أفكار وآراء

قبل زيارة بايدن .. «لماذا يكرهوننا؟» تطل برأسها من جديد

قبل زيارة الرئيس بايدن للشرق الأوسط هذا الشهر وسط أنقاض خراب هائل راكمه طرفا الحرب بالوكالة في أوكرانيا من دعاية الحرب الباردة الفجة فان خيطا رفيعا صادقا من الشعور بالحسرة وخسارة المكانة يمكن التقاطه ، ألا وهو شعور واشنطن وحلفائها بأن دول العالم خاصة في العالم الثالث قد خذلتهم في الحرب الاوكرانية ولم تقف معهم موقف المؤيد المطلق الذي توقعته .

الشعور بالحسرة والخذلان او فقدان التأثير كان واضحا أكثر ما يكون تجاه العرب والشرق الأوسط وهي منطقة يعتبرها الأمريكيون- خصوصا منذ النصف الثاني من السبعينات- منطقة نفوذ مطلقة يمتلكون فوق شعوبها وحكوماتها سلطة إصدار القرارات والتحولات الاستراتيجية فيها و بشأنها.

الجديد في الموضوع هو طريقة صياغة الأمريكيين والغربيين عموما لشعور يعتصر قلوبهم فقد استبدلوا صيغة الشعار الشهير «لماذا يكرهوننا؟؟» الموجه للعرب والمسلمين عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر على نيويورك وواشنطن بصيغة مخففة هي « لماذا لا يبالي الشرق الاوسط بنا في حرب أوكرانيا ولماذا لا ينحاز الى موقفنا منها» .

ولتخفيف العبارة أسباب لا تخفى على أحد منها ان الأمريكيين لا يريدون احياء كل المرارات العربية / الإسلامية التي ارتبطت بهذه العبارة إذ بعد صك هذه المقولة مباشرة شنت أمريكا أكبر هجوم فكري على الإسلام والمسلمين بنظرية صراع الحضارات من هنتنجتون إلى فوكوياما والتي حولت العالم الإسلامي إلى العدو الاستراتيجي للغرب والحضارة الغربية بعد سقوط العدو السابق الممثل في الاتحاد السوفييتي ، وشنت بعدها أكبر هجوم عسكري في صورة عمليات غزو للعالمين الإسلامي والعربي شملت عدوانين مباشرين على أفغانستان والعراق ومشاركة غير مباشرة ولكن فاعلة في-تفجير صراعي سوريا وليبيا.

يكفي في هذا السياق فقط استحضار اعتراف اوباما بأن أكبر خطأ تسبب فيه خلال فترتي حكمه هو الفوضى الحادثة في ليبيا واستحضار اعتراف ترامب بأن داعش كانت نتاجا أمريكيا لبعض سياسات كلينتون وأوباما وانهما خلقا الإرهاب وجعلا الشرق الاوسط مكانا أسوأ وأقل استقرارا.

السبب الثاني هو ان واشنطن لا تريد ان تخفض الروح المعنوية للشعوب والنخب الغربية والحرب في اوكرانيا لم تحسم بعد .فهي تروج خطابا سياسيا مفاده أن المجتمع الدولي كله يقف ضد روسيا في هذا الصراع ومن شأن إبراز الشعور بالحسرة والخذلان من الحلفاء المرتبطين بالخط الامريكي ان يضرب مصداقية هذا الخطاب بقسوة ويعري واقع أنه باستثناء الدول الغربية وإسرائيل وأستراليا ونيوزيلندا واليابان وقليل من الدول الاسيوية مثل كوريا الجنوبية وتايوان فإن أفريقيا وأمريكا اللاتينية ومعظم آسيا وهي غالبية دول العالم سكانا وحتى اقتصادا فإنها كلها وقفت موقف الحياد وعدم الرغبة بالتورط في النزاع .

السبب الثالث هو ان واشنطن مازالت تأمل أن تنجح زيارة بايدن - فيما أخفق فيه بوريس جونسون ومسؤولون أوروبيون وأمريكيون للمنطقة - وهو ان تغير في هذا الوضع وتجعل دولا بعينها تنحاز إليها وتستجيب لمطالبهم التي جعلتها نتائج الحرب مطالب حيوية خاصة الحاجة إلى الطاقة غاز ونفط ومن في هذا المقام من يستطيع أن يفعل ذلك أكثر من العرب خاصة في منطقة الخليج ؟!.

لكن كيف أخفقت مساحيق التجميل الكثيفة في ستر تراجع القيادة الأمريكية للعالم وتقلص نفوذها حتى على حلفاء كانت قد وصلت حدود سيطرتها على سياساتها انها وصلت في بعض المراحل الي إعطاء الأوامر دون مناقشة تحت ادعاء بأن هؤلاء الحلفاء لا يستطيعون كدول أو نظم سياسية ان يصمدوا يوما واحدا دون الحماية الأمريكية.

أول المؤشرات على ترهل النفوذ الأمريكي وزيادة التجاعيد على وجه الامبراطورية في الأزمة الأوكرانية كمصدر مزمن للحسرة الغربية هو امتناع معظم دول العالم عن دعم أي قرار أممي إلزامي معاد لروسيا وامتناعها عن تطبيق اي من العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا ومواطنيها بل ان دولا مثل الصين والهند ومصر لها وزن معنوي باعتبارها من أقدم الدول النهرية المؤسسة للحضارة الانسانية ومن الدول كثيفة السكان ولها وزن جيوبوليتيك مؤثر في منطقتها هاجمت حزمة العقوبات واعتبرتها تعسفا خارج قواعد النظام القائم للعلاقات الدولية .

وثاني المؤشرات هو رفض دول حليفة لواشنطن الاستجابة لكل الإغراء العلني والترهيب الضمني الذي مارسته واشنطن ولندن وباريس وبرلين وطوكيو على هؤلاء الحلفاء ورفضت الهند التوقف عن شراء النفط الروسي بل زادت من الكميات المشتراة من موسكو وكذلك فعلت الصين مع الحوافز الروسية « خفض الأسعار بمقدار يزيد عن 25%وقبول الروبية واليوان بدلا من الدولار كسعر لتقويم النفط ».ورفضت دول الخليج في أوبك - على الاقل حتى قيام بايدن بزيارته ـ ان تهدم أسس اتفاق اوبك- بلس الذي يضم روسيا والذي له الفضل في استقرار سوق إنتاج النفط وارتفاع أسعاره لصالح الدول المنتجة خاصة مع المخاوف بنقص العرض عن الطلب الذي أنتجته الحرب الاوكرانية واقتراب فصل الشتاء بعد 3 أشهر من الان. أي أن الدول الخليجية الحليفة في أوبك رفضت أن تقدم على زيادة كبيرة في الإنتاج النفطي وهو هدف بايدن الرئيس والأول والأخير من زيارته الشرق أوسطية فالكل يعرف أنه لم يفعل ولن يفعل شيئا لحل القضية الفلسطينية وإحياء حل الدولتين، كما يعرف الكل ايضا ان اقتراح بناء (ناتو) عربي اسرائيلي لمواجهة إيران غير مقبول في هذه المرحلة على الأقل من معظم الدول المدعوة إليه.

وحتى الدول الشرق اوسطية التي تجاوبت مع دعوة توجيه المزيد من غازها الطبيعي لأوروبا بدلا من آسيا تحتاج إلى سنوات تستثمر فيها في بنية تحتية وخطوط وناقلات لكي تحول هذا التجاوب الي امدادات فعلية تسد الجوع الأوروبي -صناعة وتدفئة - والذي تسد نصف معدته تقريبا الإمدادات الروسية في الوقت الحاضر.

تلخص تحليلات لأمريكيين فقدان واشنطن قسما مهما من نفوذها العالم في صورة تحذير أو جرس انذار الى البيت الابيض من ان النظام الدولي القائم على قواعد ما بعد الحرب العالمية الثانية وظلت أمريكا ترعاه وتشرف عليه منذ 75 عاما ليس بصحة جيدة بل ويتداعى ان لم يكن في الحقيقة قد بات غير موجود . يقول هذا التحليل ان اختفاء أي دعم دولي للعقوبات على روسيا باستثناء من ذكرناهم في بداية هذا المقال. هو دليل أيضا على تقدم النفوذ الدولي للصين على حساب النفوذ الأمريكي اما الماضي الاستعماري وتجارة الرقيق في إفريقيا وآسيا في القرنين 18 و19 والمرارة الباقية في الحلوق من مقتل وتهجير الملايين في العقود الأخيرة من عصر القطب الواحد في العراق وأفغانستان وسوريا وليبيا والصومال فقد تكفلت بالباقي في تكوين شعور اللامبالاة العالمي عموما والعربي الإسلامي خصوصا تجاه الموقف الغربي من حرب أوكرانيا . الأكثر اثارة للدهشة هو تعليقات الشعوب على مواقع السوشيال ميديا على تطورات الحرب في أوكرانيا والتي تميل غالبيتها المطلقة إلى مشاعر تتمنى ان تنتهي هذه الحرب الي اختفاء هيمنة الغرب والقطب الواحد على النظام العالمي!! ولكن هذا يستحق حديثا مفصلا آخر ولكنه يمثل أيضا قيدا شعبيا على قدرة الزعماء العرب الذين سيقابلهم بايدن خلال زيارته في الانحياز لطلباته الصعبة في إنتاج مزيد من النفط وفي الانحياز ضد روسيا والصين .

حسين عبد الغني كاتب وإعلامي مصري