الشيخ كهلان الخروصي: العمـــلات الـــرقمــية المشفـــرة لا يصدق عليها الوصف الشرعي للأثمانتفتقر للذيوع والانتشار.. ولا تصدرها سلطة معينة.. وقيمتها سريعة التغير
بحديثه عن فقه العملات الرقمية في سؤال «أهل الذكر»
الخميس / 28 / ربيع الأول / 1443 هـ - 20:16 - الخميس 4 نوفمبر 2021 20:16
التسارع الرقمي حتم على العالم أن يوجد عملات مشفرة لا تخضع لسلطات محددة، ولا يمكن تتبعها، وأصبحت بعض البورصات العالمية تسمح بتداولها في أسواقها النقدية، ولكن ما هي هذه العملات الرقمية المشفرة، وهل يجوز تداولها والبيع والشراء بها في الشريعة الإسلامية، وهل ينطبق عليها من أحكام مثلما ينطبق على النقود الورقية المتداولة، كل هذه التساؤلات وغيرها أجاب عنها فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة في برنامج سؤال أهل الذكر الذي يقدمه د.سيف الهادي وكانت الحلقة بعنوان «فقه العملات الرقمية».
في بداية الحوار طرح الهادي تساؤلا عن مناقشة العملات الرقمية كمثل «بيتكوين» في الشريعة الإسلامية هل يأتي لأن هذه العملة لا يتوفر لها غطاء دولي مثلا أم هناك اعتبارات شرعية أخرى؟
فأجابه د.كهلان: ينبغي أن «نتفق على تسمية هذه العملات المرمزة أو المشفرة بهذه التسمية لأن «بيتكوين» هي نموذج وهي الأبرز والأشهر في العالم، فهي في عالم العملات الرقمية المشفرة أو المرمزة هي المتصدرة والغالبة والأشهر، لكن مع ذلك فالاسم أو الوصف الجامع لها أنها عملات إلكترونية أو رقمية مشفرة أو مرمزة، فكل ما صدق عليه هذا الوصف فهو داخل في الضوابط الشرعية التي سيأتي ذكرها، وسبب البدء بتحرير هذا الوصف هو أن في عالم اليوم هناك الكثير مما يظن أنه من العملات الرقمية المرمزة لكنه على الصحيح ليس كذلك، ما هو إلا احتيال وخداع وتضليل وتغرير للمستهلكين، ولهذا فلا يسري كلامنا على هذا النوع لأنه لا يصدق عليه أنه من العملات المشفرة أو الرقمية المرمزة، هذا هو الذي ينبغي أن يضبط، ولا طاقة لنا أن نتناول أفراد هذه العملات اليوم، وأنا الذي اطلعت عليه أن المشهور على المستوى العالمي هو خمسة آلاف عملة هذه لعلها التي صدق عليها أنها عملات رقمية مرمزة، وما سواها من أعداد تفوقها أضعافا مضاعفة إنما هو من الباب الذي أشرت إليه أنه يمكن أن يكون من الاحتيال والتضليل والإيهام، ومن استغلال جهل المستهلكين.
مصطلح العملات الرقمية المرمزةومصطلحا المشفرة أو المرمزة هو مجرد ترجمة والمرمزة أقرب إلى الترجمة الصحيحة، ولكن كلمة المشفرة أكثر معلومة لدى الناس، فالتشفير في العالم الرقمي أكثر شهرة، ولذلك استعملت الوصفين، وما الذي يخرج هذا الوصف، يخرجه العملات الحقيقية التي تستعمل بوسائط الكترونية كبطاقات الدفع الإلكتروني، كبطاقات الائتمان وبطاقات الخصم المباشر، والشيكات السياحية، والشيكات المصدقة، أو الصكوك، وغيرها من الأدوات المبنية على عملات حقيقية، ولكنها تستعمل بوسائط إلكترونية وعبر منصات رقمية، فهذه أخرجناها أيضا لأنه لا يمكن أن تقاس بها، وقد وقع في هذا الفخ عدد من الفقهاء المعاصرين، لأن هذه ما هي إلا مجرد وسائل، لذلك هي داخلة في عموم أدوات الأداء والدفع، لكنها عبر منصات إلكترونية فهذه لا تدخل لأنها تمثل عملات حقيقية سواء كانت من العملات التي صدرت من سلطات وطنية أو من هيئات على شكل اتحادات، مثل اليورو في الاتحاد الأوروبي، أو الدول المعتمدة عملة اليورو في الاتحاد الأوروبي، فهذه تستعمل بوسائط كما هو الشأن اليوم، فمن الممكن استعمالها من خلال الهواتف والأجهزة الذكية، لكنها مبنية على العملات الوطنية المعروفة، ولذلك فإن وصف العملات الرقمية المرمزة أو المشفرة، يخرج كل هذا.
وطرح الشيخ كهلان تساؤلا عن ماهية هذه العملات: «هل هي أثمان أو هي سلع أو هي أدوات أداء وسداد ودفع، أو هي أدوات استثمارية، وهل هي استثمارية حقيقية أو هي أيضا رقمية، هذه الأوصاف كلها إلى الآن ما زالت قائمة فيها بدليل أن أشهرها وهي عملة «بيتكوين» انقسمت في عام 2017 فصارت عملة أصلية وتسمى «بيتكوين» وعملة أخرى تسمى «بيتكوين كاش» وهذه الأخيرة يصرح المجتمع الرقمي القائم عليها أنهم في طريقهم إلى أن تصبح عملة نقدية حقيقية، وهم يصرحون بهذا، لكن الحاصل أنها أخذت من هذه الأوصاف بطرف، حتى أنني اطلعت على مقال في مجلات اقتصادية دقيقة للغاية سمتها في موضع مجمع مخزن مستودع للقيمة، وفي الموضع نفسه بعدها بسطرين سمتها «أصل من الأصول» في مقال اقتصادي محكم دقيق للغاية بني على دراسات صدر في 2019 ، وفي المقال نفسه مرة يقول بأنها عملة، ومرة يقول بأنها مستودع للقيم، ومرة يقول بأنها أصل من الأصول، فهذا يؤكد على أن ماهيتها ما زالت غامضة مجهولة، فهنا يأتي محل البحث، هل تصدق عليها الأوصاف الشرعية للأثمان، الجواب أنها إلى الآن لا يصدق عليها الوصف الشرعي للأثمان للعملات.
الأوصاف الشرعية للأثمان
هناك 3 شروط، الشرط الأول أن تكون شائعة ذائعة، وهي ليست كذلك، لا من حيث عدد المستهلكين، ولا من حيث ما تستعمل فيه، فعدد المستعملين لها لا يزال محصورا ومحدودا، وإن كانت في تنامٍ وزيادة، ولكنها لم تصل إلى حد الشيوع والذيوع، مع وجود شركات كبيرة ولكن بدأنا نرى انقساما، فهذه الشركات الكبرى كل واحدة منها تريد أن تصدر عملتها الرقمية المرمزة، وهنالك دول تريد أن تصدر عملتها الرقمية المرمزة، وهنالك دول تريد عملتها وتعارض العملات الأخرى، فإلى الآن لم تكتسب وصف الشيوع العام لا من حيث عدد المستعملين حتى نأتي ونقول بأنه يصدق عليها طالما أن الناس تعارفوا عليها وشاعت فيهم وذاعت فحين إذن تصح من الأثمان، فهي ليست كذلك، ولا يمكن لأحد أن يجادل في ذلك بالرغم من تنامي انتشارها لكنها ما زالت ضيقة محدودة، وهي كذلك أيضا فيما يتعلق فيها تستعمل فيه، بمعنى أنه لا يمكن أن يشترى بها أغلب الأشياء، ومنذ عام 2020 بدأت بعض منافذ البيع ووجهات الأعمال بقبول العملات الرقمية، والإشكال أنها مكلفة للغاية إذا كان يشترى بها الأشياء اليسيرة، لنفترض ما يمكن أن تشتريه بالعملة الحقيقية أيا كانت العملة في مطعم أو محل أو استراحة معينة أو في خدمة معينة، فكلفة الحصول عليها أعظم من كلفة ما تريد أن تشتريه من المحلات التجارية. ويمكن أن تتخذ هذا الوصف مستقبلا، ساعتها سيكون لكل حادثة حديث، وستجري عليها حينئذ ما يجري على النقود، وحتى النقود طرأ عليها هذا النقاش في البدايات ولعل البعض لا يزال إلى الآن لا يعدها من الأثمان، ولا يجري لها الزكاة، ولا ما يصدق على الربا والديات، وغيرها.
الشرط الثاني الذي تفتقر إليه هذه العملات الرقمية هو أن تكون صادرة من سلطة، الذي يعبر عنه في كتب الفقه حينما يتحدثون عن صك النقود يشترطون أن تكون صادرة عن سلطان، أي عن سلطة قائمة تصدر قانونها وتشرف عليها وتتولى أمرها وتوفر لها الضمانات وتبعث الثقة لدى المستعملين، فليس هناك سلطة قائمة إلى الآن لا من المصارف المركزية ولا من الحكومات، وإن أذنت من أن تسمح باستعمالها في بعض البورصات أو أسواق المال أو في بعض المنافذ، هذا أمر مختلف عن قضية أن تكون هذه السلطة هي التي تتولى قانونها وإصدارها وحجمها وأسس التعامل بها وكل ما يتعلق بها، ولا يتأتى هذا إلا إذا قامت الدول بإصدار عملاتها الرقمية المرمزة بعيداعما تبتغيه، حسب ما يظهر الآن أن هذه العملات الرقمية المرمزة الوجودة حاليا من البعد عن المركزية وهذا قد يكون أمرا إيجابيا عند الكثير، لكنه في الوقت ذاته يجلب الكثير من المخاطر، ويفقد الثقة، ويجعلها مفتقرة إلى الضمانات القانونية الكافية، وكذلك ربما ستكتسب هذا الوصف مستقبلا، وساعتها يمكن اعتبارها من الأثمان. وقد تكون لكل دولة أو لتكتلات من الدول.
والشرط الثالث هو التفاوت، والتغير الكبير في قيم هذه العملات الرقمية المرمزة، فهي لا تحسب باليوم ولا تحسب حتى بالساعة، أو بالدقيقة، وإنما تحسب بالثانية.
قيمتها تتغير كل ثانيةوأنا قبل البرنامج دخلت إلى موقع موثوق لبيان حجم التغير في عملة «البيتكوين» مقارنة بالدولار الأمريكي، في ثلاثين ثانية بلغ مقدار الارتفاع والانخفاض 500 دولار، صاحب المقال يقول، حينما يشتري كوب قهوة من المقهى يمكن أن يحصل على تخفيض بنسبة 20 في المائة حينما يدفع بالعملة العادية أو ببطاقة الائتمان، ريثما تعد له قهوته يمكن أن يكون المبلغ الذي دفعه إذا كان قد دفعه بعملة رقمية مرمزة سيكون قد تضاعف بحيث إن البائع سيبيع بخسارة مضاعفة عشرات المرات، فلا يصح أن يقاس ما يحصل من التغير في العملات الوطنية في اليوم والليلة وما يمكن أن يطرأ عليها من تغير في قيمتها بناء على عوامل اقتصادية، أو التضخم، او الجانب السياسي، والعسكري والوضع المالي، والنقدي، إلى آخره، لا يمكن أن يجري على ما يتعلق بالعملات الرقمية، لأن هذه تغيرها في الواقع هذا سترى أنه خلال ثانية واحدة يتغير ارتفاعا وانخفاضا، وإذا نظر إليها خلال أسبوع أو شهر ستجد أن التفاوت فيها قد يبلغ عشرة آلاف دولار، فهي خلال أسبوع على سبيل المثال كانت قيمة البتكوين بـ 50 ألف دولار، وبعد أسبوع صارت بـ 60 ألف دولار، فهذا تفاوت هائل، إذن هذه الأوصاف الثلاثة تفتقر إليها هذه العملات، وبسبب افتقارها إلى هذه الأوصاف، لا تكتسب الثمنية المعتبرة المعتد بها شرعا.
ولا يلزم أن تكون هذه الأوصاف الثلاثة مجتمعة ، خاصة فيما يتعلق بالشرطين الأول والثاني، فإذا أقرت سلطة قائمة عملة ما فإنه يعتد بها في تلك الدولة على الأقل وإن لم تكن شائعة ذائعة بعد، وإذا حصل الشيوع عند عموم الناس، بعضهم يقول أن يكون ذلك أكثر من نصف الناس يتعاملون بها، فحينئذ يمكن أن تكتسب الثمنية.
أما الاستقرار فلا يمكن اضطراده في كل العملات الرقمية، فما يحصل في «البيتكوين» لا يحصل في غيرها من العملات، فـ «بيتكوين كاش» مثلا أقل اضطرابا، لكن لأنها الأشهر والأنظار تتجه إليها ربما بسبب هذا التغير الكبير.
أخطاء فادحة في الاستخدام
حينما يعبرون في المقالات يقولون «المجتمع الرقمي» ومن هو هذا المجتمع الرقمي، هذه قضية بالغة التعقيد، ولا يتصل الآن بالوصف الشرعي، وإن مما ينبغي لنا نحن أيضا أن نتعرف عليه هو ما يقوله أصحاب هذه العملات عنها، فعلى سبيل المثال هم يقرون بأن الحصول عليها غاية في التعقيد، وليست مسألة سهلة، ولذلك فإن البنية التحتية اللازمة لتعميمها وشيوعها غير مهيأة لا من جهة إصدارها ولا من جهة استعمالها، فلا يظن بأن هذا الشيوع والذيوع يمكن أن يحصل في المدى القريب، ونسبة الخطأ فيها بالغة، وبين يدي مقال علمي رصين وفيه معلومات غاية في الغرابة، فالمقال يقول، في سنة 2019 الذين خسروا أموالهم بسبب خطأ في الاستخدام بلغت نسبتهم 18 في المائة، طبعا هذه النسبة تمثل ملايين الدولارات، هذا بسبب خطأ في الاستعمال حتى لا يقارن بأنه يمكن في بطاقة الائتمان أو في وسائل الدفع الإلكترونية بالعملات الوطنية أن يحصل ذلك، نعم الخطأ وارد ولكن ليس بهذا الحجم، ويندر أن يحصل مثل هذا الخطأ، والذين خسروا أموالهم بسبب التصيد السيبراني، 6 في المائة، وهذه الدراسة الإحصائية تبين أنه من هم داخلون في العملات الرقمية مثل «بيتكوين» تحديدا، تم سؤالهم: هل أنتم واثقون أن خطط الدفع ستتم حسب ما تخططون، الذين أجابوا نعم هم 25 في المائة فقط، يعني الربع، فهم يستعملونها ولكن الأغلب منهم على غير ثقة أن الأمور ستسير كما هو مخطط لها، ونسبة استعمالهم لها ولو مرة في الأسبوع بلغت11 في المائة وأما الباقون فهم يحتفظون بهذه العملات الرقمية، فهنا نعود إلى السؤال عن ماهيتها، هل هي سلعة، أم هي أدوات استثمارية، وما نوع هذا الاستثمار.
طريقة صناعة العملات الرقمية المشفرة
ومصدر هذه العملات مجهول، لكن هناك مجتمع من المتعاملين من خلال ما يعرف بـ«سلاسل الكتل» في خوارزميات معقدة للغاية، تستهلك الكثير من الطاقة، أحد هؤلاء أعلن أنه حتى يتمكن من أن ينشئ هذه الكتل التي تجمع تحت شعار يسمى «هاش» بها يستطيعون أن ينتجوا عملة «بيتكوين» واحدة، كانت فاتورة استعماله للطاقة الكهربائية بلغت 300 ألف دولار في الشهر، لإنتاج أو صك عملة «بيتكوين» واحدة، فكم بذل من الوقت في صناعتها، وما هي التقنيات التي يستعملها، والأجهزة المستخدمة، والشرائح الموجودة في هذه الأجهزة، الحاصل أن صناعتها ليست بالسهولة التي يتصورها الناس، لكن ما يعنينا من هذا كله هو، هل يصدق عليها أنها من الأثمان، والجواب المختصر المباشر، أن شيئا من الأوصاف المحتاج إليها لتكون من الأثمان المعتد بها شرعا لا يصدق عليها والله تعالى أعلم.
هل هي من العملات المعتد بها شرعا
هو السؤال هل هي من العملات المعتد بها شرعا، هل هي كالنقود التي يعتد بها أثمانا كما هو الشأن في النقود الورقية؟ هي ليست كذلك، الآن الأمر يتعلق بمخاطرة الناس في الدخول إلى هذا المجال، هذا يعتمد عليهم، هي إن كانت سلعا لا نستطيع أن نقول بأنه يمنع من شراء السلع وبيعها، وإن كانت أثمانا حتى عند من يتعامل بها فعلى المسلم حينما يتعامل بها أن يراعي الشروط الشرعية الواردة فيما يتعلق بالصرف، فلا بد من القبض، والقبض هنا أن يكون قبضا حكميا لا يتصور القبض الحقيقي، وإذا كان البيع متفاضلا فلا بد من القبض، أما إذا كانت دون تفاضل ويدا بيد فلا إشكال في الموضوع، إذن فالحاصل لا بد من بيان وصفها أو بيان ماهيتها ثم بعد ذلك تكون الأحكام الشرعية المصاحبة للماهيات، فكما نعرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال: « الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدًا بيد» إذا كانت ستباع متفاضلة أي أن يبيع ذهبا بفضة على سبيل المثال، فلا بد من التقابض، أما إذا كانت ليست بأثمان وإنما كانت من السلع أو من الأدوات الاستثمارية الأخرى فينظر فيها، ما الذي تشتمل عليه، هل تشتمل على نقود أو سلع، فحينئذ لا بد من النقود من الشرط السابق، وأما في السلع والمنافع فإنها حين إذ تكون المعاوضة فيها بعيدا عن شرط المثلية والتقابض في المجلس الواحد إذا لكل وصف منها أحكام شرعية تترتب على ذلك الوصف.
تعدين العملات الرقمية
باستخدام الطاقة الخضراء
في البداية ينبغي علينا أن نعرف ما مفهوم التعدين، حتى يدرك الناس معناه ولا يظنون أن هنالك تعدينا حقيقيا، التعدين المقصود به كلمة مأخوذة من مصطلح « Mining» في اللغة الإنجليزية ويقصد به الوسيلة التي يكون بها إصدار هذه العملات، فمثلا محفظة عملات «بيتكوين» على سبيل المثال، فهي عملات محدودة، يتداولها الناس فيما بينهم، فإذا ازداد الطلب عليها وبدت حاجة إلى إيجاد مزيد منها فإن الداخلين في هذا المجتمع الرقمي يقومون بسلسلة من المعاملات الإلكترونية، لتشكيل كتل، هذه الكتل بعد ذلك ترتقي إذا نجحوا فيها لتصل إلى ما يعرف بالرمز أو «hash» الذي يؤهلهم إلى أن يتمكنوا من إصدار عملة رقمية، واحدة لها رمز مشفر خاص بها ولو تغير فيه حرف أو رقم او رمز واحد لتغيرت تماما، وهذه فوائد «سلاسل الكتل» أو « Blockchain» أنها بمثابة السجل الحافظ لهذه الحسابات فتمنع التزوير والاحتيال وما سوى ذلك، وهذه العمليات الرقمية التي يقوم بها هؤلاء هي التي تسمى التعدين، وهي التي تحتاج إلى طاقة هائلة جدا لأن الأجهزة التي تستعمل، ليست أجهزة حواسيب عادية، بل أجهزة ذات قدرات هائلة جدا، وتجتمع هذه الأجهزة لذلك تسمى بـ «سلاسل الكتل» لأنها عبارة عن كتلة بعد كتلة بعد كتلة لتصل إلى النتيجة النهائية، فتحتاج إلى طاقة هائلة، الآن الكثير ممن يعارض العملات الرقمية يعترض عليهم، وهو الذي حصل مع الشركات التي تنتج سيارات صديقة للبيئة اعترض عليهم حينما دخلوا هذا المجال، بأنه استنزاف للبيئة ومواردها، وهذا ما يحدث في العملات الرقمية التي تحتاج طاقة هائلة جدا لإنتاجها، فأتى هنا هذا الأمر، وهو أنه يمكن أن تستخدم الطاقة الصديقة للبيئة أو ما تعرف بـ«الطاقة البديلة» وفي الحقيقة أن هذا الكلام إلى الآن هو كلام نظري، وهناك محاولات للتمكن من توفير مصادر للطاقة تكون صديقة للبيئة في سبيل إنتاج العملات المرمزة، ولكن حتى هذه المصادر حولها ما يعرف بـ «الإتجار بالبشر» في البلدان الفقيرة التي توجد فيها المعادن المستعملة لإنتاج الطاقة بعيدا أيضا عن الأنظمة والتشريعات المنظمة للتنمية المستدامة، فهو كلام فيه نظر، لكن حتى لو حصل ذلك فليس الإشكال الشرعي متعلقا بحجم ما تستهلكه من طاقة، وإن كان هذا الأمر يستدعي النظر من قبل الفقهاء أيضا لأن هذا الدين شامل يرعى هذه البيئة وحفظ مواردها والاعتدال في استنزاف هذه الموارد لمصلحة هذا الإنسان، فإذا كان إنتاج هذه العملات سيؤدي إلى استنزاف هذه الموارد، ويفقر شعوبا وأمما من مواردها الطبيعية فإن هذه القضية جدير بالنظر فيها لتضاف إلى ما تقدم ذكره من الاعتبارات الشرعية المانعة من إطلاق وصف الثمنية على هذه العملات، لكن إذا وجد ما يمكن أن يخفف من هذه الكلفة، وما يكون مصدرا صديقا للبيئة في إنتاجها فهذا ينفي هذا المحذور، لكنه لا يغير من الحقيقة شيئا.
شراء العملات الرقمية من أجل الادخار
هو يشتريها أو يمتلكها بأي وصف، إذا كان بوصف أنها ثمن من الأثمان فقد تقدم أنها ليست كذلك شرعا، وإذا كان على سبيل الموافقة للمجتمع العالمي الذي يتعامل بها فقد تقدم أيضا أنه حتى بناء على ذلك تتناولها أوصاف شتى بدليل أنها يصدق عليها كما تذكر المجلات الاقتصادية المتخصصة أنها في المقال الواحد يصفونها عدة أوصاف، وهذا لا يحصل على سبيل المثال في العملات الوطنية، ولا يحصل في التعاملات الإلكترونية، ولكن هذا الاضطراب حاصل في العملات الرقمية، ومع ذلك الاحتياط أن يتعامل معها كما يصنفها القائمون عليها تقريبا بأنها عملة، فهذا أحوط له في دينه بحيث يراعي أحكام الصرف المعروفة، والتي تقدم ذكرها، هذا والله تعالى أعلم.
في بداية الحوار طرح الهادي تساؤلا عن مناقشة العملات الرقمية كمثل «بيتكوين» في الشريعة الإسلامية هل يأتي لأن هذه العملة لا يتوفر لها غطاء دولي مثلا أم هناك اعتبارات شرعية أخرى؟
فأجابه د.كهلان: ينبغي أن «نتفق على تسمية هذه العملات المرمزة أو المشفرة بهذه التسمية لأن «بيتكوين» هي نموذج وهي الأبرز والأشهر في العالم، فهي في عالم العملات الرقمية المشفرة أو المرمزة هي المتصدرة والغالبة والأشهر، لكن مع ذلك فالاسم أو الوصف الجامع لها أنها عملات إلكترونية أو رقمية مشفرة أو مرمزة، فكل ما صدق عليه هذا الوصف فهو داخل في الضوابط الشرعية التي سيأتي ذكرها، وسبب البدء بتحرير هذا الوصف هو أن في عالم اليوم هناك الكثير مما يظن أنه من العملات الرقمية المرمزة لكنه على الصحيح ليس كذلك، ما هو إلا احتيال وخداع وتضليل وتغرير للمستهلكين، ولهذا فلا يسري كلامنا على هذا النوع لأنه لا يصدق عليه أنه من العملات المشفرة أو الرقمية المرمزة، هذا هو الذي ينبغي أن يضبط، ولا طاقة لنا أن نتناول أفراد هذه العملات اليوم، وأنا الذي اطلعت عليه أن المشهور على المستوى العالمي هو خمسة آلاف عملة هذه لعلها التي صدق عليها أنها عملات رقمية مرمزة، وما سواها من أعداد تفوقها أضعافا مضاعفة إنما هو من الباب الذي أشرت إليه أنه يمكن أن يكون من الاحتيال والتضليل والإيهام، ومن استغلال جهل المستهلكين.
مصطلح العملات الرقمية المرمزةومصطلحا المشفرة أو المرمزة هو مجرد ترجمة والمرمزة أقرب إلى الترجمة الصحيحة، ولكن كلمة المشفرة أكثر معلومة لدى الناس، فالتشفير في العالم الرقمي أكثر شهرة، ولذلك استعملت الوصفين، وما الذي يخرج هذا الوصف، يخرجه العملات الحقيقية التي تستعمل بوسائط الكترونية كبطاقات الدفع الإلكتروني، كبطاقات الائتمان وبطاقات الخصم المباشر، والشيكات السياحية، والشيكات المصدقة، أو الصكوك، وغيرها من الأدوات المبنية على عملات حقيقية، ولكنها تستعمل بوسائط إلكترونية وعبر منصات رقمية، فهذه أخرجناها أيضا لأنه لا يمكن أن تقاس بها، وقد وقع في هذا الفخ عدد من الفقهاء المعاصرين، لأن هذه ما هي إلا مجرد وسائل، لذلك هي داخلة في عموم أدوات الأداء والدفع، لكنها عبر منصات إلكترونية فهذه لا تدخل لأنها تمثل عملات حقيقية سواء كانت من العملات التي صدرت من سلطات وطنية أو من هيئات على شكل اتحادات، مثل اليورو في الاتحاد الأوروبي، أو الدول المعتمدة عملة اليورو في الاتحاد الأوروبي، فهذه تستعمل بوسائط كما هو الشأن اليوم، فمن الممكن استعمالها من خلال الهواتف والأجهزة الذكية، لكنها مبنية على العملات الوطنية المعروفة، ولذلك فإن وصف العملات الرقمية المرمزة أو المشفرة، يخرج كل هذا.
وطرح الشيخ كهلان تساؤلا عن ماهية هذه العملات: «هل هي أثمان أو هي سلع أو هي أدوات أداء وسداد ودفع، أو هي أدوات استثمارية، وهل هي استثمارية حقيقية أو هي أيضا رقمية، هذه الأوصاف كلها إلى الآن ما زالت قائمة فيها بدليل أن أشهرها وهي عملة «بيتكوين» انقسمت في عام 2017 فصارت عملة أصلية وتسمى «بيتكوين» وعملة أخرى تسمى «بيتكوين كاش» وهذه الأخيرة يصرح المجتمع الرقمي القائم عليها أنهم في طريقهم إلى أن تصبح عملة نقدية حقيقية، وهم يصرحون بهذا، لكن الحاصل أنها أخذت من هذه الأوصاف بطرف، حتى أنني اطلعت على مقال في مجلات اقتصادية دقيقة للغاية سمتها في موضع مجمع مخزن مستودع للقيمة، وفي الموضع نفسه بعدها بسطرين سمتها «أصل من الأصول» في مقال اقتصادي محكم دقيق للغاية بني على دراسات صدر في 2019 ، وفي المقال نفسه مرة يقول بأنها عملة، ومرة يقول بأنها مستودع للقيم، ومرة يقول بأنها أصل من الأصول، فهذا يؤكد على أن ماهيتها ما زالت غامضة مجهولة، فهنا يأتي محل البحث، هل تصدق عليها الأوصاف الشرعية للأثمان، الجواب أنها إلى الآن لا يصدق عليها الوصف الشرعي للأثمان للعملات.
الأوصاف الشرعية للأثمان
هناك 3 شروط، الشرط الأول أن تكون شائعة ذائعة، وهي ليست كذلك، لا من حيث عدد المستهلكين، ولا من حيث ما تستعمل فيه، فعدد المستعملين لها لا يزال محصورا ومحدودا، وإن كانت في تنامٍ وزيادة، ولكنها لم تصل إلى حد الشيوع والذيوع، مع وجود شركات كبيرة ولكن بدأنا نرى انقساما، فهذه الشركات الكبرى كل واحدة منها تريد أن تصدر عملتها الرقمية المرمزة، وهنالك دول تريد أن تصدر عملتها الرقمية المرمزة، وهنالك دول تريد عملتها وتعارض العملات الأخرى، فإلى الآن لم تكتسب وصف الشيوع العام لا من حيث عدد المستعملين حتى نأتي ونقول بأنه يصدق عليها طالما أن الناس تعارفوا عليها وشاعت فيهم وذاعت فحين إذن تصح من الأثمان، فهي ليست كذلك، ولا يمكن لأحد أن يجادل في ذلك بالرغم من تنامي انتشارها لكنها ما زالت ضيقة محدودة، وهي كذلك أيضا فيما يتعلق فيها تستعمل فيه، بمعنى أنه لا يمكن أن يشترى بها أغلب الأشياء، ومنذ عام 2020 بدأت بعض منافذ البيع ووجهات الأعمال بقبول العملات الرقمية، والإشكال أنها مكلفة للغاية إذا كان يشترى بها الأشياء اليسيرة، لنفترض ما يمكن أن تشتريه بالعملة الحقيقية أيا كانت العملة في مطعم أو محل أو استراحة معينة أو في خدمة معينة، فكلفة الحصول عليها أعظم من كلفة ما تريد أن تشتريه من المحلات التجارية. ويمكن أن تتخذ هذا الوصف مستقبلا، ساعتها سيكون لكل حادثة حديث، وستجري عليها حينئذ ما يجري على النقود، وحتى النقود طرأ عليها هذا النقاش في البدايات ولعل البعض لا يزال إلى الآن لا يعدها من الأثمان، ولا يجري لها الزكاة، ولا ما يصدق على الربا والديات، وغيرها.
الشرط الثاني الذي تفتقر إليه هذه العملات الرقمية هو أن تكون صادرة من سلطة، الذي يعبر عنه في كتب الفقه حينما يتحدثون عن صك النقود يشترطون أن تكون صادرة عن سلطان، أي عن سلطة قائمة تصدر قانونها وتشرف عليها وتتولى أمرها وتوفر لها الضمانات وتبعث الثقة لدى المستعملين، فليس هناك سلطة قائمة إلى الآن لا من المصارف المركزية ولا من الحكومات، وإن أذنت من أن تسمح باستعمالها في بعض البورصات أو أسواق المال أو في بعض المنافذ، هذا أمر مختلف عن قضية أن تكون هذه السلطة هي التي تتولى قانونها وإصدارها وحجمها وأسس التعامل بها وكل ما يتعلق بها، ولا يتأتى هذا إلا إذا قامت الدول بإصدار عملاتها الرقمية المرمزة بعيداعما تبتغيه، حسب ما يظهر الآن أن هذه العملات الرقمية المرمزة الوجودة حاليا من البعد عن المركزية وهذا قد يكون أمرا إيجابيا عند الكثير، لكنه في الوقت ذاته يجلب الكثير من المخاطر، ويفقد الثقة، ويجعلها مفتقرة إلى الضمانات القانونية الكافية، وكذلك ربما ستكتسب هذا الوصف مستقبلا، وساعتها يمكن اعتبارها من الأثمان. وقد تكون لكل دولة أو لتكتلات من الدول.
والشرط الثالث هو التفاوت، والتغير الكبير في قيم هذه العملات الرقمية المرمزة، فهي لا تحسب باليوم ولا تحسب حتى بالساعة، أو بالدقيقة، وإنما تحسب بالثانية.
قيمتها تتغير كل ثانيةوأنا قبل البرنامج دخلت إلى موقع موثوق لبيان حجم التغير في عملة «البيتكوين» مقارنة بالدولار الأمريكي، في ثلاثين ثانية بلغ مقدار الارتفاع والانخفاض 500 دولار، صاحب المقال يقول، حينما يشتري كوب قهوة من المقهى يمكن أن يحصل على تخفيض بنسبة 20 في المائة حينما يدفع بالعملة العادية أو ببطاقة الائتمان، ريثما تعد له قهوته يمكن أن يكون المبلغ الذي دفعه إذا كان قد دفعه بعملة رقمية مرمزة سيكون قد تضاعف بحيث إن البائع سيبيع بخسارة مضاعفة عشرات المرات، فلا يصح أن يقاس ما يحصل من التغير في العملات الوطنية في اليوم والليلة وما يمكن أن يطرأ عليها من تغير في قيمتها بناء على عوامل اقتصادية، أو التضخم، او الجانب السياسي، والعسكري والوضع المالي، والنقدي، إلى آخره، لا يمكن أن يجري على ما يتعلق بالعملات الرقمية، لأن هذه تغيرها في الواقع هذا سترى أنه خلال ثانية واحدة يتغير ارتفاعا وانخفاضا، وإذا نظر إليها خلال أسبوع أو شهر ستجد أن التفاوت فيها قد يبلغ عشرة آلاف دولار، فهي خلال أسبوع على سبيل المثال كانت قيمة البتكوين بـ 50 ألف دولار، وبعد أسبوع صارت بـ 60 ألف دولار، فهذا تفاوت هائل، إذن هذه الأوصاف الثلاثة تفتقر إليها هذه العملات، وبسبب افتقارها إلى هذه الأوصاف، لا تكتسب الثمنية المعتبرة المعتد بها شرعا.
ولا يلزم أن تكون هذه الأوصاف الثلاثة مجتمعة ، خاصة فيما يتعلق بالشرطين الأول والثاني، فإذا أقرت سلطة قائمة عملة ما فإنه يعتد بها في تلك الدولة على الأقل وإن لم تكن شائعة ذائعة بعد، وإذا حصل الشيوع عند عموم الناس، بعضهم يقول أن يكون ذلك أكثر من نصف الناس يتعاملون بها، فحينئذ يمكن أن تكتسب الثمنية.
أما الاستقرار فلا يمكن اضطراده في كل العملات الرقمية، فما يحصل في «البيتكوين» لا يحصل في غيرها من العملات، فـ «بيتكوين كاش» مثلا أقل اضطرابا، لكن لأنها الأشهر والأنظار تتجه إليها ربما بسبب هذا التغير الكبير.
أخطاء فادحة في الاستخدام
حينما يعبرون في المقالات يقولون «المجتمع الرقمي» ومن هو هذا المجتمع الرقمي، هذه قضية بالغة التعقيد، ولا يتصل الآن بالوصف الشرعي، وإن مما ينبغي لنا نحن أيضا أن نتعرف عليه هو ما يقوله أصحاب هذه العملات عنها، فعلى سبيل المثال هم يقرون بأن الحصول عليها غاية في التعقيد، وليست مسألة سهلة، ولذلك فإن البنية التحتية اللازمة لتعميمها وشيوعها غير مهيأة لا من جهة إصدارها ولا من جهة استعمالها، فلا يظن بأن هذا الشيوع والذيوع يمكن أن يحصل في المدى القريب، ونسبة الخطأ فيها بالغة، وبين يدي مقال علمي رصين وفيه معلومات غاية في الغرابة، فالمقال يقول، في سنة 2019 الذين خسروا أموالهم بسبب خطأ في الاستخدام بلغت نسبتهم 18 في المائة، طبعا هذه النسبة تمثل ملايين الدولارات، هذا بسبب خطأ في الاستعمال حتى لا يقارن بأنه يمكن في بطاقة الائتمان أو في وسائل الدفع الإلكترونية بالعملات الوطنية أن يحصل ذلك، نعم الخطأ وارد ولكن ليس بهذا الحجم، ويندر أن يحصل مثل هذا الخطأ، والذين خسروا أموالهم بسبب التصيد السيبراني، 6 في المائة، وهذه الدراسة الإحصائية تبين أنه من هم داخلون في العملات الرقمية مثل «بيتكوين» تحديدا، تم سؤالهم: هل أنتم واثقون أن خطط الدفع ستتم حسب ما تخططون، الذين أجابوا نعم هم 25 في المائة فقط، يعني الربع، فهم يستعملونها ولكن الأغلب منهم على غير ثقة أن الأمور ستسير كما هو مخطط لها، ونسبة استعمالهم لها ولو مرة في الأسبوع بلغت11 في المائة وأما الباقون فهم يحتفظون بهذه العملات الرقمية، فهنا نعود إلى السؤال عن ماهيتها، هل هي سلعة، أم هي أدوات استثمارية، وما نوع هذا الاستثمار.
طريقة صناعة العملات الرقمية المشفرة
ومصدر هذه العملات مجهول، لكن هناك مجتمع من المتعاملين من خلال ما يعرف بـ«سلاسل الكتل» في خوارزميات معقدة للغاية، تستهلك الكثير من الطاقة، أحد هؤلاء أعلن أنه حتى يتمكن من أن ينشئ هذه الكتل التي تجمع تحت شعار يسمى «هاش» بها يستطيعون أن ينتجوا عملة «بيتكوين» واحدة، كانت فاتورة استعماله للطاقة الكهربائية بلغت 300 ألف دولار في الشهر، لإنتاج أو صك عملة «بيتكوين» واحدة، فكم بذل من الوقت في صناعتها، وما هي التقنيات التي يستعملها، والأجهزة المستخدمة، والشرائح الموجودة في هذه الأجهزة، الحاصل أن صناعتها ليست بالسهولة التي يتصورها الناس، لكن ما يعنينا من هذا كله هو، هل يصدق عليها أنها من الأثمان، والجواب المختصر المباشر، أن شيئا من الأوصاف المحتاج إليها لتكون من الأثمان المعتد بها شرعا لا يصدق عليها والله تعالى أعلم.
هل هي من العملات المعتد بها شرعا
هو السؤال هل هي من العملات المعتد بها شرعا، هل هي كالنقود التي يعتد بها أثمانا كما هو الشأن في النقود الورقية؟ هي ليست كذلك، الآن الأمر يتعلق بمخاطرة الناس في الدخول إلى هذا المجال، هذا يعتمد عليهم، هي إن كانت سلعا لا نستطيع أن نقول بأنه يمنع من شراء السلع وبيعها، وإن كانت أثمانا حتى عند من يتعامل بها فعلى المسلم حينما يتعامل بها أن يراعي الشروط الشرعية الواردة فيما يتعلق بالصرف، فلا بد من القبض، والقبض هنا أن يكون قبضا حكميا لا يتصور القبض الحقيقي، وإذا كان البيع متفاضلا فلا بد من القبض، أما إذا كانت دون تفاضل ويدا بيد فلا إشكال في الموضوع، إذن فالحاصل لا بد من بيان وصفها أو بيان ماهيتها ثم بعد ذلك تكون الأحكام الشرعية المصاحبة للماهيات، فكما نعرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال: « الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدًا بيد» إذا كانت ستباع متفاضلة أي أن يبيع ذهبا بفضة على سبيل المثال، فلا بد من التقابض، أما إذا كانت ليست بأثمان وإنما كانت من السلع أو من الأدوات الاستثمارية الأخرى فينظر فيها، ما الذي تشتمل عليه، هل تشتمل على نقود أو سلع، فحينئذ لا بد من النقود من الشرط السابق، وأما في السلع والمنافع فإنها حين إذ تكون المعاوضة فيها بعيدا عن شرط المثلية والتقابض في المجلس الواحد إذا لكل وصف منها أحكام شرعية تترتب على ذلك الوصف.
تعدين العملات الرقمية
باستخدام الطاقة الخضراء
في البداية ينبغي علينا أن نعرف ما مفهوم التعدين، حتى يدرك الناس معناه ولا يظنون أن هنالك تعدينا حقيقيا، التعدين المقصود به كلمة مأخوذة من مصطلح « Mining» في اللغة الإنجليزية ويقصد به الوسيلة التي يكون بها إصدار هذه العملات، فمثلا محفظة عملات «بيتكوين» على سبيل المثال، فهي عملات محدودة، يتداولها الناس فيما بينهم، فإذا ازداد الطلب عليها وبدت حاجة إلى إيجاد مزيد منها فإن الداخلين في هذا المجتمع الرقمي يقومون بسلسلة من المعاملات الإلكترونية، لتشكيل كتل، هذه الكتل بعد ذلك ترتقي إذا نجحوا فيها لتصل إلى ما يعرف بالرمز أو «hash» الذي يؤهلهم إلى أن يتمكنوا من إصدار عملة رقمية، واحدة لها رمز مشفر خاص بها ولو تغير فيه حرف أو رقم او رمز واحد لتغيرت تماما، وهذه فوائد «سلاسل الكتل» أو « Blockchain» أنها بمثابة السجل الحافظ لهذه الحسابات فتمنع التزوير والاحتيال وما سوى ذلك، وهذه العمليات الرقمية التي يقوم بها هؤلاء هي التي تسمى التعدين، وهي التي تحتاج إلى طاقة هائلة جدا لأن الأجهزة التي تستعمل، ليست أجهزة حواسيب عادية، بل أجهزة ذات قدرات هائلة جدا، وتجتمع هذه الأجهزة لذلك تسمى بـ «سلاسل الكتل» لأنها عبارة عن كتلة بعد كتلة بعد كتلة لتصل إلى النتيجة النهائية، فتحتاج إلى طاقة هائلة، الآن الكثير ممن يعارض العملات الرقمية يعترض عليهم، وهو الذي حصل مع الشركات التي تنتج سيارات صديقة للبيئة اعترض عليهم حينما دخلوا هذا المجال، بأنه استنزاف للبيئة ومواردها، وهذا ما يحدث في العملات الرقمية التي تحتاج طاقة هائلة جدا لإنتاجها، فأتى هنا هذا الأمر، وهو أنه يمكن أن تستخدم الطاقة الصديقة للبيئة أو ما تعرف بـ«الطاقة البديلة» وفي الحقيقة أن هذا الكلام إلى الآن هو كلام نظري، وهناك محاولات للتمكن من توفير مصادر للطاقة تكون صديقة للبيئة في سبيل إنتاج العملات المرمزة، ولكن حتى هذه المصادر حولها ما يعرف بـ «الإتجار بالبشر» في البلدان الفقيرة التي توجد فيها المعادن المستعملة لإنتاج الطاقة بعيدا أيضا عن الأنظمة والتشريعات المنظمة للتنمية المستدامة، فهو كلام فيه نظر، لكن حتى لو حصل ذلك فليس الإشكال الشرعي متعلقا بحجم ما تستهلكه من طاقة، وإن كان هذا الأمر يستدعي النظر من قبل الفقهاء أيضا لأن هذا الدين شامل يرعى هذه البيئة وحفظ مواردها والاعتدال في استنزاف هذه الموارد لمصلحة هذا الإنسان، فإذا كان إنتاج هذه العملات سيؤدي إلى استنزاف هذه الموارد، ويفقر شعوبا وأمما من مواردها الطبيعية فإن هذه القضية جدير بالنظر فيها لتضاف إلى ما تقدم ذكره من الاعتبارات الشرعية المانعة من إطلاق وصف الثمنية على هذه العملات، لكن إذا وجد ما يمكن أن يخفف من هذه الكلفة، وما يكون مصدرا صديقا للبيئة في إنتاجها فهذا ينفي هذا المحذور، لكنه لا يغير من الحقيقة شيئا.
شراء العملات الرقمية من أجل الادخار
هو يشتريها أو يمتلكها بأي وصف، إذا كان بوصف أنها ثمن من الأثمان فقد تقدم أنها ليست كذلك شرعا، وإذا كان على سبيل الموافقة للمجتمع العالمي الذي يتعامل بها فقد تقدم أيضا أنه حتى بناء على ذلك تتناولها أوصاف شتى بدليل أنها يصدق عليها كما تذكر المجلات الاقتصادية المتخصصة أنها في المقال الواحد يصفونها عدة أوصاف، وهذا لا يحصل على سبيل المثال في العملات الوطنية، ولا يحصل في التعاملات الإلكترونية، ولكن هذا الاضطراب حاصل في العملات الرقمية، ومع ذلك الاحتياط أن يتعامل معها كما يصنفها القائمون عليها تقريبا بأنها عملة، فهذا أحوط له في دينه بحيث يراعي أحكام الصرف المعروفة، والتي تقدم ذكرها، هذا والله تعالى أعلم.