يوميات سورية 44
السبت / 10 / رجب / 1443 هـ - 19:34 - السبت 12 فبراير 2022 19:34
ـ1ـ
في الطائرة من تونس إلى الجزائر فدمشق...مررنا بمطبات هوائية جعلت فناجين وكاسات العصير تتراقص وتبللنا. كانت الطائرة ريشة في مهب الريح. إلى جواري صديق طويل جداً ورياضي ووسيم وخفيف الظل. فجأة رأيت رجلاً يرتعد، ويشحب وتصدر عنه همهمة الرجاء والضراعة. تلفت إليّ وشفتاه ترتجفان: شوهاد؟ قلت له مبتسماً: بعد قليل تعقل الطائرة ولا داعي للخوف. قال: لا يبدو عليك الخوف. قلت له: أنا كان عندي زمان جهاز خوف، وفي يوم كارثي، في مواجهة الموت، تعطل جهازي.
عادت الطائرة إلى التخبط. والتفت إلي وكأنني أنا الطيار قلت له: أنا أستغرب لماذا أنت خائف و...الطائرة ليست لنا.
ضحك صديقي أصفى ضحكة من القلب. فقد جاءت المزحة في لحظة استقرار الطائرة في الهواء الرحيم.
ـ 2 ـ
.... كنت أزور صديقاً في المستشفى الوطني في مدينة اللاذقية. في الغرفة كان هناك رجل أزرق الوجه. محتقن ويده متصلة بأنابيب السيروم. كأنني أعرف هذا الوجه. كان صديقي العملاق حسين، الذي لم أره منذ ربع قرن، قال الطبيب وهو يتفقده:
الموت يتحاشى هذا الرجل. رجل سقط من عمود كهرباء مصعوقاً ولا يموت. قلت: حسناً طوال حياته مخصص لطرق الحياة الوعرة.
بدأنا حديثاً طويلاً. بدأ الحديث مستخدماً ما كان يسميه 'جملتي الذهبية': طريق الثروة مفروش بفقر لا شفاء منه'.
وكان ردي بما كنت اسميها 'الجملة البرونزية':
'عمر الحب طوال مدة التحمل'.
ـ 3 ـ
لدى كل مجتمع بلاء من نوع 'المركيز دي ساد 'لا يجد لذته إلا بتعذيب الآخرين. ومن اسمه جاء مصطلح السادية. وهي اندفاع قهري لتحقيق اللذة بهذه الطريقة... التعذيب.
وأفضل من كتب نصاً عبّر فيه عن السادية هو الماركيز دي ساد نفسه:
'إنني أمقت الطبيعة، وأود لو أفسد عليها مخططاتها، لو أعاكس سيرها، لو أوقف دوران الكواكب، لو أنشر البلبلة في الأفلاك السابحة في الفضاء، لو أحطم ما يفيدها، وأحمي ما يؤذيها. وبكلمة موجزة: أتمنى أن أهينها في أعمالها...
ولكنني لا أستطيع النجاح في هذه المهمة'.
ـ 4 ـ
هذه قصيدة قديمة، ما زلت أحبها:
لولاك أيها الكائن الأبيض الصامت.
أيها العاري، وفي صدرك مسماران لقميصي ومفاتيحي.
أيها الذي يحمي ظهري من البرد، والذي يستر فكرة الرحيل عن ترددي...
لولاك أيها الأخ الصامد في وجه الرياح... كنت أكثر حزناً، أكثر خوفا.
لولاك أيها الأخ الأبيض الشاسع الخالد الصامت في بيتي...
لولاك... أيها الجدار.
ـ 5 ـ
في الحكاية المسمارية الكاريكاتورية، التي أحسن تصويرها في فيلم سينمائي قصير، المخرج السوري 'موفق قات':
يتقاتل جيشان من المسامير، بادئين بالمبارزات الفردية ثم المناوشات بالكتائب، ثم جيش لجيش، وفي معركة مسامير طاحنة يموت المساريون جميعاً ويسود الصمت على مسرح المعركة حيث تتكدس أكوام المسامير القتلى.
وفجأة ...يأتي من جهة اليمين مسمار كبير، ومن الجهة الأخرى يأتي مسمار كبير...
ويتصافحان.
ـ 6 ـ
من دفتر قديم:
من قاس جودك يوماً بالسحب أخطأ مدحك
فالسحب تعط وتبكي وأنت تعطي وتضحك
في الطائرة من تونس إلى الجزائر فدمشق...مررنا بمطبات هوائية جعلت فناجين وكاسات العصير تتراقص وتبللنا. كانت الطائرة ريشة في مهب الريح. إلى جواري صديق طويل جداً ورياضي ووسيم وخفيف الظل. فجأة رأيت رجلاً يرتعد، ويشحب وتصدر عنه همهمة الرجاء والضراعة. تلفت إليّ وشفتاه ترتجفان: شوهاد؟ قلت له مبتسماً: بعد قليل تعقل الطائرة ولا داعي للخوف. قال: لا يبدو عليك الخوف. قلت له: أنا كان عندي زمان جهاز خوف، وفي يوم كارثي، في مواجهة الموت، تعطل جهازي.
عادت الطائرة إلى التخبط. والتفت إلي وكأنني أنا الطيار قلت له: أنا أستغرب لماذا أنت خائف و...الطائرة ليست لنا.
ضحك صديقي أصفى ضحكة من القلب. فقد جاءت المزحة في لحظة استقرار الطائرة في الهواء الرحيم.
ـ 2 ـ
.... كنت أزور صديقاً في المستشفى الوطني في مدينة اللاذقية. في الغرفة كان هناك رجل أزرق الوجه. محتقن ويده متصلة بأنابيب السيروم. كأنني أعرف هذا الوجه. كان صديقي العملاق حسين، الذي لم أره منذ ربع قرن، قال الطبيب وهو يتفقده:
الموت يتحاشى هذا الرجل. رجل سقط من عمود كهرباء مصعوقاً ولا يموت. قلت: حسناً طوال حياته مخصص لطرق الحياة الوعرة.
بدأنا حديثاً طويلاً. بدأ الحديث مستخدماً ما كان يسميه 'جملتي الذهبية': طريق الثروة مفروش بفقر لا شفاء منه'.
وكان ردي بما كنت اسميها 'الجملة البرونزية':
'عمر الحب طوال مدة التحمل'.
ـ 3 ـ
لدى كل مجتمع بلاء من نوع 'المركيز دي ساد 'لا يجد لذته إلا بتعذيب الآخرين. ومن اسمه جاء مصطلح السادية. وهي اندفاع قهري لتحقيق اللذة بهذه الطريقة... التعذيب.
وأفضل من كتب نصاً عبّر فيه عن السادية هو الماركيز دي ساد نفسه:
'إنني أمقت الطبيعة، وأود لو أفسد عليها مخططاتها، لو أعاكس سيرها، لو أوقف دوران الكواكب، لو أنشر البلبلة في الأفلاك السابحة في الفضاء، لو أحطم ما يفيدها، وأحمي ما يؤذيها. وبكلمة موجزة: أتمنى أن أهينها في أعمالها...
ولكنني لا أستطيع النجاح في هذه المهمة'.
ـ 4 ـ
هذه قصيدة قديمة، ما زلت أحبها:
لولاك أيها الكائن الأبيض الصامت.
أيها العاري، وفي صدرك مسماران لقميصي ومفاتيحي.
أيها الذي يحمي ظهري من البرد، والذي يستر فكرة الرحيل عن ترددي...
لولاك أيها الأخ الصامد في وجه الرياح... كنت أكثر حزناً، أكثر خوفا.
لولاك أيها الأخ الأبيض الشاسع الخالد الصامت في بيتي...
لولاك... أيها الجدار.
ـ 5 ـ
في الحكاية المسمارية الكاريكاتورية، التي أحسن تصويرها في فيلم سينمائي قصير، المخرج السوري 'موفق قات':
يتقاتل جيشان من المسامير، بادئين بالمبارزات الفردية ثم المناوشات بالكتائب، ثم جيش لجيش، وفي معركة مسامير طاحنة يموت المساريون جميعاً ويسود الصمت على مسرح المعركة حيث تتكدس أكوام المسامير القتلى.
وفجأة ...يأتي من جهة اليمين مسمار كبير، ومن الجهة الأخرى يأتي مسمار كبير...
ويتصافحان.
ـ 6 ـ
من دفتر قديم:
من قاس جودك يوماً بالسحب أخطأ مدحك
فالسحب تعط وتبكي وأنت تعطي وتضحك