نوافذ.. "سأنشرُ كتابا، سأفقدُ شيئا"!
الاحد / 22 / محرم / 1444 هـ - 18:35 - الاحد 21 أغسطس 2022 18:35
في سنوات كتابتي الأولى تلقيتُ سؤالا لم أحسب إلا أنّه محاولة جادة لإلغائي وإخفائي: 'لماذا لا تكتبين باسمٍ مستعار؟'. لقد عرفنا كُتابا وكاتبات كتبوا بأسماء مستعارة لأسباب متباينة، وفي أزمان مختلفة، وظل ذلك مرتبطا في أذهاننا بالرهبة من مواجهة أمر ما، من مثل رواية 'صمت البحر' الموقعة باسم 'فيركور' لينجو صاحبها من موت محقق زمن الاحتلال النازي لفرنسا. وكاتبة رواية 'فرانكنشتاين' ماري شلي التي نشرت الطبعة الأولى باسم مستعار لأسباب تتعلق بالخوف من التحيز الجنسي لدى الناشرين. ثمّة كاتبات أخريات اختبئن وراء أسماء ذكورية، من مثل ماري آن إيفانس التي اختارت اسم جورج إليوت، أو اختبئن وراء رموز من مثل لويزا ماي ألكوت، صاحبة رواية 'نساء صغيرات' التي كتبت باسم: آي إم بارنارد. وجين أوستن التي بدأت باسم 'سيدة'، الأخوات برونتي كتبن أيضا بأسماء غير أسمائهن.
بينما كان لدى ستيفن كينج أسباب مغايرة ليفعل ذلك، فهو من أكثر الكُتاب غزارة في الإنتاج، 'يكتب يوميًا وبلا استثناء'، فنصحه الناشر بضرورة التمهل، فلم يكن أمامه سوى أن يخترع 'ريتشارد باكمان' ليشاركه تدفقه المرعب.
ولكن أشد الأمور غرابة، أن يراهن بعض الكُتاب على قدرتهم خلع جلدهم الذي عُرفوا به، فنجدهم يستعيرون أسماء جديدة بعد تجارب ناجحة، فالكاتبة جي. كي. رولينج صاحبة السلسلة الأكثر شهرة والأكثر مبيعًا خلال العقدين الماضيين 'هاري بوتر'، قررت أن تكتب باسم مستعار وهو 'روبرت غالبيرث' بعد إنجازها العظيم الذي حمل اسمها، وعندما سُئلت عن ذلك أجابت: 'بأنه كان لديها شوق للعودة لمهنة الكتابة عبر نوع جديد من الأدب، وأن تعمل دون توقعات مسبقة أو حماسة من متابعيها، لكي تحصل على مراجعات صريحة حول كتاباتها'، وقد اتخذت أجاثا كريستي صاحبة الروايات البوليسية اسمًا مستعارًا لها أيضا وهو 'ماري ويستماكوت'، وذلك 'عندما أرادت أن تكتب نوعًا مختلفًا من الأدب، فقامت بإخفاء هويتها لعشرين عاما، قدّمت خلالها 6 روايات رومانسية'.
يطرح كتاب 'حلم كونديرا، بين القراءة والكتابة'، للكاتب المغربي محمد الساهل سؤاله بطريقة مفارقة للمعتاد: 'هل من حق الكاتب أن يوقع الكتب باسمه؟' خصوصا فيما لو عرفنا أنّ كل كاتب من الكُتاب هو تاريخ القراءات؟ وهل يخلق التأليف العداوات أكثر من الصداقات!
يحلم كونديرا بأن يُجبر الكُتاب على الكتابة بأسماء مستعارة، ويرى في ذلك عدّة منافع منها: الحد من هوس الكتابة، وتخفيض عنف الحياة الأدبية، وإخفاء التأويل البيوغرافي للعمل الروائي، وهكذا يصبح 'موت المؤلف' واقعا لا مجرد شعارٍ فارغٍ! يرى الساهل أنّ التوقيع باسم آخر ليس جُبنا وإنّما ينبئ عن ذكاء وحكمة.
لكنه أيضا يطرح هذا السؤال: 'هل ستقل الدراسات التي تُكتبُ عن حقد وعداوة؟ أو عن تزلف واسترزاق؟ عندما يتوارى الكُتاب وراء أسماء مستعارة؟! هل سيتوارى النقد العشائري؟'!
هنالك من تجاوز رجاءه إخفاء الاسم وحسب، فقد كان يرجو إخفاء تأليفه أيضا، فيورد لنا الساهل قصص كُتاب كتبوا تحت الإكراه، من مثل التوحيدي الذي كتب 'الإمتاع والمؤانسة' تحت إلحاح أبو الوفاء، وابن المقفع صاحب 'كليلة ودمنة ' الذي كتب تحت توجيه ملك دبشليم، فكتب للكتابين الانتشار الواسع.
ولعلنا نذهل أمام هذه الفكرة التي تقول بأنّ 'المكتبة العربية كان يمكن أن يعتريها نقص حاد لو أحجم الآخرون عن الطلب أو الإكراه!'
وأكثر من هذا يسأل الساهل: ماذا لو لم يكن الكاتب مكترثا باسمه الحقيقي أو المستعار، تاركا كل مخطوطاته في حقيبة كما فعل 'بيسوا'؟ ماذا كان سيحدث لو أن الذي عثر على مخطوطات الحقيبة مهرها باسمه؟ هل كان سيسبب الضرر لـ'بيسوا' الميت؟، 'وحدهم الأحياء يرون في كل مخطوط كنزا!'.
كلمة 'بيسوا' تعني في اللاتينية 'القناع'، ولذا ليس علينا أن نتعجب عندما نعرف أنّه وجد في عدم النشر مكسبا: 'واقعة أنّي سأنشر كتابا سيبدل حياتي، يعني أنني سأفقد شيئا'، في الوقت الذي نظن أننا ما إن ننشر كتابا نُضيف شيئا لحياتنا ولأسمائنا غير المستعارة!
بينما كان لدى ستيفن كينج أسباب مغايرة ليفعل ذلك، فهو من أكثر الكُتاب غزارة في الإنتاج، 'يكتب يوميًا وبلا استثناء'، فنصحه الناشر بضرورة التمهل، فلم يكن أمامه سوى أن يخترع 'ريتشارد باكمان' ليشاركه تدفقه المرعب.
ولكن أشد الأمور غرابة، أن يراهن بعض الكُتاب على قدرتهم خلع جلدهم الذي عُرفوا به، فنجدهم يستعيرون أسماء جديدة بعد تجارب ناجحة، فالكاتبة جي. كي. رولينج صاحبة السلسلة الأكثر شهرة والأكثر مبيعًا خلال العقدين الماضيين 'هاري بوتر'، قررت أن تكتب باسم مستعار وهو 'روبرت غالبيرث' بعد إنجازها العظيم الذي حمل اسمها، وعندما سُئلت عن ذلك أجابت: 'بأنه كان لديها شوق للعودة لمهنة الكتابة عبر نوع جديد من الأدب، وأن تعمل دون توقعات مسبقة أو حماسة من متابعيها، لكي تحصل على مراجعات صريحة حول كتاباتها'، وقد اتخذت أجاثا كريستي صاحبة الروايات البوليسية اسمًا مستعارًا لها أيضا وهو 'ماري ويستماكوت'، وذلك 'عندما أرادت أن تكتب نوعًا مختلفًا من الأدب، فقامت بإخفاء هويتها لعشرين عاما، قدّمت خلالها 6 روايات رومانسية'.
يطرح كتاب 'حلم كونديرا، بين القراءة والكتابة'، للكاتب المغربي محمد الساهل سؤاله بطريقة مفارقة للمعتاد: 'هل من حق الكاتب أن يوقع الكتب باسمه؟' خصوصا فيما لو عرفنا أنّ كل كاتب من الكُتاب هو تاريخ القراءات؟ وهل يخلق التأليف العداوات أكثر من الصداقات!
يحلم كونديرا بأن يُجبر الكُتاب على الكتابة بأسماء مستعارة، ويرى في ذلك عدّة منافع منها: الحد من هوس الكتابة، وتخفيض عنف الحياة الأدبية، وإخفاء التأويل البيوغرافي للعمل الروائي، وهكذا يصبح 'موت المؤلف' واقعا لا مجرد شعارٍ فارغٍ! يرى الساهل أنّ التوقيع باسم آخر ليس جُبنا وإنّما ينبئ عن ذكاء وحكمة.
لكنه أيضا يطرح هذا السؤال: 'هل ستقل الدراسات التي تُكتبُ عن حقد وعداوة؟ أو عن تزلف واسترزاق؟ عندما يتوارى الكُتاب وراء أسماء مستعارة؟! هل سيتوارى النقد العشائري؟'!
هنالك من تجاوز رجاءه إخفاء الاسم وحسب، فقد كان يرجو إخفاء تأليفه أيضا، فيورد لنا الساهل قصص كُتاب كتبوا تحت الإكراه، من مثل التوحيدي الذي كتب 'الإمتاع والمؤانسة' تحت إلحاح أبو الوفاء، وابن المقفع صاحب 'كليلة ودمنة ' الذي كتب تحت توجيه ملك دبشليم، فكتب للكتابين الانتشار الواسع.
ولعلنا نذهل أمام هذه الفكرة التي تقول بأنّ 'المكتبة العربية كان يمكن أن يعتريها نقص حاد لو أحجم الآخرون عن الطلب أو الإكراه!'
وأكثر من هذا يسأل الساهل: ماذا لو لم يكن الكاتب مكترثا باسمه الحقيقي أو المستعار، تاركا كل مخطوطاته في حقيبة كما فعل 'بيسوا'؟ ماذا كان سيحدث لو أن الذي عثر على مخطوطات الحقيبة مهرها باسمه؟ هل كان سيسبب الضرر لـ'بيسوا' الميت؟، 'وحدهم الأحياء يرون في كل مخطوط كنزا!'.
كلمة 'بيسوا' تعني في اللاتينية 'القناع'، ولذا ليس علينا أن نتعجب عندما نعرف أنّه وجد في عدم النشر مكسبا: 'واقعة أنّي سأنشر كتابا سيبدل حياتي، يعني أنني سأفقد شيئا'، في الوقت الذي نظن أننا ما إن ننشر كتابا نُضيف شيئا لحياتنا ولأسمائنا غير المستعارة!