثنا العربي والإسلامي فقط وإنما لكل تراث البشرية في الفكر والفلسفة والفن.
اللافت للنظر أن بعضا ممن يتصدرون المشهد، وقد انتشروا على كل وسائل التواصل الاجتماعي، قد ضاقت صدورهم بالحوار، غلب عليهم التعصب والتشدد، ورفعوا سلاح التكفير لكل مخالفيهم، وضاعف من صعوبة المشهد تلك الثورة المعلوماتية الهائلة التي أتاحت لكل شخص إمكانية التعامل مع قضايا الدين والثقافة، وخصوصًا من ذوي الاتجاهات الأيدلوجية المتشددة، التي لم يعد بمقدور دولة ما السيطرة عليها، وهو ما يستوجب العناية بالتعليم وإعادة النظر في برامجه، حتى لا يقع شبابنا في هذا الوهم الزائف والسيل المنهمر من الثقافات الوافدة.
أعتقد أن أهمية الثقافة تتجاوز كثيرًا المعارف التقليدية في مدارسنا وجامعاتنا، وهو ما يدعونا إلى إعادة النظر في برامجنا التعليمية، لكي يكون قوامها العقل وحرية الفكر والحوار القائم على النقد والتحليل في كل قضايانا الدينية والسياسية والاجتماعية، فضلًا عن مراجعة الموروث الثقافي وفتح باب الاجتهاد، فليس من العقل في شيء أن نردد فتاوى واجتهادات قيلت في أزمان سحيقة، ولم تعد تتفق وحاجيات المجتمع في أزماننا، وخصوصًا وأن كل دعوة لتجديد الفكر قد ربطها البعض بالتجربة الأوروبية، التي من السهل الإجهاز عليها بحجة أنها تدعو باستبدال الثقافة الغربية الليبرالية بالثقافة العربية الإسلامية.
أصبحت المعركة بين فريقين من السلفيين، أولهما: يعظَّم من التراث العربي الإسلامي باعتباره تراث السلف، وعلينا الأخذ منه دون مراجعة أو تحقيق، وثانيهما: الداعون إلى الأخذ بالتراث الأوروبي الليبرالي، وهكذا أصبح الصراع بين رؤيتين، وليس نسقين معرفيين، وبهذا تحولت الساحة إلى أنصار ابن تيمية وأبو حامد الغزالي وغيرهما، وبين ديكارت وماركس.. إلى آخره.
وهكذا غابت الرؤية الحقيقية لمفهوم التجديد وفكرته وجدواه، وتاه الشباب بين الفريقين، الكثير من هذه الأفكار يستحق المناقشة وإعمال العقل، وخصوصًا تلك الأفكار التي تبدو صادمة، والتي تبث صباح مساء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، جميعها تستحق إجراء حوار معها، بعد أن مستنا تلك الأفكار الضارة التي أصابت مجتمعاتنا، حينما افتقدنا روح التسامح والمحبة وإعلاء القيم الإيجابية في مجتمعاتنا، ورغم كل ذلك فنحن على ثقة في مستقبل أفضل، وخصوصًا بعد أن مرت أوطاننا بتجارب كبيرة وهزات عنيفة، أعتقد أننا بعدها تسلحنا بخبرات قد أفدنا منها حماية لأوطاننا ومستقبل أبنائنا.
على الرغم من أن العنوان يوحي بإنه حديث عن الثقافة، لكن كل ما ورد في الكتاب كان عن التعليم والثقافة والحياة الاجتماعية، إلا أنه قد عُني بالتعليم باعتباره قاطرة الشعوب نحو التقدم، وأن مراحل التعليم وسياساته وبرامجه منذ المرحلة الابتدائية وحتى المرحلة الجامعية هو طريق الخلاص من الجهل والتخلف، وأن الثقافة قوام التعليم، لأنه المحرك الأساسي للعقل، بما في ذلك ترسيخ القيم الإيجابية والشغف بالمعرفة، لذا فمن الخطأ وضع فروق ما بين التعليم والثقافة.
في مدارسنا العربية قد تُخصص برامج للموسيقى والفنون الأخرى أو حتى المعارف الفكرية والتاريخية والفلسفية، لكننا نفتقد إلى المعايير العلمية والفنية، بما في ذلك حق الشاب أو الفتاة في إختيار هواياتهم والتعبير عن آرائهم وأفكارهم، ولم تعد في كثير من أوطاننا المدرسة أو الجامعة بيئة جاذبة، ليس فقًط بسبب افتقاد برامج الهوايات الفنية والثقافية، وإنما بسبب طريقة التعليم القائم على الحفظ والتلقين بعيدا عن إعمال العقل، والعناية بكل مهارات الإبداع الحقيقي الذي لا يمكن إن يتحقق إلا بإطلاق العنان للعقل، الذي يستحق أن يشغل العناية الأهم في برامجنا التعليمية.
منذ فجر التاريخ الأوروبي الحديث والتعلم والثقافة هما القضية الأهم، من خلال بيئة مدرسية محفزة على التفكير، ووضع برامج فكرية واجتماعية ورياضية، فضلًا عن بيئة مدرسية يقوم عليها معلمون مؤهلون مؤمنون برسالتهم، أما في كثير من عالمنا العربي فقد تركنا الساحة لجماعة من المتشددين، الذين راحوا يقرأون النصوص منزوعة من سياقاتها، وهو ما أدخلنا في متاهات فكرية دفع ثمنها طلاب المدارس والجامعات، حينما ابتعدوا كثيرًا عن المقاصد الحقيقية- ليس للإسلام فقط – وإنما عن كل قيم الحياة الإيجابية، لدرجة أن البعض قد أخذ موقفًا من العلم والتقنية الحديثة، وهي قضية قديمة حديثة قال بها أساتذتهم من قبيل (لا اجتهاد مع النص)، أو (ليس في الإمكان أبدع مما كان).
إذا أردنا أن نبني أوطانا كبيرة قوامها العقل، ووسيلتها التسامح فعلينا بشيوع ثقافة الحوار وحرية الفكر واحترام كل الآراء، وتقبل الآخر مهما كان جنسه أو عقيدته، وهو أمر لا يمكن أن يتحقق إلا في بيئة ثقافية منفتحة على كل الآراء والمدارس الفكرية التي تُعلي من دور العقل، وهي قضية تستحق العناية وخصوصًا حينما يتعلق الأمر بمستقبل شبابنا ومصائر أوطاننا، حينما يذهب البعض إلى قراءة متعسفة ليس لتراثنا العربي والإسلامي فقط وإنما لكل تراث البشرية في الفكر والفلسفة والفن.
اللافت للنظر أن بعضا ممن يتصدرون المشهد، وقد انتشروا على كل وسائل التواصل الاجتماعي، قد ضاقت صدورهم بالحوار، غلب عليهم التعصب والتشدد، ورفعوا سلاح التكفير لكل مخالفيهم، وضاعف من صعوبة المشهد تلك الثورة المعلوماتية الهائلة التي أتاحت لكل شخص إمكانية التعامل مع قضايا الدين والثقافة، وخصوصًا من ذوي الاتجاهات الأيدلوجية المتشددة، التي لم يعد بمقدور دولة ما السيطرة عليها، وهو ما يستوجب العناية بالتعليم وإعادة النظر في برامجه، حتى لا يقع شبابنا في هذا الوهم الزائف والسيل المنهمر من الثقافات الوافدة.
أعتقد أن أهمية الثقافة تتجاوز كثيرًا المعارف التقليدية في مدارسنا وجامعاتنا، وهو ما يدعونا إلى إعادة النظر في برامجنا التعليمية، لكي يكون قوامها العقل وحرية الفكر والحوار القائم على النقد والتحليل في كل قضايانا الدينية والسياسية والاجتماعية، فضلًا عن مراجعة الموروث الثقافي وفتح باب الاجتهاد، فليس من العقل في شيء أن نردد فتاوى واجتهادات قيلت في أزمان سحيقة، ولم تعد تتفق وحاجيات المجتمع في أزماننا، وخصوصًا وأن كل دعوة لتجديد الفكر قد ربطها البعض بالتجربة الأوروبية، التي من السهل الإجهاز عليها بحجة أنها تدعو باستبدال الثقافة الغربية الليبرالية بالثقافة العربية الإسلامية.
أصبحت المعركة بين فريقين من السلفيين، أولهما: يعظَّم من التراث العربي الإسلامي باعتباره تراث السلف، وعلينا الأخذ منه دون مراجعة أو تحقيق، وثانيهما: الداعون إلى الأخذ بالتراث الأوروبي الليبرالي، وهكذا أصبح الصراع بين رؤيتين، وليس نسقين معرفيين، وبهذا تحولت الساحة إلى أنصار ابن تيمية وأبو حامد الغزالي وغيرهما، وبين ديكارت وماركس.. إلى آخره.
وهكذا غابت الرؤية الحقيقية لمفهوم التجديد وفكرته وجدواه، وتاه الشباب بين الفريقين، الكثير من هذه الأفكار يستحق المناقشة وإعمال العقل، وخصوصًا تلك الأفكار التي تبدو صادمة، والتي تبث صباح مساء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، جميعها تستحق إجراء حوار معها، بعد أن مستنا تلك الأفكار الضارة التي أصابت مجتمعاتنا، حينما افتقدنا روح التسامح والمحبة وإعلاء القيم الإيجابية في مجتمعاتنا، ورغم كل ذلك فنحن على ثقة في مستقبل أفضل، وخصوصًا بعد أن مرت أوطاننا بتجارب كبيرة وهزات عنيفة، أعتقد أننا بعدها تسلحنا بخبرات قد أفدنا منها حماية لأوطاننا ومستقبل أبنائنا.