أعمدة

يوميات سورية -67-

 
ـ 1 ـ

سألت إحدى الطالبات عالمة الأنثروبولوجيا 'مارغريت ميد' ذات مرة عما تعتبره أول علامة على الحضارة في ثقافة ما. توقعت الطالبة أن تتحدث عالمة الأنثروبولوجيا عن الفؤوس أو الأواني الفخارية أو الأحجار. لكنها قالت: إن أول علامة على الحضارة في ثقافة قديمة هي إثبات وجود شخص شفي من كسر في عظم الفخذ.

أوضحت السيدة ميد أنه في مملكة الحيوان، إذا كسرت ساقك تموت. لا يمكن الهرب من الخطر. أو الذهاب إلى النهر لتشرب، أو الصيد لتأكل. بل تصبح لحما طازجا للحيوانات المفترسة. لا ينجو أي حيوان حين تنكسر ساقه لفترة كافية لشفاء عظم الفخذ. عظم الفخذ الذي تم شفاؤه دليل على أن شخصا قضى وقته في البقاء مع الشخص الذي سقط وجبّره ووضعه في مكان آمن واعتنى به حتى تعافى. مساعدة شخص ما في مواجهة الصعوبات هي نقطة انطلاق الحضارة .

الحضارة هي تكاتف المجتمع.

ـ 2 ـ

قال الكاتب البوليسي البلجيكي، جورج سيمنون روائي القطارات كما يسميه بعضهم:

'جئت إلى الحياة معمدا بعملية تزوير' فقد ولد في 13 فبراير 1930، ولأن أمه، مثل معظم الأوروبيين، تتشاءم من الرقم 13 فقد سجلته في 12 فبراير.

حين قامت الحرب العالمية الثانية... جرى تقنين الحصص من الخبز والبطاطا وبعض الأنواع الأخرى. وذات ليلة رأى الطفل جورج سيمنون أباه يلتهم بيضة لوحده، في غفلة من أبنائه، ففقد ثقته بأبيه، وفقد كل احترام له. عندما تحتشد خبرة الإنسان أمام برقيات للزمن، يميل إلى الملخص الذي يحشوه أحيانا بحماقة، التي قد تبدو جديدة بهذه الصفة: حكمة.

ـ 3 ـ

الخلود لا يزور القبور. يحب الفكاهة. بينما تجوع الهوية إلى جماليات.

الكذب، عند الشاعر، إبداع مؤجل.

ثمة طوب لولاه... لما بنى بشري على هذه الأرض سوى الكهوف.

وثمة قلوب لولاها لما اخترع الإنسان... أحضانه.

رهبان مصر كانوا يحفرون بأيديهم قبورهم ليذرفوا فيها الدموع.

ـ 4 ـ

إلى أين تذهب الأغنية بعد أن يتشرّب قلبنا نبض حروفها وأنغامها؟

إلى أين يرسل الحب رسائله، إذا أغلقت الحياة نافذة القلب؟

ما هي العلامة التي تجعل اليوم أفضل من أمس؟

ما دليلي إليك هذا الصباح؟

كيف يصغي صدرك إلى أمومة الكون وأنوثة الحياة؟

كيف أعرف مدرّسا عبقريا يعلمني لغة النهر... كي أسمع ضفتيك؟

ـ 5 ـ

العقل بدون انفعال عقيم ولكن غيره هستيريا. ولذلك العقل يجب ألا يدعم بالعواطف، والآباء البشعون أسوأ من الأبناء البشعين. وأسوأ إنتاج للثورة الفرنسية...نابليون.

لنطرد الشعراء من المدينة فليس فيها متسع لكل هذا الألم. أراغون.

العوام أداة الاستبداد. والجثة تظهر أعراضها على الأحياء أيضا.

أنا سأتدرب على الحزن الجسور المحب للحياة.

ـ 6 ـ

من دفتر قديم:

كنت أتوقع ألا تكون الكتابة عن الواقع هي الصعبة. ولكن الصعب هو تحملها مرتين: مرة المكابدة، بالفعل ومرة الثانية بالذاكرة.

أعتقد أنني سأعاني قليلا من ترتيب، مقاعد خلفية لتقاعد مبكر، وربما يكون ذلك نوعا من الحل... 'البرابرة نوع من الحل' كما تدندن قصيدة الشاعر اليوناني كافافيس.