عمان الثقافي

قراءة في تحولات الخطاب الشعري العماني المعاصر

 
يلغي هلال الحجري زمنية الشعر المرتبطة بالفن والجمال فالفن خارج عن الزمن أو المكان وعن التقدم أو التأخر حسب المفهوم التقليدي للنقد

يأخذ التشظي الشعري شكلا آخر يتقاطع فيه مع السرد، وكأننا في الحضور اللغوي أمام ترجمة شعرية

يستفيد النص الشعري في مراحله المتأخرة من عمليات البناء الشعري في المراحل الأولى فهي عملية مستمرة ومتطورة

-أ -

شهدت القصيدة العمانية طوال مراحلها الزمنية مسارات متعددة عملت على تشكيل صورتها الشعرية، وتقديم ملامح عامة للخط الزمني الذي تسير عليه. وفي قراءة عامة للقصيدة الشعرية في عُمان يتّضح أنها قدّمت هوية مشتركة مع القصيدة العربية في تحولاتها الزمنية، كما رسمت هوية أخرى عن المكان الذي تنطلق منه، وعن البيئة الداخلية التي كان الشاعر يصفها. إنهما هويتان مندستان في لغة الخطاب الشعري منذ أقدم نص شعري وصلنا على لسان مالك بن فهم إلى اليوم.

لقد عمدتْ الهوية إلى تأسيس نصوص شعرية ارتبطت بالمكان وبالذات وبالإنسان العماني؛ فما جاءنا عن مالك بن فهم وعن خبر إسلام مازن بن غضوبة والأشعار التي نقلت التاريخ وأخبار الملوك والحروب والصراعات الدائرة في حقب زمنية مختلفة يؤكد أنّ للنص الشعري هوية تأسس عليها، استمدّها من التراث الأدبي، والحياة الاجتماعية والبيئة التي يتفاعل معها، إلا إنّ التغير الذي رافق القصيدة العمانية، سواء في الشكل في أول الأمر ثم في المضامين، أحدث زعزعة في هوية النص، وطرح أسئلة عامة في اتجاهات القصيدة الحديثة، ربما هي الأسئلة ذاتها التي واجهتها القصيدة العربية منذ ظهور قصيدة التفعيلة عند السياب ونازك الملائكة في أربعينيات القرن المنصرم، وظهور قصيدة النثر عند جماعة مجلة شعر في خمسينيات القرن نفسه، وهذه الموضوعات أو الأسئلة المطروحة جاءت مواجِهةَ لتيارات الشعر العربي في مراحله الأخيرة، ومرتبطة بمسألة الموروث العربي والانفصام عنه ومحاولة هدم التراث الشعري، والتأثر بالغرب في بناء النص الشعري الحديث، إضافة إلى إثارة موضوعات مثل الغموض والرمز والتعمية والقناع والأسطورة التي يرى البعض فيها تقنيات بالغ كثير من الشعراء في استخدامها عند التعبير عن معانيهم الشعرية، وكلها أسئلة أحدثت صراعًا جدليًا عميقًا في فلسفة الشعر الحديث.

كما شهدت القصيدة العمانية التحولات ذاتها التي طرأت على القصيدة العربية، سواء في الشكل أو في المضمون، فمنذ أول ظهورٍ لقصيدة التفعيلة عند عبدالله الطائي في ستينيات القرن الماضي، وبعدها قصيدة النثر عند الشعراء الذين عاشوا ودرسوا في الخارج مثل سيف الرحبي وسماء عيسى وزاهر الغافري، إلى التحول في مضامين الشعر ولغته وبنائه، الأمر الذي أعاد فتح أسئلة في ماهية الشعر العماني، وارتباطه بالموروث الشعري، بل وربطه بالدين أحيانا، مما دفع إلى حدوث إشكالاتٍ في تقبّل الحركة الشعرية الجديدة أو رفضها وذلك ظاهر على الأقل عند شاعرين كبيرين لهما حضورهما الشعري في القصيدة العمانية العمودية، أولهما أبو سرور الذي رفض الشعر الحر باعتباره نثرا فنيا لا يرتقي إلى مرتبة الشعر العربي،(1) والآخر هو الشيخ عبدالله بن علي الخليلي الذي ألّف ديوانه (على ركاب الجمهور) على طريقة شعر التفعيلة متأثرا في ذلك بصلاح عبدالصبور كما يقول(2).

لقد أوجدت القصيدة الحديثة نقاشًا طويلًا ومستمرًا إلى يومنا هذا بناء على ظواهر الشعر القديم، وطبيعته، وتكوينه، وسيصبح النقاشُ ظاهرةً صحيةً متى ما رافقه النقد الذي يوجّه الشعر ويُعيد تشكيله؛ إذ إنّ من مهام النقد أن يطرح أسئلته، وينتقل عبر بوابات اللغة إلى الكشف والإيضاح. في المقابل إننا نفتقد إلى حركة نقدية موازية لحركة الشعر الجديدة، ومواكِبةٍ للغتها وأساليبها، ثم إنّ الاكتفاء بآراءٍ نقدية سابقة في زمن شعري منفتح على التحديث والتجريب لا يُقدّم رؤية نقدية واضحة أو مناسبة لمفهوم التحديث والتجديد على الأقل.

-ب -

عندما وضع هلال الحجري كتابه (حداثة الأسلاف) ناقش من خلاله فكرة أنّ لأسلافنا حداثة شعرية، في المضمون على الأقل، تناول فيها أشعار السابقين متمثلا هذه الحداثة بما يتناسب وروح الشعر في تلك الحقب الزمنية بناء على البيئة التي تتحكم في التفكير الجمعي للإنسان. لقد حاول الحجري في نماذج كتابه أن يُلمّح ولو تلميحًا بسيطًا إلى أنّ للأسلاف حداثة سبقونا لها، سواء في المضامين أو في الأفكار أو في اللغة. وهنا تنبني الفكرة على وعي تاريخي وثقافي، وأزمات سابقة اصطدم بها الفكر، والتي كان ينبغي أن تنفتح على الآخر، وتأخذ منه استفادةً واختلافًا، لذا يُعبّر الحجري عن مفهوم الحداثة في كتابه قائلا: «مفهوم الحداثة هنا لا أقصد به المفهوم الغربي العام الذي يلخصه إم إتش أبرامز في معجم المصطلحات الأدبية بأنه قطيعة جذرية ومتعمدة للقواعد التقليدية في الأدب والثقافة الغربية. كلا، لا أقصد به هذا المعنى، وإنما أعني به الحداثة الشعرية التي يمكن أن أُعرّفها بأنها لحظة توتر مع البنى السائدة والمهيمنة في المجتمع، سواء أكانت هذه البنى لغوية أم ثقافية. وفي هذا السياق، أتفق مع أدونيس فيما صاغه في (بيان الحداثة) من أن حداثة النص الشعري «غير متساوقة مع الزمن بالضرورة... وعليه، فإنّ الشاعر العماني الحديث بالنسبة لي قد يكون سليمان بن سليمان النبهاني، أو الستالي، أو الحبسي، وإن عاش هؤلاء في عصور غابرة، ولا أعد الشاعر الحديث سليمان بن خلف الخروصي، أو أبا معاذ، أو سعيد الصقلاوي، وغيرهم ممن عاشوا أو يعيشون في هذا العصر. ومن هنا، فإنّ الشعر لا يستمد حداثته من العصر أو اللحظة الراهنة، ولا تشفع له المواضيع الجديدة بالضرورة في ذلك. فقد يكتب شاعر عن صعود الإنسان إلى القمر ولكن نصه يأتي هزيلًا لا إبداع فيه، والعكس صحيح أيضا؛ إذ قد يكتب شاعر قصيدة عن ركوب ناقة ولكن نصه يأتي طافحا بالجدة والحياة. وثمة قضية أخرى مهمة في مسألة الحداثة الشعرية تتعلق بالشكل. فقصيدة النثر أو قصيدة التفعيلة، رغم الوهم الذي يتعلق به بعض مدعي الحداثة، قد لا تخلقان نصا حداثيا، إذا كان صاحب النص تقليديا في نظرته للكون والحياة، في حين أن القصيدة الموزونة المقفاة قد تمنحنا نصا مشرقا مفعما بالحياة؛ لأن وراءه شاعرا مبدعا يعرف كيف يمتح من ماء الشعر ومعينه». (3)

إنّ الحجري وقبله أدونيس يُلغيان زمنية الشعر المرتبطة بالفن والجمال، فالفن خارج عن الزمن أو المكان، وعن التقدم أو التأخر حسب المفهوم التقليدي للنقد، بل يرتبط الجمال بالرؤية والتأمل والإدهاش الشعري، لذا فإن الكتاب يحاول أن ينفض أفكار الشعر المخبوءة، ويُقدّمها إلى القارئ في محاولة منه لمواكبة حداثة الشعر الممتدة من القديم إلى الآن.

-ج -

لذا فإنّ الشعر ظلّ عصيًا على التعريف، وخارجًا على المألوف في تناوله، تنتابُهُ موجاتُ جنونٍ ومجونٍ، فتصبح المفردة شائكة في تأويلها، ومتداخلة مع الفكر والوجدان والشعور. لقد فهم الشعراء العمانيون المعاصرون تحولات الخطاب الشعري المعاصر، وقرؤوا أساليبه ولغته الشعرية جيدًا فكان أنْ واكبوا المرحلة الشعرية التي يكون عليها النص الشعري الحديث. وبالرجوع إلى نماذج من الشعر العماني المعاصر نكتشف ثورات التجديد في النص الشعري،(4) إنها ثورة مقبولة ما دامت تُكسب النص روحًا جديدة، وتبعث فيه حياة متجددة. لقد أصبح للنص الشعري الحديث شفرةٌ خاصةٌ يشتغل عليها الشاعر، ويُؤَوِّلُها القارئ وصولًا إلى بناء شعري يستمد حيويته من مخيلة الشعر وتأملاته وفضاءاته.

من ذلك، إنّ النص الشعري منذ بدايات تشكُّله كان يأخذ من الشعر روحه وبنائيته المعهودة، إيقاعًا وموسيقا وخيالًا وعاطفةً، لكن تحولات الشعر الحديث دفعت بالنص الشعري في مراحله المتأخرة إلى عمليات التشظي، ويكمن فعل التشظي للنص في تفتيت وتفريق المفردات والمعاني والأشكال بالتداخلات النصية والانفعالات النفسية في اتجاهات مختلفة في النص الواحد؛ إذ يشيرُ كل اتجاه إلى عالم مختلف، وفكرة مختلفة، وهذا بالطبع يتشكَّل بفعل التقاطعات مع النثر واللجوء إلى أساليبه وأفكاره ومعانيه ولغته، كما سيأتي لاحقا عند الحديث عن تقاطع الشعر والنثر.

تميل عزيزة الطائية في مجموعتها الشعرية (نجمة الليل الأخيرة) إلى فعل التشظية، ففي الجزء الذي تعنونه بـ«الليل في رحلته الوحيدة» والمكوَّن من ثلاثين مقطعًا شعريًا متفاوتًا في الطول والأفكار، تعمد الشاعرة إلى تشظية أسطرها الشعرية بما يتلاءم والأفكار التي تطرقها، فتمنح المفردات دلالات أوسع مع فعل التشظي، ويصبح النص بلغته النثرية، ومفرداته، منفتحًا على صُوَرٍ متعددة يدور حولها، محاولًا التعبير بدلالات متفاوتة بين الوصف والتعبير أحيانا، أقف مع أحد مقاطع النص الذي يأخذ القارئ في اتجاهات عدة، عامدًا إلى تشظية الفعل والزمن، وتعدّد الأمكنة، والأصوات والألوان، تقول:

مع نهاية الحصاد في عيون القاطفات

تناسلت الرائحة المتناسلة من الهشيم

وفي لحظة.. تعالي صوت الرعد

غطى الزبد الأبيض تراب الأرض.

استلقت على ظهري فزاعة الجرح

من دم جندي مسافر في العراء

كان محاطًا بذئاب الليل الشرسة

وجثث كائنات تقاد للمجزرة

كفنها الرايات تحت الغافة التي تشبهني.

علقتُ الحبل على غصن

وركنتُ الجرة بماء الدم

لأغفو على الذكريات. (5)

يقودك النص بفعل التشظية إلى غيابات متعددة، ومتاهات حُلمية واسعة، فتتداخل في النص صور الروائح، والأصوات، والألوان، والأمكنة المسكونة بالخوف والموت، والليل بوحشيته، كل ذلك تسلك أسطره الشعرية مسارات مبتعدة في مضمونها، وكأنْ لا رابط يجمع وحدتها، لكن رغم تشظي الأسطر السابقة وغيرها، فإنَّ المقاطع كاملة في تكوينها تلتف مشكّلة بؤرة موضوعية واحدة، وهنا فإننا أمام اتجاهين: اتجاهٍ مقطعي عام، واتجاهٍ أسطري خاص، فتتَّحدُ المقاطع العامة مع بعضا، وتجمع تيه الأسطر الخاصة لتكوّن فكرة واحدة يُعبّر عنها النص في شموليته.

هذا الاشتغال ظاهر في نصوص المجموعة، ويبدو أنّ الشاعرة قصدت فعل التشظي والتفتيت، ولجأت إليه أسلوبًا وتقنية يخدم نمطها الكتابي، وتعبيرها الشعري.

-د -

نجد هذا الاشتغال عند شعراء آخرين، إنه تشظٍ من نوع آخر، يميل إلى محاولة تشظية النص وتمزّقه بين الشعرية والنثرية، وذلك باتجاهين اثنين:

أولهما: انجذاب النص الشعري إلى اللغة النثرية، والافتتان بها، فيصبحُ النص بطيئا في إيقاعه، تستميله مفردات الحياة اليومية، أو التفاصيل الصغيرة للحياة، فيصبح النص حينها موضوعا متشظيا بدلالاته الحركية واللفظية، يقول حسن المطروشي:

هو ليس مكتئبًا تمامًا،

ربما غنّى قليلا،

ربما أسدى لجارته البدينة حانقًا

بعض الشتائمِ،

أو يكون معارضًا

لو لحظة

يهجو الحكومة في الخفاءِ

ويبتسمْ

ولديه للنجوى رفاقٌ خُلّصٌ:

*فأرٌ جريءٌ

غيرُ مكترثٍ بتاتًا

باحتدام مزاجه الليلي،

*أشباحٌ بقاماتٍ طوالٍ

تحرسُ الشُباكَ،

*تلفازٌ مضيءٌ صامتٌ،

*والهاتفُ النقارُ من حينٍ لآخرَ

لا يكف عن الطنينِ:

(رسالةٌ من شاعرٍ قَلِقٍ

يُلمّعُ في مكانٍ ما

مدائحه البليغةَ

في التناسل والكحولِ

وفي منام الأرصفةْ)

يَقِظٌ بما يكفي ليُربكَ عاصفةْ

ورسالةٌ أخرى ترنُّ:

«غدًا ختام الشهر،

هل تنوي المكوثَ لمدة أخرى عزيزي؟»

-طيبٌ هذا المؤجّرُ،

رغم ضيقٍ في الهواء وفي المنامْ

وفي وصولي للكلامْ

لكنه المسكينُ

يمسكني بمعروفٍ،

يسرّحني بإحسانٍ،

ويمنحني الخيارَ

بأنْ أضيق كما بلادٍ

أو أموت بلا صفةْ.(6)

ثانيهما: يعد تشظي الفعل شكلًا متداخلًا بين الشعر والنثر، فيتقاسم النص مقطع شعري تارة وآخر نثري، بما يوحي بانفتاح الشاعر على لغة ممتزجة بالأصوات، والمفردات الدلالية، وهو اشتغال برز في الآونة الأخيرة عند عدد من الشعراء؛ ففي نص (تكوين) لعلي المخمري على سبيل المثال، يظهر فعل التشظي بين النثر والشعر، في الشكل لا أكثر، على أن تبقى اللغة حائرة في مكامنها العذبة، يقول في مقاطع متغايرة شكلًا:

شيء لا يحتمل

أن لا ترى يدا

تلوح للقاء أو فراق...

***

حيثما أينعت ريح

أوقظ حانة

أهز معابد وشوارع وأضواء

كبذرة تُهَوّم في مذراة.

***

لا ورقة في هذا المكان، أستدل بها على ثمار أو معرفة. أتنهد بصبر دون أن يُفتح أمام رغبتي الجلية رجاء، دون أن ينحني غصن مثقل بغنيمة.

احتملتُ كل سخف، لأبعد حد. تهاوت بي طير من شواهق لا مكتشفة. تمثلت شيئا سماويا خاطفا أو تراءَى لي في فسحة تقول: لا يؤمن بفضاء إلا تائه. لا يؤمن بوطن إلا غريب...

***

عيشي مع الأحجيات

وفي سُهاد مواعين موعودة

تركني رقعة

لا تشرف على شيء

أبصرت أديم جوع لا متناه

وجلود متلونة

تدار من جهات مكلومة

في أفق متطاير.

***

الصمت في فضاء حرية موافقة، أما الصمت تحت خيمة قمع فاحتجاج.

أمام مشاهد صلفة، لا يمكنني أن أكون ورعا، بل مرتاعا في شدق العالم. إذ لا يمكنهم سؤالي عن أمانة ما، في أتونٍ خلي من عدالة، أواصل الحياة بِظُرف بالغ وأفيءُ على شمسي بفلذات بانورامية مُعطلة.(7)

في هذه المقاطع ما يجعل فعل التشظي ينزاح مرة إلى الشعر ومرة إلى النثر، لكن في المقاطع النثرية رغم تشظيها في النثر ما يمكن حَمْلُهُ إلى الشعر، فلو أراد الشاعر تشظية النصوص من شكلها النثري إلى الشكل الشعري فإن اللغة تحتمل ذلك، والعكس لو أراد تشظيتها للنثر، لذا فإنّ المخمري يجعل من اللغة وعاء يفيض إلى الشكلين معا، فلا يمكن للغة هنا أن تخونه في حضورها الإبداعي.

-هـ -

عطفا على السابق فإن التشظي الشعري قد يأخذ شكلا آخر، يتقاطع فيه مع السرد، وكأننا في الحضور اللغوي أمام ترجمة شعرية، وهو شكل ربما أفرزتْهُ الثقافات الأخرى في حضورها التكويني عند الشاعر، وهو شكل يُحيل على هُوياتٍ متداخلة في النص الحديث، أقف على نص لزاهر الغافري إذ يقول:

في أوائل الستينات بعد أن خضنا بحارًا ومحيطات

وتوقفنا في أكثر من ميناء

والسفن الكبيرة تملأ الآفاق بالصخب

حتى وصلنا إلى الهند

يا لهذه القارة ذات المنعطفات الكبيرة

والأبقار المقدسة

والأفيال وهي تنام ضاحكةً

وتلك النقطة، خصوصًا،

تلك النقطة الحمراء في جبين المرأة والرجل

وأبي يدير تجارته من البن والقرنفل

وأشياء أخرى

هو الذي خرج من عُمان 1915

يا لذلك الزمن

عندما ذهب أبي

واشترى لي البدلة البيضاء والقبعة

وقال لي

أنت منذ الآن قائد السفينة. (8)

هنا يتشظى النص من كونه نصًا شعريًا إلى كونه نصًا سرديًا في عناصره الردية، لا يربطه بعالم الشعر إلا الشكل والإيقاع، فيصبح التمازج شاهدًا على تلاقي الشعر بالنثر، والانسجام والانصهار في جنس واحد.

-و -

في النماذج أعلاه ما يدلُّ على تحولات الخطاب الشعري المعاصر في المشهد الشعري العماني، والانتقال بلغة الشعر من صيغة لأخرى، وهي زاوية واحدة يمكن النظر من خلالها إلى تحولات الشعر، كما يمكن قراءة النص الشعري من زوايا أخرى تُشيرُ إلى مفهوم التحول الحديث للنص الشعري والتعاطي معه، إلا إنّ المتأمل في صيرورة النص الشعري في مراحله المتأخرة يُدركُ مدى الاستفادة من عمليات البناء الشعري في المراحل الأولى، فهي عملية مستمرة ومتطورة في عالم التحديث الشعري، والتأسيس لمفهوم شعري جديد.

الهوامش:

(1)شبر بن شرف الموسوي، اتجاهات الشعر العماني المعاصر، ص45

(2)انظر مقدمة ديوان على ركاب الجمهور لعبدالله الخليلي، ص22

(3)هلال الحجري، حداثة الأسلاف: إضاءات من الشعر العماني القديم، ص14

(4)هناك نماذج شعرية عمانية عدة في الموضوع ذاته، لكنني سأكتفي بما ورد أعلاه مخافة الإطالة.

(5)عزيزة الطائي، نجمة الليل الأخيرة، ص55

(6)حسن المطروشي، مكتفيًا بالليل، ص13

(7)خالد علي المعمري، أصافح الغيم، ص142

(8)زاهر الغافري، في كل أرض بئر تحلم بالحديقة، ص57

خالد المعمري كاتب وشاعر عماني