بين الأمان الوظيفي والقلق الوظيفي
الاثنين / 16 / رمضان / 1443 هـ - 22:30 - الاثنين 18 أبريل 2022 22:30
الأمان الوظيفي هو شعور العامل أو الموظف أن احتمال فقدانه لعمله أو وظيفته في مؤسسة ما هو احتمال نادر أو ضعيف. وبقدر ما أن الأمان الوظيفي مهم للعامل والموظف، من حيث تأمينه لمستوى معيشته ورفاهه ومستقبله، فإنه كذلك مهم للمؤسسات وأصحاب الأعمال، لأن تدني مستوى الأمان الوظيفي قد يؤدي إلى خسارتهم لذوي المهارات والكفاءات الذين يعملون لديهم. غير أنه يلاحظ أنه في إطار حرص بعض المؤسسات العامة أو الخاصة على خفض التكاليف وترشيد الإنفاق فإنها تلجأ إلى سن لوائح ونظم لا تنسجم مع مبدأ تعزيز الأمان الوظيفي، بل إنها على العكس من ذلك تجعل العامل أو الموظف يشعر بقلق على بقائه في المؤسسة التي يعمل بها. وليس هذا وحسب بل ربما أنها كذلك تشارك في إضعاف قدرة العامل أو الموظف على تكوين أسرة أو على تطوير قدراته وتأمين مستقبله المعيشي، ولذلك آثار اجتماعية وسياسية غير حميدة.
ونظرا لتلك الأهمية المتبادلة والشاملة للأمان الوظيفي فإن الحكومات والأفراد عامة يعملون إلى تعزيزه بوسائل شتى. ويزداد هذا الموضوع أهمية مع تذبذب المعروض من فرص العمل في مقابل تزايد أعداد الباحثين عنها، خاصة مع في فترات تراجع النمو الاقتصادي وما يؤدي إليه من احتمال تسريح أعداد كبيرة من العمال والموظفين من وظائفهم، أو تراجع في فرص العمل المتاحة في الاقتصاد عامة. فعلى مستوى الحكومات تم منذ عدة عقود إصدار القوانين التي تمنع الفصل التعسفي للعمال، بل إن بعض القوانين تجعل منع فصل العامل قاعدة عامة، وفصله من عمله هو استثناء من تلك القاعدة، ولا يتم إلا بسبب مخالفات جسيمة من العامل أو ظروف قاهرة للمؤسسة أو صاحب العمل. أي أن فصل العامل أو تسريحه غير جائز من الناحية القانونية إلا في حالات نادرة. ومن الخطوات الهامة التي اتبعتها عُمان في هذا المجال، إدخال أنظمة التقاعد وتطويرها، بما في ذلك صندوق الأمان الوظيفي، الذي تم إنشاؤه قبل حوالي سنتين. أما على مستوى الأفراد، فإن كثيرا من العمال والموظفين يقومون بتعزيز درجة أمانهم الوظيفي من خلال اكتساب الخبرة على رأس العمل، أو الالتحاق ببرامج تعليمية أو تدريبية لتطوير مهاراتهم وقدراتهم لمواكبة التطور الذي يحصل في المؤسسات التي يعملون بها أو في سوق العمل عامة. كما أن بعضهم قد يجد أمانا وظيفيا أكبر في مواقع أو وظائف أخرى غير التي يعملون بها، فينتقلون إليها. وبالإضافة إلى الدور الذي تلعبه الحكومات والأفراد في تعزيز درجة الأمان الوظيفي، فإن لاتحادات العمال في كثير من البلدان دور مهم في ذلك أيضا، وهي تقوم بذلك من خلال التفاوض مع أصحاب الأعمال للحصول على مزيد الحقوق للعمال، ومطالبة الحكومات بسن التشريعات اللازمة لذلك. كما أن بعض المؤسسات والشركات الكبرى تحرص على الاحتفاظ بذوي المهارات والخبرات من العاملين لديها بتقديم الحوافز المادية والمعنوية التي تجعل العمال يشعرون بالأمان على مستقبلهم الوظيفي فيها.
وفي إطار حرص الحكومة على توفير فرص عمل للموطنين، يتم بين فترة وأخرى الإعلان عن الوظائف التي تتوفر، سواء في أجهزة الدولة أو في الشركات. وفي الآونة الأخيرة أعلنت وزارة العمل عن عدد كبير جدا من فرص العمل في بعض الجهات الحكومية. لكن الملاحظ أنها كانت وظائف بعقود لعدد من ساعات أو أيام العمل، وليست وظائف دائمة. أي أنها من الناحية القانونية تنهي بانقضاء ساعات أو أيام العمل التي يقضيها العامل في تلك الوظيفة المعلن عنها. وفي نفس السياق، عمدت بعض الشركات، بما فيها شركات مملوكة للحكومة، إلى تحديد مدة العقد للوظائف التي يتم التعاقد عليها مع العاملين بسنتين، سواء كانوا من المواطنين أو من غيرهم. وهو ما يعني أن هذه العقود لا تختلف من ناحية الجوهر عن عقود العمل لساعات أو أيام، المشار إليها أعلاه. أي أن التعاقد مع الموظف أو العامل ينتهي، من الناحية القانونية، بانتهاء السنتين المحددتين في العقد، وحتى إن تم تجديد العقد فقد يكون بشروط جديدة.
ورغم أنه قد يكون لهذا النوع من الوظائف والعقود وجاهتها ومبرراتها، وربما هي كذلك مجربة وناجحة في بلدان أخرى، حيث أسواق العمل كبيرة والفرص متعددة، لكنها قد لا تكون كذلك هنا. والسبب فيما نرى أنها ببساطة لا تؤدي إلى الأمان الوظيفي المنشود، بل إنها قد تؤدي إلى ما يمكن وصفه «بالقلق الوظيفي»، لأن العامل أو الموظف سيبقى قلقا على مستقبله المعيشي، وقد لا يستطيع كذلك الاشتراك في أنظمة التقاعد الرسمية. وحتى لو وجد وظيفة مؤقتة أخرى فإنه لا يتمكن بذلك النوع من «الدوران الوظيفي القصير» من التخصص أو تطوير مهارته لوظيفة دائمة قد تسنح في مؤسسة أخرى ليتقدم إليها.
في نظرنا إن العقود المؤقتة التي تقل عن خمس سنوات غير مناسبة في الوقت الحاضر على الأقل، ليس لأنها لا تخدم الاستقرار الوظيفي والنفسي للعامل فقط، ولكن لأنها أيضا تزيد من أعباء الحياة عليه وتعيقه عن تكوين أو إعالة أسرة. ذلك أن غالبية الشباب في بداية حياتهم الوظيفية يحتاجون إلى الاقتراض من البنوك، سواء للزواج وتكوين أو إعالة أسرة، أو لبناء منزل، أو لشراء سيارة، أو غير ذلك من الضروريات. وحيث أن البنوك تطلب ممن يتقدم إليها للاقتراض ضمانات أهمها حصوله على دخل أو أجر مستمر، فإن العمل بعقود لساعات أو أيام، مهما طالت، قد لا تكفي كضمان لموافقة البنك على إعطاء القرض. كما أن «المحظوظين» ممن لديهم عقود عمل لمدة سنتين قد يوافق البنك على تقديم قرض لهم، لكنه قد يطلب منهم ضمانات أخرى غير الراتب، أو أنه قد يزيد عليهم نسبة الفائدة على القرض المطلوب.
لتلك الأسباب نرى أنه من الأنسب لخلق الوظائف وللباحثين عن عمل أن يتم التوظيف في وظائف دائمة، أو لمدة أطول مما بدأ تطبيقه مؤخرا. وإذا كانت الحكومة ليس لديها من الشواغر الوظيفية إلا ما هو لفترات قصيرة جدا، أي لعدد محدود من الساعات أو الأيام، فإنه من الأنسب التعاقد مع مؤسسات تقوم بتوظيف عمانيين بعقود طويلة الأجل، على غرار ما يتم مع الشركة التابعة لصندوق تقاعد شرطة عمان السلطانية، وتقوم تلك المؤسسات بالبحث عن عقود جديدة كلما شارف عقد على الانتهاء، سواء في الحكومة أو في القطاع الخاص. على أن يراعى في ذلك عدم استغلال تلك المؤسسات للعاملين لديها بإعطائهم أجورا أقل بكثير مما يتقاضونه عنهم من الحكومة. ويمكن أن يكون ذلك من خلال تحديد هامش ربح يسمح به للشركة فوق تكلفتها. أما بالنسبة للشركات، بما فيها الشركات التابعة للحكومة، فإن من الأنسب في الوقت الحاضر على الأقل أن لا تكون مدة العقد مع العامل أقل من خمس سنوات. وبذلك يمكن تعزيز الأمان الوظيفي للعامل ليتمكن من ترتيب أموره المعيشية. وفي كل الأحوال، فإن مدة العقد، طويلة كانت أو قصيرة، لا تنفي حق صاحب العمل أو المؤسسة من اتخاذ الإجراء القانوني المناسب، بما ذلك إنها عقد العمل، إذا أخل العامل بواجباته، على قاعدة ضرر ولا ضرار.
عبدالملك الهِنائي باحث في الاقتصاد السياسي
وقضايا التنمية
ونظرا لتلك الأهمية المتبادلة والشاملة للأمان الوظيفي فإن الحكومات والأفراد عامة يعملون إلى تعزيزه بوسائل شتى. ويزداد هذا الموضوع أهمية مع تذبذب المعروض من فرص العمل في مقابل تزايد أعداد الباحثين عنها، خاصة مع في فترات تراجع النمو الاقتصادي وما يؤدي إليه من احتمال تسريح أعداد كبيرة من العمال والموظفين من وظائفهم، أو تراجع في فرص العمل المتاحة في الاقتصاد عامة. فعلى مستوى الحكومات تم منذ عدة عقود إصدار القوانين التي تمنع الفصل التعسفي للعمال، بل إن بعض القوانين تجعل منع فصل العامل قاعدة عامة، وفصله من عمله هو استثناء من تلك القاعدة، ولا يتم إلا بسبب مخالفات جسيمة من العامل أو ظروف قاهرة للمؤسسة أو صاحب العمل. أي أن فصل العامل أو تسريحه غير جائز من الناحية القانونية إلا في حالات نادرة. ومن الخطوات الهامة التي اتبعتها عُمان في هذا المجال، إدخال أنظمة التقاعد وتطويرها، بما في ذلك صندوق الأمان الوظيفي، الذي تم إنشاؤه قبل حوالي سنتين. أما على مستوى الأفراد، فإن كثيرا من العمال والموظفين يقومون بتعزيز درجة أمانهم الوظيفي من خلال اكتساب الخبرة على رأس العمل، أو الالتحاق ببرامج تعليمية أو تدريبية لتطوير مهاراتهم وقدراتهم لمواكبة التطور الذي يحصل في المؤسسات التي يعملون بها أو في سوق العمل عامة. كما أن بعضهم قد يجد أمانا وظيفيا أكبر في مواقع أو وظائف أخرى غير التي يعملون بها، فينتقلون إليها. وبالإضافة إلى الدور الذي تلعبه الحكومات والأفراد في تعزيز درجة الأمان الوظيفي، فإن لاتحادات العمال في كثير من البلدان دور مهم في ذلك أيضا، وهي تقوم بذلك من خلال التفاوض مع أصحاب الأعمال للحصول على مزيد الحقوق للعمال، ومطالبة الحكومات بسن التشريعات اللازمة لذلك. كما أن بعض المؤسسات والشركات الكبرى تحرص على الاحتفاظ بذوي المهارات والخبرات من العاملين لديها بتقديم الحوافز المادية والمعنوية التي تجعل العمال يشعرون بالأمان على مستقبلهم الوظيفي فيها.
وفي إطار حرص الحكومة على توفير فرص عمل للموطنين، يتم بين فترة وأخرى الإعلان عن الوظائف التي تتوفر، سواء في أجهزة الدولة أو في الشركات. وفي الآونة الأخيرة أعلنت وزارة العمل عن عدد كبير جدا من فرص العمل في بعض الجهات الحكومية. لكن الملاحظ أنها كانت وظائف بعقود لعدد من ساعات أو أيام العمل، وليست وظائف دائمة. أي أنها من الناحية القانونية تنهي بانقضاء ساعات أو أيام العمل التي يقضيها العامل في تلك الوظيفة المعلن عنها. وفي نفس السياق، عمدت بعض الشركات، بما فيها شركات مملوكة للحكومة، إلى تحديد مدة العقد للوظائف التي يتم التعاقد عليها مع العاملين بسنتين، سواء كانوا من المواطنين أو من غيرهم. وهو ما يعني أن هذه العقود لا تختلف من ناحية الجوهر عن عقود العمل لساعات أو أيام، المشار إليها أعلاه. أي أن التعاقد مع الموظف أو العامل ينتهي، من الناحية القانونية، بانتهاء السنتين المحددتين في العقد، وحتى إن تم تجديد العقد فقد يكون بشروط جديدة.
ورغم أنه قد يكون لهذا النوع من الوظائف والعقود وجاهتها ومبرراتها، وربما هي كذلك مجربة وناجحة في بلدان أخرى، حيث أسواق العمل كبيرة والفرص متعددة، لكنها قد لا تكون كذلك هنا. والسبب فيما نرى أنها ببساطة لا تؤدي إلى الأمان الوظيفي المنشود، بل إنها قد تؤدي إلى ما يمكن وصفه «بالقلق الوظيفي»، لأن العامل أو الموظف سيبقى قلقا على مستقبله المعيشي، وقد لا يستطيع كذلك الاشتراك في أنظمة التقاعد الرسمية. وحتى لو وجد وظيفة مؤقتة أخرى فإنه لا يتمكن بذلك النوع من «الدوران الوظيفي القصير» من التخصص أو تطوير مهارته لوظيفة دائمة قد تسنح في مؤسسة أخرى ليتقدم إليها.
في نظرنا إن العقود المؤقتة التي تقل عن خمس سنوات غير مناسبة في الوقت الحاضر على الأقل، ليس لأنها لا تخدم الاستقرار الوظيفي والنفسي للعامل فقط، ولكن لأنها أيضا تزيد من أعباء الحياة عليه وتعيقه عن تكوين أو إعالة أسرة. ذلك أن غالبية الشباب في بداية حياتهم الوظيفية يحتاجون إلى الاقتراض من البنوك، سواء للزواج وتكوين أو إعالة أسرة، أو لبناء منزل، أو لشراء سيارة، أو غير ذلك من الضروريات. وحيث أن البنوك تطلب ممن يتقدم إليها للاقتراض ضمانات أهمها حصوله على دخل أو أجر مستمر، فإن العمل بعقود لساعات أو أيام، مهما طالت، قد لا تكفي كضمان لموافقة البنك على إعطاء القرض. كما أن «المحظوظين» ممن لديهم عقود عمل لمدة سنتين قد يوافق البنك على تقديم قرض لهم، لكنه قد يطلب منهم ضمانات أخرى غير الراتب، أو أنه قد يزيد عليهم نسبة الفائدة على القرض المطلوب.
لتلك الأسباب نرى أنه من الأنسب لخلق الوظائف وللباحثين عن عمل أن يتم التوظيف في وظائف دائمة، أو لمدة أطول مما بدأ تطبيقه مؤخرا. وإذا كانت الحكومة ليس لديها من الشواغر الوظيفية إلا ما هو لفترات قصيرة جدا، أي لعدد محدود من الساعات أو الأيام، فإنه من الأنسب التعاقد مع مؤسسات تقوم بتوظيف عمانيين بعقود طويلة الأجل، على غرار ما يتم مع الشركة التابعة لصندوق تقاعد شرطة عمان السلطانية، وتقوم تلك المؤسسات بالبحث عن عقود جديدة كلما شارف عقد على الانتهاء، سواء في الحكومة أو في القطاع الخاص. على أن يراعى في ذلك عدم استغلال تلك المؤسسات للعاملين لديها بإعطائهم أجورا أقل بكثير مما يتقاضونه عنهم من الحكومة. ويمكن أن يكون ذلك من خلال تحديد هامش ربح يسمح به للشركة فوق تكلفتها. أما بالنسبة للشركات، بما فيها الشركات التابعة للحكومة، فإن من الأنسب في الوقت الحاضر على الأقل أن لا تكون مدة العقد مع العامل أقل من خمس سنوات. وبذلك يمكن تعزيز الأمان الوظيفي للعامل ليتمكن من ترتيب أموره المعيشية. وفي كل الأحوال، فإن مدة العقد، طويلة كانت أو قصيرة، لا تنفي حق صاحب العمل أو المؤسسة من اتخاذ الإجراء القانوني المناسب، بما ذلك إنها عقد العمل، إذا أخل العامل بواجباته، على قاعدة ضرر ولا ضرار.
عبدالملك الهِنائي باحث في الاقتصاد السياسي
وقضايا التنمية