أفكار وآراء

منتدى الدقم الاقتصادي

قبل بضعة أشهر تناقلت بعض وسائل الإعلام المحلية خبرًا عن التحضير لمنتدى اقتصادي، باسم «منتدى الدقم الاقتصادي». لم نطلع على تفاصيل عن المنتدى المذكور، ولا نعرف حتى الآن متى وأين سينعقد، وما إن كان سينعقد دوريا أو لمرة واحدة. لكن فكرة إقامة منتدى دوري في حد ذاتها تبدو أنها فكرة جذابة وتستحق أن تدرس بعناية، سواء من حيث الأهداف والغايات أو من حيث الإخراج والتدبير.

في العالم عدة منتديات اقتصادية تعقد دوريا، أشهرها المنتدى الاقتصادي العالمي، المعروف بمنتدى دافوس، الذي أسسه المهندس والاقتصادي الألماني كلاوس مارتين شواب في عام 1971. ينعقد هذا المنتدى سنويا في بلدة دافوس الجبلية في سويسرا، ويبحث مواضيع اقتصادية وسياسية وبيئية وتعليمية وثقافية. وإلى جانب انعقاده السنوي في سويسرا، فإن المنتدى الاقتصادي العالمي يتعاون كذلك مع بعض الدول لعقد منتديات إقليمية على غرار منتدى دافوس، ومنها منتدى البحر الميت في الأردن ومنتدى شرم الشيخ في مصر اللذين انعقدا بالتناوب بين البلدين قبل عدة سنوات.

بعض المنتديات الاقتصادية أصبحت تقليدا تتبعه كثير من دول العالم وتعقده بصورة دورية، وهي وإن كان عنوانها اقتصاديا إلا إنه يغلب عليها الطابع السياسي بسبب استقطابها لعدد كبير من رؤساء الدول والساسة والمفكرين الذين يتحدثون في تلك المنتديات حول قضايا ساخنة، لا تقتصر على المواضيع الاقتصادية الصرفة. ونظرًا لذلك الحضور العالي المستوى و للمواضيع التي يتم طرحها فإن المنتديات الاقتصادية تختلف عن المؤتمرات أو اللقاءات التجارية الكبرى التي تعقد في صورة معارض ثقافية أو تجارية، مثل معرض فرنكفورت للكتاب الذي يعقد سنويا منذ عام 1949، أو معرض كانتون التجاري في الصين، والذي بدأ انعقاده في عام 1957، ويعقد مرتين في العام خلال شهري أبريل وأكتوبر في مدينة قوانزو. وإلى جانب المنتديات الاقتصادية والمؤتمرات والمعارض التجارية الدولية، هناك أيضا منتديات سياسية وأمنية، دولية وإقليمية، تعقد في عدد من دول العالم، ومن أشهرها وأهمها مؤتمر ميونيخ للأمن، وهو مؤتمر سنوي دولي ينعقد منذ عام 1963 في مدينة ميونيخ الألمانية، وكان يُسمى عند انطلاقه في ذلك العام «اجتماع العلوم العسكرية الدولي».

خلال الأسبوعين الماضيين تابعنا جوانب مما تناقلته وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي عن انعقاد منتديين اقتصاديين مهمين، هما منتدى سان بطرسبرج الاقتصادي في روسيا، الذي عُقد أول مرة في عام 1997. ومنذ عام 2005 صار هذا المنتدى يُعقد في شهر يونيو من كل عام برعاية الرئيس الروسي، ويحضره آلاف الأشخاص الذين يمثلون عددا كبيرا من الدول وكبريات الشركات وأصحاب الأعمال والمستثمرين من داخل روسيا وخارجها. وفي هذا العام كانت مصر هي ضيف الشرف في منتدى سان بطرسبرج الاقتصادي. أما المنتدى الثاني الذي عُقد في هذا الشهر أيضا فهو منتدى الدوحة الاقتصادي، وهذه هي الدورة الثانية له، حيث كان قد عقد دورته الأولى في شهر يونيو من العام الماضي. كلا المنتديين المذكورين بحثا قضايا ساخنة في الاقتصاد والعلاقات الدولية، وحظيا بحضور سياسي كبير، وتم إبرازهما والترويج لهما على نطاق إعلامي واسع.

وكالعادة في كل عام انعقد منتدى سان بطرسبرج الاقتصادي برعاية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي ألقى كلمة مطولة تناولت علاقات روسيا الخارجية وسياساتها الاقتصادية والتنموية الداخلية. وتحدث كذلك عما تُنفذه حكومة روسيا الاتحادية من مشاريع كبيرة في البُنى الأساسية في كافة المقاطعات والمناطق الروسية، وما تقدمه من دعم وحوافز للأعمال الصغيرة والمتوسطة، ولمشاريع البحث والابتكار في شتى المجالات. وتحدث الرئيس الروسي كذلك عن القوانين التي يتم تطويرها أو تشريعها من أجل جذب وتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية. كما خاطب المنتدى بعض الرؤساء، مثل الرئيس الصيني والرئيس المصري. أما منتدى الدوحة الاقتصادي فبالرغم من أنه منتدى حديث عهد، إلا أنه تم الترويج له والدعوة لحضوره من أعلى المستويات السياسية في قطر، ومن ذلك كلمة قصيرة لأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، كانت تبثها بعض وسائل الإعلام قبل عقد بدء عقد المنتدى بفترة، وذلك من أجل الترحيب بالمشاركين وللحث على المشاركة فيه. ويوم افتتاح المنتدى ألقى أمير قطر كلمة تطرق فيها، بالإضافة إلى الشأن الاقتصادي المحلي لقطر، إلى وضع الاقتصاد العالمي وما لحق به من أضرار جسيمة بسبب جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، والتي قال إنها تتمثل في الركود الاقتصادي والغلاء وشبح المجاعة. الملفت أن كلا المنتديين المذكورين ينعقدان في فصل الصيف، حين ترتفع درجة الحرارة، خاصة في الدوحة. وربما قصد المنظمون عقدهما في فصل الصيف لأسباب تجارية واقتصادية تفيد قطاع السياحة.

وعودة إلى موضوع هذا المقال، فإن عقد منتدى دوري باسم «منتدى الدقم الاقتصادي»، فكرة مهمة وتنفيذها له جوانب إيجابية على المستويات الاقتصادية والسياسية والثقافية. لذلك فإنه لا بد من دراستها من كافة الجوانب، لا سيما من حيث المكان وكذلك من حيث الوقت الأنسب من السنة لعقده. ومن المناسب أيضا وضع أو اختيار سِمَة أو ثيمة theme للمنتدى، وتحديد ما إذا كانت تلك السِمة ثابتة أم أنها تتغير كل عام. كذلك لا بد من دراسة المستوى السياسي أو الاقتصادي أو العلمي للأشخاص الذي سيدعون لمخاطبة المنتدى أو المشاركة فيه، وما إذا كان من المناسب أن يصحبه إقامة معارض تجارية متخصصة.

إن اختيار الدقم كمكان لعقد المنتدى، وذلك كما يبدو من الخبر الذي تم تداوله قبل بضعة أشهر، سيفيد مدينة الدقم لا سيما من حيث تأكيد وجودها على خريطة العالم كميناء تجاري ومدينة صناعية مهمة، بالإضافة إلى أن المنتدى سيخلق فرصة لتطوير قطاع السياحة في محافظة الوسطى بشكل عام. لكن قبل عقد المنتدى لا بد من الإجابة بصورة عملية على عدد من الأسئلة الملحة. ومن تلك الأسئلة مدى إمكانية عقد منتدى بمستوى عالمي في مدينة الدقم في الوقت الحاضر، أو أن ذلك يحتاج إلى مزيد من الوقت والجهد من أجل تجهيز المدينة وما حولها من المناطق بالمرافق الكافية والمناسبة؟ وما الوسائل والوقت اللازم للترويج للدقم بصفتها مركزًا للمؤتمرات الدولية إلى جانب كونها ميناء ومدينة صناعية؟ وبالإضافة إلى مسألة التجهيز والترويج، هل سيكون منتدى الدقم الاقتصادي منتدى عامّا، يكرر ما يطرح ويناقش في المنتديات المشابهة في المنطقة وعلى مستوى العالم، أم ستكون له سِمَة أو ثيمة خاصة به؟ وإذا أريد لمنتدى الدقم ألا يكون نسخة مكررة من المنتديات الأخرى، فهل ستكون سمته ثابتة أو أنها ستتغير كل عام؟

تلك الأسئلة وغيرها من التفاصيل هي مما ينبغي دراستها بعناية، ولا نشك أن كثيرا من الجوانب ليست بخافية على المعنيين بالموضوع. وإذا ما تمت دراسة تلك الجوانب وأنجز ما يلزم إنجازه من بُنى أساسية ومرافق، وتم تدبير ما يلزم تدبيره من لوازم فمن المؤكد أن عقد المنتدى ستكون له آثار إيجابية من كافة النواحي الاقتصادية والسياسية والثقافية. ولعمان من العلاقات الحسنة والسخاء والإرث الحضاري والطبيعة المتنوعة ما يجعلها مكانا مناسبا لعقد منتديات ولقاءات ذات مستوى علمي متقدم و مشاركة عالمية واسعة.

د. عبدالملك بن عبدالله الهِنائي باحث في الاقتصاد السياسي وقضايا التنمية