ست سنوات سمانٍ خليجية مقابل مثيلاتها عجاف للشرق الأوسط
الأربعاء / 14 / ربيع الثاني / 1444 هـ - 21:27 - الأربعاء 9 نوفمبر 2022 21:27
في الوقت الذي تتعالى فيه التحذيرات من تصاعد التضخم، ومن أزمة غذاء مقبلة، ويكثر الحديث عن ربيع عربي جديد، تخرج من مؤتمر استثماري إقليمي بشرى سارة لدول مجلس التعاون الخليجي بست سنوات سمانٍ مقبلة، وبحالة اطمئنان على مصدر نفطها بأجل زمني طويل، بحيث تقف الدول الخليجية الست الآن في مرحلة نفطية متجددة، يعجز عن توقعها أكبر المحللين في العالم، وهي تخرج من رحمَي عدة سنوات عجاف للنفط وجائحة كورونا، والتحدي الأكبر الآن يتمحور حول كيف ينبغي التعامل مع الفوائض المالية للسنوات السمان المتجددة في ضوء مجموعة تحديات كبيرة؟ وهل ينبغي على الدول الخليجية العربية الاستمرار في نفس الفكر والسياسات التي بنيت إبان مرحلة السنوات العجاف؟
جاءت البشرى السارة من خلال مؤتمر مبادرة الاستثمار بالرياض الذي اختُتم مؤخرا، وتحديدا على لسان معالي محمد الجدعان وزير المالية السعودي الذي تحدث عن منطقتين متداخلتين ستشهدان تطورات على النقيض تماما، الأولى منطقة الخليج التي قال عنها إنها ستشهد ست سنوات مقبلة «جيدة جدا» بالنسبة لأسعار النفط، مطلقا التفاؤل لثلاثين سنة مقبلة، وذلك عندما قال حرفيا «أصبح هناك اعتراف عالمي بأن التحول نحو الطاقة المتجددة بعيدا عن الوقود الأحفوري لن يتم بين ليلة وضحاها، بل يستغرق 30 عاما».
المنطقة الثانية، الشرق الأوسط الأوسع، وقال عنها إن السنوات الست نفسها ستشهد فيها صعوبات، وقد حددها في «صعوبة الحصول على التمويل، وارتفاع معدلات الفائدة، والتضخم، وضغوطات الديون لبعض الدول» وتقسيم الشرق الأوسط إلى منطقتين لدواعي توضيح ملامح المستقبل داخل منطقة الشرق الأوسط، فمنطقة الخليج جزء أصيل داخل منطقة الشرق الأوسط، ويضعنا هذا التقسيم أمام مشهدين متناقضين للمنطقة، وهما التفاؤل في الخليج، والتشاؤم في عموم منطقة الشرق الأوسط، وبُعيد أن قطع الجدعان التزاما للرياض بمساعدة الدول المتضررة في الشرق الأوسط، تم إطلاق صندوق استدامة بقيمة 5. 1 مليار دولار، وصف بأنه الأكبر في العالم.
ونلاحظ أن السنوات الست السمان للدول الخليجية تتزامن مع صعوبات مالية واقتصادية إقليمية كما حددها وزير المالية السعودي، ومع تحذيرات بعودة الاحتقانات في المنطقة بسبب موجة الغلاء والبطالة.. الخ، فكيف تنأى الدول الست بنفسها عن تداعيات مرحلة الصعوبات المقبلة، وتتجنب المخاطر الداخلية والعابرة لحدودها؟
من حسن طالع الدول الخليجية أنها ستواجه تحدياتها المقبلة وهي في وضعية مالية مريحة، علما أن ملامحها قد اقترنت باندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في أواخر فبراير 2022، وقد شهدناها في سلوك جديد لبعض الحكومات، لكنه كان خجولا، كإضافة بند «الدعم» أو توسيعه قليلا، إلى بندي «خفض العجز والمديونية» استغلالا للفوائض المالية الضخمة، لكن مع استمرار السياسات المالية والتحولات المؤلمة التي اتخذت لمواجهة انهيار الأسعار النفطية، وهذه الاستمرارية إذا لم تحدث مقتضياتها، ستحدث جدلية كبيرة مع عودة السنوات السمان للنفط وفي ضوء التحذيرات سالفة الذكر التي ينبغي على الخليج أن يأخذها بحمل الجد.
والقراءة التحليلية الموضوعية لهذا التزامن تخرجنا بالنتائج التالية:
-إعادة النظر في بعض سياسات وقوانين وقرارات مرحلة مواجهة انهيار الأسعار النفطية، لدواعي بث الروح الوطنية للمنطقة الاجتماعية، وللفوائض المالية كسبب.
-توظيف جزء من الفوائض المالية للاستثمار في مشاريع إنتاجية كبيرة تنفيذا لسياسة صناعة مصادر دخل مستدامة، وبالذات القطاعات الإنتاجية التي لها الأولوية في الرؤى التنموية الخليجية، وتعزيزا لتوجهات أجهزة الاستثمارات الخليجية.
-التكاملية المؤسساتية داخل كل دولة في إعادة النظر في السياسات والقوانين والقرارات، وكذلك رسم الجديد منها، لتفادي التضارب الذي حصل إبان مرحلة مواجهة انهيار الأسعار النفطية، حيث كانت كل جهة تعمل بمعزل عن الأخرى، مما تثقل كاهل المجتمعات، وكانت سببا في حالة عدم الرضا الاجتماعي على مجمل السياسات والقوانين.. الخ.
وتلكم الخطوات تحتاج لإرادة سياسية عليا مباشرة وصريحة، ودونها ستظل السلطة التنفيذية في فكر مخاطر انهيار أسعار النفط مع الانفتاح المحدود الذي سيكون بعيدا عن مواجهة صعوبات المرحلة المقبلة، ربما يكون مرده أن السلطة التنفيذية ليست بصانعة القرار السياسي، وربما يكون بسبب الحذر الزائد رغم عودة ارتفاع أسعار النفط، أو عدم التيقن من السنوات السمان، أو الاستكانة لحالة الاطمئنان المالي التي تنتجه الضرائب والرسوم، وهنا الخطورة، لأنها تتجاهل مرحلة الصعوبة المقبلة، وحتى لو استثنى الخليج منها، فإنها تؤسس المراحل النهائية على مصادر الضرائب والرسوم وليس على القطاعات الإنتاجية المحددة في الرؤى الاستراتيجية الخليجية.
وهنا يستوجب تقديم الدلائل الموضوعية الأخرى لاستدامة السنوات السمان للنفط بأجليها المتوسط والطويل، لعل أبرزها الآتي:
-وجود برغماتية غير مسبوقة لدول منظمة أوبك بلس، وعلى رأسها الرياض، على بقاء أسعار النفط عادلة للمنتجين والمستهلكين، وقد وصلت بها قوة البرغماتية إلى رفض الانصياع لواشنطن بعدم خفض الإنتاج استفادة من تجاربها السابقة، عندما كانت الإدارات الأمريكية السابقة والحالية تضغط عليهم لخفض الإنتاج خدمة للمصالح الأمريكية وعلى حساب مصالح الخليج الاستراتيجية، وآخرها الأزمة النفطية الأخيرة التي وراؤها رفع الإنتاج رغم التخمة النفطية المعروضة، مما نتج عنه من انهيار الأسعار وصلت إلى ما دون الثلاثين دولارا، وقد تضررت منه الدول المنتجة للنفط وحتى الآن.
-العوامل الجيوسياسية الناجمة عن مرحلة تعدد الأقطاب الدولية التي تؤسس الآن من نتائج الحرب الروسية على أوكرانيا من جهة، وعلى تحولات داخلية غير مسبوقة في الغرب بما فيها واشنطن، أهمها، بروز اليمين المتطرف، ووصوله للسلطة عبر شرعية صناديق الانتخابات، وفقدان الشعوب الأوروبية الثقة في الحكومات التي كانت سببا في مآلات الفقر والبطالة والعنف.
-احتفاظ النفط بأهميته الاستراتيجية على المدى الطويل رغم مساعي التحول للطاقة النظيفة.
-توقعات تقرير حديث لوكالة إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أوردتها النشرة الأخيرة لوزارة المالية عن الأداء المالي في سلطنة عمان، حيث يتوقع أن يبلغ سعر خام برنت نحو 93 دولارا للبرميل خلال الربع الأخير من 2022، و95 دولارا للبرميل عام 2023.
لكن، ورغم ذلك، لا ندعو للتفاؤل المفرط في السنوات السمان، ولسنا مع العودة للحقبة الإنفاقية التي أنتجت العجوزات المالية وصنعت مجتمعا اتكاليا على الحكومات، وإنما مع إعمال العقل السياسي في كيفية التعامل مع الفوائض المالية في ضوء التحذيرات مما هو قادم، وكذلك من منظور التداعيات الاجتماعية لسياسات السنوات العجاف الماضية سواء كانت مالية أو اقتصادية أو تشريعية/ قانونية، ومعالجة حجم الشقوق التي أحدثتها في القوة الناعمة الخليجية، ووضع قطار تأسيس المرحلة الدائمة دون الاعتماد على النفط في مسارات صحيحة بما تقتضيه عملية توزيع الفوائض المالية.
لن نختلف على مسار توظيف الفوائض المالية لخفض العجز والمديونية، لأنها قضية الأولويات، لكن مع الانفتاح المدروس على الاستثمار في القطاعات الإنتاجية البديلة للنفط، ورفع مستويات الإنفاق الذكي بعيدا عن حالة القلق السياسي، أما مفهوم الدعم بفلسفة دعم الفئات الأكثر تضررا فهو يحتاج لنقاشات معمقة بعد تأثير السواد الأعظم من المواطنين في الخليج بسياسات وقوانين وقرارات معالجة الأزمة النفطية وجائحة كورونا، فالأغلبية الآن أولى بالدعم في مرحلة الفوائض المالية الجديدة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حجم المرتبات والبطالة وموجة الغلاء المتصاعدة، والتحذيرات من تجدد الاحتقانات في الشرق الأوسط الأوسع.
وسلطنة عمان الآن مثلا بصدد إصدار منظومة حماية اجتماعية متكاملة في ضوء نمو الإيرادات النفطية وغير النفطية، وتسجيل الموازنة العامة فيها بنهاية سبتمبر 2022 فائضا ماليا بلغ نحو مليار و123 مليون ريال، مقارنة بعجز يقدر بمليار و30 مليون ريال في الفترة ذاتها من 2021، لكن، هل ستكون المنظومة شاملة أم ستقتصر على الفئات الأكثر تضررا؟ الترقب لهذه الحماية هي الشغل الشاغل للمرحلة الوطنية، ونتوقعها أن يكون هاجسها سياسيا، بمعنى أن تأخذ بعين الاعتبار طبيعة المرحلة الصعبة المقبلة للشرق الأوسط.
وكل دولة خليجية تتمسك بجمود خطط مرحلة انهيار الأسعار ستظل بعيدة عن استيعاب تحديات المرحلة الصعبة المقبلة، لذلك نرى أنه ينبغي أن تركز كل دولة خليجية الآن على بناء القدرات الإنتاجية والتصديرية وفق آلية التكامل بين الدول الست، وليس التنافس القديم/ الجديد في ظل انكشاف البعد الدولي بعد صدور استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة في عهد الرئيس بايدن، وكذلك صعود اليمين المتطرف في الكيان الصهيوني، وتصهين الأحزاب الدينية، مما يطرح تساؤلا مهما، عن مستقبل التطبيع وما ينجم عنه من روابط اقتصادية وأمنية وعسكرية في حقبة اليمين المتطرف والمتصهين؟
ويظهر التكامل الخليجي كحل استراتيجي ثابت للدول الست الذي يبدو أنه الآن قد خرج قليلا عن مسار تاريخية اكتشافه مجددا من خلال قمتي العلا والرياض عام 2021، وهنا ينبغي إدراك خطورة التنافس الخليجي وعدم التكامل، ولا تستكين أي دولة لأي قوة من خارج ذاتيتها ودون محيطها الجغرافي الخليجي، فتلك قوة أو قوى قد تختفي فجأة، لأنها تؤسس فوق رمال متحركة، وستكون عرضة لتحديات المرحلة الصعبة المقبلة التي أهم مخاطرها تكمن في التضخم وأزمة الغذاء والبطالة، ومجموعة تحديات جيوسياسية رغم ما تسجله موازناتها السنوية من فوائض مالية كبيرة.
جاءت البشرى السارة من خلال مؤتمر مبادرة الاستثمار بالرياض الذي اختُتم مؤخرا، وتحديدا على لسان معالي محمد الجدعان وزير المالية السعودي الذي تحدث عن منطقتين متداخلتين ستشهدان تطورات على النقيض تماما، الأولى منطقة الخليج التي قال عنها إنها ستشهد ست سنوات مقبلة «جيدة جدا» بالنسبة لأسعار النفط، مطلقا التفاؤل لثلاثين سنة مقبلة، وذلك عندما قال حرفيا «أصبح هناك اعتراف عالمي بأن التحول نحو الطاقة المتجددة بعيدا عن الوقود الأحفوري لن يتم بين ليلة وضحاها، بل يستغرق 30 عاما».
المنطقة الثانية، الشرق الأوسط الأوسع، وقال عنها إن السنوات الست نفسها ستشهد فيها صعوبات، وقد حددها في «صعوبة الحصول على التمويل، وارتفاع معدلات الفائدة، والتضخم، وضغوطات الديون لبعض الدول» وتقسيم الشرق الأوسط إلى منطقتين لدواعي توضيح ملامح المستقبل داخل منطقة الشرق الأوسط، فمنطقة الخليج جزء أصيل داخل منطقة الشرق الأوسط، ويضعنا هذا التقسيم أمام مشهدين متناقضين للمنطقة، وهما التفاؤل في الخليج، والتشاؤم في عموم منطقة الشرق الأوسط، وبُعيد أن قطع الجدعان التزاما للرياض بمساعدة الدول المتضررة في الشرق الأوسط، تم إطلاق صندوق استدامة بقيمة 5. 1 مليار دولار، وصف بأنه الأكبر في العالم.
ونلاحظ أن السنوات الست السمان للدول الخليجية تتزامن مع صعوبات مالية واقتصادية إقليمية كما حددها وزير المالية السعودي، ومع تحذيرات بعودة الاحتقانات في المنطقة بسبب موجة الغلاء والبطالة.. الخ، فكيف تنأى الدول الست بنفسها عن تداعيات مرحلة الصعوبات المقبلة، وتتجنب المخاطر الداخلية والعابرة لحدودها؟
من حسن طالع الدول الخليجية أنها ستواجه تحدياتها المقبلة وهي في وضعية مالية مريحة، علما أن ملامحها قد اقترنت باندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في أواخر فبراير 2022، وقد شهدناها في سلوك جديد لبعض الحكومات، لكنه كان خجولا، كإضافة بند «الدعم» أو توسيعه قليلا، إلى بندي «خفض العجز والمديونية» استغلالا للفوائض المالية الضخمة، لكن مع استمرار السياسات المالية والتحولات المؤلمة التي اتخذت لمواجهة انهيار الأسعار النفطية، وهذه الاستمرارية إذا لم تحدث مقتضياتها، ستحدث جدلية كبيرة مع عودة السنوات السمان للنفط وفي ضوء التحذيرات سالفة الذكر التي ينبغي على الخليج أن يأخذها بحمل الجد.
والقراءة التحليلية الموضوعية لهذا التزامن تخرجنا بالنتائج التالية:
-إعادة النظر في بعض سياسات وقوانين وقرارات مرحلة مواجهة انهيار الأسعار النفطية، لدواعي بث الروح الوطنية للمنطقة الاجتماعية، وللفوائض المالية كسبب.
-توظيف جزء من الفوائض المالية للاستثمار في مشاريع إنتاجية كبيرة تنفيذا لسياسة صناعة مصادر دخل مستدامة، وبالذات القطاعات الإنتاجية التي لها الأولوية في الرؤى التنموية الخليجية، وتعزيزا لتوجهات أجهزة الاستثمارات الخليجية.
-التكاملية المؤسساتية داخل كل دولة في إعادة النظر في السياسات والقوانين والقرارات، وكذلك رسم الجديد منها، لتفادي التضارب الذي حصل إبان مرحلة مواجهة انهيار الأسعار النفطية، حيث كانت كل جهة تعمل بمعزل عن الأخرى، مما تثقل كاهل المجتمعات، وكانت سببا في حالة عدم الرضا الاجتماعي على مجمل السياسات والقوانين.. الخ.
وتلكم الخطوات تحتاج لإرادة سياسية عليا مباشرة وصريحة، ودونها ستظل السلطة التنفيذية في فكر مخاطر انهيار أسعار النفط مع الانفتاح المحدود الذي سيكون بعيدا عن مواجهة صعوبات المرحلة المقبلة، ربما يكون مرده أن السلطة التنفيذية ليست بصانعة القرار السياسي، وربما يكون بسبب الحذر الزائد رغم عودة ارتفاع أسعار النفط، أو عدم التيقن من السنوات السمان، أو الاستكانة لحالة الاطمئنان المالي التي تنتجه الضرائب والرسوم، وهنا الخطورة، لأنها تتجاهل مرحلة الصعوبة المقبلة، وحتى لو استثنى الخليج منها، فإنها تؤسس المراحل النهائية على مصادر الضرائب والرسوم وليس على القطاعات الإنتاجية المحددة في الرؤى الاستراتيجية الخليجية.
وهنا يستوجب تقديم الدلائل الموضوعية الأخرى لاستدامة السنوات السمان للنفط بأجليها المتوسط والطويل، لعل أبرزها الآتي:
-وجود برغماتية غير مسبوقة لدول منظمة أوبك بلس، وعلى رأسها الرياض، على بقاء أسعار النفط عادلة للمنتجين والمستهلكين، وقد وصلت بها قوة البرغماتية إلى رفض الانصياع لواشنطن بعدم خفض الإنتاج استفادة من تجاربها السابقة، عندما كانت الإدارات الأمريكية السابقة والحالية تضغط عليهم لخفض الإنتاج خدمة للمصالح الأمريكية وعلى حساب مصالح الخليج الاستراتيجية، وآخرها الأزمة النفطية الأخيرة التي وراؤها رفع الإنتاج رغم التخمة النفطية المعروضة، مما نتج عنه من انهيار الأسعار وصلت إلى ما دون الثلاثين دولارا، وقد تضررت منه الدول المنتجة للنفط وحتى الآن.
-العوامل الجيوسياسية الناجمة عن مرحلة تعدد الأقطاب الدولية التي تؤسس الآن من نتائج الحرب الروسية على أوكرانيا من جهة، وعلى تحولات داخلية غير مسبوقة في الغرب بما فيها واشنطن، أهمها، بروز اليمين المتطرف، ووصوله للسلطة عبر شرعية صناديق الانتخابات، وفقدان الشعوب الأوروبية الثقة في الحكومات التي كانت سببا في مآلات الفقر والبطالة والعنف.
-احتفاظ النفط بأهميته الاستراتيجية على المدى الطويل رغم مساعي التحول للطاقة النظيفة.
-توقعات تقرير حديث لوكالة إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أوردتها النشرة الأخيرة لوزارة المالية عن الأداء المالي في سلطنة عمان، حيث يتوقع أن يبلغ سعر خام برنت نحو 93 دولارا للبرميل خلال الربع الأخير من 2022، و95 دولارا للبرميل عام 2023.
لكن، ورغم ذلك، لا ندعو للتفاؤل المفرط في السنوات السمان، ولسنا مع العودة للحقبة الإنفاقية التي أنتجت العجوزات المالية وصنعت مجتمعا اتكاليا على الحكومات، وإنما مع إعمال العقل السياسي في كيفية التعامل مع الفوائض المالية في ضوء التحذيرات مما هو قادم، وكذلك من منظور التداعيات الاجتماعية لسياسات السنوات العجاف الماضية سواء كانت مالية أو اقتصادية أو تشريعية/ قانونية، ومعالجة حجم الشقوق التي أحدثتها في القوة الناعمة الخليجية، ووضع قطار تأسيس المرحلة الدائمة دون الاعتماد على النفط في مسارات صحيحة بما تقتضيه عملية توزيع الفوائض المالية.
لن نختلف على مسار توظيف الفوائض المالية لخفض العجز والمديونية، لأنها قضية الأولويات، لكن مع الانفتاح المدروس على الاستثمار في القطاعات الإنتاجية البديلة للنفط، ورفع مستويات الإنفاق الذكي بعيدا عن حالة القلق السياسي، أما مفهوم الدعم بفلسفة دعم الفئات الأكثر تضررا فهو يحتاج لنقاشات معمقة بعد تأثير السواد الأعظم من المواطنين في الخليج بسياسات وقوانين وقرارات معالجة الأزمة النفطية وجائحة كورونا، فالأغلبية الآن أولى بالدعم في مرحلة الفوائض المالية الجديدة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حجم المرتبات والبطالة وموجة الغلاء المتصاعدة، والتحذيرات من تجدد الاحتقانات في الشرق الأوسط الأوسع.
وسلطنة عمان الآن مثلا بصدد إصدار منظومة حماية اجتماعية متكاملة في ضوء نمو الإيرادات النفطية وغير النفطية، وتسجيل الموازنة العامة فيها بنهاية سبتمبر 2022 فائضا ماليا بلغ نحو مليار و123 مليون ريال، مقارنة بعجز يقدر بمليار و30 مليون ريال في الفترة ذاتها من 2021، لكن، هل ستكون المنظومة شاملة أم ستقتصر على الفئات الأكثر تضررا؟ الترقب لهذه الحماية هي الشغل الشاغل للمرحلة الوطنية، ونتوقعها أن يكون هاجسها سياسيا، بمعنى أن تأخذ بعين الاعتبار طبيعة المرحلة الصعبة المقبلة للشرق الأوسط.
وكل دولة خليجية تتمسك بجمود خطط مرحلة انهيار الأسعار ستظل بعيدة عن استيعاب تحديات المرحلة الصعبة المقبلة، لذلك نرى أنه ينبغي أن تركز كل دولة خليجية الآن على بناء القدرات الإنتاجية والتصديرية وفق آلية التكامل بين الدول الست، وليس التنافس القديم/ الجديد في ظل انكشاف البعد الدولي بعد صدور استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة في عهد الرئيس بايدن، وكذلك صعود اليمين المتطرف في الكيان الصهيوني، وتصهين الأحزاب الدينية، مما يطرح تساؤلا مهما، عن مستقبل التطبيع وما ينجم عنه من روابط اقتصادية وأمنية وعسكرية في حقبة اليمين المتطرف والمتصهين؟
ويظهر التكامل الخليجي كحل استراتيجي ثابت للدول الست الذي يبدو أنه الآن قد خرج قليلا عن مسار تاريخية اكتشافه مجددا من خلال قمتي العلا والرياض عام 2021، وهنا ينبغي إدراك خطورة التنافس الخليجي وعدم التكامل، ولا تستكين أي دولة لأي قوة من خارج ذاتيتها ودون محيطها الجغرافي الخليجي، فتلك قوة أو قوى قد تختفي فجأة، لأنها تؤسس فوق رمال متحركة، وستكون عرضة لتحديات المرحلة الصعبة المقبلة التي أهم مخاطرها تكمن في التضخم وأزمة الغذاء والبطالة، ومجموعة تحديات جيوسياسية رغم ما تسجله موازناتها السنوية من فوائض مالية كبيرة.