عُمان تتقدّم بمبدعيها
الاثنين / 20 / ربيع الأول / 1444 هـ - 19:42 - الاثنين 17 أكتوبر 2022 19:42
سعدنا هذه الأيام بأخبار توالت لفوز ثلّة من أبناء عُمان، وجيلها الصّاعد في مسابقات وإبداعات مختلفة، كفوز الرّوائيّة بشرى خلفان في جائزة كتارا للرّواية العربيّة عن روايتها دلشاد، والمبتكرة سميّة السّيابيّة كأول امرأة عربيّة تتوّج في برنامج نجم العلوم عن ابتكارها في المجال البيئيّ، والّذي كان حول التّحليل الحيويّ للميكروبلاستيك بطريقة جديدة من البايولوجيّ والنّاتوتكنلوجيّ، والقاصّة بشائر السّليميّة والشّاعرة خديجة المفرجيّة والقاصّة فاطمة الزّعابيّة والشّاعر عليّ بن محمّد المجينيّ لتفوقهم في جائزة راشد بن حميد للثّقافة والعلوم في عجمان بالإمارات في الدّورة التّاسعة والثّلاثين، وغيرهم.
ولا شك أنّ هذه الإبداعات الفائزة ليست الأولى، فهناك نماذج عديدة، أغلبها لم تتقدّم في مسابقات، كما أنّها تميزت بالتّنوّع في الأدب والفكر والتّرجمة والعلوم والرّياضة والفنون وغيرها، وقد سبق لي أن كتبتُ عن حضور الكتاب العمانيّ في معرض الكتاب في أكثر من مقالة، آخرها مقالة 'معرض الكتاب وحضور الكتاب النّقديّ العمانيّ' في جريدة عُمان، وقلتُ فيها 'لقد كان في العقود السّابقة حضور الكتاب العمانيّ الدّينيّ والتّراثيّ والأدبيّ أكثر بروزا من غيرها من المجالات الأخرى، أمّا في السّنوات الأخيرة برزت الكتابات النّقديّة والتّحليليّة في جميع المجالات، بما في ذلك الفكر والفلسفة والتّأريخ والأدب والسّياسة والاجتماع والتّراث وغيرها، ممّا يمثل نقلة نوعيّة، تجعل من الكتاب العمانيّ مساهما في نشر المعرفة والوعي في المحيط العربيّ والإسلاميّ خصوصا، والإنسانيّ عموما، هذا الحراك يساهم بشكل أكبر في الحفر بشكل رأسيّ في المعرفة، مع نشر الوعي أفقيّا لدى القارئ والباحث والعقل الجمعيّ عموما'.
واليوم الإبداع العمانيّ يهاجر إلى الخارج حاملا علم بلاده متألقا في مجالات متعدّدة، ولم تقتصر عند الوطن العربيّ، بل العديد منها خارج القطر العربيّ إلى العوالم الأخرى، كما أنّ القلم والإبداع والفنّ والاختراع العمانيّ حاضر في معارض عربيّة ودوليّة، وهنا قد أخصّ نموذجين، النّموذج الأول حضور القلم العمانيّ في معارض الكتب العربيّة خصوصا، فأصبح ينافس الأقلام العربيّة الأخرى، فلا تجد معرضا عربيّا للكتاب إلا وتجد القلم العمانيّ حاضرا إبداعا وتنافسا، بل وتجد الطّلب على الكتاب العمانيّ من الخارج أيضا قويّا، ومن خلال تجربتي في قناة 'أنس' المتواضعة على يوتيوب، ومن خلال لقاءات مع كتّاب ومثقفين عمانيين، بعضها بالتّعاون مع مكتبة قرّاء المعرفة المتخصّصة بالإبداع العمانيّ؛ نجد طلبا كبيرا جدّا من الخارج في آلية الحصول على الكتاب العمانيّ، لهذا أرجو من السّفارات العمانيّة في الوطن العربيّ خصوصا أن تعنى بهذا الأمر من خلال التّنسيق مع ذوي الاختصاص في ذلك أو ممن يُعنى بذلك، لفتح نوافذ في تسهيل توفير الكتاب العمانيّ للقارئ العربيّ وغيره، ولا يقتصر عند معارض الكتب فحسب.
والنّموذج الثّاني وزارة الإعلام ، فهي وإن كانت ذات طابع رسميّ، إلا أنّ اليد المثقفة القائمة فيها استطاعت وبجدارة إظهار القلم العمانيّ المبدع إلى الخارج من خلال جريدة عُمان نفسها، واليوم في العهد الجديد نجدها تستقطب الأقلام العمانيّة المبدعة، كما سعدنا مؤخرا باستقطاب رموز عربيّة أيضا وعلى رأسها الدّكتور عبد الإله بلقزيز.
النّقلة النّوعيّة الكبرى بعد الجريدة في نظري هي مجلّة نزوى، وهي بحق سفير القلم العمانيّ إلى الوطن العربيّ، وبها تعرّف المثقف العربيّ على القلم العمانيّ، وهي وإن كانت ذا طابع أدبيّ؛ إلا أنّها أيضا متعدّدة الجوانب، لينافسها الآن الملحق الشّهريّ الّذي يصدر ضمن جريدة عمان بعنوان 'ملحق جريدة عُمان الثّقافيّ'، ليمثل نقلة نوعيّة في النّتاج العمانيّ، مع رجائيّ أيضا أن يكون للجريدة نافذة للكتابات الفلسفيّة والفكريّة في جانب تخصّصيّ، لانفتاحها على القلم العمانيّ وغير العمانيّ، ولمساحة الحريّة الموجودة فيها، ممّا أضاف مع الإبداع العمقَ في الطّرح.
لا أريد المبالغة في وصف الواقع في ظهور الإبداع العمانيّ، ولكن قد يغفر لي في ذلك أمران: الأول عدد سكان عُمان مقارنة بسكان العديد من الدّول العربيّة، فمع قلّة سكان عُمان إلا أنّ هذا الإبداع مع تنوّعه وتعدّده يعطي شيئا من الرّضا والاطمئنانة، كما أنّ معرض مسقط للكتاب يستقبل سنويّا ما يزيد عن ثلاثمائة كتاب عمانيّ جديد على الأقل، وبتدافع هذه الكتب – بلا شك – نجد ثمرتها كما نجده اليوم في مسابقات دوليّة وعربيّة ومحليّة، فكلّما كان المناخ واسعا كان الإبداع واسعا كذلك، وبه يظهر الجيّد من الرّديء، إلا أنّنا لا زلنا أيضا متأخرين في جوانب عديدة، والكاتب العمانيّ بحاجة أن يحفر في المعرفة بعمق، كما يُعطى مساحة أكبر للثّقة به ولقلمه، وهذا ليس على مستوى القلم، بل على جميع المستويات من فنّ ومسرح واختراع ورياضة وغيرها بلا حصر.
وقبل فترة بسيطة كان بصحبتي في مسقط أحد الكتّاب العرب الكبار، وقال لي إنّ جغرافيّة بلدكم، وهذا الهدوء يساهم كثيرا في الإبداع، لهذا نرى شيئا من الإنتاج المبدع عندكم، أي هذه الجغرافيا وهذا الهدوء يعطي مساحة للتّأمل والنّظر العقليّ المولّد للإبداع الفلسفيّ والفكريّ والشّعريّ الأدبيّ، بيد أنّي قد أخالفه قليلا، فمساحة الإبداع قد يجدها بعضهم في الأزقة المزدحمة بالبشر، كما وجدها نجيب محفوظ [ت 2006م] في أزّقة القاهرة، وقد يجدها بعضهم في الصّحاري والجبال، وقد يجدها آخرون عند العيون والزّروع، لكنّ المساحة الحقيقيّة للإبداع توفر المناخ السّياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ الدّاعم للإبداع والحريّات، فهذا خير من يساهم في ذلك.
ثمّ الأمر الثّانيّ الّذي يغفر لي هو ضعف وجود المؤسّسات والمراكز البحثيّة والفكريّة في عُمان، ولا زال ترتيب عمان هو الأقل، ومع ذلك نرى مثل هذا الإبداع، فكيف لو وجدت مؤسّسات حاضنة ومشجعة رسميّة كانت أم أهليّة، وساهم في ذلك رجال الأعمال أيضا، كما يساهم في ذلك المجتمع المدنيّ؛ بلا شك هذا يساهم بشكل كبير في خلق مثل هذه الإبداعات، وكنتُ قبل أيام قريبة جدّا مع أحد الّذين عندهم شيء من البسطة في المال، ويريد أن يكتب وصيّته، إلا أنّه – حسب التّفكير الجمعيّ – يريد أن يخصّص شيئا من ماله لبناء بعض المساجد، فقلتُ له: أنا لست ضدّ بناء المساجد دون سرف فيها، ولكن نحن بحاجة أن نفكر في المساهمة في المؤسّسات الفكريّة والثّقافيّة، ومراكز البحث والاختراع، فترى جامعات كبيرة في الغرب تقوم على المجتمع المدنيّ، كما أننا بحاجة إلى المساهمة المدنيّة في المراكز الصّحيّة، والخدمات النّفعيّة، فهذا من الصّدقات الجاريّة، بل أولى من كثرة المساجد ونقشها مع قلّة المصلين فيها، فنحن بحاجة إلى مراجعة لمفهوم الصّدقة الجارية الّذي فهم عندنا بشكل سلبيّ في العقل الجمعيّ، واقتصر عند جوانب ضيّقة جدّا، وهذا لا ينفي وجود رجال الأعمال ومن التّجار ممّن يساهم في ذلك؛ إلا أننا بحاجة إلى سعة أكبر في ذلك.
ثمّ إنّ المتأمل في أخبار الفائزين أخيرا كما أشرنا في مقدّمة المقالة؛ نجد الحضور النّسائيّ حاضرا، ونحن في هذا الأسبوع نحتفي بيوم المرأة العمانيّة، والّذي يوافق السّابع عشر من أكتوبر من كلّ عام، وهذا دليل كبير على حضور المرأة العمانيّة ليس كشريك فحسب؛ بل كمبدع في جميع المجالات، ومنافس إبداعيّ يمثل عمان محليّا وعربيّا ودوليّا.
على أنني أسعد بمثل هذا الإحياء الّذي أراه في بلدي عُمان، كما أسعد بذلك في أيّ قطر عربيّ آخر، ليس تعصّبا للعروبة، بل تمتدّ سعادتي لأيّ قطر إنسانيّ، إلا أنني أعشق أن أرى هذا الوطن العربيّ الكبير مستيقظا من سبات الحرب والفقر والجهل ومجاوزة - كما يرى محمّد إقبال [ت 1938م] كما يذكر عنه زكي الميلاد – 'الإحساس بالخوف أو الضّعف أو العجز، وإنّما بالنّفوذ إلى العصر، والانخراط في العالم عن طريق التّزوّد بفكر عميق، والاستفادة من التّجارب الجديدة، والإقدام بشجاعة في مهمّة التّجديد' والإحياء، فما أراه في بعض أقطار الوطن العربيّ ومنها بلدي عمان، من بروز طاقات إبداعيّة إثر استقرار وتطوّر ماديّ؛ أرجو ذلك قريبا لجميع أجزاء الوطن العربيّ، لتكون ثقافة التّنوير والإبداع والإحياء والاختراع والإنتاج هي السّائدة، لا الحروب والطّائفيّة والصراع، فهنيئا لكلّ مبدع في أيّ مجال كان، وهنيئا لعمان بهؤلاء.
ولا شك أنّ هذه الإبداعات الفائزة ليست الأولى، فهناك نماذج عديدة، أغلبها لم تتقدّم في مسابقات، كما أنّها تميزت بالتّنوّع في الأدب والفكر والتّرجمة والعلوم والرّياضة والفنون وغيرها، وقد سبق لي أن كتبتُ عن حضور الكتاب العمانيّ في معرض الكتاب في أكثر من مقالة، آخرها مقالة 'معرض الكتاب وحضور الكتاب النّقديّ العمانيّ' في جريدة عُمان، وقلتُ فيها 'لقد كان في العقود السّابقة حضور الكتاب العمانيّ الدّينيّ والتّراثيّ والأدبيّ أكثر بروزا من غيرها من المجالات الأخرى، أمّا في السّنوات الأخيرة برزت الكتابات النّقديّة والتّحليليّة في جميع المجالات، بما في ذلك الفكر والفلسفة والتّأريخ والأدب والسّياسة والاجتماع والتّراث وغيرها، ممّا يمثل نقلة نوعيّة، تجعل من الكتاب العمانيّ مساهما في نشر المعرفة والوعي في المحيط العربيّ والإسلاميّ خصوصا، والإنسانيّ عموما، هذا الحراك يساهم بشكل أكبر في الحفر بشكل رأسيّ في المعرفة، مع نشر الوعي أفقيّا لدى القارئ والباحث والعقل الجمعيّ عموما'.
واليوم الإبداع العمانيّ يهاجر إلى الخارج حاملا علم بلاده متألقا في مجالات متعدّدة، ولم تقتصر عند الوطن العربيّ، بل العديد منها خارج القطر العربيّ إلى العوالم الأخرى، كما أنّ القلم والإبداع والفنّ والاختراع العمانيّ حاضر في معارض عربيّة ودوليّة، وهنا قد أخصّ نموذجين، النّموذج الأول حضور القلم العمانيّ في معارض الكتب العربيّة خصوصا، فأصبح ينافس الأقلام العربيّة الأخرى، فلا تجد معرضا عربيّا للكتاب إلا وتجد القلم العمانيّ حاضرا إبداعا وتنافسا، بل وتجد الطّلب على الكتاب العمانيّ من الخارج أيضا قويّا، ومن خلال تجربتي في قناة 'أنس' المتواضعة على يوتيوب، ومن خلال لقاءات مع كتّاب ومثقفين عمانيين، بعضها بالتّعاون مع مكتبة قرّاء المعرفة المتخصّصة بالإبداع العمانيّ؛ نجد طلبا كبيرا جدّا من الخارج في آلية الحصول على الكتاب العمانيّ، لهذا أرجو من السّفارات العمانيّة في الوطن العربيّ خصوصا أن تعنى بهذا الأمر من خلال التّنسيق مع ذوي الاختصاص في ذلك أو ممن يُعنى بذلك، لفتح نوافذ في تسهيل توفير الكتاب العمانيّ للقارئ العربيّ وغيره، ولا يقتصر عند معارض الكتب فحسب.
والنّموذج الثّاني وزارة الإعلام ، فهي وإن كانت ذات طابع رسميّ، إلا أنّ اليد المثقفة القائمة فيها استطاعت وبجدارة إظهار القلم العمانيّ المبدع إلى الخارج من خلال جريدة عُمان نفسها، واليوم في العهد الجديد نجدها تستقطب الأقلام العمانيّة المبدعة، كما سعدنا مؤخرا باستقطاب رموز عربيّة أيضا وعلى رأسها الدّكتور عبد الإله بلقزيز.
النّقلة النّوعيّة الكبرى بعد الجريدة في نظري هي مجلّة نزوى، وهي بحق سفير القلم العمانيّ إلى الوطن العربيّ، وبها تعرّف المثقف العربيّ على القلم العمانيّ، وهي وإن كانت ذا طابع أدبيّ؛ إلا أنّها أيضا متعدّدة الجوانب، لينافسها الآن الملحق الشّهريّ الّذي يصدر ضمن جريدة عمان بعنوان 'ملحق جريدة عُمان الثّقافيّ'، ليمثل نقلة نوعيّة في النّتاج العمانيّ، مع رجائيّ أيضا أن يكون للجريدة نافذة للكتابات الفلسفيّة والفكريّة في جانب تخصّصيّ، لانفتاحها على القلم العمانيّ وغير العمانيّ، ولمساحة الحريّة الموجودة فيها، ممّا أضاف مع الإبداع العمقَ في الطّرح.
لا أريد المبالغة في وصف الواقع في ظهور الإبداع العمانيّ، ولكن قد يغفر لي في ذلك أمران: الأول عدد سكان عُمان مقارنة بسكان العديد من الدّول العربيّة، فمع قلّة سكان عُمان إلا أنّ هذا الإبداع مع تنوّعه وتعدّده يعطي شيئا من الرّضا والاطمئنانة، كما أنّ معرض مسقط للكتاب يستقبل سنويّا ما يزيد عن ثلاثمائة كتاب عمانيّ جديد على الأقل، وبتدافع هذه الكتب – بلا شك – نجد ثمرتها كما نجده اليوم في مسابقات دوليّة وعربيّة ومحليّة، فكلّما كان المناخ واسعا كان الإبداع واسعا كذلك، وبه يظهر الجيّد من الرّديء، إلا أنّنا لا زلنا أيضا متأخرين في جوانب عديدة، والكاتب العمانيّ بحاجة أن يحفر في المعرفة بعمق، كما يُعطى مساحة أكبر للثّقة به ولقلمه، وهذا ليس على مستوى القلم، بل على جميع المستويات من فنّ ومسرح واختراع ورياضة وغيرها بلا حصر.
وقبل فترة بسيطة كان بصحبتي في مسقط أحد الكتّاب العرب الكبار، وقال لي إنّ جغرافيّة بلدكم، وهذا الهدوء يساهم كثيرا في الإبداع، لهذا نرى شيئا من الإنتاج المبدع عندكم، أي هذه الجغرافيا وهذا الهدوء يعطي مساحة للتّأمل والنّظر العقليّ المولّد للإبداع الفلسفيّ والفكريّ والشّعريّ الأدبيّ، بيد أنّي قد أخالفه قليلا، فمساحة الإبداع قد يجدها بعضهم في الأزقة المزدحمة بالبشر، كما وجدها نجيب محفوظ [ت 2006م] في أزّقة القاهرة، وقد يجدها بعضهم في الصّحاري والجبال، وقد يجدها آخرون عند العيون والزّروع، لكنّ المساحة الحقيقيّة للإبداع توفر المناخ السّياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ الدّاعم للإبداع والحريّات، فهذا خير من يساهم في ذلك.
ثمّ الأمر الثّانيّ الّذي يغفر لي هو ضعف وجود المؤسّسات والمراكز البحثيّة والفكريّة في عُمان، ولا زال ترتيب عمان هو الأقل، ومع ذلك نرى مثل هذا الإبداع، فكيف لو وجدت مؤسّسات حاضنة ومشجعة رسميّة كانت أم أهليّة، وساهم في ذلك رجال الأعمال أيضا، كما يساهم في ذلك المجتمع المدنيّ؛ بلا شك هذا يساهم بشكل كبير في خلق مثل هذه الإبداعات، وكنتُ قبل أيام قريبة جدّا مع أحد الّذين عندهم شيء من البسطة في المال، ويريد أن يكتب وصيّته، إلا أنّه – حسب التّفكير الجمعيّ – يريد أن يخصّص شيئا من ماله لبناء بعض المساجد، فقلتُ له: أنا لست ضدّ بناء المساجد دون سرف فيها، ولكن نحن بحاجة أن نفكر في المساهمة في المؤسّسات الفكريّة والثّقافيّة، ومراكز البحث والاختراع، فترى جامعات كبيرة في الغرب تقوم على المجتمع المدنيّ، كما أننا بحاجة إلى المساهمة المدنيّة في المراكز الصّحيّة، والخدمات النّفعيّة، فهذا من الصّدقات الجاريّة، بل أولى من كثرة المساجد ونقشها مع قلّة المصلين فيها، فنحن بحاجة إلى مراجعة لمفهوم الصّدقة الجارية الّذي فهم عندنا بشكل سلبيّ في العقل الجمعيّ، واقتصر عند جوانب ضيّقة جدّا، وهذا لا ينفي وجود رجال الأعمال ومن التّجار ممّن يساهم في ذلك؛ إلا أننا بحاجة إلى سعة أكبر في ذلك.
ثمّ إنّ المتأمل في أخبار الفائزين أخيرا كما أشرنا في مقدّمة المقالة؛ نجد الحضور النّسائيّ حاضرا، ونحن في هذا الأسبوع نحتفي بيوم المرأة العمانيّة، والّذي يوافق السّابع عشر من أكتوبر من كلّ عام، وهذا دليل كبير على حضور المرأة العمانيّة ليس كشريك فحسب؛ بل كمبدع في جميع المجالات، ومنافس إبداعيّ يمثل عمان محليّا وعربيّا ودوليّا.
على أنني أسعد بمثل هذا الإحياء الّذي أراه في بلدي عُمان، كما أسعد بذلك في أيّ قطر عربيّ آخر، ليس تعصّبا للعروبة، بل تمتدّ سعادتي لأيّ قطر إنسانيّ، إلا أنني أعشق أن أرى هذا الوطن العربيّ الكبير مستيقظا من سبات الحرب والفقر والجهل ومجاوزة - كما يرى محمّد إقبال [ت 1938م] كما يذكر عنه زكي الميلاد – 'الإحساس بالخوف أو الضّعف أو العجز، وإنّما بالنّفوذ إلى العصر، والانخراط في العالم عن طريق التّزوّد بفكر عميق، والاستفادة من التّجارب الجديدة، والإقدام بشجاعة في مهمّة التّجديد' والإحياء، فما أراه في بعض أقطار الوطن العربيّ ومنها بلدي عمان، من بروز طاقات إبداعيّة إثر استقرار وتطوّر ماديّ؛ أرجو ذلك قريبا لجميع أجزاء الوطن العربيّ، لتكون ثقافة التّنوير والإبداع والإحياء والاختراع والإنتاج هي السّائدة، لا الحروب والطّائفيّة والصراع، فهنيئا لكلّ مبدع في أيّ مجال كان، وهنيئا لعمان بهؤلاء.