رأي عُمان

ترحل الملكة.. فهل يرحل تاريخها؟

 
يودع العالم اليوم الملكة الأشهر في تاريخ الملكية البريطانية إليزابيث الثانية بعد سبعة عقود مكثتها على عرش بريطانيا العظمى كانت شاهدة خلالها على الكثير من المتغيرات التي مرت على بلادها والعالم وغيرت مجاري الأحداث إلى الأبد.

ويعكس الحب البريطاني الكبير للملكة في حياتها وبعد رحيلها الجانب الرمزي الذي يحتفي عبره البريطانيون بتاريخهم ويستندون إليه في اللحظات الصعبة، وكذلك يرون فيها الرمز الذي يستطيع أن يبعد عنهم الخوف والقلق والتوتر سواء من سطوة ذلك التاريخ أو من غموض المستقبل أمامهم.

ورغم أن الجيل الواعي الذي كان شاهدا على الأحداث في الوقت الذي صعدت فيه الملكة فوق عرش بريطانيا في عام 1952 قد رحل أغلبه وشاخ جيل تالٍ له إلا أن أجندات التاريخ تقول إن بريطانيا العظمى التي كانت في ذلك العام عندما جاءت الملكة الشابة شهدت تغيرات بانورامية خاصةً في العقد التالي لصعودها على العرش واستمرت تلك المتغيرات الجذرية في بنية «بريطانيا العظمى» إلى أن وصلت الأحداث إلى ذروتها حينما خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وبدأت تعيش تداعيات ذلك الخروج وبشكل خاص في الجوانب الاقتصادية.

ورغم كل هذه التداعيات التاريخية الكبرى إلا أن الملكة كانت بعيدة عن التأثير المباشر في مسار الأحداث، وحاولت قد الإمكان أن تبتعد على إبداء رأيها الخاص الذي يمثلها أو ذلك الذي يمثل فكر الملكية البريطانية، لكنّ الحقيقة تؤكد أيضا أن دورا أساسيا كان لها في كيفية تقبل الجمهور البريطاني لكل تلك المتغيرات بالنظر إلى الثقة الكبيرة التي تتمتع بها الملكة وسط البريطانيين. واستطاعت الملكة أن تبقي نفسها، وكذلك عرشها، بعيدا عن أي سخط داخلي أو خارجي ضد بريطانيا خلال أحداث العالم الكبرى على مدى سبعة عقود بالتمام والكمال، وبقيت الملاحظات محصورة في تصرفات الأسرة الملكية.

ورغم بعد الملكة طوال كل السنوات الماضية عن التأثير المباشر في القرار السياسي البريطاني إلا أن الكثير من كاريزما شخصيتها انعكست على بنية العقلية السياسية البريطانية التي بقيت رغم التحديات الاقتصادية هي المحور الذي يدور حوله القرار السياسي الأوروبي وكذلك القرار العسكري.

ستخسر بريطانيا العظمى برحيل ملكتها الكثير على عدة مستويات ليس آخرها النظرة البريطانية وكذلك الأوروبية للملكية نفسها في وقت يشهد فيه العالم تغيرات محورية وجوهرية.

كما يفقد البريطانيون برحيلها فكرة الرمز الذي كانت تشكله عبر سطوة حضورها التاريخي.. لكن هذا هو خط سير التاريخ الطبيعي وخط سير أحداثه التي لا تنتهي.