إعصار «شاهين» والتّعاون المجتمعي
الاثنين / 26 / صفر / 1443 هـ - 20:59 - الاثنين 4 أكتوبر 2021 20:59
بدر العبري
تجربة عُمان مع الأعاصير تجربة قديمة جدّا لما تشكله من ساحل طويل، ومفتوح على المحيط الهنديّ وبحر العرب، فهي «ثالث ثلاثة مع السّاحل الغربيّ لشبه القارة الهنديّة، وخليج عدن (القرن الأفريقيّ)، لهذا عمان تدخل في الدّول الثّمان في المحيط الهنديّ مع [بنجلاديش والهند والمالديف وباكستان وسيرلانكا وتايلند وماينمار]، والّتي لها حق إطلاق الأسماء على هذه الأعاصير».
وفي السّنوات الأخيرة من 2006 مرت عمان بحالات مداريّة متقاربة مثل جونو وفيت وميكونو، ومع وجود وسائل التّواصل الاجتماعي، وتقدّم المستوى العلميّ والمعرفيّ، ساهم ذلك في خلق وعي لدى العمانيين في التّعامل مع هذه الجوائح.
ولا شك أنّ الوعيّ يتمثل في خطين، خط رأسي يتمثل في البنية التّحتيّة، خصوصا ما يتعلق بمجاري الأودية، وتصريف المياه، والسّدود والأنفاق، وآلية بناء البيوت قريب السّاحل، ومستوى الأمان فيها، وخط أفقي يتمثل في الشّراك المجتمعيّ في التّعاون من حيث اتّباع التّعاليم والأوامر من الجهات المختصة، أو المساهمة في العمل التّطوعيّ الميدانيّ للتّقليل من المضار والمخاطر.
والّذي يهمنا هنا الخط الأفقي، في أهميّة وجود لحمة واحدة في التّعاون مع عواقب هذه الأنواء المناخيّة، وهي حالة طبيعيّة، تكررها لها أسبابه، كما أنّ زيادة السّكان بسبب الطّفرة النّفطيّة، والاستقرار في السّنوات الماضية؛ سيولد كثرة المساكن حول هذا الخطّ السّاحليّ، وخصوصا محافظة مسقط، وبالتّالي التّعرض للأضرار سيكون أكبر بلا شك على المنازل والبنية التّحتيّة، وحتى لا تتكرر أخطاء جونو مثلا؛ الأصل وجود بنية تحتيّة تتلاءم مع الأنواء المناخيّة، خصوصا المباني والطّرق ونحوها.
إلا أنّ المهم اليوم كوقت آنيّ هو حياة الإنسان، وتقليل أكبر ضرر من الخسائر البشريّة، وهو ما نجح فيه المجتمع العمانيّ بعد تجاربه السّابقة، وتبقى الإشكاليّة في الأفراد الّذين يأخذهم الحماس وحبّ المغامرة في مثل هذه الأوضاع، أو لا يستجيبون للأوامر الطّارئة، ممّا يلقون بأيديهم وأيدي غيرهم إلى التّهلكة، {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195].
الأمر الملازم الآخر هو التّعاون مع الجمعيّات الخيريّة والأهليّة القائمة على تقديم دورها الإنسانيّ والوطنيّ مع الجهات المختصّة رسميّا، وهذا يعتبر من أنبل ما يقدّمه الإنسان من دور وطنيّ وأخلاقيّ في بلده، سواء بالمشاركة أو بالمال، ورأينا في المجتمع العماني نماذج رائعة وكبيرة في هذا الجانب، بيد أنني أرى أيضا في سنوات قادمة ضرورة التّسهيل الأكبر في التّشجيع على إنشاء جمعيّات أهليّة وخيريّة تعنى بالشّأن المجتمعيّ والوطنيّ، والأصل لكلّ إنسان ومواطن نشاط اجتماعيّ وتطوعيّ يلتحق به من صغره وحتّى آخر لحظة من حياته، فكثرة الجمعيّات الخيريّة والأهليّة والتّطوعيّة تساهم بشكل كبير في تنوع الخدمات المجتمعيّة، وتنقل بالمجتمع من مجتمع يتكلّم كثيرا إلى مجتمع يعمل أكثر، وفعله يسبق قوله، وحراكه قبل نقده.
فما لحظته من قلّة الجمعيّات الأهليّة والتّطوعيّة عندنا؛ يجعل دورها مثقلا، ومحصورا في زوايا معينة، وتعاني في وقت الذّروة من نقص المساهمين والمشاركين المتطوعين، بينما كثرة الجمعيّات يؤدي إلى كثرة الإبداعات التّطوعيّة، وهذا يظهر أكثر في وقت الشّدّة؛ لأنّ الغاية كما أنّها واحدة؛ تصبح أيضا محددّة.
وبما أنّ الوقت الحالي الّذي نعيشه وقت شدّة يلزم الفعل أكثر من القول، والحركة أكثر من السّكون، والمبادرة أكثر من النّقد، لهذا التّعاون من الدّاخل هو الضّرورة الملحة حاليا، {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة/ 2]، ولكون التّعاون من الدّاخل يوّلد قوّة للوطن ذاته، كما يخلق ملحمة وطنيّة رأيناها تتكرر في الأنواء المناخيّة الماضية، فتكرارها والحفاظ عليها وفق آليّة واضحة، وعدالة اجتماعيّة ظاهرة؛ نتائجها بلا شك قريبة المدى من حيث الإغاثة الماديّة؛ لكنّها عظيمة الأثر من حيث البعد التّماسكيّ في المجتمع، الّذي ينصهر في الشّدائد في أسرة واحدة متماسكة، يمثلها جسد واحد لا ينفصل عن بعضه أبدا.
كما أنّ آليّة المساعدة ونوعيتها مهمّة أيضا، فالنّاس فيهم خير كثير، إلا أنّ حبّهم للتّعاون قد يتبرعون بالملابس أو الفرش أو التّغذية، بيد أنّ العديد من هذا قد يرمى، ولهذا أرى الإعانة النّقديّة هي الأهم، وتكون بيد الجهات القائمة بهذا رسميّا، كما لابدّ من هذه الجهات مع الرّقابة ضرورة العدل والإسراع في خدمة المتضررين، وهنا يأتي دور المساهمة الأهليّة من خلال مؤسسات المجتمع المدنيّ، والفرق الأهليّة والتّطوعيّة والثّقافيّة والرّياضيّة، بحيث يكون العمل مؤسّسيّا، وفي الوقت نفسه متكاملا، يخلق بذاته وعيّا اجتماعيّا بعيد المدى.
والسّؤال الّذي يطرح نفسه دائما: ماذا بعد إعصار (شاهين)؟ والّذي يهمني هنا الخط الأفقي مع أهميّة الخط الرّأسي، إلا أنّ حديثنا عن الأول، الّذي أراه كما أسلفت ضرورة خلق وعي مجتمعيّ في شكل مؤسّساتيّ، فيوجد لدينا حاليا وعي مجتمعي أفقي كبير جدّا على المستوى الذّهنيّ والعمليّ، إلا أنّه على المستوى المؤسّساتيّ بالمعنى التّطوعيّ والأهليّ فليست بتلك الصّورة الكبيرة، وإنّما تقتصر على مؤسّسات معينة لها طرقها المعروفة، بيد أنّ تسهيل إنشاء مؤسّسات تطوعيّة وأهليّة متعددة؛ تخلق وعيّا اجتماعيّا شموليّا من جهة، ورأسيّا من جهة أخرى، أمّا كونه شموليّا يكون بتنوّع الإبداعات الخدميّة الّتي يقدّمها الشّباب، ولا يقتصر عند الإعانات الأهليّة، أو عند المواسم الدّينيّة، والشّدائد المناخيّة، حيث أنّ المرجو وجود أكبر عدد من المجتمع لديه دربة اجتماعيّة تطوعيّة يساهم بها في بناء المجتمع، وأذكر مثلا في أمريكا وجدت من الخدمات الاجتماعيّة موهبة الطّبخ وصناعة الكعك، وريع هذه الصّناعة يذهب إلى مساعدة المشردين واللّاجئين، وهذه تنضوي تحت مؤسّسات كبرى لها مؤسّسات أصغر مربوطة بدور المعابد والجمعيّات الأهليّة، ممّا يجعل العمل يسيرا ومنظما، وفي الوقت نفسه أغلب من يعمل فيه متطوّع لا يرجو أجرا، بل يراه عملا إنسانيّا خالصا.
وأمّا على المستوى الرّأسي فلا شك أنّ الشّراك المجتمعيّ في الأعمال التّطوعيّة، وتسهيلها قدر الطّاقة، أثره عميق جدّا على المستوى الإنسانيّ أولا؛ لأنّ كلّ إنسان في داخله بذرة خير يحاول زراعتها، بيد أنّ الشّجرة قد تختلف، ولكن عندما تجد هذه البذور مجتمعا يسّهل لها تربة النّمو سوف تنمو في أشجار مختلفة، لتنتج ثمرا مختلفا، ينعم الجميع بها، بينما التّركيز على صورة واحدة، أو صور محصورة يحرم المجتمع من إبداعات ومواهب يحتاج إليها المجتمع، وتعمّق فيه النّاحية الانتمائيّة الوطنيّة والأمنيّة كجانب آخر بعد الجانب الإنسانيّ.
لهذا نرى أنّ مرحلة الشّدة، ومنها مثل هذه الأنواء المناخيّة الطّارئة تخلق وعيا من المراجعات الجمعيّة، لا تتوقف عند الشّدائد فقط، فالشّدائد مرحلة عابرة، والاهتمام يبدأ بعدها ليكون سلوكا مجتمعيّا ظاهرا وحيّا.
بيد ما وجدته من وعي أفقيّ في المجتمع العمانيّ؛ مبشراته كبيرة جدّا؛ لأنّ التّعامل مع هذه الأنواء الطّبيعيّة بعقلانيّة وفق العلم، والاستفادة من التّجارب السّابقة؛ يجعل التّعامل معها مستقبلا بعقلانيّة أكبر، كأيّ حالات استثنائيّة يمر بها المجتمعات الإنسانيّة، وإن كانت مؤلمة جدّا في بعض أحوالها، لكنّها لا تخرج عن دائرة الابتلاء الإنسانيّ وتعامله مع الطّبيعة وتغيّراتها وسننها.
بلا شك ما سيقدّمه المجتمع العمانيّ في تجاوز مرحلة (شاهين) في ذاته يسجل ملحمة إنسانيّة ووطنيّة أخرى، كما سجّل سابقا هذه الملاحم التّطوعيّة والإنسانيّة المشاركة للجهات الرّسميّة والمختصة في ذلك، ليدرك الجميع أنّ قوّته في داخله، كما أنّ قوّته في وحدته وتعاونه وتعدد شراكه، مع تقيّده بالأنظمة والقوانين الحافظة للجميع.
ولعل من الأهميّة الإشارة إلى ما بعد خفّة الإعصار وتراجعه، وكما له آثار سلبيّة في جوانب، سيترك أيضا تجمعات مائيّة كبيرة وهائلة، فلا يعني هذا تكرار المغامرات في هذه المياه، والّتي تشغل المجتمع عن قضيّته المحوريّة، وهي تخفيف الآثار السّلبيّة، فينبغي التّعقل في التّعامل مع هذه التّجمعات المائيّة، وحفظ الأنفس وهي أغلى ما تملكه الأوطان.
حفظ الله عُمان، وسائر البلدان.
تجربة عُمان مع الأعاصير تجربة قديمة جدّا لما تشكله من ساحل طويل، ومفتوح على المحيط الهنديّ وبحر العرب، فهي «ثالث ثلاثة مع السّاحل الغربيّ لشبه القارة الهنديّة، وخليج عدن (القرن الأفريقيّ)، لهذا عمان تدخل في الدّول الثّمان في المحيط الهنديّ مع [بنجلاديش والهند والمالديف وباكستان وسيرلانكا وتايلند وماينمار]، والّتي لها حق إطلاق الأسماء على هذه الأعاصير».
وفي السّنوات الأخيرة من 2006 مرت عمان بحالات مداريّة متقاربة مثل جونو وفيت وميكونو، ومع وجود وسائل التّواصل الاجتماعي، وتقدّم المستوى العلميّ والمعرفيّ، ساهم ذلك في خلق وعي لدى العمانيين في التّعامل مع هذه الجوائح.
ولا شك أنّ الوعيّ يتمثل في خطين، خط رأسي يتمثل في البنية التّحتيّة، خصوصا ما يتعلق بمجاري الأودية، وتصريف المياه، والسّدود والأنفاق، وآلية بناء البيوت قريب السّاحل، ومستوى الأمان فيها، وخط أفقي يتمثل في الشّراك المجتمعيّ في التّعاون من حيث اتّباع التّعاليم والأوامر من الجهات المختصة، أو المساهمة في العمل التّطوعيّ الميدانيّ للتّقليل من المضار والمخاطر.
والّذي يهمنا هنا الخط الأفقي، في أهميّة وجود لحمة واحدة في التّعاون مع عواقب هذه الأنواء المناخيّة، وهي حالة طبيعيّة، تكررها لها أسبابه، كما أنّ زيادة السّكان بسبب الطّفرة النّفطيّة، والاستقرار في السّنوات الماضية؛ سيولد كثرة المساكن حول هذا الخطّ السّاحليّ، وخصوصا محافظة مسقط، وبالتّالي التّعرض للأضرار سيكون أكبر بلا شك على المنازل والبنية التّحتيّة، وحتى لا تتكرر أخطاء جونو مثلا؛ الأصل وجود بنية تحتيّة تتلاءم مع الأنواء المناخيّة، خصوصا المباني والطّرق ونحوها.
إلا أنّ المهم اليوم كوقت آنيّ هو حياة الإنسان، وتقليل أكبر ضرر من الخسائر البشريّة، وهو ما نجح فيه المجتمع العمانيّ بعد تجاربه السّابقة، وتبقى الإشكاليّة في الأفراد الّذين يأخذهم الحماس وحبّ المغامرة في مثل هذه الأوضاع، أو لا يستجيبون للأوامر الطّارئة، ممّا يلقون بأيديهم وأيدي غيرهم إلى التّهلكة، {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195].
الأمر الملازم الآخر هو التّعاون مع الجمعيّات الخيريّة والأهليّة القائمة على تقديم دورها الإنسانيّ والوطنيّ مع الجهات المختصّة رسميّا، وهذا يعتبر من أنبل ما يقدّمه الإنسان من دور وطنيّ وأخلاقيّ في بلده، سواء بالمشاركة أو بالمال، ورأينا في المجتمع العماني نماذج رائعة وكبيرة في هذا الجانب، بيد أنني أرى أيضا في سنوات قادمة ضرورة التّسهيل الأكبر في التّشجيع على إنشاء جمعيّات أهليّة وخيريّة تعنى بالشّأن المجتمعيّ والوطنيّ، والأصل لكلّ إنسان ومواطن نشاط اجتماعيّ وتطوعيّ يلتحق به من صغره وحتّى آخر لحظة من حياته، فكثرة الجمعيّات الخيريّة والأهليّة والتّطوعيّة تساهم بشكل كبير في تنوع الخدمات المجتمعيّة، وتنقل بالمجتمع من مجتمع يتكلّم كثيرا إلى مجتمع يعمل أكثر، وفعله يسبق قوله، وحراكه قبل نقده.
فما لحظته من قلّة الجمعيّات الأهليّة والتّطوعيّة عندنا؛ يجعل دورها مثقلا، ومحصورا في زوايا معينة، وتعاني في وقت الذّروة من نقص المساهمين والمشاركين المتطوعين، بينما كثرة الجمعيّات يؤدي إلى كثرة الإبداعات التّطوعيّة، وهذا يظهر أكثر في وقت الشّدّة؛ لأنّ الغاية كما أنّها واحدة؛ تصبح أيضا محددّة.
وبما أنّ الوقت الحالي الّذي نعيشه وقت شدّة يلزم الفعل أكثر من القول، والحركة أكثر من السّكون، والمبادرة أكثر من النّقد، لهذا التّعاون من الدّاخل هو الضّرورة الملحة حاليا، {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة/ 2]، ولكون التّعاون من الدّاخل يوّلد قوّة للوطن ذاته، كما يخلق ملحمة وطنيّة رأيناها تتكرر في الأنواء المناخيّة الماضية، فتكرارها والحفاظ عليها وفق آليّة واضحة، وعدالة اجتماعيّة ظاهرة؛ نتائجها بلا شك قريبة المدى من حيث الإغاثة الماديّة؛ لكنّها عظيمة الأثر من حيث البعد التّماسكيّ في المجتمع، الّذي ينصهر في الشّدائد في أسرة واحدة متماسكة، يمثلها جسد واحد لا ينفصل عن بعضه أبدا.
كما أنّ آليّة المساعدة ونوعيتها مهمّة أيضا، فالنّاس فيهم خير كثير، إلا أنّ حبّهم للتّعاون قد يتبرعون بالملابس أو الفرش أو التّغذية، بيد أنّ العديد من هذا قد يرمى، ولهذا أرى الإعانة النّقديّة هي الأهم، وتكون بيد الجهات القائمة بهذا رسميّا، كما لابدّ من هذه الجهات مع الرّقابة ضرورة العدل والإسراع في خدمة المتضررين، وهنا يأتي دور المساهمة الأهليّة من خلال مؤسسات المجتمع المدنيّ، والفرق الأهليّة والتّطوعيّة والثّقافيّة والرّياضيّة، بحيث يكون العمل مؤسّسيّا، وفي الوقت نفسه متكاملا، يخلق بذاته وعيّا اجتماعيّا بعيد المدى.
والسّؤال الّذي يطرح نفسه دائما: ماذا بعد إعصار (شاهين)؟ والّذي يهمني هنا الخط الأفقي مع أهميّة الخط الرّأسي، إلا أنّ حديثنا عن الأول، الّذي أراه كما أسلفت ضرورة خلق وعي مجتمعيّ في شكل مؤسّساتيّ، فيوجد لدينا حاليا وعي مجتمعي أفقي كبير جدّا على المستوى الذّهنيّ والعمليّ، إلا أنّه على المستوى المؤسّساتيّ بالمعنى التّطوعيّ والأهليّ فليست بتلك الصّورة الكبيرة، وإنّما تقتصر على مؤسّسات معينة لها طرقها المعروفة، بيد أنّ تسهيل إنشاء مؤسّسات تطوعيّة وأهليّة متعددة؛ تخلق وعيّا اجتماعيّا شموليّا من جهة، ورأسيّا من جهة أخرى، أمّا كونه شموليّا يكون بتنوّع الإبداعات الخدميّة الّتي يقدّمها الشّباب، ولا يقتصر عند الإعانات الأهليّة، أو عند المواسم الدّينيّة، والشّدائد المناخيّة، حيث أنّ المرجو وجود أكبر عدد من المجتمع لديه دربة اجتماعيّة تطوعيّة يساهم بها في بناء المجتمع، وأذكر مثلا في أمريكا وجدت من الخدمات الاجتماعيّة موهبة الطّبخ وصناعة الكعك، وريع هذه الصّناعة يذهب إلى مساعدة المشردين واللّاجئين، وهذه تنضوي تحت مؤسّسات كبرى لها مؤسّسات أصغر مربوطة بدور المعابد والجمعيّات الأهليّة، ممّا يجعل العمل يسيرا ومنظما، وفي الوقت نفسه أغلب من يعمل فيه متطوّع لا يرجو أجرا، بل يراه عملا إنسانيّا خالصا.
وأمّا على المستوى الرّأسي فلا شك أنّ الشّراك المجتمعيّ في الأعمال التّطوعيّة، وتسهيلها قدر الطّاقة، أثره عميق جدّا على المستوى الإنسانيّ أولا؛ لأنّ كلّ إنسان في داخله بذرة خير يحاول زراعتها، بيد أنّ الشّجرة قد تختلف، ولكن عندما تجد هذه البذور مجتمعا يسّهل لها تربة النّمو سوف تنمو في أشجار مختلفة، لتنتج ثمرا مختلفا، ينعم الجميع بها، بينما التّركيز على صورة واحدة، أو صور محصورة يحرم المجتمع من إبداعات ومواهب يحتاج إليها المجتمع، وتعمّق فيه النّاحية الانتمائيّة الوطنيّة والأمنيّة كجانب آخر بعد الجانب الإنسانيّ.
لهذا نرى أنّ مرحلة الشّدة، ومنها مثل هذه الأنواء المناخيّة الطّارئة تخلق وعيا من المراجعات الجمعيّة، لا تتوقف عند الشّدائد فقط، فالشّدائد مرحلة عابرة، والاهتمام يبدأ بعدها ليكون سلوكا مجتمعيّا ظاهرا وحيّا.
بيد ما وجدته من وعي أفقيّ في المجتمع العمانيّ؛ مبشراته كبيرة جدّا؛ لأنّ التّعامل مع هذه الأنواء الطّبيعيّة بعقلانيّة وفق العلم، والاستفادة من التّجارب السّابقة؛ يجعل التّعامل معها مستقبلا بعقلانيّة أكبر، كأيّ حالات استثنائيّة يمر بها المجتمعات الإنسانيّة، وإن كانت مؤلمة جدّا في بعض أحوالها، لكنّها لا تخرج عن دائرة الابتلاء الإنسانيّ وتعامله مع الطّبيعة وتغيّراتها وسننها.
بلا شك ما سيقدّمه المجتمع العمانيّ في تجاوز مرحلة (شاهين) في ذاته يسجل ملحمة إنسانيّة ووطنيّة أخرى، كما سجّل سابقا هذه الملاحم التّطوعيّة والإنسانيّة المشاركة للجهات الرّسميّة والمختصة في ذلك، ليدرك الجميع أنّ قوّته في داخله، كما أنّ قوّته في وحدته وتعاونه وتعدد شراكه، مع تقيّده بالأنظمة والقوانين الحافظة للجميع.
ولعل من الأهميّة الإشارة إلى ما بعد خفّة الإعصار وتراجعه، وكما له آثار سلبيّة في جوانب، سيترك أيضا تجمعات مائيّة كبيرة وهائلة، فلا يعني هذا تكرار المغامرات في هذه المياه، والّتي تشغل المجتمع عن قضيّته المحوريّة، وهي تخفيف الآثار السّلبيّة، فينبغي التّعقل في التّعامل مع هذه التّجمعات المائيّة، وحفظ الأنفس وهي أغلى ما تملكه الأوطان.
حفظ الله عُمان، وسائر البلدان.