كيف نجتنب كارثة نووية في أوكرانيا
الاحد / 29 / محرم / 1444 هـ - 19:02 - الاحد 28 أغسطس 2022 19:02
ترجمة - أحمد شافعي
ترددت تقارير يوم السبت عن تشكيل الوكالة الدولية للطاقة الذرية فريقا من الخبراء متأهبًا لزيارة محطة زابوريزهيا للطاقة النووية في أوكرانيا في غضون أيام، وما كان لذلك الأمر أن يتأخر دقيقة واحدة، فقذائف المدفعية تنهال بانتظام تقشعر له الأبدان على المنشأة وحولها، وهي أضخم محطة للطاقة النووية في أوروبا.
وفي أحدث حالات الذعر، تسبب قصف يوم الخميس في إلحاق أضرار بخطوط الطاقة الخارجية مهددًا مصدرًا أساسيًا للطاقة الخاصة بالمنشأة، وقد تمكن الفنيون الأوكرانيون من إعادة ربط المنشأة بشبكة الطاقة الوطنية يوم الجمعة، متفادين وقوع كارثة.
ليس العقل سلعة متوافرة في حرب تخوض فيها روسيا حملة أرض محروقة لإخضاع أوكرانيا، وتكافح فيها أوكرانيا من أجل بقائها، غير أن الترتيبات الحديثة للسماح بخروج شحنات الحبوب من أوكرانيا أظهرت أن الضغط الدولي على روسيا لمنع انتشار الصراع خارج ميادين المعارك يمكن أن ينجح، وفي ظل أن تشيرنوبل تمثل ذكرى أليمة مشتركة، فإن الروس والأوكرانيين يعلمون خيرا من بقية أوكرانيا رعب وقوع كارثة نووية.
لقد كنت رئيس مكتب نيويورك تايمز في موسكو حينما اندلعت تشيرنوبل في أبريل سنة 1986، وأتذكر جيدًا الخوف العجيب من خطر خفي مميت يتخلل هواء الربيع الصافي، وبعد ستة وثلاثين عاما لم يزل قرابة ألف ميل مربع محيط بالمحطة الجريحة مغلقة باعتبارها منطقة اغتراب Zone of Alienation. ولا شك في أن هذه الذكريات هي الكامنة وراء تقارير بأن أوكرانيا تعد خططًا لإجلاء نحو أربعمائة ألف شخص يعيشون على مقربة من محطة زابوريزهزهيا.
زابوريزهزهيا نموذج لمحطات الطاقة النووية أحدث وآمن كثيرا من تشيرنوبل، وهي نظريا قادرة على احتمال ضرر أكبر كثيرا. لكن احتمال وقوع كارثة هائلة عند سقوط قذائف وسط المفاعلات النووية وأبراج التبريد وغرفة الآلات ومخازن النفايات المشعة هو احتمال حقيقي راهن.
بوقوعه في أيدي الروس بعيد حربهم على أوكرانيا قبل ستة أشهر، تعد المحطة الهائلة على نهر دنيبرو الآن في خط المواجهة بهذه الحرب. وقد أفاد تقرير لنيويورك تايمز يوم الثلاثاء بتفاصيل ما يعنيه ذلك: فقذائف المدفعية والذخيرة تتفجر في أرجاء المكان، بينما يحافظ فريق هيكلي من الفنيين الأوكرانيين على تشغيل المحطة تحت تهديد سلاح ما يقدر بخمسمائة جندي روسي.
أوردت الصحيفة أنه خلال بدايات الحرب الروسية اخترقت رصاصة من عيار كبير الجدار الخارجي لأحد المفاعلات الستة، بينما أصابت قذيفة مدفعية محولًا كهربائيًا مملوءًا بزيت تبريد قابل للاشتعال في مفاعل آخر، وقد يؤدي فقدان المحطة للطاقة الكهربائية إلى الانهيار، ومن حسن الحظ أنها لم تشتعل.
حدد مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل ماريانو جروسي أخيرا سبعة شروط حاسمة لا غنى عنها للسلامة والأمن النوويين، شملت السلامة المادية للمحطة، وإمدادات الطاقة خارج الموقع، وأنظمة التبريد والتأهب للطوارئ. وحذر من أن «كل هذه الأسس قد تم اختراقها، إن لم يكن قد تم انتهاكها بالكامل، في وقت أو آخر خلال هذه الأزمة».
من الناحية المثالية، يجب اعتبار المحطة - وجميع المحطات النووية الأوكرانية الأخرى، وجميع المحطات النووية في أرجاء العالم - مناطق منزوعة السلاح. وهذا جوهر ما دعا إليه مسؤولو الأمم المتحدة، لكن هذا أمر عسير المنال في حرب من أجل الاستنزاف أو البقاء.
والهدف الأكثر إلحاحًا وقابلية للتحقيق هو أن يدخل الخبراء الذين جمعتهم الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المحطة.
وقد رتبت الوكالة الدولية للطاقة الذرية والأمم المتحدة والقادة الغربيون مثل هذه المهمة. وأوكرانيا وروسيا تدعيان أنهما تؤيدان المهمة. ولكن لم يكن من السهل إقناع الأعداء بالتراجع. وبدلا من ذلك، ازدادت حدة القصف هذا الشهر إلى جانب حرب التصريحات.
اتهم الأوكرانيون، ومعهم وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين، الروس باستخدام المحطة «كدرع نووي» لقوات وأسلحة وذخيرة، وبإطلاق النار داخلها وحولها. واتهم الروس الأوكرانيين بإطلاق النار على المحطة التي يقولون إن الجنود الروس يحمونها.
وفي تصرف جريء وغير مفاجئ، دعت روسيا إلى عقد اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هذا الأسبوع لعرض مزاعمها، مما دفع السفير الأوكراني إلى استنكار إهدار «أكثر من ساعة للاستماع إلى عدد كبير من الأقاويل الوهمية».
من المستحيل تحديد من الذي يقوم بإطلاق النار. لكن حقيقة الأمر هي أنه ما كان ليوجد تهديد بحدوث كارثة نووية لو لم تقم روسيا بغزو أوكرانيا، وأن الخطر سينتهي فور أن يغادر الروس.
بعد أسابيع من الخلاف بين روسيا وأوكرانيا حول كيفية دخول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المحطة، من المقرر أن يقوم الخبراء بالتحقق من التشغيل واقتراح كيفية تأمين المحطة قدر الإمكان.
دعت أوكرانيا إلى تمركز خبراء عسكريين ونوويين دوليبن بشكل دائم في الموقع لضمان أن تكون محطة الطاقة ومحيطها المباشر آمنة وخالية من الأسلحة الثقيلة. وهذه مخاوف مشروعة ومطالب عادلة، لكن روسيا رفضت إنشاء منطقة منزوعة السلاح حول محطة الطاقة.
لكن هذه خلافات يمكن حلها، من خلال مفاوضات هادئة، إذا اتفق الجانبان على الضرورة الكبرى المتمثلة في تجنب وقوع كارثة نووية، ستكون وبالًا على روسيا بقدر ما ستكون وبالًا على أوكرانيا أو أي منطقة أخرى قد يصل إليها الإشعاع.
________________
سيرجي شميمان عضو هيئة التحرير في نيويورك تايمز ورئيس مكتبها في موسكو في الثمانينيات والتسعينيات ومؤلف كتاب «Echoes of a Native Land: Two Centuries of a Russian Village»
ترددت تقارير يوم السبت عن تشكيل الوكالة الدولية للطاقة الذرية فريقا من الخبراء متأهبًا لزيارة محطة زابوريزهيا للطاقة النووية في أوكرانيا في غضون أيام، وما كان لذلك الأمر أن يتأخر دقيقة واحدة، فقذائف المدفعية تنهال بانتظام تقشعر له الأبدان على المنشأة وحولها، وهي أضخم محطة للطاقة النووية في أوروبا.
وفي أحدث حالات الذعر، تسبب قصف يوم الخميس في إلحاق أضرار بخطوط الطاقة الخارجية مهددًا مصدرًا أساسيًا للطاقة الخاصة بالمنشأة، وقد تمكن الفنيون الأوكرانيون من إعادة ربط المنشأة بشبكة الطاقة الوطنية يوم الجمعة، متفادين وقوع كارثة.
ليس العقل سلعة متوافرة في حرب تخوض فيها روسيا حملة أرض محروقة لإخضاع أوكرانيا، وتكافح فيها أوكرانيا من أجل بقائها، غير أن الترتيبات الحديثة للسماح بخروج شحنات الحبوب من أوكرانيا أظهرت أن الضغط الدولي على روسيا لمنع انتشار الصراع خارج ميادين المعارك يمكن أن ينجح، وفي ظل أن تشيرنوبل تمثل ذكرى أليمة مشتركة، فإن الروس والأوكرانيين يعلمون خيرا من بقية أوكرانيا رعب وقوع كارثة نووية.
لقد كنت رئيس مكتب نيويورك تايمز في موسكو حينما اندلعت تشيرنوبل في أبريل سنة 1986، وأتذكر جيدًا الخوف العجيب من خطر خفي مميت يتخلل هواء الربيع الصافي، وبعد ستة وثلاثين عاما لم يزل قرابة ألف ميل مربع محيط بالمحطة الجريحة مغلقة باعتبارها منطقة اغتراب Zone of Alienation. ولا شك في أن هذه الذكريات هي الكامنة وراء تقارير بأن أوكرانيا تعد خططًا لإجلاء نحو أربعمائة ألف شخص يعيشون على مقربة من محطة زابوريزهزهيا.
زابوريزهزهيا نموذج لمحطات الطاقة النووية أحدث وآمن كثيرا من تشيرنوبل، وهي نظريا قادرة على احتمال ضرر أكبر كثيرا. لكن احتمال وقوع كارثة هائلة عند سقوط قذائف وسط المفاعلات النووية وأبراج التبريد وغرفة الآلات ومخازن النفايات المشعة هو احتمال حقيقي راهن.
بوقوعه في أيدي الروس بعيد حربهم على أوكرانيا قبل ستة أشهر، تعد المحطة الهائلة على نهر دنيبرو الآن في خط المواجهة بهذه الحرب. وقد أفاد تقرير لنيويورك تايمز يوم الثلاثاء بتفاصيل ما يعنيه ذلك: فقذائف المدفعية والذخيرة تتفجر في أرجاء المكان، بينما يحافظ فريق هيكلي من الفنيين الأوكرانيين على تشغيل المحطة تحت تهديد سلاح ما يقدر بخمسمائة جندي روسي.
أوردت الصحيفة أنه خلال بدايات الحرب الروسية اخترقت رصاصة من عيار كبير الجدار الخارجي لأحد المفاعلات الستة، بينما أصابت قذيفة مدفعية محولًا كهربائيًا مملوءًا بزيت تبريد قابل للاشتعال في مفاعل آخر، وقد يؤدي فقدان المحطة للطاقة الكهربائية إلى الانهيار، ومن حسن الحظ أنها لم تشتعل.
حدد مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل ماريانو جروسي أخيرا سبعة شروط حاسمة لا غنى عنها للسلامة والأمن النوويين، شملت السلامة المادية للمحطة، وإمدادات الطاقة خارج الموقع، وأنظمة التبريد والتأهب للطوارئ. وحذر من أن «كل هذه الأسس قد تم اختراقها، إن لم يكن قد تم انتهاكها بالكامل، في وقت أو آخر خلال هذه الأزمة».
من الناحية المثالية، يجب اعتبار المحطة - وجميع المحطات النووية الأوكرانية الأخرى، وجميع المحطات النووية في أرجاء العالم - مناطق منزوعة السلاح. وهذا جوهر ما دعا إليه مسؤولو الأمم المتحدة، لكن هذا أمر عسير المنال في حرب من أجل الاستنزاف أو البقاء.
والهدف الأكثر إلحاحًا وقابلية للتحقيق هو أن يدخل الخبراء الذين جمعتهم الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المحطة.
وقد رتبت الوكالة الدولية للطاقة الذرية والأمم المتحدة والقادة الغربيون مثل هذه المهمة. وأوكرانيا وروسيا تدعيان أنهما تؤيدان المهمة. ولكن لم يكن من السهل إقناع الأعداء بالتراجع. وبدلا من ذلك، ازدادت حدة القصف هذا الشهر إلى جانب حرب التصريحات.
اتهم الأوكرانيون، ومعهم وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين، الروس باستخدام المحطة «كدرع نووي» لقوات وأسلحة وذخيرة، وبإطلاق النار داخلها وحولها. واتهم الروس الأوكرانيين بإطلاق النار على المحطة التي يقولون إن الجنود الروس يحمونها.
وفي تصرف جريء وغير مفاجئ، دعت روسيا إلى عقد اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هذا الأسبوع لعرض مزاعمها، مما دفع السفير الأوكراني إلى استنكار إهدار «أكثر من ساعة للاستماع إلى عدد كبير من الأقاويل الوهمية».
من المستحيل تحديد من الذي يقوم بإطلاق النار. لكن حقيقة الأمر هي أنه ما كان ليوجد تهديد بحدوث كارثة نووية لو لم تقم روسيا بغزو أوكرانيا، وأن الخطر سينتهي فور أن يغادر الروس.
بعد أسابيع من الخلاف بين روسيا وأوكرانيا حول كيفية دخول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المحطة، من المقرر أن يقوم الخبراء بالتحقق من التشغيل واقتراح كيفية تأمين المحطة قدر الإمكان.
دعت أوكرانيا إلى تمركز خبراء عسكريين ونوويين دوليبن بشكل دائم في الموقع لضمان أن تكون محطة الطاقة ومحيطها المباشر آمنة وخالية من الأسلحة الثقيلة. وهذه مخاوف مشروعة ومطالب عادلة، لكن روسيا رفضت إنشاء منطقة منزوعة السلاح حول محطة الطاقة.
لكن هذه خلافات يمكن حلها، من خلال مفاوضات هادئة، إذا اتفق الجانبان على الضرورة الكبرى المتمثلة في تجنب وقوع كارثة نووية، ستكون وبالًا على روسيا بقدر ما ستكون وبالًا على أوكرانيا أو أي منطقة أخرى قد يصل إليها الإشعاع.
________________
سيرجي شميمان عضو هيئة التحرير في نيويورك تايمز ورئيس مكتبها في موسكو في الثمانينيات والتسعينيات ومؤلف كتاب «Echoes of a Native Land: Two Centuries of a Russian Village»