عمان الثقافي

عُمان في الحرب العالمية الثانية

1976867
 
1976867
تُعرَّف الحرب العالمية الثانية بأنها حرب دولية بدأت في أوروبا في 1 سبتمبر 1939م وانتهت في 2 سبتمبر 1945م، وشاركت فيها أو تأثرت فيها الغالبية العظمى من دول العالم، بما في ذلك قوتان عسكريتان متعارضتان، هم الحلفاء ودول المحور، فكانت من أكبر الحروب في التاريخ، شارك فيها أكثر من 100 مليون شخص من أكثر من 30 دولة بشكل مباشر في هذه الحرب، وقامت الدول الكبرى بوضع جميع الخدمات العسكرية والاقتصادية والصناعية والعلمية في خدمة حرب. أسفرت الحرب العالمية الثانية عن سقوط عدد كبير من القتلى المدنيين، ولعبت الطائرات دورًا مهمًا في الصراع، حيث أتاحت القصف الاستراتيجي للمراكز السكانية، مما أسفر عن مقتل ما يقارب من مليون شخص، بما في ذلك القنبلتان الذريتان اللتان أسقطتا على هيروشيما وناجازاكي، وقتلت الحرب ما يقدر بنحو 50 إلى 85 مليون شخص، معظمهم من المدنيين. لذلك تعد الحرب العالمية الثانية أكثر الحروب دموية في تاريخ البشرية(1).

عٌمان حالها حال الدول التي تأثرت بالحرب العالمية كونها كانت حليفًا قويا لبريطانيا، حيث قامت الحرب العالمية الثانية بين عامي 1939-1945م في عهد السلطان السيد سعيد بن تيمور الذي حكم سلطنة مسقط وعمان من 1932-1970م، حيث شهدت فترة حكمه الكثير من التجاذبات والصراعات الداخلية والخارجية ومن أبرزها على الصعيد العالمي الحرب العالمية الثانية، حيث كانت بريطانيا من دول الحلفاء.

الحالة الاقتصادية والسياسية

تنازل السلطان تيمور بن فيصل (1920-1932م) لابنه السلطان سعيد بن تيمور وهو الابن الأكبر له ولد عام 1910م وتولى الحكم وهو بعمر 22 سنة في عام 1932م، وكان قبل توليه زمام الحكم ينوب عن والده ويرأس مجلس الوزراء من عام 1929م، ويشرف على الشؤون المالية فتعهد منذ توليه الحكم بدعم العلاقات العمانية البريطانية (2).

التسهيلات العسكرية للحلفاء

لم تشارك حكومة سلطنة مسقط وعمان بصورة مباشرة في الحرب العالمية الثانية، وإنما كانت مشاركتها بصورة غير مباشرة من خلال تقديم بعض التسهيلات التي طلبتها الحكومتان البريطانية والأمريكية في الأراضي العمانية، وأيضا من خلال إصدار أمر في بداية الحرب بمنع التعامل التجاري مع ألمانيا وغيرها من دول المحور، حيث قدمت بريطانيا طلبًا عن طريق الحكومة الإنجليزية في الهند؛ لتقديم تسهيلات عسكرية في سلطنة عمان حتى تتمكن من حماية الخليج ضد أي تدخل من جانب دول المحور، وشملت هذه التسهيلات السماح بإنشاء مهابط لطائرات سلاح الجو الملكي في كل من مسقط وصلالة ومصيرة، إضافةً إلى حرية استخدام المياه الإقليمية، والمجال الجوي العماني والأراضي العمانية، وإعادة تزويد السفن والطائرات الحربية بالمؤن والذخيرة اللازمتين لعمليات الحرب. ورحب السلطان سعيد بن تيمور بتقديم هذه التسهيلات بسبب خطورة الوضع العالمي في ذلك الوقت، مع الأخذ في الاعتبار عدة مطالب تقدم بها السلطان مقابل التسهيلات المطلوبة وأهم هذه الشروط:

أولا: إعلان الحكومتين البريطانية والهندية استعدادهما للدفاع عن أراضي السلطان بما فيها جوادر ضد أي عدوان خارجي ناتج عن تقديم هذه التسهيلات المطلوبة، ومساعدة السلطان في إخماد أي اضطرابات أو ثورات داخلية يمكن أن تنشأ في فترة الحرب.

ثانيا: أن يكون السلطان طرفًا في أي مفاوضات لعقد أي معاهدة سلام قد تتعلق بالأراضي بعد نهاية الحرب.

ثالثًا: أن تنتهي التسهيلات الممنوحة بنهاية الحرب، وأن لا يعمل بها بعد ذلك إلا بإذن خاص من السلطان.

رابعًا: أن يستشار السلطان في كل الشؤون السياسية المتعلقة ببلاده، وأن يحصل الإنجليز على موافقته قبل الدخول في أي اتصال مع شيوخ القبائل العمانية.

خامسًا: التعهد بتأمين وصول المواد الغذائية الأساسية كالطحين والرز والسكر المصدرة من الهند إلى مسقط خلال فترة الحرب.

سادسًا: أن تقدم بريطانيا للسلطان إعانة شهرية يدفعها لاستقرار الأمور الداخلية في بلاده قدرها عشرين ألف روبية بدءًا من سبتمبر 1939م، ومعونة عاجلة قدرها خمسون ألف روبية لإصلاح وترميم القلاع، وخمسون ألف روبية أخرى من معونة زنجبار.

سابعًا: تزويد السلطان بحاجته من السلاح والذخيرة التي تشمل: أربع سيارات للشحن ونقل الجند وثلاثمائة بندقية، وثلاثمائة وخمسين ألف طلقة من الذخيرة، ومدفعين ثقيلين للميدان مع الذخائر، ولوازم العلاج الطبي والإسعافات الأولية بما فيها الضمادات والأدوية، ودفعة سنوية من الذخيرة لغرض التدريبات العسكرية قدرها عشرة آلاف طلقة بندقية (4).

وقد بعث القنصل البريطاني في مسقط الكابتن هكنبوتام Hickinbotham بتاريخ 30 نوفمبر 1939م إلى السلطان سعيد يخبره بموافقة الحكومتين البريطانية والهندية على هذه المطالب فأرسل السلطان يقول: إننا نشكر صديقتنا حكومة جلالة الملك البريطاني على مساعداتها الغالية، كما أننا مسرورون بتقديم التسهيلات والمساعدات الممكنة؛ نظرًا لروابط الصداقة المتينة بين الطرفين، وإننا نقبل ما جاء في كتابكم بتقديم جميع التسهيلات اللازمة في قُطرنا، وفي مياهه خلال الحرب الحاضرة بموجب الشروط المذكورة. واعتمادًا على الضمانات التي قدمتها الحكومة البريطانية منع السلطان كل أنواع التجارة مع ألمانيا وخصوصًا التجارة مع المستعمرات الألمانية في أفريقيا.

ومع دخول الولايات المتحدة الحرب إلى جانب الحلفاء، وضرورة إيجاد خطوط وتسهيلات عسكرية خاصة بها للقيام بدورها في المساندة اللوجستية والعسكرية للقوات البريطانية في منطقة الخليج والهند، كان من الضروري إيجاد طريق إلى الهند بعيدًا عن البحر المتوسط، وهذا يعني عبور وسط أفريقيا مرورًا بعدن وصلالة ومسقط وكراتشي، إلى جانب الطريق الجوي الآخر الذي يمر بالقاهرة والظهران في السعودية، لذا تشاورت الحكومة الأمريكية مع سلطنة مسقط وعمان بمشاركة الحكومة البريطانية عام 1942م للحصول على تسهيلات عسكرية تقضي بمرور الطائرات الأمريكية في أجواء المنطقة، وحصول القوات الأمريكية على قواعد فيها. وبدأت المفاوضات عندما تقدمت الخارجية الأمريكية عن طريق الضابط الأمريكي المسؤول في نيودلهي ميرل Merrell يطلب من حكومة الهند البريطانية الاتصال بالسلطان سعيد من أجل السماح بهبوط الطائرات الأمريكية في صلالة ورأس الحد، وكذلك جزيرة مصيرة، كما يطلب منح التسهيلات لجيش الولايات المتحدة أسوةً بالتسهيلات الممنوحة للبريطانيين، ومن ضمنها استخدامهم للمطار الجوي في مسقط ليحق للطائرات الأمريكية التابعة لقواتها المسلحة إضافة لأفراد الجيش العاملين عليها، والأفراد المدنيين الذين تقتضي خدمات الطائرات تواجدهم على أرض المطار بالهبوط في مسقط.

وفي هذه المفاوضات قدم السلطان سعيد بن تيمور عدة مطالب للموافقة على التسهيلات المطلوبة أهمها:

1. تحديد مسؤولية النشاط الشخصي الذي يقوم به الأمريكيون في سلطنة عمان ومسقط.

2. تزويد سلطنة عمان ومسقط بعدد من البنادق والذخيرة والمدافع والسيارات العسكرية والمهمات الطبية.

3. التعهد بدفع تعويض عن أي أضرار يتسبب فيها الموظفون الأمريكيون أوالطائرات الأمريكية.

4. التزام الموظفين الأمريكيين بقوانين سلطنة عمان ومسقط.

5. استخدام حرس محليين للمعسكرات الأمريكية(5).

وأهم الأسلحة والمعدات التي طلبها السلطان من الأمريكيين هي: مائتا بندقية ومئتا ألف صندوق من الذخيرة، ومدفعان مع قطع غيار وذخيرة، وسيارتا نقل حجم متوسط للاستخدام العسكري، وبعض المساعدات الطبية التي يقدرها المسؤولون في الحكومة البريطانية.

وقد عارضت الولايات المتحدة في بداية المفاوضات المطالب العمانية رغم قلتها قياسا على ما تم إنفاقه في الحرب، ورغم ذلك انتهت المفاوضات بقبول الحكومة الأمريكية بشروط السلطان، واستعانت بالبريطانيين من أجل إعطاء السلطان الضمانات التي طلبها. وعليه فقد قامت شركة خطوط أن أمريكان الجوية العالمية ببناء المعسكرات، وحظائر الطائرات في سلطنة عمان ومسقط لحساب الحكومة الأمريكية، في حين مهدت القوات الجوية الملكية ممرات الهبوط.

انعكاسات الحرب العالمية على سلطنة عُمان

أثرت الحرب العالمية على حركة البواخر الملاحية التجارية الإنجليزية، خط بومباي مسقط البصرة؛ بسبب وجود عدد من الغواصات الألمانية واليابانية في المحيط الهندي وبحر العرب، وأيضا بسبب تحويل نشاط البواخر التجارية من النقل المدني إلى النقل العسكري، ورغم خطورة الأوضاع وشدتها في المنطقة فقد شكل تأثر خط البواخر وانقطاعها عن الوصول إلى مسقط وباقي موانئ دول الخليج والهند وشرق أفريقيا.

ومع هذه المجازفة وقعت بعض السفن المدنية العمانية ضحية لهذه الحرب دون أن تكون مشاركة فيها، ومنها السفينة المسماة «الوشار» العائدة للنوخذة علي بن راشد المرزوقي من أهالي صور التي أغرقت في بحر حافون أمام شواطئ الصومال، بعد أن ضربتها غواصة ألمانية بواسطة طوربيد، ونجا الكثير من بحارتها، والسفينة «فتح النور» وهي من نوع -البغلة -أغرقتها الغواصات الألمانية وسط بحر العرب، وقتل جميع من فيها من طاقم ومسافرين، وأيضا السفينة الطراد العائدة للنوخذة محمد بن سالم بخيت العريمي، التي كانت متجهة من بومباي في الهند إلى ممباسا في كينيا، وأغرقت بواسطة غواصة يابانية أمام الساحل الأفريقي، وقتل جميع ركابها وأفراد طاقمها (6). وامتد النشاط الحربي للغواصات اليابانية حتى وصل إلى ميناء مسقط، فضربت إحدى الغواصات اليابانية السفينة الحربية البريطانية دابو «Dahpu» بتاريخ 28 يونيو 1943م، وتناثرت أجزاؤها في الميناء والمنطقة المحيطة به، ووصل عدد القتلى إلى 41 قتيلاً من أفراد الطاقم وعمال الميناء.

وتشير التقارير البريطانية إلى فقدان أحد أبناء الأسرة الحاكمة في مسقط وهو السيد ذياب بن فهد بن تركي آل سعيد الذي كان مقيمًا في باريس عندما غزت القوات الألمانية فرنسا، وعلمت الحكومة البريطانية أنه قد اعتقل ووضع في أحد المعتقلات النازية، ولم يسمع عنه شيء بعد ذلك. كما عاد السلطان السابق تيمور بن فيصل من اليابان واستقر به الحال في الهند عام 1939م.

بالإضافة إلى هذه الأنشطة العسكرية القليلة التي تأثرت بها سلطنة مسقط وعمان كان تأثير الحرب الأكبر في المجالين الصحي والاقتصادي، ففي المجال الصحي انتشرت الأمراض والأوبئة. وأقامت الوكالة البريطانية والإرساليات الأمريكية في مسقط لأول مرة مركزًا لمكافحة الأمراض المعدية.

التأثيرات الاقتصادية

ضعفت الحركة التجارية للمواطنين، ونقصت البضائع المستوردة من الخارج، وقل تصدير السلع العمانية الزراعية والسمكية وفي المقابل تصاعدت السلع المستعملة في النشاط الحربي للحلفاء، وزادت عوائد حكومة السلطان من التسهيلات العسكرية والضرائب واتفاقية النفط، مما مكن السلطان من تدعيم جيشه الصغير نسبيًا، وإنشاء المدرسة السعيدية في مسقط احتفالاً بمولد ابنه الوحيد السلطان قابوس عام 1940م، كما تمكن من تقريب عدد من شيوخ القبائل إليه واستمالتهم إليه. هذه العوائد المالية رسخت التدخل البريطاني في شؤون سلطنة مسقط وعمان، بحيث أصبحت الميزانية السنوية تناقش بصفة دورية مع الوكيل السياسي البريطاني في مسقط، ومن الناحية الإدارية استحدث لأول مرة منصب وزير الشؤون الخارجية، الذي كلف به السيد شهاب بن فيصل في العام 1939م وأعفي منه في العام 1945م، أما طلبة البعثة العمانية التي أرسلت إلى بغداد سابقًا، فقد طلب منهم الانتقال إلى البحرين قبل انتهاء دراستهم الثانوية خوفًا عليهم من الأوضاع السياسية والفكرية في العراق(3). كذلك من نتائج الحرب العالمية على الاقتصاد العماني شح الأرز من الأسواق العمانية، وارتفاع سعره حتى أن الأطفال حينها لم يعرفوا الأرز(7).

الهوامش:

*الملك البريطاني الذي كان يحكم بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية هو الملك جورج السادس ملك بريطانيا، وأيرلندا وآخر أباطرة الهند لمزيد من المعلومات مراجعة كتاب : The Reluctant King: The Life and Reign of George VI.

المراجع:

1-https://ar.m.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9

2-النبهاني، سالم بن حمد. عمان في عهد السلطان تيمور بن فيصل (1920-1932م).ط1،بيت الغشام، سلطنة عمان، مسقط:2015م.

3-العتيقي، ناصر بن سعيد بن مبارك. الأوضاع السياسية العمانية في عهد السلطان سعيد بن تيمور (1932-1954م).ط1،دار الفرقد:2015.

4-الحارثي.محمد بن عبدالله بن حمد. موسوعة عمان للوثائق السرية. مركز دراسات الوحدة العربية. المجلد الثاني، ص392-394.

5-مهنا،محمد نصر.دراسة وثائقية في الخليج العربي المعاصر،مركز الإسكندرية،ص9.

6-الغيلاني، حمود بن حمد. التاريخ الملاحي وصناعة السفن في مدينة صور العمانية، المطابع العربية، مسقط، 2006م، ص414-420.

7- رواية شفهية من حمد بن سيف الحوسني لمقابلة في 13 فبراير 2019م. مسقط.

وضاح الناصر الهاشمي كاتب ومهتم بالشأن التاريخي