«هذا لم يحدث أبدا»!
الاحد / 1 / ربيع الثاني / 1443 هـ - 20:32 - الاحد 7 نوفمبر 2021 20:32
أيقظتني في ساعة متأخرة من الليل، قمتُ فزعة، فطرحتْ عليّ السؤال الأكثر رعبا، «عن موقع دورة المياه»! كان عليّ أن أبقى غير مُصدقة لنصف دقيقة، فكيف يمكن لتلك المرأة التي تنشدُ الشِعر العامّي، المحفوظ أو المرتجل، والتي تزورنا وتبيتُ عندنا منذ أن فتحنا أعيننا على الحياة، كيف لها أن تُكابد محنة الشك والآلام في عمرٍ باكرٍ كهذا، كيف لجسدها الذي يتمتع بالحيوية وعقلها الذي يشع بالذكاء أن يخذلانها على هذا النحو!
تقول الحكمة: «لن تشعر بما يمرُّ به الآخرون حتى تمرّ به»، أو على الأقل حتى تشاهده في السينما، فلا شيء كالأفلام يمكنه أن يُعيد فهم الحياة وتفسيرها على نحوٍ موازٍ، فالسينما تخلقُ عوالمها وتشابكاتها بطريقة مُذهلة.
ذكرني فيلم the father، الذي شاهدته مؤخرا، بـ«سيدة الشِعر»، حيثُ يجازفُ المخرج بإدخالنا إلى عقل أنتوني هوبكنز، عوض أن يتركنا ننظر إليه بشفقة من الخارج.. يجعلنا نعلقُ في صميم مخاوفه، في تلافيف غامضة من صنع الخرف!
لم يكن «أنتوني» رجلا مُنهارا فوق سرير، كان يتمتع بشخصية قوية، مستغنيا عن رعاية الآخرين. نُصدقُ في البداية بوجود خدعة نقع فيها جميعا، لكنها ليست أكثر من خدعة عقلٍ مُصابٍ بالـ الزهايمر! فهنالك من سيجعلنا نستيقظ بعد كل صدمة ليقول: «هذا لم يحدث أبدا»!
نكابدُ الشك، و«أنتوني» يفتح النافذة ويُغلقها ليتأكد من موقعه من هذا العالم. فإن لم يخذلك جسدك وحركتك، فقد يخذلك عقلك. عقلك الذي سيجعل الصور تتناسل من مكان خفي!
اللحظة التي خبط فيها «أنتوني» الهواء بيديه باكيا كطفل يريد أمّه لكي يشعر بالأمان، ذكرني بـ«سيدة الشِعر»، التي بكت هي الأخرى بصورة هستيرية عندما أخبرناها بأنّ أمّها ماتت، بدا وقع الخبر عليها كأنّ أمّها ماتت للتو، بينما مرّ وقت طويل على حادثة الوفاة. تبدى لي وكأنّ مرضى الزهايمر، يُكابدون الحزن بصورة مُضاعفة ومتكررة!
تمتعتْ «سيدة الشِعر» بقوة استثنائية في إدارة ظروف حياتها، الأمر الذي جعلها مؤثرة بصورة خاصّة في حياتي، لكنها لم تكن مُدركة للفوضى التي ملأتْ رأسها. تنسى طبخة على النار، أو تخرج من البيت فلا تتذكر طريق العودة. الأكثر إيلاما بالنسبة لي أن تنسى الشِعر والقصص والأمثال التي كانت تملأ بها بيتنا، والتي عاهدتُ نفسي على أن ألاحقها لأسجلها في دفتري، لكن قوة ظلامية باكرة، أخفتْ عقلها وذكرياته وحبسته في بئر بعيد، فانطفأت بهجتها وضجيجها وضوء عينيها.
«أليس» في فيلم Still Alice ، كانت على نقيضها- تدركه وتعيه كوحش يدخل رأسها، ولذا سجلتْ كل معلوماتها على هاتفها، كما سجلتْ فيديو يُذكرها بكيفية الانتحار في لحظة اليأس النهائية، لكن قوتها، لم تكن شيئا يذكر إزاء قدرته على طمس كل شيء، فقد غلبها وتغذى على ذكرياتها. يُرينا الفيلم التحول اليائس لامرأة، من مكانة علمية مرموقة لكائن بدائي، تنسى حتى كيف ترتدي ثيابها. حنينٌ طفولي دفعني لتذكر «أليس في بلاد العجائب»، الفتاة التي تمضي خلال صور مخيلتها، فترى ما لا يراه الآخرون!
تستيقظ «سيدة الشِعر» في رأسي، كلّما أعدتُ مشاهدة فيلم The NoteBook، المأخوذ من رواية نيكولاس سباركس، حيث تظهر لنا «آلي» هادئة في دار العجزة، بينما يُحاول الرجل العجوز «نوح»، أن يقرأ لها من دفتر مذكرات، قصّة حبّ بين عاشقين، راغبا في تحريض مشاعرها على تذكر حياتهما معا، عبر القصّة التي تخصهما، مُتابعا كل انفعالاتها، ورغم أنّ الطبيب ينفي إمكانية استيقاظ الذكريات، إلا أنّ «نوح» يستعيد قصيدة لـ والت ويتمان عن الجسد والشيخوخة والبرودة، فيمكن لكل هذا أن يتلاشى بقوة الحب.. تبدو «آلي» صافية الذهن أحيانا، وفي أحايين أخرى مذعورة دون أن يعي أحدٌ مصدر آلامها.
كنتُ أتساءل وقتها: «ماذا لو أنّي سجلتُ أشعار قريبتي وأنشدتها لها قرب سريرها في المستشفى، هل كان ثمّة ما سيتغير في الذاكرة المُحتالة»؟
هكذا أتذكرُ «سيدة الشِعر» بكثافة، بشعورٍ فائضٍ بالذنب، ربّما لأنّها عبرت حياتي دون فهمٍ كافٍ!
تقول الحكمة: «لن تشعر بما يمرُّ به الآخرون حتى تمرّ به»، أو على الأقل حتى تشاهده في السينما، فلا شيء كالأفلام يمكنه أن يُعيد فهم الحياة وتفسيرها على نحوٍ موازٍ، فالسينما تخلقُ عوالمها وتشابكاتها بطريقة مُذهلة.
ذكرني فيلم the father، الذي شاهدته مؤخرا، بـ«سيدة الشِعر»، حيثُ يجازفُ المخرج بإدخالنا إلى عقل أنتوني هوبكنز، عوض أن يتركنا ننظر إليه بشفقة من الخارج.. يجعلنا نعلقُ في صميم مخاوفه، في تلافيف غامضة من صنع الخرف!
لم يكن «أنتوني» رجلا مُنهارا فوق سرير، كان يتمتع بشخصية قوية، مستغنيا عن رعاية الآخرين. نُصدقُ في البداية بوجود خدعة نقع فيها جميعا، لكنها ليست أكثر من خدعة عقلٍ مُصابٍ بالـ الزهايمر! فهنالك من سيجعلنا نستيقظ بعد كل صدمة ليقول: «هذا لم يحدث أبدا»!
نكابدُ الشك، و«أنتوني» يفتح النافذة ويُغلقها ليتأكد من موقعه من هذا العالم. فإن لم يخذلك جسدك وحركتك، فقد يخذلك عقلك. عقلك الذي سيجعل الصور تتناسل من مكان خفي!
اللحظة التي خبط فيها «أنتوني» الهواء بيديه باكيا كطفل يريد أمّه لكي يشعر بالأمان، ذكرني بـ«سيدة الشِعر»، التي بكت هي الأخرى بصورة هستيرية عندما أخبرناها بأنّ أمّها ماتت، بدا وقع الخبر عليها كأنّ أمّها ماتت للتو، بينما مرّ وقت طويل على حادثة الوفاة. تبدى لي وكأنّ مرضى الزهايمر، يُكابدون الحزن بصورة مُضاعفة ومتكررة!
تمتعتْ «سيدة الشِعر» بقوة استثنائية في إدارة ظروف حياتها، الأمر الذي جعلها مؤثرة بصورة خاصّة في حياتي، لكنها لم تكن مُدركة للفوضى التي ملأتْ رأسها. تنسى طبخة على النار، أو تخرج من البيت فلا تتذكر طريق العودة. الأكثر إيلاما بالنسبة لي أن تنسى الشِعر والقصص والأمثال التي كانت تملأ بها بيتنا، والتي عاهدتُ نفسي على أن ألاحقها لأسجلها في دفتري، لكن قوة ظلامية باكرة، أخفتْ عقلها وذكرياته وحبسته في بئر بعيد، فانطفأت بهجتها وضجيجها وضوء عينيها.
«أليس» في فيلم Still Alice ، كانت على نقيضها- تدركه وتعيه كوحش يدخل رأسها، ولذا سجلتْ كل معلوماتها على هاتفها، كما سجلتْ فيديو يُذكرها بكيفية الانتحار في لحظة اليأس النهائية، لكن قوتها، لم تكن شيئا يذكر إزاء قدرته على طمس كل شيء، فقد غلبها وتغذى على ذكرياتها. يُرينا الفيلم التحول اليائس لامرأة، من مكانة علمية مرموقة لكائن بدائي، تنسى حتى كيف ترتدي ثيابها. حنينٌ طفولي دفعني لتذكر «أليس في بلاد العجائب»، الفتاة التي تمضي خلال صور مخيلتها، فترى ما لا يراه الآخرون!
تستيقظ «سيدة الشِعر» في رأسي، كلّما أعدتُ مشاهدة فيلم The NoteBook، المأخوذ من رواية نيكولاس سباركس، حيث تظهر لنا «آلي» هادئة في دار العجزة، بينما يُحاول الرجل العجوز «نوح»، أن يقرأ لها من دفتر مذكرات، قصّة حبّ بين عاشقين، راغبا في تحريض مشاعرها على تذكر حياتهما معا، عبر القصّة التي تخصهما، مُتابعا كل انفعالاتها، ورغم أنّ الطبيب ينفي إمكانية استيقاظ الذكريات، إلا أنّ «نوح» يستعيد قصيدة لـ والت ويتمان عن الجسد والشيخوخة والبرودة، فيمكن لكل هذا أن يتلاشى بقوة الحب.. تبدو «آلي» صافية الذهن أحيانا، وفي أحايين أخرى مذعورة دون أن يعي أحدٌ مصدر آلامها.
كنتُ أتساءل وقتها: «ماذا لو أنّي سجلتُ أشعار قريبتي وأنشدتها لها قرب سريرها في المستشفى، هل كان ثمّة ما سيتغير في الذاكرة المُحتالة»؟
هكذا أتذكرُ «سيدة الشِعر» بكثافة، بشعورٍ فائضٍ بالذنب، ربّما لأنّها عبرت حياتي دون فهمٍ كافٍ!