الاستمرارية أو «في المزاولة والثبات»
الأربعاء / 15 / ذو القعدة / 1443 هـ - 19:53 - الأربعاء 15 يونيو 2022 19:53
«الغني من إذا انهار الرمل من ساعته الرملية انحنى وجمع رملها حبة حبة، كأنه يَزِر الكواكب.» دافانان ص81.
هكذا يبدأ الفصل الرابع من الكتاب الذي ألفه صموئيل سمايلز ذلك الطبيب الاسكتلندي والمعنون بـ «سر النجاح» في طبعته الإنجليزية. صدر كتاب سر النجاح مع العدد الخامس والثمانين من مجلة الدوحة الثقافية، وبترجمة حسنة رشيقة للأديب الكبير يعقوب صرّوف وهو الرجل الذي كتب عنه عباس محمود العقاد في كتابه الشهير «رجال عرفتهم». كانت ترجمة هذا الكتاب «بإيعاز من الدكتور كرنيليوس فان ديك» وهو الكتاب الذي يقول مترجمه في مقدمته: «..وأنا أشهد لأبناء وطني أنني لم أنتفع بكتاب قدر ما انتفعت بهذا الكتاب» سر النجاح ص5.
وقد مهد له الدكتور فان ديك حينئذ تمهيدا وجيزا قال فيه: «إني طالعت هذا الكتاب بما يستحقه من التروي فوجدته من أنفع الكتب التي يحتاج إليها كل أحد من أهل هذه البلاد وغيرها، وقد رأى ذلك كثيرون من علماء أوروبا، وترجموه إلى أكثر لغاتها، فسعيت أنا في ترجمته إلى العربية وطبعه فيها، أملا في أن ينتفع أهلها به كما انتفع غيرهم من الأمم الغربية». سر النجاح ص6.
وقد انتظمت درر هذا الكتاب النافع في عِقد فريد يخلص منه المرء بأن النجاح وما يسميه الناس حظا، إنما هو ثمرة عمل دؤوب متواصل، حتى وإن تبدت للناظر بغير تؤدة أنها ضرب من ضروب القدر الباسم لأحدهم. وقد أبدع صرّوف في ترجمته وأحسن، إذ أنه راعى الأصل تارة وخالفه أخرى «حسب ما يقتضيه اختلاف اللغتين وأفكار أهلهما» سر النجاح ص5.
وكما يقول توما الملمسبري: «لا عمل من أعمال الإنسان إلا وهو بداية سلسلة من النتائج التي تقصر عن إدراك نهايتها الحكمة الإنسانية» سر النجاح ص323.
ولا أظن شيئا أنفع من المزاولة والثبات على عمل ما، فالرياضيون على سبيل المثال لا يكررون جملة في تصريحاتهم مثل جملتهم «هذه ثمرة عمل طويل». وقد ذكر كولن ويلسون في كتابه «اللامنتمي» شيئا من ذلك في معرض حديثه عن الشخصيات التي حللها في كتابه، وما للعمل الدؤوب المتواصل من أثر في هذه الشخصيات التي لاقت في بداياتها ما لاقت من المصاعب والعقبات. هكذا، فالثقافة ليست بدعا من هذا الأمر؛ أي المواصلة والاستمرارية والجد في طلب المعرفة.
ونجد في ثقافتنا العربية قديمة كانت أم حديثة، أمثلة شامخة على رجال سطروا أسماءهم بأحرف من نار في معلقات التاريخ المعرفي الإنساني.
ومن المقولات المتداولة عن ابن رشد تلك التي يقول فيها: إنه ما ترك الاشتغال بالعلم إلا في يوم زفافه ويوم مات والده. ومن يطالع اليوتيوب ويشاهد مقابلة المحقق الكبير بشار عواد، ويسمع جدوله اليومي يدرك لم كان هذا النتاج الأدبي الغزير والجيد في آن.
كنت يوما أقرأ سيرة حسين مروّة «ولدت شيخا وأموت طفلا» الصادرة عن دار الفارابي، وهي السيرة التي كتبها عباس بيضون من حديث أجراه معه ؛ وحين سأل بيضونُ مروّة عن بدوي الجبل، قال الأخير «في رأيي أن بدوي الجبل كان في وسعه أن يكون أعظم شعراء العرب لو اتسعت ثقافته ؛ فضحالته الثقافية هي التي جعلته يكرر نفسه» ولدت شيخا وأموت طفلا ص93.
هكذا يجد المرء أن المزاولة والثبات نصيرا النجاح والجَدِّ الباسم لكل شخصية برزت ونالت مكانتها، تلك المكانة السامقة إنْ في حياتها أو بعد رحيلها.
ولا أملك أن أقول أفضل مما قاله مؤلف سر النجاح: «أكثـر الأعمـال العظيمـة تمَّـت بالوسـائل البسـيطة، وباسـتخدام القـوى العاديـة، وفـي سـبيل الحيـاة العـام فُـرصٌ كثيـرة للاختبـار، بـل إنَّ طـرق الحيــاة المطروقــة أكثــر مــن غيرهــا تولــي المجتهــد قــوة كافيــة ليســعى فــي إصــلاح شــأنه، والنجــاح منــوط بناصيــة الثبــات والإقــدام؛ فأكثــر النـاس ثباتـا وإقدامـا أكثرهـم نجاحـا. وكثيـرا مـا لام النـاس السـعد، وعـدُّوه أعمـى ومـا العُمـي إلّا هـم؛ فإنَّـا إذا أمعنــا النظــر فــي أحــوال أهــل الأعمــال رأينــا أنَّ الســعد لأكثرهــم اجتهـادا، كمـا أنَّ الريـاح والأمـواج توافـق الربـان الماهـر. بـل إنَّ أسـمى مطالـب البشـر يمكـن البلـوغ إليهـا باسـتخدام القـوى العاديـة كالانتبـاه والاجتهـاد والمواظبـة، ولا لـزوم لمـا يسـمونه قريحـة أو عبقريـة أو موهبـة فائقـة. علـى أنَّ القريحـة وإنْ كانـت مـن أسـمى القرائـح لا تنافـي القـوى العاديـة ولا تـزري بهـا. وأعظـم النـاس شـأنا أقلهـم إركانـا إلـى القرائـح، وأكثرهــم مزاولــة لأعمالهــم» سر النجاح ص83.
هكذا يبدأ الفصل الرابع من الكتاب الذي ألفه صموئيل سمايلز ذلك الطبيب الاسكتلندي والمعنون بـ «سر النجاح» في طبعته الإنجليزية. صدر كتاب سر النجاح مع العدد الخامس والثمانين من مجلة الدوحة الثقافية، وبترجمة حسنة رشيقة للأديب الكبير يعقوب صرّوف وهو الرجل الذي كتب عنه عباس محمود العقاد في كتابه الشهير «رجال عرفتهم». كانت ترجمة هذا الكتاب «بإيعاز من الدكتور كرنيليوس فان ديك» وهو الكتاب الذي يقول مترجمه في مقدمته: «..وأنا أشهد لأبناء وطني أنني لم أنتفع بكتاب قدر ما انتفعت بهذا الكتاب» سر النجاح ص5.
وقد مهد له الدكتور فان ديك حينئذ تمهيدا وجيزا قال فيه: «إني طالعت هذا الكتاب بما يستحقه من التروي فوجدته من أنفع الكتب التي يحتاج إليها كل أحد من أهل هذه البلاد وغيرها، وقد رأى ذلك كثيرون من علماء أوروبا، وترجموه إلى أكثر لغاتها، فسعيت أنا في ترجمته إلى العربية وطبعه فيها، أملا في أن ينتفع أهلها به كما انتفع غيرهم من الأمم الغربية». سر النجاح ص6.
وقد انتظمت درر هذا الكتاب النافع في عِقد فريد يخلص منه المرء بأن النجاح وما يسميه الناس حظا، إنما هو ثمرة عمل دؤوب متواصل، حتى وإن تبدت للناظر بغير تؤدة أنها ضرب من ضروب القدر الباسم لأحدهم. وقد أبدع صرّوف في ترجمته وأحسن، إذ أنه راعى الأصل تارة وخالفه أخرى «حسب ما يقتضيه اختلاف اللغتين وأفكار أهلهما» سر النجاح ص5.
وكما يقول توما الملمسبري: «لا عمل من أعمال الإنسان إلا وهو بداية سلسلة من النتائج التي تقصر عن إدراك نهايتها الحكمة الإنسانية» سر النجاح ص323.
ولا أظن شيئا أنفع من المزاولة والثبات على عمل ما، فالرياضيون على سبيل المثال لا يكررون جملة في تصريحاتهم مثل جملتهم «هذه ثمرة عمل طويل». وقد ذكر كولن ويلسون في كتابه «اللامنتمي» شيئا من ذلك في معرض حديثه عن الشخصيات التي حللها في كتابه، وما للعمل الدؤوب المتواصل من أثر في هذه الشخصيات التي لاقت في بداياتها ما لاقت من المصاعب والعقبات. هكذا، فالثقافة ليست بدعا من هذا الأمر؛ أي المواصلة والاستمرارية والجد في طلب المعرفة.
ونجد في ثقافتنا العربية قديمة كانت أم حديثة، أمثلة شامخة على رجال سطروا أسماءهم بأحرف من نار في معلقات التاريخ المعرفي الإنساني.
ومن المقولات المتداولة عن ابن رشد تلك التي يقول فيها: إنه ما ترك الاشتغال بالعلم إلا في يوم زفافه ويوم مات والده. ومن يطالع اليوتيوب ويشاهد مقابلة المحقق الكبير بشار عواد، ويسمع جدوله اليومي يدرك لم كان هذا النتاج الأدبي الغزير والجيد في آن.
كنت يوما أقرأ سيرة حسين مروّة «ولدت شيخا وأموت طفلا» الصادرة عن دار الفارابي، وهي السيرة التي كتبها عباس بيضون من حديث أجراه معه ؛ وحين سأل بيضونُ مروّة عن بدوي الجبل، قال الأخير «في رأيي أن بدوي الجبل كان في وسعه أن يكون أعظم شعراء العرب لو اتسعت ثقافته ؛ فضحالته الثقافية هي التي جعلته يكرر نفسه» ولدت شيخا وأموت طفلا ص93.
هكذا يجد المرء أن المزاولة والثبات نصيرا النجاح والجَدِّ الباسم لكل شخصية برزت ونالت مكانتها، تلك المكانة السامقة إنْ في حياتها أو بعد رحيلها.
ولا أملك أن أقول أفضل مما قاله مؤلف سر النجاح: «أكثـر الأعمـال العظيمـة تمَّـت بالوسـائل البسـيطة، وباسـتخدام القـوى العاديـة، وفـي سـبيل الحيـاة العـام فُـرصٌ كثيـرة للاختبـار، بـل إنَّ طـرق الحيــاة المطروقــة أكثــر مــن غيرهــا تولــي المجتهــد قــوة كافيــة ليســعى فــي إصــلاح شــأنه، والنجــاح منــوط بناصيــة الثبــات والإقــدام؛ فأكثــر النـاس ثباتـا وإقدامـا أكثرهـم نجاحـا. وكثيـرا مـا لام النـاس السـعد، وعـدُّوه أعمـى ومـا العُمـي إلّا هـم؛ فإنَّـا إذا أمعنــا النظــر فــي أحــوال أهــل الأعمــال رأينــا أنَّ الســعد لأكثرهــم اجتهـادا، كمـا أنَّ الريـاح والأمـواج توافـق الربـان الماهـر. بـل إنَّ أسـمى مطالـب البشـر يمكـن البلـوغ إليهـا باسـتخدام القـوى العاديـة كالانتبـاه والاجتهـاد والمواظبـة، ولا لـزوم لمـا يسـمونه قريحـة أو عبقريـة أو موهبـة فائقـة. علـى أنَّ القريحـة وإنْ كانـت مـن أسـمى القرائـح لا تنافـي القـوى العاديـة ولا تـزري بهـا. وأعظـم النـاس شـأنا أقلهـم إركانـا إلـى القرائـح، وأكثرهــم مزاولــة لأعمالهــم» سر النجاح ص83.