هل الفوائض التجارية علامة قوة؟
الثلاثاء / 24 / محرم / 1444 هـ - 22:30 - الثلاثاء 23 أغسطس 2022 22:30
ترجمة: أحمد شافعي -
وفقا لاستطلاع جديد لشبكة إن بي سي الإخبارية، يرى الناخبون الأمريكيون الآن أن «التهديدات للديمقراطية» هي أهم قضية تواجه أمريكا. يجدر بنا أيضا أن نلاحظ أن هذه ليست قضية أمريكية فقط، فالديمقراطية تتآكل في جميع أنحاء العالم. وبحسب آخر استطلاع أجرته وحدة المعلومات الاقتصادية، يوجد الآن 59 نظاما استبداديا مكتملا، في بلاد يسكنها 37 في المائة من سكان العالم. من هذه الأنظمة التسعة والخمسين، هناك نظامان فقط -هما الصين وروسيا- لديهما من القوة ما يكفي لأن يمثلا تحديات كبيرة للنظام الدولي.
الدولتان مختلفتان للغاية بالطبع. فالصين قوة عظمى حسنة النية، تجاوز اقتصادها ببعض المقاييس اقتصاد الولايات المتحدة. وتعتبر روسيا قوة من الدرجة الثالثة من الناحية الاقتصادية، وتشير الأحداث منذ 24 فبراير إلى أن جيشها أضعف مما تصور معظم المراقبين، غير أن لديها أسلحة نووية.
إن هناك شيئا واحدا مشتركا بين الصين وروسيا، وهو أن لدى كلتيهما الآن فوائض تجارية ضخمة للغاية. فهل هذه الفوائض علامات على القوة؟ هل هي دليل على أن الأوتوقراطية ناجحة؟
لا، فالفائض في كلتا الحالتين علامة ضعف. والوضع الحالي يساعد على تصحيح الفكرة الشائعة -التي يفضلها دونالد ترامب وآخرون- وهي أن البلد الذي يبيع أكثر مما يشتري هو «الفائز» بطريقة أو بأخرى.
لنبدأ بروسيا، التي تضخم فائضها التجاري منذ حرب فلاديمير بوتين على أوكرانيا. ما معنى هذا؟ الجواب هو أنه إلى حد كبير نتيجة للعقوبات الاقتصادية الغربية، التي أثارت الدهشة بفعاليتها وإن لم يكن ذلك بالطريقة التي توقعها الكثيرون.
عندما بدأت الحرب، تعالت الدعوات على نطاق واسع إلى فرض حظر على صادرات روسيا من النفط والغاز. لكن روسيا، في الواقع، لم تواجه صعوبة كبيرة في الحفاظ على صادراتها النفطية، فهي تبيع الخام بخصم، لكن ارتفاع الأسعار العالمية يعني أن الكثير من الأموال لا تزال تتدفق إليها. وبينما شهدت صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا انخفاضا حادا، فإن هذا يعكس جهود نظام بوتين للضغط على الغرب بدلا من العكس.
ما فعلته العقوبات، بدلا من ذلك، هو تقويض قدرة روسيا على الاستيراد، وخاصة قدرتها على شراء المدخلات الصناعية المهمة. ومن الأمثلة على تلك المشكلة أن التقارير تشير إلى أن شركات الطيران الروسية تعطل بعض طائراتها لتفكيكها بهدف الحصول على قطع غيار لم يعد بإمكان الشركات أن تشتريها من الخارج.
لذلك فإن الفائض التجاري لروسيا هو في الواقع خبر سيئ لبوتين، وعلامة على أن بلده يواجه مشكلة في استخدام ما لديه من نقد في شراء السلع التي يحتاج إليها لمواصلة جهوده الحربية.
مشكلة الصين مختلفة: ففائضها التجاري هو نتيجة مشاكل داخلية طويلة الأمد قد تصل في النهاية إلى ذروتها.
طالما لاحظ المراقبون الخارجيون أن قليلا جدا من الدخل القومي للصين هو الذي يصل إلى الشعب، لذلك ظل الإنفاق الاستهلاكي ضعيفا على الرغم من النمو الاقتصادي السريع. وبدلا من ذلك، حافظ البلد على العمالة الكاملة عن طريق توجيه الائتمان الرخيص إلى الإنفاق الاستثماري غير المنتج بشكل متزايد، وفي صدارة ذلك سوق إسكاني متضخم مدعوم بدين خاص دائم التزايد.
تمكنت الصين من الحفاظ على استمرار هذه اللعبة غير القابلة للاستمرار لفترة طويلة مبهرة. غير أنه في هذه المرحلة، يبدو أن سوق الإسكان في الصين ينهار وأن طلب المستهلكين ينخفض. ويؤدي هذا إلى انخفاض واردات البلاد - بما يجعل فائضها التجاري أكبر. ومرة أخرى، قد يكون الفائض علامة ضعف لا قوة.
ثمة نقطتان أخريان بشأن الصين. أولا، يعاني اقتصادها أيضا من رفض الحكومة إعادة النظر في استراتيجيتها تجاه كوفيد، التي اعتمدت على لقاحات محلية غير فعالة نسبيا وعلى سياسة إغلاق صارمة لاحتواء الوباء.
ثانيا، في ظل الظروف الحالية، يعد ضعف الطلب الصيني، عن غير قصد، خيرا لبقية العالم.
قبل اثني عشر عاما، كان الاقتصاد العالمي يعاني من عدم كفاية الطلب، وكانت الفوائض التجارية الصينية تزيد المشكلة سوءا من خلال امتصاص القوة الشرائية من بقية العالم. أما اليوم، فيعاني الاقتصاد العالمي من عدم كفاية العرض، بما أدى إلى ارتفاع التضخم في العديد من البلاد. وفي هذا السياق، يعد الضعف الصيني جيدا للبقية منا، إذ يؤدي انخفاض الطلب الصيني إلى تحديد سقف لأسعار النفط والسلع الأخرى، بما يقلل من ضغط التضخم العالمي.
بول كروجمان أستاذ الاقتصاد في مركز الدراسات العليا بجامعة مدينة نيويورك، حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد لسنة 2008. وكاتب عمود في صحيفة نيويورك تايمز.
وفقا لاستطلاع جديد لشبكة إن بي سي الإخبارية، يرى الناخبون الأمريكيون الآن أن «التهديدات للديمقراطية» هي أهم قضية تواجه أمريكا. يجدر بنا أيضا أن نلاحظ أن هذه ليست قضية أمريكية فقط، فالديمقراطية تتآكل في جميع أنحاء العالم. وبحسب آخر استطلاع أجرته وحدة المعلومات الاقتصادية، يوجد الآن 59 نظاما استبداديا مكتملا، في بلاد يسكنها 37 في المائة من سكان العالم. من هذه الأنظمة التسعة والخمسين، هناك نظامان فقط -هما الصين وروسيا- لديهما من القوة ما يكفي لأن يمثلا تحديات كبيرة للنظام الدولي.
الدولتان مختلفتان للغاية بالطبع. فالصين قوة عظمى حسنة النية، تجاوز اقتصادها ببعض المقاييس اقتصاد الولايات المتحدة. وتعتبر روسيا قوة من الدرجة الثالثة من الناحية الاقتصادية، وتشير الأحداث منذ 24 فبراير إلى أن جيشها أضعف مما تصور معظم المراقبين، غير أن لديها أسلحة نووية.
إن هناك شيئا واحدا مشتركا بين الصين وروسيا، وهو أن لدى كلتيهما الآن فوائض تجارية ضخمة للغاية. فهل هذه الفوائض علامات على القوة؟ هل هي دليل على أن الأوتوقراطية ناجحة؟
لا، فالفائض في كلتا الحالتين علامة ضعف. والوضع الحالي يساعد على تصحيح الفكرة الشائعة -التي يفضلها دونالد ترامب وآخرون- وهي أن البلد الذي يبيع أكثر مما يشتري هو «الفائز» بطريقة أو بأخرى.
لنبدأ بروسيا، التي تضخم فائضها التجاري منذ حرب فلاديمير بوتين على أوكرانيا. ما معنى هذا؟ الجواب هو أنه إلى حد كبير نتيجة للعقوبات الاقتصادية الغربية، التي أثارت الدهشة بفعاليتها وإن لم يكن ذلك بالطريقة التي توقعها الكثيرون.
عندما بدأت الحرب، تعالت الدعوات على نطاق واسع إلى فرض حظر على صادرات روسيا من النفط والغاز. لكن روسيا، في الواقع، لم تواجه صعوبة كبيرة في الحفاظ على صادراتها النفطية، فهي تبيع الخام بخصم، لكن ارتفاع الأسعار العالمية يعني أن الكثير من الأموال لا تزال تتدفق إليها. وبينما شهدت صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا انخفاضا حادا، فإن هذا يعكس جهود نظام بوتين للضغط على الغرب بدلا من العكس.
ما فعلته العقوبات، بدلا من ذلك، هو تقويض قدرة روسيا على الاستيراد، وخاصة قدرتها على شراء المدخلات الصناعية المهمة. ومن الأمثلة على تلك المشكلة أن التقارير تشير إلى أن شركات الطيران الروسية تعطل بعض طائراتها لتفكيكها بهدف الحصول على قطع غيار لم يعد بإمكان الشركات أن تشتريها من الخارج.
لذلك فإن الفائض التجاري لروسيا هو في الواقع خبر سيئ لبوتين، وعلامة على أن بلده يواجه مشكلة في استخدام ما لديه من نقد في شراء السلع التي يحتاج إليها لمواصلة جهوده الحربية.
مشكلة الصين مختلفة: ففائضها التجاري هو نتيجة مشاكل داخلية طويلة الأمد قد تصل في النهاية إلى ذروتها.
طالما لاحظ المراقبون الخارجيون أن قليلا جدا من الدخل القومي للصين هو الذي يصل إلى الشعب، لذلك ظل الإنفاق الاستهلاكي ضعيفا على الرغم من النمو الاقتصادي السريع. وبدلا من ذلك، حافظ البلد على العمالة الكاملة عن طريق توجيه الائتمان الرخيص إلى الإنفاق الاستثماري غير المنتج بشكل متزايد، وفي صدارة ذلك سوق إسكاني متضخم مدعوم بدين خاص دائم التزايد.
تمكنت الصين من الحفاظ على استمرار هذه اللعبة غير القابلة للاستمرار لفترة طويلة مبهرة. غير أنه في هذه المرحلة، يبدو أن سوق الإسكان في الصين ينهار وأن طلب المستهلكين ينخفض. ويؤدي هذا إلى انخفاض واردات البلاد - بما يجعل فائضها التجاري أكبر. ومرة أخرى، قد يكون الفائض علامة ضعف لا قوة.
ثمة نقطتان أخريان بشأن الصين. أولا، يعاني اقتصادها أيضا من رفض الحكومة إعادة النظر في استراتيجيتها تجاه كوفيد، التي اعتمدت على لقاحات محلية غير فعالة نسبيا وعلى سياسة إغلاق صارمة لاحتواء الوباء.
ثانيا، في ظل الظروف الحالية، يعد ضعف الطلب الصيني، عن غير قصد، خيرا لبقية العالم.
قبل اثني عشر عاما، كان الاقتصاد العالمي يعاني من عدم كفاية الطلب، وكانت الفوائض التجارية الصينية تزيد المشكلة سوءا من خلال امتصاص القوة الشرائية من بقية العالم. أما اليوم، فيعاني الاقتصاد العالمي من عدم كفاية العرض، بما أدى إلى ارتفاع التضخم في العديد من البلاد. وفي هذا السياق، يعد الضعف الصيني جيدا للبقية منا، إذ يؤدي انخفاض الطلب الصيني إلى تحديد سقف لأسعار النفط والسلع الأخرى، بما يقلل من ضغط التضخم العالمي.
بول كروجمان أستاذ الاقتصاد في مركز الدراسات العليا بجامعة مدينة نيويورك، حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد لسنة 2008. وكاتب عمود في صحيفة نيويورك تايمز.