أعمدة

كلام فنون: أغاني العيد

1903125_201
 
1903125_201
قبل تأسيس الإذاعة والتلفزيون في بلادنا العزيزة، كانت الناس تحتفل بعيد الفطر كل حسب بيئته وطريقته، ولكن في العصر الحديث ومع هذه الوسائل الإعلامية ظهرت الحاجة إلى أغاني العيد المناسبة التي تذاع مباشرة بعد الإعلان الرسمي عن موعد العيد وتضفي على الشاشة الصغيرة مظاهر الاحتفال بالعيد السعيد.

وفي الواقع كان ولا يزال التزاور بين الأهالي والجيران للتهنئة ممارسة شعبية متقدمة على كل الممارسات في عيدي الفطر والأضحى، وقد تحتفل بعض المجتمعات المحلية بهذه المناسبة بواسطة أداء أنماط من الغناء التقليدي وخاصة الرزحة والعيالة والزامل التي يشترك فيها عدد كبير من الناس من كبار السن وصغارهم، وفي وقتنا هذا يحرص الجميع على نشر مظاهر العيد والاحتفال به في كل مكان، ويتزامن ذلك مع بث الإذاعات والقنوات التلفزيونية أغاني العيد المعتادة.

وحسب معلوماتي فإن جميع فنون الغناء التقليدي العُماني ممكن ممارستها في أي عيد من الأعياد، سواء كان ذلك في الساحات العامة أو تجمعات صغيرة ومحدودة حسب التقاليد السائدة. وأثناء أداء هذه الفنون الغنائية في هذه الاحتفالات يتنافس الشعراء على ابتداع نصوص جديدة على ألحان متوارثة أثناء الحوارات التي تجتذب كبار الشعراء، وقد لا يكون العيد موضوعاً اساسياً فيها، فالناس تستمتع بهذه الحوارات واللقاءات الشعرية والفنية. والرزحة من أبرز فنون الغناء الحواري إن صح التعبير التي تمارس في معظم المحافظات الشمالية، وفي الجنوب لا تزال الزامل أو الهبوت أكثر هذه الأنماط الغنائية شعبية في هذه المناسبات.

وهكذا فإن أغنية العيد في بلادنا تجربة فنية حديثة، ارتبط نشأتها حسب معلوماتي بالإذاعة والتلفزيون، ولكن، منذ تأسيسهما في السبعينيات من القرن العشرين وحتى وقتنا هذا لم تبرز بعد أغنية معينة في الغناء العُماني المعاصر وتترسخ كأغنية عيد رغم بعض الاجتهادات التي قدمها بعض المطربين. ولا تزال أغاني العيد المصرية هي الأكثر انتشارا ليس في عُمان وحسب بل وفي جميع البلاد العربية بسبب قيمتها الفنية الإبداعية في التأليف والتلحين والأداء، وأشهرها أغنية «ليلة العيد» لكوكب الشرق أم كلثوم. ونقلا عن عدة مصادر فإن أم كلثوم اقتبست مطلع هذه الأغنية من بائع متجول، وطلبت في البداية من الشاعر بيرم التونسي أن يكتب لها نص القصيدة بناء عليه ذلك المطلع، ولكن بسبب ظروف صحية ألمت بالتونسي كلفت الشاعر أحمد رامي بكتابة النص.

وقصة هذه الأغنية الشهيرة لم تتوقف عند اقتباس مطلعها من بائع متجول، فيبدو أنها تلحنت أكثر من مرة كذلك؛ أولا، من قبل الموسيقار زكريا أحمد الذي كان من الملحنين المقربين من أم كلثوم في مطلع حياتها الفنية، ثم أعاد الموسيقار رياض السنباطي تلحينها مرة أخرى لتقدمها كوكب الشرق بصيغتها اللحنية المشهورة أمام الملك فاروق ملك مصر ليلة عيد الفطر في مطلع الأربعينيات من القرن العشرين بعد أن اضافت اسمه إلى النص الجديد وتم منحها في تلك الليلة «وسام الكمال ليصبح لقبها صاحبة العصمة» بسبب أغنية ليلة العيد كما يقال، ولكن تم حذف ذلك المقطع الخاص بالملك فاروق بعد نهاية حكمه مع اللقب الذي منحه لأم كلثوم التي عرَفت في حياتها عدة ألقاب اشهرها: سيدة الغناء العربي، وكوكب الشرق.

يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الأمل فينا يا ليلة العيد

هلالك هل لعينينا، وفرحنا له وغنينا

وقلنا السعد حيجينا، على قدومك ياليلة العيد

وفي الواقع كانت أغنية أم كلثوم أغنية مناسبة لجميع الأعمار الصغار والكبار على حدٍ سوى، وهي لا تزال تتربع على قمة أشهر أغاني العيد، ولكن في مطلع السبعينيات من القرن العشرين قرر الموسيقار المصري جمال سلامة أن يلحن أغنية جديدة للعيد، فطلب من صديقة الشاعر عبدالوهاب محمد أن يكتب له نص أغنية عيد جديدة بحيث تغنيها المطربة المصرية صفاء ابو السعود المشهورة بغنائها أغاني الأطفال، فكانت هذه الأغنية التي نعرفها جميعنا اليوم: «أهلا بالعيد»، والتي لا يمكن أن يمر عيد فطر أو أضحى دون أن تذاع في جميع وسائل الإعلام العربية من بحر عُمان حتى شواطئ المحيط الأطلسي.

أهلا أهلا بالعيد..مرحب مرحب بالعيد

العيد فرحة.. وأجمل فرحة

تجمع شمل قريب وبعيد

سعدنا بيها، بيخليها ذكرى جميلة لبعد العيد

غنوا معايا غنوا.. قولوا معايا قولوا

كتر يا رب في أفراحنا

واطرح فيها البركة وزيد.. جانا العيد أهو جانا العيد

تحية كبيرة لأساتذتنا الموسيقيين المصريين المبدعين دائما، وكل الموسيقيين العُمانيين والعرب والعالم، ولكم أيها القراء الكرام أطيب التحيات.. وكل عام والجميع في سلم وأمان ورخاء وازدهار.

مسلم بن أحمد الكثيري

موسيقي وباحث