أعمدة

كلام فنون.. فنان العرب محمد عبده من برنامج «مراحل» إلى مسرح طلال مداح

1903125_201
 
1903125_201
شعب المملكة العربية السعودية عظيم وحيوي ومحب للثقافة والفنون بشكل كبير جداً، ولما لا؟ وقد كانت بلاد الحرمين المباركة بلد المبدعين العظام في مجال الفن الغنائي على مر التاريخ الإسلامي.

تراجع بعض الشيء الجدل الذي احتدم في السوشل ميديا بعد الاعتذار الذي قدمه فنان العرب محمد عبده لجمهور الفنانين أبو بكر سالم بالفقيه وطلال مداح رحمة الله عليهما، ووصف بنفسه تصريحاته التي نالت من بعض أغانيهما في مقابلة تلفزيونية جرت معه في أواخر شهر رمضان الفضيل الماضي«بالحادة». وفي ثاني أيام عبد الفطر قدم فنان العرب حفل قمة على مسرح طلال مداح في مدينة أبها حضرها جمهور غفير.

في الواقع كنت وربما معي العديد من المتابعين ننتظر هذا الاعتذار خاصة ونحن نحسب أنفسنا من جمهور هؤلاء العمالقة الثلاثة ونقدر تجربة كل واحد منهم تقديراً عالياً، ولا نفرق بينهما إلاّ بما تميز به عن زميله من ميزة ثقافية وفنية وجمالية، فكل واحد منهم قامة وقيمة فنية نعتز بها في الجزيرة العربية والعالم العربي.

ولكن، وعلى رغم من أهمية ذلك النقاش والجدل وقضيته، فإن مقالي هذا يتناول قضية أخرى، فما جاء في ذلك اللقاء التلفزيوني المطول كان هاما ومتنوعا بحيث يستوعب نقاش من نوع آخر كذلك.

وقد تمكن المحاور الإعلامي علي العلياني أن يقود اللقاء متنقلا مع فنان العرب من محطة فنية إلى أخرى في مسار حواري منسجم مع اسم برنامجه «مراحل».

وهكذا، سأقف في مقالي هذا عند نقطة هامة أثيرت في مطلع الحوار بشأن التحولات الثقافية الحاصلة في المملكة العربية السعودية والتي يمكن أن أصفها بــ«الثورة الثقافية» التي أتوقع أن يكون لها نتائج تنويرية عظيمة ليس في المملكة العربية السعودية العزيزة ولكن كذلك في عموم الجزيرة العربية حاضراً ومستقبلاً رغم تأخرها كثيرا جدا. وقد وصف فنان العرب هذه التحولات الثقافية بقوله: اليوم نحن بنشوف المملكة الحمدلله في ظل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان (..) فيها طفرة كبيرة جدا. ولأهمية ذلك الحوار في هذه المسألة سأنقل أجزاء منه دون تدخل كبير في الصياغة.

بدأ الحور بالسؤال الأول من الأستاذ العلياني مخاطبا فنان العرب: أبو نورة أنت عشت مراحل كثيرة فيها أذى لك فيما يتعلق بالتيارات المتشددة، فترة من الفترات حفلاتك كلها برا المملكة، وجوّة ما كان فيه أبداً إلا أشياء بسيطة، ثم غياب طويل ثم عادت من جديد. فأنت من صناع التاريخ الفني في المملكة وفي العالم العربي، مشاعر أبو نورة مع الانفتاح الجديد مع الرؤية الجديدة هل كل الآمال وكل الأشياء اللي كنتوا تتمنونها في جيلكم صارت ؟ أيش يعني لك فنيا واجتماعيا اللي قاعد يسير ؟.

من وجهة نظري كان جواب الفنان محمد عبده مقعنا جدا، وهو كما قال العلياني: «من صنّاع التاريخ الفني في المملكة »، لم يفلسف الرد في جمل وعبارات إنشائية، بل جنح إلى الواقع الحياتي، فسرد حالة من حالات ذلك الماضي الذي وصفه بـــ«أيام الغوشة» فقال أبو نورة: «أيام الغوشة نحن نسميها، ما كان مسؤول عنها فقط عناصر رجال العلم أو رجال الدين لوحدهم، كان المجتمع نفسه مشارك فيها.. فأنا أتذكر كنّا عملنا دعاية لشركة من الشركات أنا وكلاي (محمد علي كلاي الملاكم) أنا في قسم المرئيات والصوتيات المسجلات والتلفزيونات، وهو في السيارات، ذهبنا إلى أمريكا وعملنا عمل كبير جداً دعائي لهذه الشركة ولما جينا هنا، كل دعاياتي أنا اللي في الشارع كلها شخبطوا عليها، وكلاي قاعد عريان (في لوحاته الدعائية) وبجسمه وبعضلاته (ما حصل له شيء)، فإذن مجتمعنا نحن كان مشارك في هذه المأساة.

أنا عاصرت كثير من هذه المشاكل، ولكن كانت رب ضارة نافعة، تعرفت على أهل العلم الصحيح، يعني في ناس أنا اسميهم مصابيح الدروب لنا.. يعني أهل العلم الصحيح. ثم وصف المتشددين بأنهم كانوا مؤثرين في وضع الفنانين والمجتمع لأن كل واحد من الدعاة كان وراه جمهور زي نادي الاتحاد زي نادي الهلال.. يعني كل داعية وراه جمهور، وهؤلاء كانوا يتصرفون بطريقة قد لا تكون في كل الحالات مُرضى عنها من قبل أساتذتهم.

وفي ختام إجابته لم يخف عبده حرصه (وحرصنا كذلك) على نجاح هذه التحولات الثقافية العظيمة في المملكة العربية السعودية بقوله: إحنا خائفين من هذا التقدم أن لا يتراجع، لأن نحن عشنا مراحل أنا اسميها مراحل اليأسوية، يعني تتقدم خطوة وتتأخر عشر خطوات. نحن إن شاء الله وبحول الله ما بنتأخر وبنتقدم وبنصلح من أخطائنا ونصلح من اندفاعاتنا اللي مثلاً كنّا نبي نعوّض بها ذاك الزمن اللي احنا عانينا فيه.

وفي الختام أقول: هذا كلام من ذهب، فشكراً لفنان العرب وللإعلامي علي العلياني على ذلك اللقاء التاريخي، والشكر الكبير للجمهور العربي السعودي واليمني الذين تفاعلا بشدة مع ذلك اللقاء مما يدل على الحرص والمتابعة.

والرحمة والمغفرة لعملاقي الغناء في الجزيرة العربية طلال مداح وأبوبكر بالفقية، وحفظ الله فنان العرب وأطال بعمره سنين مديدة.

************

مسلم بن أحمد الكثيري

موسيقي وباحث