نوافذ .. صناعة أم دكاكين!
الاحد / 11 / رجب / 1443 هـ - 18:34 - الاحد 13 فبراير 2022 18:34
لا يثق بعض الكتاب العُمانيين -إلى حد قريب- بدُور النشر المحلية التي بدأت تتكاثر مؤخرا على استحياء، فنجدهم أكثر ميلًا لدور النشر العربية، التي تُنقذهم من هيمنة الرقيب المحلي، وتُؤمن لهم الانتشار المأمول والوصول إلى مكتبات مرموقة، وبالتالي إلى شريحة قراء أكبر مما قد يفعل ناشر عُماني مُكبل بالقيود!
لا نستطيع حتى اللحظة الادعاء بوجود صناعة نشر حقيقية، أعني تلك التي تتحقق في دورة حياة طويلة نسبيا، ومُنظمة بين كاتب ورقيب وناشر ومُوزع، فهذه الأدوار لا تزال متداخلة ومتشابكة وبعضها مُعطل، وحتى وإن تحققت إنجازات ملموسة على حيز القانون الذي قد يُنظم هذه العملية، فإنّ الفيصل الحقيقي يكمن دومًا في ممارسة القانون لا في نضد الكلمات الرنانة.
نجد الازدواجية فاقعة عندما لا تتمكن دار نشر عُمانية من أخذ إجازة نشر لأسباب رقابية، ولكن المخطوط نفسه يُنشر في دار نشر عربية دون تدخل في المحتوى، ثمّ يعود الكتاب ذاته ليدخل البلد ومكتباته ومعارضه بشكل عادي، الأمر الذي يجعلنا نستفهم حول مكْمن حُرمة المنع؟
فلا يزال دور الرقيب مضطربا وعشوائيا، فما يقبله موظف الرقابة اليوم قد يرفضه آخر بعد حين، لأسباب تتعلق بعدم الفهم أحيانا، أو لتداخل الخطوط الحمر، ومخاوف من اللوم الذي سيأتي، حيث يتصدى لهذه المهمة موظف قد تُشكل بعض الكتابات على فهمه، فكلما اصطاد تابوها من التابوهات وجد نفسه قلقًا، ولنا أن نعذره أكثر من أن نلومه.
الازدواجية تبدو أكثر رعبًا عندما تُسحب كتب عُمانية من المعرض أو المكتبات، بينما تُباح كُتبٌ عربية ومُترجمة تتحلى بتلك الأسباب بدرجة لا تخطئها عين، وكأننا نكيل بمكيالين!
وأتساءل حقا: لماذا لا تُشكل لجنة استشارية من كُتاب وباحثين ومُطلعين، ليكونوا كصفٍ ثانٍ ومعاونٍ لرقابة الكتب، من أجل أن توضع معايير أكثر إنصافا في عملية المنع إن كان ذلك مُلحا.
لقد كان نجيب محفوظ موظف رقابة يومًا ما، وقد وُصف بأنّه الرقيب الفطن، «احترمه الكُل، سواء ممثلي السلطة أو المبدعين، ولم يكُن صداميًا بطبعه»، وهذا ما يفعله المستنير، فقد كان يُمايز بين دوره ككاتب روائي وبين دوره كرقيب.
دعونا نقول بصراحة أكبر: صناعة النشر مضروبة في جذرها الأول، فدور النشر العُمانية على قلّتها تميل في غالبها لنشر كتبها خارج البلاد، فالأسعار ونوع الورق والخبرة في التغليف، تجعلهم ينتصرون للطباعة في الخارج رغم ما يتكبدونه من مشقة في إرسال النسخ عبر رحلات طويلة بالجو أو البحر، لكنها تبدو مهمة أقلّ مشقة -من وجهة نظرهم- من المجازفة بالطباعة في الداخل بمواصفات أقلّ جودة! فأغلب المطابع لدينا هي دكاكين متواضعة، لكن ما نستطيع أن نُطلق عليه «مطبعة» بمواصفات حقيقية، قد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة!
ولا نعرف على وجه الدقة إن كانت هنالك إحصائيات دقيقة تُطلعنا على معدلات النشر السنوي في عُمان وكم تُشكل من خريطة النشر العربي، فصناعة النشر قد يُراهن عليها اقتصاديا، ولكنها قطاع غض في بلدنا.
الأرقام التي تنشر في الصحف من حين لآخر تشيرُ إلى حراك ملحوظ، إلا أنّ السؤال: هل تقوم هذه الدور بالنشر للكُتاب لأسباب تتعلق بجودة المحتوى أم لأنّهم يدفعون المال ليصبحوا كُتابا؟
أمّا قصّة أن يكون في حسابك مائة ألف ريال عُماني لكي تبدأ في إنشاء دار نشر، فهي أول العراقيل التي تُجابه دور النشر، فهل هي مكابح ضد النشر؟ هل لجعل صناعة النشر مُحتكرة بيد القلّة القليلة من المستثمرين؟ أهو الخوف من أن يصبح العرض أكثر من الطلب؟ أم خوفا من حالة الفوضى؟
أعجبني تشبيه أحد أصحاب دور النشر: «لنعتبر الأمر مثل رخصة القيادة، تُعطى لمن يرغب فيها، وتسحب ما إن تُرتكب مُخالفة جسيمة».
هنالك دور نشر عُمانية جديدة تُحاول بجدية أن تلتحق بصناعة النشر، بمواصفات تستحق الاحترام، ولكن ليس من السهل أن تقوم للنشر قائمة في عُمان دون أن يكون هنالك تبنٍ داعم وحقيقي، وتنظيم لهذه العملية، رفقة جرعة من الحرية.
لا نستطيع حتى اللحظة الادعاء بوجود صناعة نشر حقيقية، أعني تلك التي تتحقق في دورة حياة طويلة نسبيا، ومُنظمة بين كاتب ورقيب وناشر ومُوزع، فهذه الأدوار لا تزال متداخلة ومتشابكة وبعضها مُعطل، وحتى وإن تحققت إنجازات ملموسة على حيز القانون الذي قد يُنظم هذه العملية، فإنّ الفيصل الحقيقي يكمن دومًا في ممارسة القانون لا في نضد الكلمات الرنانة.
نجد الازدواجية فاقعة عندما لا تتمكن دار نشر عُمانية من أخذ إجازة نشر لأسباب رقابية، ولكن المخطوط نفسه يُنشر في دار نشر عربية دون تدخل في المحتوى، ثمّ يعود الكتاب ذاته ليدخل البلد ومكتباته ومعارضه بشكل عادي، الأمر الذي يجعلنا نستفهم حول مكْمن حُرمة المنع؟
فلا يزال دور الرقيب مضطربا وعشوائيا، فما يقبله موظف الرقابة اليوم قد يرفضه آخر بعد حين، لأسباب تتعلق بعدم الفهم أحيانا، أو لتداخل الخطوط الحمر، ومخاوف من اللوم الذي سيأتي، حيث يتصدى لهذه المهمة موظف قد تُشكل بعض الكتابات على فهمه، فكلما اصطاد تابوها من التابوهات وجد نفسه قلقًا، ولنا أن نعذره أكثر من أن نلومه.
الازدواجية تبدو أكثر رعبًا عندما تُسحب كتب عُمانية من المعرض أو المكتبات، بينما تُباح كُتبٌ عربية ومُترجمة تتحلى بتلك الأسباب بدرجة لا تخطئها عين، وكأننا نكيل بمكيالين!
وأتساءل حقا: لماذا لا تُشكل لجنة استشارية من كُتاب وباحثين ومُطلعين، ليكونوا كصفٍ ثانٍ ومعاونٍ لرقابة الكتب، من أجل أن توضع معايير أكثر إنصافا في عملية المنع إن كان ذلك مُلحا.
لقد كان نجيب محفوظ موظف رقابة يومًا ما، وقد وُصف بأنّه الرقيب الفطن، «احترمه الكُل، سواء ممثلي السلطة أو المبدعين، ولم يكُن صداميًا بطبعه»، وهذا ما يفعله المستنير، فقد كان يُمايز بين دوره ككاتب روائي وبين دوره كرقيب.
دعونا نقول بصراحة أكبر: صناعة النشر مضروبة في جذرها الأول، فدور النشر العُمانية على قلّتها تميل في غالبها لنشر كتبها خارج البلاد، فالأسعار ونوع الورق والخبرة في التغليف، تجعلهم ينتصرون للطباعة في الخارج رغم ما يتكبدونه من مشقة في إرسال النسخ عبر رحلات طويلة بالجو أو البحر، لكنها تبدو مهمة أقلّ مشقة -من وجهة نظرهم- من المجازفة بالطباعة في الداخل بمواصفات أقلّ جودة! فأغلب المطابع لدينا هي دكاكين متواضعة، لكن ما نستطيع أن نُطلق عليه «مطبعة» بمواصفات حقيقية، قد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة!
ولا نعرف على وجه الدقة إن كانت هنالك إحصائيات دقيقة تُطلعنا على معدلات النشر السنوي في عُمان وكم تُشكل من خريطة النشر العربي، فصناعة النشر قد يُراهن عليها اقتصاديا، ولكنها قطاع غض في بلدنا.
الأرقام التي تنشر في الصحف من حين لآخر تشيرُ إلى حراك ملحوظ، إلا أنّ السؤال: هل تقوم هذه الدور بالنشر للكُتاب لأسباب تتعلق بجودة المحتوى أم لأنّهم يدفعون المال ليصبحوا كُتابا؟
أمّا قصّة أن يكون في حسابك مائة ألف ريال عُماني لكي تبدأ في إنشاء دار نشر، فهي أول العراقيل التي تُجابه دور النشر، فهل هي مكابح ضد النشر؟ هل لجعل صناعة النشر مُحتكرة بيد القلّة القليلة من المستثمرين؟ أهو الخوف من أن يصبح العرض أكثر من الطلب؟ أم خوفا من حالة الفوضى؟
أعجبني تشبيه أحد أصحاب دور النشر: «لنعتبر الأمر مثل رخصة القيادة، تُعطى لمن يرغب فيها، وتسحب ما إن تُرتكب مُخالفة جسيمة».
هنالك دور نشر عُمانية جديدة تُحاول بجدية أن تلتحق بصناعة النشر، بمواصفات تستحق الاحترام، ولكن ليس من السهل أن تقوم للنشر قائمة في عُمان دون أن يكون هنالك تبنٍ داعم وحقيقي، وتنظيم لهذه العملية، رفقة جرعة من الحرية.