أعمدة

غلاء الأسعار وجشع التجار

 
جشع التجار كان التفسير الذي تناقلته العامة حول غلاء الأسعار المتنامي الذي بلغ أوجه هذا العام، وظهر من يدعو إلى مقاطعة بعض المنتجات للحد من هذا الجشع، لكن المشكلة أكبر من التجار بكثير، وقد تفاقمت مع بداية الحرب الروسية-الأوكرانية، والكثيرون ربما استغربوا هذا الهلع حول حرب نحن لسنا طرفا فيها، تقع في قارة تبعدنا عنها آلاف الأميال.

الحقيقة أن التضخم وهو ارتفاع الأسعار قد بدأ قبل الحرب كنتيجة لتداعيات جائحة كورونا التي اجتاحت العالم واستمر تأثيرها طوال العامين المنصرمين، فمن أجل كبح انتشار الجائحة لجأت كثير من الدول إلى فرض إغلاق شبه تام للأنشطة الاقتصادية، وهو ما ترك تأثيره على حجم السلع والمنتجات، وبالتالي أسعارها، ليس في سلطنة عمان فحسب ولكن في كل دول العالم بنسب متفاوتة، الأسعار في الولايات المتحدة التي تعتبر أكبر اقتصاد في العالم زادت في يناير من هذا العام بمعدل 7.2% عن العام المنصرم في أكبر زيادة لها منذ عام 1982 للميلاد.

وعلى الرغم من أن معظم الدول قد بدأت بتخفيف القيود لكن المصانع لم تستطع العودة بكامل طاقتها الاستيعابية بعد، وكذلك قطاعات الشحن من موانئ ومطارات التي تنتقل عبرها السلع والمنتجات من الدول المصدرة إلى الدول المستوردة ومنها سلطنة عمان.

جاءت الحرب لتزيد الطين بلة، في وقت حرج جدا، فروسيا وأوكرانيا معًا يشكلان سلة مهمة للغذاء في العالم، حيث تنتج الدولتان معًا ما يقارب 30% من إنتاج القمح العالمي، و20% من الذرة، و80% من زيت دوار الشمس، كما تعد روسيا أكبر مصدر للأسمدة في العالم، بمعنى أنه حتى لو أرادت الدول الأخرى تعويض نقص الإنتاج من المواد الغذائية الأساسية فإنها ستحتاج إلى الأسمدة من روسيا.

والأهم من كل ذلك أن روسيا هي أكبر مصدر للطاقة في العالم، ونقص الإمداد منها سيرفع سعر الطاقة، وقد يقول قائل بأن هذا أمر حميد لدول مثل سلطنة عمان التي تعتمد على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات، إلا أن ارتفاع سعر الطاقة يقابله ارتفاع في كلفة الإنتاج، وبالتالي ارتفاع في الأسعار للسلع الأخرى التي تستورد.

هذا الارتفاع لن يؤثر فقط علينا كمستهلكين لكنه يلقي بظلاله على المؤسسات خاصة الصغيرة ومتناهية الصغر، التي لجأ إليها الكثير من شبابنا كبديل عن الوظيفة، فهذه المؤسسات مستهلكة أيضا فهي تستورد جميع المواد الأولية إذا كانت مصانع، بكلفة أصبحت تتنامى بشكل كبير، مؤثرة على أداء الشركات المحلية تماما كما هي مؤثرة علينا كمستهلكين.

هذا يعني أن رمضان يأتي هذا العام في ظروف استثنائية، الكثيرون يستقبلونه بالسلوكيات الاستهلاكية ذاتها، رغم أن الأمر يتطلب شيئا من المراجعة، فموضوع غلاء الأسعار سيستمر لفترة لا نعلمها، الحكمة في إدارة المصروفات بأنواعها مهمة في هذه الفترة، كتأجيل الكماليات ما أمكن، وخفض استهلاك الضروريات.