عمان الثقافي

أحب بلادي

 
الترجمة عن التركية: أحمد زكريا -

1- أحب بلادي

أحب بلادي:

تأرجحتُ على أشجارها، وحُبستُ في سجونها

لا شيء يُصلح محنتي الداخلية

مثل أغاني بلادي وتَبْغِهَا.

بلادي:

بدر الدين، سِنان، يونس إمره، وصقاريا

القباب الرصاصية، ومداخن المصانع

إنها آثار شعبي الذي يضحك من تحت شواربه المتدلية

وهو يخفي الضحكة حتى من نفسه.

بلادي:

كم هي شاسعة!

تبدو كأنها بلا نهاية

إدرنة، إزمير، أولوكيشلا، مرعش، طربزون، وأرضروم

إنني أعرف هضاب أرضروم، فقط من أغانيها الشعبية

وأخجل لأنني لم أعبر جبال طرورس، ولو لمرة واحدة

لكي أذهب إلى جامعي القطن في الجنوب.

بلادي:

الجِمَال، والقطارات، وسيارات الفورد، والحمير المريضة

شجر الحور، والصفصاف، والتراب الأحمر.

بلادي:

سمك الزبيدي الذي يحب غابات الصنوبر،

وأعذب المياه، والبحيرات التي في أعالي الجبال

أسماك الزبيدي الكبيرة

تسبح بلا قِشر، وبجلد فضي

تبدو حمراء وهي تسبح في بحيرة أبانت بمدينة بولو.

بلادي:

الماعز في سهول أنقرة:

يلمع فوقها الفراء الحريري الأصهب..

والبندق الزيتي الفاخر من جيراسون..

وتفاح أماسيا الذي تفوح منه رائحة خدوده الحمراء..

الزيتون، والتين، والشمَّام، وعناقيد العنب بألوانها المختلفة..

ثم المحراث الأسود

والماشية السوداء

وشعبي المُستعدُّ لقبول التقدُّم والجمال وكل شيء جيد،

بسعادة طفلٍ منبهر

شعبي المجتهد، الشريف، الشجاع

نصفُ جائعٍ ونصفُ شبعانٍ

ونصفُ أسير.

2- ما قِيل عن بلادي أيضًا

بلادي بلادي

بلادي

لم تبق قبعتي التي صُنعت بِأيادي عُمّالكِ

ولا حذائي الذي يحمل طُرُقَاتِكِ

حتى آخر قميصٍ اشتريتُهُ منكِ قد اهترأ منذ زمنٍ

لم يبق منكِ الآن سوى بياض شعري يا بلادي

أنتِ في خطوط جبيني..

بلادي بلادي.

3- دعوة

هذه البلاد بلادنا..

بلادنا التي تشبه رأس مُهرة تركض من آسيا البعيدة

إلى البحر المتوسط

المعاصم دامية، والأسنان مُطبَقة

الأقدام حافية، وهذا التراب الذي يشبه سجاد الحرير

هذا الجحيم، وهذه الجنة لنا

لتُغلقَ أبواب المُستغلين، ولا تُفتح مرة أخرى

حطِّموا عبودية الإنسان للإنسان

هذه الدعوة لنا

أن نعيش كشجرة وحيدة وحرة

إخوانًا كأشجار الغابة

هذا الشوق لنا.

4- وصية

أيها الرفاق

إذا لم يكن من نصيبي رؤية ذلك اليوم

يعني إذا مِتُّ قبل تحرير بلادي

فخذوني

وادفنوني في مقبرة إحدى قرى الأناضول

وليَرقد بجانبي عثمان المُزارع

الذي أمر حسن بك بقتله،

وعلى الجانب الآخر

الشهيدة عائشة التي أنجبت طفلها على التراب،

أسفل السنابل

وماتت قبل أن يتم رضيعها الأربعين

ولتمرَ الأغاني الشعبية من الجرارات على المقابر

والشباب اليافع في ضوء الصباح، ورائحة البنزين المحترق

والحقول المشاعة بين الناس، والمياه التي في الجداول

لا جفاف، ولا خوف من رجال الدرك

لن نسمع هذه الأغاني بالتأكيد

الموتى يتمددون تحت التراب، ويتعفَّنون كالغصون السوداء

صمٌّ بكمٌ عميٌ تحت التراب

لكنني غنيتُ تلك الأغاني من قبل

قبل أن يأتي هؤلاء

وشممتُ رائحة البنزين المحترق

قبل حتى أن يرسموا صورًا للجرارات

أما عن جيراني الهادئين

عثمان المُزارع والشهيدة عائشة

فقد عانوا في صحتهم من الشوق الكبير

ربما دون أن يدركوا ذلك

أيها الرفاق

يعني إذا مِتُّ قبل ذلك اليوم

-يبدو أن هذا ما سيحدث-

فادفنوني في مقبرة إحدى قرى الأناضول

وإذا كان ممكنًا

فلتكن شجرة الدُّلب فوق رأسي

ولا داعي للشَّاهدة.

5- محمد

بلادي في الطرف الآخر

أنادي من فارنا

هل تسمعني؟

محمد.. محمد

يتدفق البحر الأسود بلا توقف

شوق جنوني.. شوق جنوني

أنادي عليك يا ولدي

هل تسمعني؟

محمد.. محمد.

6- ذبحة صدرية

إذا كان نصف قلبي هنا أيها الطبيب

فنصفه الآخر هناك في الصين

مع الجيش الزاحف نحو النهر الأصفر

وعند كل فجرٍ، أيها الطبيب

يطلقون الرصاص نحو قلبي في اليونان

وعندما ينام السجناء، ويغادر الجميع العيادة

يحطّ قلبي على بيت مهدم في إسطنبول

أيها الطبيب

ومنذ عشر سنوات

ليس لدي ما أقدمه لشعبي الفقير

سوى هذه التفاحة التي بيدي

تفاحة واحدة حمراء، هي قلبي!

هذا هو سبب ذبحتي الصدرية أيها الطبيب

وليس تصلب الشرايين أو النيكوتين أو السجن

أحدّق في الليل عبر القضبان

ورغم الثقل الذي يطبق على صدري

ما زال قلبي ينبض مع النجوم البعيدة.

• ناظم حكمت (1902-1963) أبرز شعراء تركيا، عرف بوقوفه إلى جانب نضال الشعوب، وتعرض للسجن والنفي وسُحبت منه الجنسية التركية عام1951، ولم تُردّ إليه إلا عام 2009.

أحمد زكريا شاعر ومترجم مصري عن التركية.