يوميات الصّحة النفسيّة للكتابة
الثلاثاء / 21 / ربيع الأول / 1444 هـ - 20:33 - الثلاثاء 18 أكتوبر 2022 20:33
(1)
جدلا، لا وجود لمفهوم يخص الصّحة النفسيّة للكتابة، والمعنيِّ بالأمر هنا هي ذات الإنسان العادي الذي يستطيع أن يُسجل يومياته، أو ذات مَن لديه هوية ثقافية وينتمي لحقول الإبداع المختلفة؛ المسرح والسرد والموسيقى والفنون التشكيلية والعلوم الطبيعية. وحسب محرك البحث جوجل نقرأ أن العالم قد خصص يومًا عالميًا يحتفىَ فيه بالصحة النفسية في اليوم العاشر من أكتوبر، ويُكرس الاحتفاء لأجل «إذكاء الوعي العام بقضايا الصحة النفسية، وإجراء مناقشات أكثر انفتاحا بشأن الأمراض النفسية، وتوظيف الاستثمارات في الخدمات ووسائل الوقاية على حد سواء». والناظر إلى اليوميات التي ستسجلها المرأة العادية منطلقة إما من وظيفتها كربة للبيت أو رئيسة للوزراء، سيجدها بالضرورة تختلف اختلافًا شاسعًا بين امرأة مهمتها إلى جوار مسؤولياتها البيتية أن تكون امرأة تمارس فعل الكتابة أو محترفة للفنون، أو فن التمثيل. وربما ستتفق أغلب خانات دفتر المذكرات مع جميع النساء حول تسجيل نقاط محددة مشتركة أسوقها للتمثيل فحسب: كالاهتمام بتواريخ الذهاب إلى السوق لشراء حاجيات البيت، أو زيارة طبيبة النساء والولادة، أو الفحص المبكر للسرطان، أو الانضمام إلى جلسة برامج الأسرة والتنمية الذاتية والرياضة! وربما هناك تفاصيل أخرى ستدونها كلّ امرأة قررت تدوين يومياتها.
(2)
على هامش تدوين كل ما هو يومي وفيما إذا أتيح لكم كتابة يومياتكم، كنت في مقالتي السابقة (كتابة اليوميات) قد طرحت هذا السؤال: ماذا ستكتبون في يومياتكم؟ وهل كتابة اليوميات فعل جاد ومشروع حياة؟ لقد وصلتني بعض الإجابات التي أمتن لأصحابها كالتالي: تقول ربة بيت: «لم أجرب أن أكتب يومياتي، ولكن عندما أفكر في ذلك فإن أكثر ما يسيطر عليّ حينها أنني سأكون مستلبة بالكامل لمشاعري! لن أفكر في كتابة ما كان في يومي من مهام، بقدر ما سيطرأ على يومي من مشاعر. لا أعرف إن كان هذا أمر صحي ولكن قد أجربه يوما!» ورأي آخر لربة بيت تعزف على البيانو تقول: «من ضمن ما أركز عليه في يومياتي.. أولا: سماع كلمات ترفع من هرمون السعادة لديَّ. ثانيًا: قيل لا خير في يوم لم أزدد به علمًا، فما أسعدني عندما أضيف شيئًا لم أكن أعلمه إلى حصيلة معرفتي. ثالثًا: للرجال بصمات، وللنساء لمسات، فما هي لمساتي في هذا اليوم؟ أحبُ أن يكون لي بصمتي الخاصة فيما أفعل.. توصيل ابني للمدرسة، اقرأ عن ظهر قلب صفحتين من القرآن الكريم، وأحرص على صدقة لأي عامل نظافة أجده في طريقي حتى لو كانت قطعة من الشوكولاته.
وكان لإحدى الأكاديميات هذا الرأي: «يهتم القارئ عند قراءة اليوميات بالتجربة وما يصاحبها من مشاعر مخبرات. فما يهمه ليس الحدث فقط، وإنّما ردة فعل الشخص تجاهه؛ لأننا قد نتعلم من ردات فعل الآخرين تجاه المواقف، ونركز على مشاعرهم، وكيف استطاعوا أن يتجاوزوها». ولأكاديمية أخرى هذا الرأي: «أنجح ما كُتب من اليوميات وهو ما يروقني وأفعله، هو الربط بين الشخصي والعام، بحيث يكون التاريخ الفردي شهادة على مرحلة، ومحاولة فهم كيف يتفاعل التاريخان الفردي والعام».
ومن بين الآراء أيضًا، هذا الرأي لمترجمة: «كمترجمة سأركز يومياتي على أهمية القراءة اليومية؛ لأنها جزء مهم من ذخيرة المترجم، وسهل جدا أن يبتعد المترجم عن القراءة إذا انشغل بالترجمة فقط. المبدع، أي مبدع ضروري يكون هناك شيء أساسي في يومه يكاد يمارسه يوميا، وفي حالتي القراءة.» ولأحد الفنانين الموسيقيين الذي ميّز رأيه بين اختلاف ما سيكتبه كموظف أو كفنان هذا الرأي: «إذا ترك لي الاختيار سأكتب عن أكثر شيء أجيد فيه وأعشقه ولا أملّ منه؛ الموسيقى التعبيرية أو عن العازفين في كل عصر.» وكذلك هذا الرأي لأحد المهندسين: «كنت بصراحة قبل عشرين سنة أكتب يومياتي بمعنى الكلمة؛ متى أذهب للمدرسة وحتى وقت النوم ماذا فعلت من أحداث في يومي كله، وبعدما يقارب سنتين من الكتابة أحرقت الدفتر؛ قلت في نفسي من الممكن أن أصير وزيرا أو رجلا مهما بالدولة وسيقع الدفتر في يد غير أمينة.» وأختم الردود التي وصلتني بهذا الرأي: «باختصار سأكتب في يومياتي عن الناس الذين تعرفت عليهم والأماكن والأشياء والأحاسيس مثل الحب الأول أو موت شخص عزيز.»
(3)
تبين لي من الردود السابقة أن لكّل إنسان فهمه الخاص ليومياته التي يريد أن يكتبها، وأن تأمل فكرة أن تكون كتابة اليوميات فعل جاد ومشروع حياة وخبرات يُمكن أن يتعلم منها الآخرون لا يُكترث به الكثير، هذا في حدود ما وصلني من إجابات قد فَهمت السؤال جيدا؛ لأنّ عدم فهم السؤال معناه وجود قلة اكتراث بالعامل النفسي لفهم الفرد لذاته. مؤخرًا فازت الكاتبة الفرنسية آني إرنو بجائزة نوبل في الأدب عن يومياتها المنشورة في سيرتها الذاتية بعنوان: «خزائن فارغة»، ووفقا لبيان لجنة الحكم فإنّ ما فعلته إرنو -حسب اعتقادي- أنها توغلت في ذاتها، وانتبهت لأفكارها، وركزت على ما تعيشه ويقلقها ويُشكّل رؤيتها للعالم وللنص وللغة، وهذا ما يقرّب نظرتها من مفهوم كيف يمكن أن تكون السيرة الذاتية مشروعا للحياة. لقد ظلت آني تكتب حسب جوجل عن «علاقتها مع والدها، وتجاربها التي نشأت في بلدة صغيرة في فرنسا «...» وكذلك كتبت عن سنوات مراهقتها، وعن زواجها، وعلاقاتها العاطفية، وإجهاضها، ومرض الزَهايمر وعن وفاة والدتها وعن سرطان الثدي. أليست هذه الكتابات هي مشروع صغير يبدأ بتسجيل اليوميات؟ أليس ما كتبت عنه آني إرنو هو محاولة لتدوين كتابة عن الصحة النفسية لذواتنا التي تخشى الاعتراف؟
«جنون» مسرحية مُهمة في مسيرة الفنانة المسرحية جليلة بكار والمخرج فاضل الجعايبي. أعود بالذاكرة إلى بعض مشاهد العرض المسرحي الذي شاهدته لها في أثناء دراستي بالأردن. عُدت بالذاكرة لصلة حميمية وجدتها متصلة لكتابة اليوميات بالصحة النفسية. ينهض عرض مسرحية «جنون» على فكرة غريبة ومرعبة! فالمؤلفة الفعلية ناجية الزَّمني تعمل في الفلسفة وعلم النفس الطبي ألفت كتابا بعنوان «يوميات خطاب فصامي.. حكاية تحليل نفسي بلا أريكة». يحكي الكتاب عن مريض نفسي يُدعى (نون) مصاب بالشيزوفرينيا يرقد في مستشفى للأمراض العقلية، فتتوغل الكاتبة عبر وسيط الكتابة في حياة هذا المريض لتنتقل إلى عوالم خفية في حياته. وعطفا على بيان منظمة الصحة العالمية والإحصائيات التي استقر عليها، سيستنتج الناظر أن وضع الإنسان المعاصر وعقله في خطر كبير جدا؛ فمن جراء جميع الأدوية التي يتعاطاها في يومه ومع المدى الطويل فالجسم يصير هشا وضعيفا، فكُلنا بهذا المعنى مرضى ونعاني. فإذا كان الحال كذلك، فكيف سيكون وضع العقل، كامل الوعي أم مصاب بالاختلال والانتحاب، والبارانويا، والأمراض الأحادية الأقطاب؟ كم يبدو فخ السؤال بسيطا وسهلا: ماذا سنكتب في يومياتنا؟ ولكنه في العمق شقيّ ومتعب.
في كتابها المرجعيّ (الخطاب السردي العماني الأنواع والخصائص 1939-2010م) تناولت الدكتورة عزيزة الطائية فصلا بعنوان «الكتابات الذاتية العمانية»، حيث استشهدت بالعديد من التجارب العمانية المتميزة في هذا المجال، وعبر تحليل نقدي مكثف للتجارب المنتخبة تصل الباحثة إلى هذه النتيجة: إنّ جميع الكتابات الذاتية التي اطلعنا عليها في أدبنا العماني رغم تنوعها لم تفضِ إلى الوقوف على سيرة ذاتية متكاملة بالمفهوم المعاصر، وإنّما هي -رغم تنوعها- ضروب من الإحساس بالذّات، والتعبير عنها لمرحلة معينة، أو تجربة محددة عاشها الكاتب».
جدلا، لا وجود لمفهوم يخص الصّحة النفسيّة للكتابة، والمعنيِّ بالأمر هنا هي ذات الإنسان العادي الذي يستطيع أن يُسجل يومياته، أو ذات مَن لديه هوية ثقافية وينتمي لحقول الإبداع المختلفة؛ المسرح والسرد والموسيقى والفنون التشكيلية والعلوم الطبيعية. وحسب محرك البحث جوجل نقرأ أن العالم قد خصص يومًا عالميًا يحتفىَ فيه بالصحة النفسية في اليوم العاشر من أكتوبر، ويُكرس الاحتفاء لأجل «إذكاء الوعي العام بقضايا الصحة النفسية، وإجراء مناقشات أكثر انفتاحا بشأن الأمراض النفسية، وتوظيف الاستثمارات في الخدمات ووسائل الوقاية على حد سواء». والناظر إلى اليوميات التي ستسجلها المرأة العادية منطلقة إما من وظيفتها كربة للبيت أو رئيسة للوزراء، سيجدها بالضرورة تختلف اختلافًا شاسعًا بين امرأة مهمتها إلى جوار مسؤولياتها البيتية أن تكون امرأة تمارس فعل الكتابة أو محترفة للفنون، أو فن التمثيل. وربما ستتفق أغلب خانات دفتر المذكرات مع جميع النساء حول تسجيل نقاط محددة مشتركة أسوقها للتمثيل فحسب: كالاهتمام بتواريخ الذهاب إلى السوق لشراء حاجيات البيت، أو زيارة طبيبة النساء والولادة، أو الفحص المبكر للسرطان، أو الانضمام إلى جلسة برامج الأسرة والتنمية الذاتية والرياضة! وربما هناك تفاصيل أخرى ستدونها كلّ امرأة قررت تدوين يومياتها.
(2)
على هامش تدوين كل ما هو يومي وفيما إذا أتيح لكم كتابة يومياتكم، كنت في مقالتي السابقة (كتابة اليوميات) قد طرحت هذا السؤال: ماذا ستكتبون في يومياتكم؟ وهل كتابة اليوميات فعل جاد ومشروع حياة؟ لقد وصلتني بعض الإجابات التي أمتن لأصحابها كالتالي: تقول ربة بيت: «لم أجرب أن أكتب يومياتي، ولكن عندما أفكر في ذلك فإن أكثر ما يسيطر عليّ حينها أنني سأكون مستلبة بالكامل لمشاعري! لن أفكر في كتابة ما كان في يومي من مهام، بقدر ما سيطرأ على يومي من مشاعر. لا أعرف إن كان هذا أمر صحي ولكن قد أجربه يوما!» ورأي آخر لربة بيت تعزف على البيانو تقول: «من ضمن ما أركز عليه في يومياتي.. أولا: سماع كلمات ترفع من هرمون السعادة لديَّ. ثانيًا: قيل لا خير في يوم لم أزدد به علمًا، فما أسعدني عندما أضيف شيئًا لم أكن أعلمه إلى حصيلة معرفتي. ثالثًا: للرجال بصمات، وللنساء لمسات، فما هي لمساتي في هذا اليوم؟ أحبُ أن يكون لي بصمتي الخاصة فيما أفعل.. توصيل ابني للمدرسة، اقرأ عن ظهر قلب صفحتين من القرآن الكريم، وأحرص على صدقة لأي عامل نظافة أجده في طريقي حتى لو كانت قطعة من الشوكولاته.
وكان لإحدى الأكاديميات هذا الرأي: «يهتم القارئ عند قراءة اليوميات بالتجربة وما يصاحبها من مشاعر مخبرات. فما يهمه ليس الحدث فقط، وإنّما ردة فعل الشخص تجاهه؛ لأننا قد نتعلم من ردات فعل الآخرين تجاه المواقف، ونركز على مشاعرهم، وكيف استطاعوا أن يتجاوزوها». ولأكاديمية أخرى هذا الرأي: «أنجح ما كُتب من اليوميات وهو ما يروقني وأفعله، هو الربط بين الشخصي والعام، بحيث يكون التاريخ الفردي شهادة على مرحلة، ومحاولة فهم كيف يتفاعل التاريخان الفردي والعام».
ومن بين الآراء أيضًا، هذا الرأي لمترجمة: «كمترجمة سأركز يومياتي على أهمية القراءة اليومية؛ لأنها جزء مهم من ذخيرة المترجم، وسهل جدا أن يبتعد المترجم عن القراءة إذا انشغل بالترجمة فقط. المبدع، أي مبدع ضروري يكون هناك شيء أساسي في يومه يكاد يمارسه يوميا، وفي حالتي القراءة.» ولأحد الفنانين الموسيقيين الذي ميّز رأيه بين اختلاف ما سيكتبه كموظف أو كفنان هذا الرأي: «إذا ترك لي الاختيار سأكتب عن أكثر شيء أجيد فيه وأعشقه ولا أملّ منه؛ الموسيقى التعبيرية أو عن العازفين في كل عصر.» وكذلك هذا الرأي لأحد المهندسين: «كنت بصراحة قبل عشرين سنة أكتب يومياتي بمعنى الكلمة؛ متى أذهب للمدرسة وحتى وقت النوم ماذا فعلت من أحداث في يومي كله، وبعدما يقارب سنتين من الكتابة أحرقت الدفتر؛ قلت في نفسي من الممكن أن أصير وزيرا أو رجلا مهما بالدولة وسيقع الدفتر في يد غير أمينة.» وأختم الردود التي وصلتني بهذا الرأي: «باختصار سأكتب في يومياتي عن الناس الذين تعرفت عليهم والأماكن والأشياء والأحاسيس مثل الحب الأول أو موت شخص عزيز.»
(3)
تبين لي من الردود السابقة أن لكّل إنسان فهمه الخاص ليومياته التي يريد أن يكتبها، وأن تأمل فكرة أن تكون كتابة اليوميات فعل جاد ومشروع حياة وخبرات يُمكن أن يتعلم منها الآخرون لا يُكترث به الكثير، هذا في حدود ما وصلني من إجابات قد فَهمت السؤال جيدا؛ لأنّ عدم فهم السؤال معناه وجود قلة اكتراث بالعامل النفسي لفهم الفرد لذاته. مؤخرًا فازت الكاتبة الفرنسية آني إرنو بجائزة نوبل في الأدب عن يومياتها المنشورة في سيرتها الذاتية بعنوان: «خزائن فارغة»، ووفقا لبيان لجنة الحكم فإنّ ما فعلته إرنو -حسب اعتقادي- أنها توغلت في ذاتها، وانتبهت لأفكارها، وركزت على ما تعيشه ويقلقها ويُشكّل رؤيتها للعالم وللنص وللغة، وهذا ما يقرّب نظرتها من مفهوم كيف يمكن أن تكون السيرة الذاتية مشروعا للحياة. لقد ظلت آني تكتب حسب جوجل عن «علاقتها مع والدها، وتجاربها التي نشأت في بلدة صغيرة في فرنسا «...» وكذلك كتبت عن سنوات مراهقتها، وعن زواجها، وعلاقاتها العاطفية، وإجهاضها، ومرض الزَهايمر وعن وفاة والدتها وعن سرطان الثدي. أليست هذه الكتابات هي مشروع صغير يبدأ بتسجيل اليوميات؟ أليس ما كتبت عنه آني إرنو هو محاولة لتدوين كتابة عن الصحة النفسية لذواتنا التي تخشى الاعتراف؟
«جنون» مسرحية مُهمة في مسيرة الفنانة المسرحية جليلة بكار والمخرج فاضل الجعايبي. أعود بالذاكرة إلى بعض مشاهد العرض المسرحي الذي شاهدته لها في أثناء دراستي بالأردن. عُدت بالذاكرة لصلة حميمية وجدتها متصلة لكتابة اليوميات بالصحة النفسية. ينهض عرض مسرحية «جنون» على فكرة غريبة ومرعبة! فالمؤلفة الفعلية ناجية الزَّمني تعمل في الفلسفة وعلم النفس الطبي ألفت كتابا بعنوان «يوميات خطاب فصامي.. حكاية تحليل نفسي بلا أريكة». يحكي الكتاب عن مريض نفسي يُدعى (نون) مصاب بالشيزوفرينيا يرقد في مستشفى للأمراض العقلية، فتتوغل الكاتبة عبر وسيط الكتابة في حياة هذا المريض لتنتقل إلى عوالم خفية في حياته. وعطفا على بيان منظمة الصحة العالمية والإحصائيات التي استقر عليها، سيستنتج الناظر أن وضع الإنسان المعاصر وعقله في خطر كبير جدا؛ فمن جراء جميع الأدوية التي يتعاطاها في يومه ومع المدى الطويل فالجسم يصير هشا وضعيفا، فكُلنا بهذا المعنى مرضى ونعاني. فإذا كان الحال كذلك، فكيف سيكون وضع العقل، كامل الوعي أم مصاب بالاختلال والانتحاب، والبارانويا، والأمراض الأحادية الأقطاب؟ كم يبدو فخ السؤال بسيطا وسهلا: ماذا سنكتب في يومياتنا؟ ولكنه في العمق شقيّ ومتعب.
في كتابها المرجعيّ (الخطاب السردي العماني الأنواع والخصائص 1939-2010م) تناولت الدكتورة عزيزة الطائية فصلا بعنوان «الكتابات الذاتية العمانية»، حيث استشهدت بالعديد من التجارب العمانية المتميزة في هذا المجال، وعبر تحليل نقدي مكثف للتجارب المنتخبة تصل الباحثة إلى هذه النتيجة: إنّ جميع الكتابات الذاتية التي اطلعنا عليها في أدبنا العماني رغم تنوعها لم تفضِ إلى الوقوف على سيرة ذاتية متكاملة بالمفهوم المعاصر، وإنّما هي -رغم تنوعها- ضروب من الإحساس بالذّات، والتعبير عنها لمرحلة معينة، أو تجربة محددة عاشها الكاتب».