المسرح والرقمنة
الثلاثاء / 13 / ربيع الثاني / 1444 هـ - 18:26 - الثلاثاء 8 نوفمبر 2022 18:26
عتبة..
«لأن جوهر التكنولوجيا ليس تكنولوجيا، فإن الانعكاس الأساسي للتكنولوجيا والمواجهة الحاسمة معها يجب أن يحدثا في عالم قريب من جوهر التكنولوجيا، من ناحية، وفي الوقت نفسه، عالم مختلف جوهريا عنه، هذا العالم هو الفن» مارتن هايدجر
هل يختلف المسرح في العصر الرقمي عن المسرح في العصور السابقة؟ وما هو المأمول من مسرح هذا العصر التكنولوجي المتطور والواعد بالكثير من الدهشة؟
لا يمكن الاختلاف على أن عنصر الدهشة مرتكز أساسي تؤديه التقنية في عالم الاتصالات اليوم، وذلك انطلاقا من أسلوب الحياة والفنون كلها قد أخذت تتغير، وهذا يؤدي بالضرورة إلى اختلاف أساليب التلقي والإنتاج بواسطة تدفق المعلومات.
يقول وليم فوجان في مقالة له بعنوان «تاريخ الفن في العصر الرقمي مشكلات وإمكانات»: «منذ نشأة الشبكة العنكبوتية العالمية في أوائل التسعينيات أثرت هذه الثورة الرقمية سواء بالسلب أو بالإيجاب على كل مجتمع في العالم وفتحت الباب لطيف واسع من الإمكانات في الفنون البصرية».
والناظر اليوم إلى وضع المسرح التقليدي يستنتج أن تعريف المسرح ذاته قد أخذ يتغير في عصر الرقمنة، فالتعريف المبسط للمسرح على أنه ظاهرة اجتماعية ومؤسسة لها جهازها الفني واللوجستي، أخذ يفقد عناصره المتوارثة عبر أجيال.
يكتب مارتن إسلن معرفا المسرح بأنه: «حيث يكون المؤدون والمتفرجون في مكان واحد، فإن ذلك هو المكان الوحيد الذي يتم فيه الفعل المسرحي مما يجعل المسرح ممكنا» وهذا التعريف له وجاهته إذ يشترط في تحقق شرطية المسرح وجود أناس يتفاعلون مع المؤدين، وفي حال عدم تحقق هذا الشرط نستطيع أن نطلق على أي ظاهرة أخرى شبيهة بالمسرح أيّ تسمية مناسبة إلا المسرح، وقد ذهب بعض الدارسين إلى الاعتقاد بأن الأداءات الفنية التي تعتمد على الحاسوب هي مسرح، لكن تأمل الأداء نفسه يُسقط عنها تلك التسمية.
فما هو المسرح الرقمي؟ وما الفلسفة التي تقف خلفه أو المعطيات التي ساعدت على ظهوره وسعي الباحثين إلى التنظير له؟
يُعرّف الدكتور محمد حسين حبيب المسرح الرقمي بأنه: «هو المسرح الذي يوظف معطيات التقنية العصرية الجديدة المتمثلة في استخدامه الوسائط الرقمية المتعددة في إنتاج أو تشكيل خطابه المسرحي شريطة اكتسابه صفة التفاعلية، [...] أو هو ذلك العرض المسرحي الحي المقدم على خشبة المسرح، والذي يشاهده الجمهور في الـ(هنا) و(الآن) وهو يستثمر التقنيات الرقمية التي من شأنها التحليق جماليا وفكريا بفضاءاته وعوالمه الدرامية ليتجلى فيها انفعال التلقي وانعكاسه على الذائقة بمختلف مستوياتها».
ونظرًا لوجود مسميات مجاورة من المسرح الرقمي كمصطلح المسرح التفاعلي أو المسرح الافتراضي فإنّ الدكتورة فاطمة البريكي وانطلاقا من تعريفها للمسرحية التفاعلية Drama Interactive تضعنا أمام هذا التعريف في كتابها (مدخل إلى الأدب التفاعلي): «المسرحية التفاعلية نمط جديد من الكتابة الأدبية يتجاوز الفهم التقليدي لفعل الإبداع الأدبي الذي يتمحور حول المبدع الواحد، إذ يشترك في تقديمه عدة كتّاب كما يُدعى المتلقي/المستخدم أيضًا للمشاركة فيه وهو مثال للعمل الجماعي المنتِج الذي يتخطى حدود الفردية وينفتح على آفاق الجماعية الرحبة».
يتضح من التعريفين السابقين أن المسرح في عصر التكنولوجيا، إنما يحتفي بالعلم على حساب الإنسانية، وبالاختصارات والتكثيف على جوهر القص التقليدي وكلما أوغل المخرج في تبيئة الخشبة بأجهزة الحاسوب والأداء الآلي كلما قرّب العرض من جوهر التقنية.
إنّ هذه المسألة دعت إلى تهميش العلاقة الحميمية التي كانت سائدة في المسرح التقليدي والعرض مع الجمهور، ففي المسرح الرقمي يمكن الاكتفاء أن يكون المستخدم جالسا في بيته أو على سرير نومه أو في مقهى عام أو في سيارته ليبدأ بتشغيل هاتفه أو الجهاز اللوحي وبالضغط على نوافذ منبثقة يمكنه اختيار ما يشاء لمتابعته من العرض سواء كان ما يختاره مشهدًا أو شخصية كما يمكنه التفاعلية مع ما يشاهده والتعليق عليه وعندئذ يتحقق ما ذكرته البريكية في التعريف؛ الانفتاح على آفاق الجماعية الرحبة.
وقبل الخوض في بعض مصطلحات المسرح الرقمي، تجدر بنا الإشارة إلى المعطيات الفلسفية التي ساعدت على التنظير للمصطلح والسعي إلى تبيئته على الخشبة، إن أهم تلك المعطيات يدرجها الباحثون في معطيات أربعة يأتي ترتيبها هنا لغايات إجرائية فقط، هي:
الأول: تبلور المصطلح في مفاهيم طرحتها «فلسفة الحداثة وفلسفة ما بعد الحداثة لدى عدد من الفلاسفة أمثال نيتشه وميشال فوكو وجون بودريار».
الثاني: «الثورة المعرفية في مجالات العلوم والفيزياء والثورة الصناعية ثم ثورة عصر المعلومات في العالم والتي تزامنت مع الحداثة والتجريب».
الثالث: ظهور ما سُميَّ بالدراما الرقمية Hyperfiction التي دعا إليها تشارلز ديمر رائد المسرح التفاعلي.
الرابع: اتحاد الشق الأول «ميتا» من مصطلح (ميتافيزيقا) و«ميتا» هنا بمعنى «ما وراء» مع الشق الثاني «فيرس» ليصبح المصطلح هو (ميتافيرس) بمعنى «ما وراء العالم» أو الوجود.
إن هذه المنطلقات ساهمت في توجه العالم إلى المسرح الرقمي، ويتطلّب تعريف المسرح الرقمي كما يقول الدكتور سباعي السيد في كتابه (الدراما الرقمية والعرض الرقمي تجارب غربية وعربية) -بتصرفنا- إلى وجود قاعدة أساسية هي «توفر ثقافة رقمية بالتكنولوجيا، إذ تعتمد فلسفة الرقمنة على القدرة الفائقة على تخزين البيانات واسترجاعها بدقة متناهية [...] وكمثال على ذلك ملاحظة الفارق بين جهاز التحكم في الإضاءة المسرحية التناظري التقليدي والرقمي من حيث الحاسب الآلي يُمكن معه تخزين معلومات شدة الإضاءة واسترجاعها بمنتهى الدقة لعدد غير محدود من المرات»، وإلى جوار الثقافة الرقمية هناك أيضا مصطلح عرض الواقع الافتراضي الذي صاغه التكنولوجي جارون لانير في نهاية الثمانينيات.
فالعرض الافتراضي هو: «العرض الذي يوظَفُ فيه الحاسوب دورا مركزيا لا فرعيا في أشكال المحتوى والتقنيات والجماليات والتصميم»، ويمكن مقارنة ذلك الواقع مع التلقي القديم للواقع، ففي المسرح التقليدي كان الممثلون والجمهور يلتقون في صالة العرض المسرحي يتبادلون التعليقات والضحكات، ويتهامسون حول أداء أو انفعال أو عاطفة حصلت معهم من جراء أداء الممثل المباشر على الخشبة، أما في المسرح الرقمي فالأمر يختلف تماما، «صار الافتراضي يدل على إدراك الواقع [...] وغالبا ما يُعد الواقع الافتراضي بهذا المعنى بناء بصريا يتم إدراكه استنادًا إلى الأبعاد المكانية في الطول والعرض والعمق».
ولعل السؤال الذي يجدر التطرّق إليه الآن، من منطلق اشتغالنا بالتأليف المسرحي: ما تعريف النص في المسرح الرقمي؟ وما إسهام الحركة النقدية العربية حول علاقة المسرح بالتكنولوجيا؟
سعى الدكتور سعيد يقطين في كتابه (من النص إلى النص المترابط.. مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي) -بتصرفنا- إلى وضع تفريق ما بين النص في المسرح التقليدي والنص الإلكتروني حيث إن النص في الاستعمال الذي نعرفه مرتبط بالشفهي والكتابي، بينما النص الإلكتروني هو ما يتحقق من خلال شاشة الحاسوب.
ويتطرق يقطين أيضًا إلى مناقشة هل النص خطي أم أنه يجمع بين الخطية واللاخطية كما نجد ذلك في الانتقال من متن النص إلى حواشيه وهوامشه؟ ظهر هنا ما يسمى في المسرح التفاعلي بالنص التشعبي وهو نص يظهر معنا عندما نقارنه مع ما يتناقض معه، فالنص التقليدي تُعرف هويته عبر طباعته في كتاب، وقراءته قراءة واحدة خطية تتابعية، أما النص التشعبي فيأتينا «غير تتابعي، ولا يوجد ترتيب واحد يحدد التتابع الذي يَسير النص وفقًا له، إنه نص عبارة عن كتابة غير تتابعية مع روابط يتحكم بها القارئ».
إن المأمول من مسرح هذا العصر التكنولوجي المتطور الواعد بالكثير من الدهشة يدفعنا كمهتمين بالمسرح وشغوفين به الحرص على هذه النقاط القادمة وإثراء النقاش من حولها.
أولا: أهمية الوعي بالثقافة الرقمية والتكنولوجيا في حياتنا، والاستثمار الواعي لشبكات التواصل الافتراضي (كظاهرة البلوجر والمدونات والفيسبوك وتويتر، واليوتيوب) والانتباه إلى تأثيراتها على المجتمع وعلى التوجهات الثقافية وعلى الهوية.
ثانيا: 'إذا كان الشعر والرواية، وهما أبعد من المسرح من حيث الاحتكاك بالمتلقي، فإن المسرح أولى منهما في تجديد طبيعة العلاقة القائمة بين عناصر العملية الإبداعية فيه، لأنه شديد القرب والاحتكاك بالعنصر الأهم فيها وهو المتلقي الذي بعثت فيه التكنولوجيا الحياة في تطبيق حي وحقيقي لمقولات ما بعد البنيوية، سواء سعى التكنولوجيون لذلك أم لا»
ثالثا: «توظيف التكنولوجيا الرقمية في المسرح كفيلة بتجديد الخطاب المسرحي وعلينا أن نقبل هذه الوسائطية باعتبار أن المسرح في الأساس هو فن يستخدم الوسائط حتى في شكله الدرامي التقليدي».
رابعا: المسرح الرقمي بواسطة الوسائط الإلكترونية من تلفزيون وإنترنت أقصى اللغة والحوار والحكاية وقلل من مساحة الممثلين فإنه كذلك أفقدهم حيوية الجمهور الحي؛ لذلك فإن مسرحنا العربي كما يقول الدكتور حسن اليوسفي بشكل عام «يتأرجح بين الدراما التقليدية وبين الوسائط الجديدة».
يذهب الدكتور سباعي السيد في كتابه إلى أن الحركة النقدية العربية قد رحبت بتجارب المسرح الرقمي ولم تجد فيها «تأوربا مطلقا» بل رأت فيها وسيلة لتجديد الخطاب المسرحي وإثراء للتجربة الجمالية للمسرح واتساقا بين المسرح العربي وجمهوره.
«لأن جوهر التكنولوجيا ليس تكنولوجيا، فإن الانعكاس الأساسي للتكنولوجيا والمواجهة الحاسمة معها يجب أن يحدثا في عالم قريب من جوهر التكنولوجيا، من ناحية، وفي الوقت نفسه، عالم مختلف جوهريا عنه، هذا العالم هو الفن» مارتن هايدجر
هل يختلف المسرح في العصر الرقمي عن المسرح في العصور السابقة؟ وما هو المأمول من مسرح هذا العصر التكنولوجي المتطور والواعد بالكثير من الدهشة؟
لا يمكن الاختلاف على أن عنصر الدهشة مرتكز أساسي تؤديه التقنية في عالم الاتصالات اليوم، وذلك انطلاقا من أسلوب الحياة والفنون كلها قد أخذت تتغير، وهذا يؤدي بالضرورة إلى اختلاف أساليب التلقي والإنتاج بواسطة تدفق المعلومات.
يقول وليم فوجان في مقالة له بعنوان «تاريخ الفن في العصر الرقمي مشكلات وإمكانات»: «منذ نشأة الشبكة العنكبوتية العالمية في أوائل التسعينيات أثرت هذه الثورة الرقمية سواء بالسلب أو بالإيجاب على كل مجتمع في العالم وفتحت الباب لطيف واسع من الإمكانات في الفنون البصرية».
والناظر اليوم إلى وضع المسرح التقليدي يستنتج أن تعريف المسرح ذاته قد أخذ يتغير في عصر الرقمنة، فالتعريف المبسط للمسرح على أنه ظاهرة اجتماعية ومؤسسة لها جهازها الفني واللوجستي، أخذ يفقد عناصره المتوارثة عبر أجيال.
يكتب مارتن إسلن معرفا المسرح بأنه: «حيث يكون المؤدون والمتفرجون في مكان واحد، فإن ذلك هو المكان الوحيد الذي يتم فيه الفعل المسرحي مما يجعل المسرح ممكنا» وهذا التعريف له وجاهته إذ يشترط في تحقق شرطية المسرح وجود أناس يتفاعلون مع المؤدين، وفي حال عدم تحقق هذا الشرط نستطيع أن نطلق على أي ظاهرة أخرى شبيهة بالمسرح أيّ تسمية مناسبة إلا المسرح، وقد ذهب بعض الدارسين إلى الاعتقاد بأن الأداءات الفنية التي تعتمد على الحاسوب هي مسرح، لكن تأمل الأداء نفسه يُسقط عنها تلك التسمية.
فما هو المسرح الرقمي؟ وما الفلسفة التي تقف خلفه أو المعطيات التي ساعدت على ظهوره وسعي الباحثين إلى التنظير له؟
يُعرّف الدكتور محمد حسين حبيب المسرح الرقمي بأنه: «هو المسرح الذي يوظف معطيات التقنية العصرية الجديدة المتمثلة في استخدامه الوسائط الرقمية المتعددة في إنتاج أو تشكيل خطابه المسرحي شريطة اكتسابه صفة التفاعلية، [...] أو هو ذلك العرض المسرحي الحي المقدم على خشبة المسرح، والذي يشاهده الجمهور في الـ(هنا) و(الآن) وهو يستثمر التقنيات الرقمية التي من شأنها التحليق جماليا وفكريا بفضاءاته وعوالمه الدرامية ليتجلى فيها انفعال التلقي وانعكاسه على الذائقة بمختلف مستوياتها».
ونظرًا لوجود مسميات مجاورة من المسرح الرقمي كمصطلح المسرح التفاعلي أو المسرح الافتراضي فإنّ الدكتورة فاطمة البريكي وانطلاقا من تعريفها للمسرحية التفاعلية Drama Interactive تضعنا أمام هذا التعريف في كتابها (مدخل إلى الأدب التفاعلي): «المسرحية التفاعلية نمط جديد من الكتابة الأدبية يتجاوز الفهم التقليدي لفعل الإبداع الأدبي الذي يتمحور حول المبدع الواحد، إذ يشترك في تقديمه عدة كتّاب كما يُدعى المتلقي/المستخدم أيضًا للمشاركة فيه وهو مثال للعمل الجماعي المنتِج الذي يتخطى حدود الفردية وينفتح على آفاق الجماعية الرحبة».
يتضح من التعريفين السابقين أن المسرح في عصر التكنولوجيا، إنما يحتفي بالعلم على حساب الإنسانية، وبالاختصارات والتكثيف على جوهر القص التقليدي وكلما أوغل المخرج في تبيئة الخشبة بأجهزة الحاسوب والأداء الآلي كلما قرّب العرض من جوهر التقنية.
إنّ هذه المسألة دعت إلى تهميش العلاقة الحميمية التي كانت سائدة في المسرح التقليدي والعرض مع الجمهور، ففي المسرح الرقمي يمكن الاكتفاء أن يكون المستخدم جالسا في بيته أو على سرير نومه أو في مقهى عام أو في سيارته ليبدأ بتشغيل هاتفه أو الجهاز اللوحي وبالضغط على نوافذ منبثقة يمكنه اختيار ما يشاء لمتابعته من العرض سواء كان ما يختاره مشهدًا أو شخصية كما يمكنه التفاعلية مع ما يشاهده والتعليق عليه وعندئذ يتحقق ما ذكرته البريكية في التعريف؛ الانفتاح على آفاق الجماعية الرحبة.
وقبل الخوض في بعض مصطلحات المسرح الرقمي، تجدر بنا الإشارة إلى المعطيات الفلسفية التي ساعدت على التنظير للمصطلح والسعي إلى تبيئته على الخشبة، إن أهم تلك المعطيات يدرجها الباحثون في معطيات أربعة يأتي ترتيبها هنا لغايات إجرائية فقط، هي:
الأول: تبلور المصطلح في مفاهيم طرحتها «فلسفة الحداثة وفلسفة ما بعد الحداثة لدى عدد من الفلاسفة أمثال نيتشه وميشال فوكو وجون بودريار».
الثاني: «الثورة المعرفية في مجالات العلوم والفيزياء والثورة الصناعية ثم ثورة عصر المعلومات في العالم والتي تزامنت مع الحداثة والتجريب».
الثالث: ظهور ما سُميَّ بالدراما الرقمية Hyperfiction التي دعا إليها تشارلز ديمر رائد المسرح التفاعلي.
الرابع: اتحاد الشق الأول «ميتا» من مصطلح (ميتافيزيقا) و«ميتا» هنا بمعنى «ما وراء» مع الشق الثاني «فيرس» ليصبح المصطلح هو (ميتافيرس) بمعنى «ما وراء العالم» أو الوجود.
إن هذه المنطلقات ساهمت في توجه العالم إلى المسرح الرقمي، ويتطلّب تعريف المسرح الرقمي كما يقول الدكتور سباعي السيد في كتابه (الدراما الرقمية والعرض الرقمي تجارب غربية وعربية) -بتصرفنا- إلى وجود قاعدة أساسية هي «توفر ثقافة رقمية بالتكنولوجيا، إذ تعتمد فلسفة الرقمنة على القدرة الفائقة على تخزين البيانات واسترجاعها بدقة متناهية [...] وكمثال على ذلك ملاحظة الفارق بين جهاز التحكم في الإضاءة المسرحية التناظري التقليدي والرقمي من حيث الحاسب الآلي يُمكن معه تخزين معلومات شدة الإضاءة واسترجاعها بمنتهى الدقة لعدد غير محدود من المرات»، وإلى جوار الثقافة الرقمية هناك أيضا مصطلح عرض الواقع الافتراضي الذي صاغه التكنولوجي جارون لانير في نهاية الثمانينيات.
فالعرض الافتراضي هو: «العرض الذي يوظَفُ فيه الحاسوب دورا مركزيا لا فرعيا في أشكال المحتوى والتقنيات والجماليات والتصميم»، ويمكن مقارنة ذلك الواقع مع التلقي القديم للواقع، ففي المسرح التقليدي كان الممثلون والجمهور يلتقون في صالة العرض المسرحي يتبادلون التعليقات والضحكات، ويتهامسون حول أداء أو انفعال أو عاطفة حصلت معهم من جراء أداء الممثل المباشر على الخشبة، أما في المسرح الرقمي فالأمر يختلف تماما، «صار الافتراضي يدل على إدراك الواقع [...] وغالبا ما يُعد الواقع الافتراضي بهذا المعنى بناء بصريا يتم إدراكه استنادًا إلى الأبعاد المكانية في الطول والعرض والعمق».
ولعل السؤال الذي يجدر التطرّق إليه الآن، من منطلق اشتغالنا بالتأليف المسرحي: ما تعريف النص في المسرح الرقمي؟ وما إسهام الحركة النقدية العربية حول علاقة المسرح بالتكنولوجيا؟
سعى الدكتور سعيد يقطين في كتابه (من النص إلى النص المترابط.. مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي) -بتصرفنا- إلى وضع تفريق ما بين النص في المسرح التقليدي والنص الإلكتروني حيث إن النص في الاستعمال الذي نعرفه مرتبط بالشفهي والكتابي، بينما النص الإلكتروني هو ما يتحقق من خلال شاشة الحاسوب.
ويتطرق يقطين أيضًا إلى مناقشة هل النص خطي أم أنه يجمع بين الخطية واللاخطية كما نجد ذلك في الانتقال من متن النص إلى حواشيه وهوامشه؟ ظهر هنا ما يسمى في المسرح التفاعلي بالنص التشعبي وهو نص يظهر معنا عندما نقارنه مع ما يتناقض معه، فالنص التقليدي تُعرف هويته عبر طباعته في كتاب، وقراءته قراءة واحدة خطية تتابعية، أما النص التشعبي فيأتينا «غير تتابعي، ولا يوجد ترتيب واحد يحدد التتابع الذي يَسير النص وفقًا له، إنه نص عبارة عن كتابة غير تتابعية مع روابط يتحكم بها القارئ».
إن المأمول من مسرح هذا العصر التكنولوجي المتطور الواعد بالكثير من الدهشة يدفعنا كمهتمين بالمسرح وشغوفين به الحرص على هذه النقاط القادمة وإثراء النقاش من حولها.
أولا: أهمية الوعي بالثقافة الرقمية والتكنولوجيا في حياتنا، والاستثمار الواعي لشبكات التواصل الافتراضي (كظاهرة البلوجر والمدونات والفيسبوك وتويتر، واليوتيوب) والانتباه إلى تأثيراتها على المجتمع وعلى التوجهات الثقافية وعلى الهوية.
ثانيا: 'إذا كان الشعر والرواية، وهما أبعد من المسرح من حيث الاحتكاك بالمتلقي، فإن المسرح أولى منهما في تجديد طبيعة العلاقة القائمة بين عناصر العملية الإبداعية فيه، لأنه شديد القرب والاحتكاك بالعنصر الأهم فيها وهو المتلقي الذي بعثت فيه التكنولوجيا الحياة في تطبيق حي وحقيقي لمقولات ما بعد البنيوية، سواء سعى التكنولوجيون لذلك أم لا»
ثالثا: «توظيف التكنولوجيا الرقمية في المسرح كفيلة بتجديد الخطاب المسرحي وعلينا أن نقبل هذه الوسائطية باعتبار أن المسرح في الأساس هو فن يستخدم الوسائط حتى في شكله الدرامي التقليدي».
رابعا: المسرح الرقمي بواسطة الوسائط الإلكترونية من تلفزيون وإنترنت أقصى اللغة والحوار والحكاية وقلل من مساحة الممثلين فإنه كذلك أفقدهم حيوية الجمهور الحي؛ لذلك فإن مسرحنا العربي كما يقول الدكتور حسن اليوسفي بشكل عام «يتأرجح بين الدراما التقليدية وبين الوسائط الجديدة».
يذهب الدكتور سباعي السيد في كتابه إلى أن الحركة النقدية العربية قد رحبت بتجارب المسرح الرقمي ولم تجد فيها «تأوربا مطلقا» بل رأت فيها وسيلة لتجديد الخطاب المسرحي وإثراء للتجربة الجمالية للمسرح واتساقا بين المسرح العربي وجمهوره.