هذه أفضل طريقة لمواجهة التهديدات النووية
الأربعاء / 15 / ربيع الأول / 1444 هـ - 20:18 - الأربعاء 12 أكتوبر 2022 20:18
ترجمة: أحمد شافعي -
هل سيستعمل فلاديمير بوتين حقا أسلحة نووية في سياق محاولاته لإخضاع أوكرانيا وتفكيكها؟
قبل بضعة أشهر، كان أغلب المراقبين يستبعدون هذا ويرونه بعيد الاحتمال. ومع أن بوتين كان قد ألمح إلى هذا الاحتمال، لكن لم تكن ثمة دلائل ملموسة على التهيؤ لاستعمال نووي، وبدا الأمر منافيا للمنطق ومجاوزا حتى لما عرفناه يوما عن بوتين نفسه.
لكن اليوم ثمة أسباب لتناول الأمر بمزيد من الجدية.
وذلك لأن الخطاب الذي ألقاه بوتين يوم الثلاثين من سبتمبر، خلال احتفال بمناسبة الضم غير الشرعي لمناطق كبيرة من الأراضي الأوكرانية كشف عن ذهنية تفتقر إلى الإحساس بالواقع. لم يبق من جميع الإشارات إلا اثنتان عابرتان إلى توسع الناتو، بل إن أوكرانيا نفسها الآن باتت هامشية الحضور. وبدلا من ذلك رسم بوتين صورة تتسم بالسوداوية لمواجهة مع غرب شيطاني عازم على كسر روسيا وتحطيمها تحطيما. (والآن، كأنما من باب إبراز غضبه العارم، نفذت قواته سلسلة من الهجمات الصاروخية القاسية على أهداف يغلب عليها الطابع المدني في كييف وفي غيرها).
فلو أن هذه هي ذهنيته، ما من سبب لافتراض أنه غير جاد في تهديده باستعمال أسلحة نووية. إن العقيدة الروسية الرسمية تسمح باستعمال الأسلحة النووية عندما يكون وجود الدولة الروسية ذاته مهددا -ومن الصعب أن توصف المساعي الأوكرانية لطرد القوات الروسية من أراضيهم بهذه الصفات- لكن لغة بوتين الخطابية تقترب الآن اقترابا كبيرا من تأطير الموقف بهذه الصفات الوجودية. فلقد سبق له أن وصف الصراع بأنه يمثل لروسيا «صراع حياة أو موت».
لقد كان الناتو، على مدار الحرب الباردة، يردع الاتحاد السوفييتي عن استعمال الأسلحة النووية من خلال التهديد باستعمال الأسلحة النووية في المقابل، وذلك هو الوضع المعروف بـ«الدمار الأكيد المتبادل». غير أن الغرب يبدو الآن كمن يشير إلى أن أي رد مباشر لن يكون نوويا. وهذه خطوة معقولة للغاية من أجل اجتناب تصعيد حرب نووية شاملة، لكنها في الوقت نفسه تنطوي على المخاطرة بإضعاف الردع.
ونتيجة لذلك، ثمة حاجة الآن إلى مناقشة كيفية زيادة الجهد الأوسع لردع أي استعمال من بوتين لأسلحة نووية. وفي ما يلي بعض العناصر السياسية لتحقيق هذا الغرض.
أولا، يجب أن يؤكَّد أن أي استعمال لأسلحة نووية سيجعل فورا من تغيير النظام في روسيا هدفا معلنا للسياسة الغربية. ويجب إيضاح أن تغيير النظام هو إبعاد بوتين عن السلطة -وكل المتورطين معه مباشرة في قرار استعمال الأسلحة النووية- وتحميلهم المسؤولية الشخصية في النهاية عن هذه الجريمة المقترفة ضد الإنسانية.
ثانيا، يجب التأكيد بغاية الوضوح على أن أي هجمة نووية روسية لن تغير بحال من سياسة الغرب الأساسية. بل إن عملا كهذا سيقوي -على العكس من التصورات- عزم الغرب على التيقن من خروج بوتين خاسرا من هذه الحرب التي بدأها. وستكون عضوية أوكرانيا في الناتو جزءا من الرد في هذا الصدد. ولقد تم بالفعل منحها وضع البلد المرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي.
ثالثا، يجب أن يسعى الغرب إلى الحشد الاستباقي لكل الدعم الدولي الممكن لهذه السياسة. إن استعمال أسلحة نووية تجاوز لأشد الخطوط الحمراء حمرة في عالمنا اليوم، ويجب أن نبدأ اعتبارا من الآن في جهود رامية إلى طلب الدعم لأقوى إجراءات يمكن اتخاذها ضد روسيا في حال حدوث ذلك.
رابعا، يجب بذل جهد خاص لإشراك البلاد المتذبذبة من قبيل الصين والهند. ومن المحتمل للغاية أن البلدين سوف تعترضان بقوة على استعمال بوتين لأسلحة نووية، ولكن ينبغي تشجيعهما على إبلاغ الكرملين بذلك مسبقا، ويحسن أن يكون ذلك علنيا أيضا. ويجب أن نوضح أن استمرار البلدين في سياسة التسامح مع السلوك الروسي لن يكون خيارا متاحا إذا كانتا تريدان الحفاظ على علاقاتهما بالغرب.
خامسا، يجب أن توجد استعدادات نشطة ومشهودة لضربات تقليدية مقنعة لأصول روسية مهمة. والبلد لديه الكثير من نقاط الضعف الحساسة -منها مناطق أساسية لأسطوليه في البحر الأسود والبلطيق أو منشآت الغاز الطبيعي المسال في القطب الشمالي- وليس من الواضح هل بوسع دفاعاتها السيبرانية أن تستمر في احتمال الهجوم المستمر. وتعريض مثل هذه الأصول لخطر واضح قد يكون جزءا من سياسة الردع المعزَّزة.
يجب استنباط سياسة متسقة مع هذه الاعتبارات بغرض واضح هو ردع بوتين عن الاستمرار في انزلاقه إلى ضلالات خطيرة وسلوك غير عقلاني من خلال التوضيح لكل المحيطين به أن أي محاولة منه للضغط على الزر النووي ستكون ذات عواقب كارثية على روسيا، وعليهم أيضا بشكل شخصي.
ولكن علينا أن نكون واقعيين. فلو تحول السيئ إلى الأسوأ، يجب أن نكون مستعدين لتنفيذ هذه السياسات. وفي وضع كهذا، لا بد من إضافة عناصر أخرى، وبسرعة، إلى هذه السياسة.
إننا الآن في وضع يحتمل أن يكون أشد خطورة من أزمة الصواريخ الكوبية. فنحن في مواجهة قائد في الكرملين قد يعني فعليا ما يقوله بشأن أن هذا الصراع «صراع حياة أو موت». يجب أن نبذل أقصى ما في وسعنا لردع موسكو -وكل الذين يحتلون مواقع التأثير على الأحداث- عن المضي بالجنون حتى أقصى مداه.
كارل بيلت رئيس وزراء السويد السابق وكاتب مشارك في واشنطن بوست.
عن واشنطن بوست ترجمة خاصة بجريدة «$»
هل سيستعمل فلاديمير بوتين حقا أسلحة نووية في سياق محاولاته لإخضاع أوكرانيا وتفكيكها؟
قبل بضعة أشهر، كان أغلب المراقبين يستبعدون هذا ويرونه بعيد الاحتمال. ومع أن بوتين كان قد ألمح إلى هذا الاحتمال، لكن لم تكن ثمة دلائل ملموسة على التهيؤ لاستعمال نووي، وبدا الأمر منافيا للمنطق ومجاوزا حتى لما عرفناه يوما عن بوتين نفسه.
لكن اليوم ثمة أسباب لتناول الأمر بمزيد من الجدية.
وذلك لأن الخطاب الذي ألقاه بوتين يوم الثلاثين من سبتمبر، خلال احتفال بمناسبة الضم غير الشرعي لمناطق كبيرة من الأراضي الأوكرانية كشف عن ذهنية تفتقر إلى الإحساس بالواقع. لم يبق من جميع الإشارات إلا اثنتان عابرتان إلى توسع الناتو، بل إن أوكرانيا نفسها الآن باتت هامشية الحضور. وبدلا من ذلك رسم بوتين صورة تتسم بالسوداوية لمواجهة مع غرب شيطاني عازم على كسر روسيا وتحطيمها تحطيما. (والآن، كأنما من باب إبراز غضبه العارم، نفذت قواته سلسلة من الهجمات الصاروخية القاسية على أهداف يغلب عليها الطابع المدني في كييف وفي غيرها).
فلو أن هذه هي ذهنيته، ما من سبب لافتراض أنه غير جاد في تهديده باستعمال أسلحة نووية. إن العقيدة الروسية الرسمية تسمح باستعمال الأسلحة النووية عندما يكون وجود الدولة الروسية ذاته مهددا -ومن الصعب أن توصف المساعي الأوكرانية لطرد القوات الروسية من أراضيهم بهذه الصفات- لكن لغة بوتين الخطابية تقترب الآن اقترابا كبيرا من تأطير الموقف بهذه الصفات الوجودية. فلقد سبق له أن وصف الصراع بأنه يمثل لروسيا «صراع حياة أو موت».
لقد كان الناتو، على مدار الحرب الباردة، يردع الاتحاد السوفييتي عن استعمال الأسلحة النووية من خلال التهديد باستعمال الأسلحة النووية في المقابل، وذلك هو الوضع المعروف بـ«الدمار الأكيد المتبادل». غير أن الغرب يبدو الآن كمن يشير إلى أن أي رد مباشر لن يكون نوويا. وهذه خطوة معقولة للغاية من أجل اجتناب تصعيد حرب نووية شاملة، لكنها في الوقت نفسه تنطوي على المخاطرة بإضعاف الردع.
ونتيجة لذلك، ثمة حاجة الآن إلى مناقشة كيفية زيادة الجهد الأوسع لردع أي استعمال من بوتين لأسلحة نووية. وفي ما يلي بعض العناصر السياسية لتحقيق هذا الغرض.
أولا، يجب أن يؤكَّد أن أي استعمال لأسلحة نووية سيجعل فورا من تغيير النظام في روسيا هدفا معلنا للسياسة الغربية. ويجب إيضاح أن تغيير النظام هو إبعاد بوتين عن السلطة -وكل المتورطين معه مباشرة في قرار استعمال الأسلحة النووية- وتحميلهم المسؤولية الشخصية في النهاية عن هذه الجريمة المقترفة ضد الإنسانية.
ثانيا، يجب التأكيد بغاية الوضوح على أن أي هجمة نووية روسية لن تغير بحال من سياسة الغرب الأساسية. بل إن عملا كهذا سيقوي -على العكس من التصورات- عزم الغرب على التيقن من خروج بوتين خاسرا من هذه الحرب التي بدأها. وستكون عضوية أوكرانيا في الناتو جزءا من الرد في هذا الصدد. ولقد تم بالفعل منحها وضع البلد المرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي.
ثالثا، يجب أن يسعى الغرب إلى الحشد الاستباقي لكل الدعم الدولي الممكن لهذه السياسة. إن استعمال أسلحة نووية تجاوز لأشد الخطوط الحمراء حمرة في عالمنا اليوم، ويجب أن نبدأ اعتبارا من الآن في جهود رامية إلى طلب الدعم لأقوى إجراءات يمكن اتخاذها ضد روسيا في حال حدوث ذلك.
رابعا، يجب بذل جهد خاص لإشراك البلاد المتذبذبة من قبيل الصين والهند. ومن المحتمل للغاية أن البلدين سوف تعترضان بقوة على استعمال بوتين لأسلحة نووية، ولكن ينبغي تشجيعهما على إبلاغ الكرملين بذلك مسبقا، ويحسن أن يكون ذلك علنيا أيضا. ويجب أن نوضح أن استمرار البلدين في سياسة التسامح مع السلوك الروسي لن يكون خيارا متاحا إذا كانتا تريدان الحفاظ على علاقاتهما بالغرب.
خامسا، يجب أن توجد استعدادات نشطة ومشهودة لضربات تقليدية مقنعة لأصول روسية مهمة. والبلد لديه الكثير من نقاط الضعف الحساسة -منها مناطق أساسية لأسطوليه في البحر الأسود والبلطيق أو منشآت الغاز الطبيعي المسال في القطب الشمالي- وليس من الواضح هل بوسع دفاعاتها السيبرانية أن تستمر في احتمال الهجوم المستمر. وتعريض مثل هذه الأصول لخطر واضح قد يكون جزءا من سياسة الردع المعزَّزة.
يجب استنباط سياسة متسقة مع هذه الاعتبارات بغرض واضح هو ردع بوتين عن الاستمرار في انزلاقه إلى ضلالات خطيرة وسلوك غير عقلاني من خلال التوضيح لكل المحيطين به أن أي محاولة منه للضغط على الزر النووي ستكون ذات عواقب كارثية على روسيا، وعليهم أيضا بشكل شخصي.
ولكن علينا أن نكون واقعيين. فلو تحول السيئ إلى الأسوأ، يجب أن نكون مستعدين لتنفيذ هذه السياسات. وفي وضع كهذا، لا بد من إضافة عناصر أخرى، وبسرعة، إلى هذه السياسة.
إننا الآن في وضع يحتمل أن يكون أشد خطورة من أزمة الصواريخ الكوبية. فنحن في مواجهة قائد في الكرملين قد يعني فعليا ما يقوله بشأن أن هذا الصراع «صراع حياة أو موت». يجب أن نبذل أقصى ما في وسعنا لردع موسكو -وكل الذين يحتلون مواقع التأثير على الأحداث- عن المضي بالجنون حتى أقصى مداه.
كارل بيلت رئيس وزراء السويد السابق وكاتب مشارك في واشنطن بوست.
عن واشنطن بوست ترجمة خاصة بجريدة «$»