كيف تُنتج الفلسفة عُلماء أفضل؟
الأربعاء / 27 / ربيع الأول / 1443 هـ - 20:54 - الأربعاء 3 نوفمبر 2021 20:54
نوف السعيدية
كانت دراستي لتخصص فلسفة العلوم نابعة من اهتمامي بالعلم، إلا أنها أدّت في الواقع لزيادة قناعتي بأهمية الفلسفة. دراستي لعلوم الكمبيوتر في مرحلة البكالوريوس، زودتني بحس منطقي معقول. ما جعل ممارسة الفلسفة التحليلية أمرًا ممكنًا، رغم افتقاري التام للخبرة الفلسفية. سأجادل في هذا المقال أن الفلسفة تجعل ممارساتنا للعلم أكثر مسؤولية، وتجعل حكمنا على المسائل -حتى العلمي منها- أكثر منطقية.
الفلسفة القارية مقابل الفلسفة التحليلية
في الفلسفة الغربية تحديدًا، ثمة اليوم مدرستان للفلسفة: التحليلية في إزاء القارية. نشأت الفلسفة التحليلية كحركة مقابلة للقارية، لأن القاريين -كما يراهم التحليليون- يفتقرون للصرامة العلمية، ويعتمدون على الحدس والتأمل بشكل واسع في إنتاجهم. في المقابل يعتمد التحليليون على العلوم الطبيعية، و«يتفلسفون» في مرحلة تتلو النتائج التجريبية التي توفرها العلوم الطبيعية.
تأخذ الفلسفة القارية اسمها من قارة أوروبا. يكتب بهذه الطريقة مثلا نيتشه، سارتر، كيركجارد. أما التحليلية -التي انطلقت من المملكة المتحدة وتطورت بين بريطانيا وأمريكا- فتعتمد على التحليل اللغوي، وتهتم بالابستمولوجيا أكثر من اهتمامها بالماورائيات. لا تُشغل التحليلية بالأسئلة الوجودية الكُبرى: كالموت، ومعنى الحياة، ولا تسأل إن كان ما نراه فعلا هو الواقع أو إن كان هذا مجرد انعكاس للتجربة الذهنية.
للقارئ المهتم أن يلجأ لصفحة «الفلسفة التحليلية في مقابل القارية» على ويكبيديا التي توفر مدخلًا ميسرًا للموضوع.
لماذا الفلسفة؟
1. الآثار الجانبية للعلم: إن العلم الذي قدم لنا الكهرباء والإنترنت، وحمانا من الجوع عبر تطوير تقنيات الزراعة وحفظ وإنتاج الأغذية، هو ذاته الذي طور القنبلة النووية، هو ذاته الذي أدى للتلوث، والاحتباس الحراري مهددًا حياة الملايين حول العالم. إن مثل هذه الأمثلة لخروج الأمور عن السيطرة، تدفعنا للتفكير بمسؤولية العالِم. يُخلي البعض العلماء من المسؤولية تمامًا على افتراض أن القيم الأخلاقية تتعارض مع الموضوعية. وعليه فلا يُخلى الباحثون من المسؤولية فحسب، بل ان هذا الانفلات من أي موقف أخلاقي يُرى باعتباره أمرًا مُحبذًا.
2. الجدال: تُمكنك أدوات الفلسفة من الجدال على نحو إيجابي. تُعلمنا كيف نُفكر. تعلمنا أيضًا كيف نكشف عن المغالطات، عن التفكير «الأعوج» كما يسميه روبرت هـ. ثاولس في كتابه الشهير والمهم «التفكير المستقيم والتفكير الأعوج». المغالطات هي أخطاء منطقية تؤدي بحجة ما لأن تُعتبر غير صحيحة، كالاستدلال الخاطئ، أو بنيان الحجة على حقائق غير دقيقة. مغالطات قد تكون سمعت بها مثل: رجل القش، استجداء السؤال، المعضلة الخاطئة. أحد الأمثلة على المغالطات مثلا هو بقول (سين): دعم مأوى الحيوان عمل إنساني. والذي يستجيب له (صاد) بالقول: ماذا عن المحتاجين في إفريقيا، الذين يموتون يوميا من الجوع. تكمن المغالطة هنا في عرض الحجة باعتبارها إما هذا أو ذاك، وبذلك تشتيت المجادلين عن كون الاعتراض في غير محله؛ لأن دعم المحتاجين من البشر لا يتعارض مع دعم الحيوانات.
تمكنك أدوات الفلسفة -أيضًا- من الحكم على الأمور بشكل أفضل. إذا ما قابلك بحثان نتائجهما متضاربة، كيف تختار؟ هنا تأتي أهمية التفكير الناقد. القدرة على فحص ما إذا كانت حجة ما سليمة أو لا. وهي مهارة يتطلبها أي حقل علمي. وحتى في حياتنا اليومية، ليس بمقدور العلم وحده أن يخبرنا كيف نستخلص حُكمًا حول ما يُحدث حولنا في العالم، وكلما تعددت أدواتك، كلما كان بالإمكان الحكم بشكل أفضل على الأمور.
3. التوصل للأحكام الأخلاقية: عندما تعرض علماء الذكاء الاصطناعي -عند تطويرهم السيارات ذات القيادة الذاتية- لمشكلة صناعة القرار حين تكون المركبة أمام خيارٍ مصيري، لجأ منظرو علوم الكمبيوتر إلى الفلسفة من أجل العثور على إجابة. تخيل أن مركبة آلية التحكم على وشك الاصطدام بمجموعة من المشاة أمامها ممن يقطعون الطريق في غير معابر المشاة. إذا استمرت السيارة في طريقها فستدهس 4 أشخاص. إذا ما تجنبتهم وخرجت إلى الرصيف فإنها ستدهس شخصًا واحدا فقط - شخصا بريئا، لكنه وحيد. هذه معضلة فلسفية شهيرة تُدعى معضلة الترولي. يُجادل النفعيون أن المسؤولية الأخلاقية تقتضي تعريض أقل عدد ممكن للأذى، وبالتالي دهس الماشي على الرصيف. لكن يمكن الاعتراض على ذلك بالقول انك إذا ما دهست الماشي على الرصيف فإنك تتسبب بوفاة شخص بريء، بينما الخمسة -على عكسه- يتحملون جزءًا من المسؤولية، لعبورهم الطريق من الأماكن غير المخصصة للمشاة. الفلسفة الأخلاقية إذا تُشكل رافدًا مهمًا لبعض العلوم. وإهمالها يعني إهمال جسد من الأدبيات، وتعطيل مسيرة التقدم البشري.
4. مشكلات العلم والطريقة العلمية: عادة ما يتوصل العلماء لاستنتاجاتهم بالاستقراء. مثلا -ولنأخذ مثال ديفيد هيوم الذي سلط الضوء على مشكلة الاستقراء- يُراقب العالم لون البجع. البجعة الأولى، الثانية، وحتى نهاية العينة كانت جميعها بيضاء. يخرج بعدها العالم بنتيجة أن جميع البجع أبيض. لا يتطلب الأمر سوى بجعة سوداء واحدة لنقض النظرية. لكننا نفعل ذلك كل يوم عند التفكير بأمور مثل: الفناء، وشروق الشمس غدًا. إننا نأخذها كمسلمات فقط؛ لأننا لم نشهد عكس ذلك إلى اليوم (لم نعرف أي شخص خالد، ولم نسجل أي يوم لم تُشرق فيه الشمس). هذا ما يفعله العلماء تمامًا، يخرجون بنظريات مفترضين أن قوانين الطبيعة التي وجدت اليوم ستوجد غدًا.
5. مشكلات العلم والمؤسسة العلمية: يرى الكثير من المنظرين اليوم أن العلم يعاني من مشكلة «تجارية العلم». بمعنى أن نتائج الأبحاث تعتمد بشكل كبير على الجهة التي تمول البحث. لا يحدث هذا بالضرورة على نحو واعٍ، بل ضمنيًا على نحو غير واعٍ تقريبًا. يمكن التأثير على النتائج عبر تصميم التجربة على نحو يُرجح كفة النتيجة التي يُريدها الممول. مثل اختيار سلالة من الفئران غير حساسة لمادة سمية تؤثر على البشر، بهدف إثبات أن مُنتجا ما سليم ولا خطر في استخدامه.
اليوم -ومع كل هذا التقدم التقني- لا يمكن أن نحصر السؤال في ما إذا كان بالإمكان فعل شيء ما، بل أيضا ماذا يعني فعل ذلك الشيء، وما هي التبعات. لنتحدث مثلا حول مسألة الخصوصية حماية البيانات. تقنيا نحن قادرون على بناء أنظمة مركزية، حيث تُخزن جميع البيانات في مكان واحد، وتكون قابلة للاستعادة -نظريًا- من أي مكان في العالم. لكن ما هي تبعات ذلك؟ قوانين وتنظيمات «النظام الأوروبي العام لحماية البيانات» يُمكن أن تُرى على أنها مُعرقلة، وضد الفعالية، لكنها توفر للمواطنين والمقيمين تحكمًا عاليًا بمعلوماتهم الشخصية، عبر عدم إتاحتها بالمرة. ملفك الطبي في عيادة معينة، لا يتم مشاركته مع وزارة الصحة، أو العيادات الأخرى، إذ للمريض كامل السيطرة بمسار معلوماته الشخصية.
لا يهدف المقال -بأي شكل- إلى التقليل من قيمة العلم، إنه ببساطة يضع العلوم الإنسانية (الفلسفة هنا) على قدم المساواة مع العلوم الطبيعية. إذ يبدو اليوم أننا في حاجة فعلية ليس للعلوم وحدها، بل لأن «نتفلسف» حولها، كخطوة تالية وطبيعية.
نشرت مجلة منشور الإلكترونية مؤخرًا مقالًا بعنوان «نظرة على مناهج تدريس الفلسفة في الخليج» تطرق المقال إلى غياب الفلسفة تقريبًا من المناهج الخليجية. قد أتفهم جدل شخص ما ضد الفلسفة القارية، باعتبارها «غير مفيدة» إذا ما كان الحكم النفعي هو المعيار. إلا أن بعض المجالات الفرعية للفلسفة مثل المنطق، التفكير العلمي، فلسفة الأخلاق، كلها تزود الطلبة بمهارات أساسية إن كان للممارسة العلمية، أو الحياتية. إنها تجعلهم يفكرون بالأشياء خارج منطق الصواب والخطأ وبلغة الحجة السليمة أو غير السليمة بمعزل عن رأيهم الشخصي حولها.
كانت دراستي لتخصص فلسفة العلوم نابعة من اهتمامي بالعلم، إلا أنها أدّت في الواقع لزيادة قناعتي بأهمية الفلسفة. دراستي لعلوم الكمبيوتر في مرحلة البكالوريوس، زودتني بحس منطقي معقول. ما جعل ممارسة الفلسفة التحليلية أمرًا ممكنًا، رغم افتقاري التام للخبرة الفلسفية. سأجادل في هذا المقال أن الفلسفة تجعل ممارساتنا للعلم أكثر مسؤولية، وتجعل حكمنا على المسائل -حتى العلمي منها- أكثر منطقية.
الفلسفة القارية مقابل الفلسفة التحليلية
في الفلسفة الغربية تحديدًا، ثمة اليوم مدرستان للفلسفة: التحليلية في إزاء القارية. نشأت الفلسفة التحليلية كحركة مقابلة للقارية، لأن القاريين -كما يراهم التحليليون- يفتقرون للصرامة العلمية، ويعتمدون على الحدس والتأمل بشكل واسع في إنتاجهم. في المقابل يعتمد التحليليون على العلوم الطبيعية، و«يتفلسفون» في مرحلة تتلو النتائج التجريبية التي توفرها العلوم الطبيعية.
تأخذ الفلسفة القارية اسمها من قارة أوروبا. يكتب بهذه الطريقة مثلا نيتشه، سارتر، كيركجارد. أما التحليلية -التي انطلقت من المملكة المتحدة وتطورت بين بريطانيا وأمريكا- فتعتمد على التحليل اللغوي، وتهتم بالابستمولوجيا أكثر من اهتمامها بالماورائيات. لا تُشغل التحليلية بالأسئلة الوجودية الكُبرى: كالموت، ومعنى الحياة، ولا تسأل إن كان ما نراه فعلا هو الواقع أو إن كان هذا مجرد انعكاس للتجربة الذهنية.
للقارئ المهتم أن يلجأ لصفحة «الفلسفة التحليلية في مقابل القارية» على ويكبيديا التي توفر مدخلًا ميسرًا للموضوع.
لماذا الفلسفة؟
1. الآثار الجانبية للعلم: إن العلم الذي قدم لنا الكهرباء والإنترنت، وحمانا من الجوع عبر تطوير تقنيات الزراعة وحفظ وإنتاج الأغذية، هو ذاته الذي طور القنبلة النووية، هو ذاته الذي أدى للتلوث، والاحتباس الحراري مهددًا حياة الملايين حول العالم. إن مثل هذه الأمثلة لخروج الأمور عن السيطرة، تدفعنا للتفكير بمسؤولية العالِم. يُخلي البعض العلماء من المسؤولية تمامًا على افتراض أن القيم الأخلاقية تتعارض مع الموضوعية. وعليه فلا يُخلى الباحثون من المسؤولية فحسب، بل ان هذا الانفلات من أي موقف أخلاقي يُرى باعتباره أمرًا مُحبذًا.
2. الجدال: تُمكنك أدوات الفلسفة من الجدال على نحو إيجابي. تُعلمنا كيف نُفكر. تعلمنا أيضًا كيف نكشف عن المغالطات، عن التفكير «الأعوج» كما يسميه روبرت هـ. ثاولس في كتابه الشهير والمهم «التفكير المستقيم والتفكير الأعوج». المغالطات هي أخطاء منطقية تؤدي بحجة ما لأن تُعتبر غير صحيحة، كالاستدلال الخاطئ، أو بنيان الحجة على حقائق غير دقيقة. مغالطات قد تكون سمعت بها مثل: رجل القش، استجداء السؤال، المعضلة الخاطئة. أحد الأمثلة على المغالطات مثلا هو بقول (سين): دعم مأوى الحيوان عمل إنساني. والذي يستجيب له (صاد) بالقول: ماذا عن المحتاجين في إفريقيا، الذين يموتون يوميا من الجوع. تكمن المغالطة هنا في عرض الحجة باعتبارها إما هذا أو ذاك، وبذلك تشتيت المجادلين عن كون الاعتراض في غير محله؛ لأن دعم المحتاجين من البشر لا يتعارض مع دعم الحيوانات.
تمكنك أدوات الفلسفة -أيضًا- من الحكم على الأمور بشكل أفضل. إذا ما قابلك بحثان نتائجهما متضاربة، كيف تختار؟ هنا تأتي أهمية التفكير الناقد. القدرة على فحص ما إذا كانت حجة ما سليمة أو لا. وهي مهارة يتطلبها أي حقل علمي. وحتى في حياتنا اليومية، ليس بمقدور العلم وحده أن يخبرنا كيف نستخلص حُكمًا حول ما يُحدث حولنا في العالم، وكلما تعددت أدواتك، كلما كان بالإمكان الحكم بشكل أفضل على الأمور.
3. التوصل للأحكام الأخلاقية: عندما تعرض علماء الذكاء الاصطناعي -عند تطويرهم السيارات ذات القيادة الذاتية- لمشكلة صناعة القرار حين تكون المركبة أمام خيارٍ مصيري، لجأ منظرو علوم الكمبيوتر إلى الفلسفة من أجل العثور على إجابة. تخيل أن مركبة آلية التحكم على وشك الاصطدام بمجموعة من المشاة أمامها ممن يقطعون الطريق في غير معابر المشاة. إذا استمرت السيارة في طريقها فستدهس 4 أشخاص. إذا ما تجنبتهم وخرجت إلى الرصيف فإنها ستدهس شخصًا واحدا فقط - شخصا بريئا، لكنه وحيد. هذه معضلة فلسفية شهيرة تُدعى معضلة الترولي. يُجادل النفعيون أن المسؤولية الأخلاقية تقتضي تعريض أقل عدد ممكن للأذى، وبالتالي دهس الماشي على الرصيف. لكن يمكن الاعتراض على ذلك بالقول انك إذا ما دهست الماشي على الرصيف فإنك تتسبب بوفاة شخص بريء، بينما الخمسة -على عكسه- يتحملون جزءًا من المسؤولية، لعبورهم الطريق من الأماكن غير المخصصة للمشاة. الفلسفة الأخلاقية إذا تُشكل رافدًا مهمًا لبعض العلوم. وإهمالها يعني إهمال جسد من الأدبيات، وتعطيل مسيرة التقدم البشري.
4. مشكلات العلم والطريقة العلمية: عادة ما يتوصل العلماء لاستنتاجاتهم بالاستقراء. مثلا -ولنأخذ مثال ديفيد هيوم الذي سلط الضوء على مشكلة الاستقراء- يُراقب العالم لون البجع. البجعة الأولى، الثانية، وحتى نهاية العينة كانت جميعها بيضاء. يخرج بعدها العالم بنتيجة أن جميع البجع أبيض. لا يتطلب الأمر سوى بجعة سوداء واحدة لنقض النظرية. لكننا نفعل ذلك كل يوم عند التفكير بأمور مثل: الفناء، وشروق الشمس غدًا. إننا نأخذها كمسلمات فقط؛ لأننا لم نشهد عكس ذلك إلى اليوم (لم نعرف أي شخص خالد، ولم نسجل أي يوم لم تُشرق فيه الشمس). هذا ما يفعله العلماء تمامًا، يخرجون بنظريات مفترضين أن قوانين الطبيعة التي وجدت اليوم ستوجد غدًا.
5. مشكلات العلم والمؤسسة العلمية: يرى الكثير من المنظرين اليوم أن العلم يعاني من مشكلة «تجارية العلم». بمعنى أن نتائج الأبحاث تعتمد بشكل كبير على الجهة التي تمول البحث. لا يحدث هذا بالضرورة على نحو واعٍ، بل ضمنيًا على نحو غير واعٍ تقريبًا. يمكن التأثير على النتائج عبر تصميم التجربة على نحو يُرجح كفة النتيجة التي يُريدها الممول. مثل اختيار سلالة من الفئران غير حساسة لمادة سمية تؤثر على البشر، بهدف إثبات أن مُنتجا ما سليم ولا خطر في استخدامه.
اليوم -ومع كل هذا التقدم التقني- لا يمكن أن نحصر السؤال في ما إذا كان بالإمكان فعل شيء ما، بل أيضا ماذا يعني فعل ذلك الشيء، وما هي التبعات. لنتحدث مثلا حول مسألة الخصوصية حماية البيانات. تقنيا نحن قادرون على بناء أنظمة مركزية، حيث تُخزن جميع البيانات في مكان واحد، وتكون قابلة للاستعادة -نظريًا- من أي مكان في العالم. لكن ما هي تبعات ذلك؟ قوانين وتنظيمات «النظام الأوروبي العام لحماية البيانات» يُمكن أن تُرى على أنها مُعرقلة، وضد الفعالية، لكنها توفر للمواطنين والمقيمين تحكمًا عاليًا بمعلوماتهم الشخصية، عبر عدم إتاحتها بالمرة. ملفك الطبي في عيادة معينة، لا يتم مشاركته مع وزارة الصحة، أو العيادات الأخرى، إذ للمريض كامل السيطرة بمسار معلوماته الشخصية.
لا يهدف المقال -بأي شكل- إلى التقليل من قيمة العلم، إنه ببساطة يضع العلوم الإنسانية (الفلسفة هنا) على قدم المساواة مع العلوم الطبيعية. إذ يبدو اليوم أننا في حاجة فعلية ليس للعلوم وحدها، بل لأن «نتفلسف» حولها، كخطوة تالية وطبيعية.
نشرت مجلة منشور الإلكترونية مؤخرًا مقالًا بعنوان «نظرة على مناهج تدريس الفلسفة في الخليج» تطرق المقال إلى غياب الفلسفة تقريبًا من المناهج الخليجية. قد أتفهم جدل شخص ما ضد الفلسفة القارية، باعتبارها «غير مفيدة» إذا ما كان الحكم النفعي هو المعيار. إلا أن بعض المجالات الفرعية للفلسفة مثل المنطق، التفكير العلمي، فلسفة الأخلاق، كلها تزود الطلبة بمهارات أساسية إن كان للممارسة العلمية، أو الحياتية. إنها تجعلهم يفكرون بالأشياء خارج منطق الصواب والخطأ وبلغة الحجة السليمة أو غير السليمة بمعزل عن رأيهم الشخصي حولها.