أفكار وآراء

حربُ أمريكا لم تضع أوزارَها

ترجمة : قاسم مكي -

ألقى الرئيس بايدن خطابا قويا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء (21 سبتمبر)، لكن سطرا واحدا منه لفت أنظار المراقبين وقوبل بالتصفيق. قال بايدن «أقف هنا اليوم لأول مرة منذ عشرين عاما والولايات المتحدة ليست في حرب. لقد قلبنا الصفحة.»

لكن هل نحن حقا كذلك «هل نحن لسنا في حرب»؟ ذلك ما لم يقله بايدن نفسه في رسالة بعث بها يوم 8 يونيو إلى قادة مجلسي النواب والشيوخ، حسبما هو مطلوب بموجب قانون سلطات الحرب.

ذكر بايدن أن الولايات المتحدة تنسحب من أفغانستان ولكنها تستمر في نشر قواتها «لتنفيذ عمليات مضادة للإرهاب وتقديم المشورة والعون ومرافقة القوات الأمنية لشركاء أجانب مختارين في عمليات مكافحة الإرهاب.»

وورد في رسالة الرئيس أن هذه القوات تواجه أخطارا، وقد تفرض الأوضاع الأمنية في العديد من هذه الأماكن على الأفراد العسكريين الأمريكيين «الدفاع عن أنفسهم ضد التهديدات أو الهجمات.»

هذه «الانتشارات» في معظمها لقوات صغيرة نسبيا. وطبيعة عملياتها وحجمها من الأسرار. لكن خطاب بايدن أشار إلى وجود القوات الأمريكية في بعثات «مهام» تتعلق بمحاربة الإرهاب في الشرق الأوسط وتركيا وشرق إفريقيا وبحيرة شاد ومنطقة الساحل الإفريقي «الصحراء الكبرى» والفلبين.

أكبر انتشار للقوات الأمريكية يوجد في العراق بحوالي 2500 جندي وسوريا بحوالي 900 جندي. يعمل هؤلاء الجنود على إسناد القوات المحلية والمتمثلة في القوات المسلحة العراقية والقوات الديمقراطية السورية «مليشيا كردية أساسا» وذلك بتزويدها بالمعلومات الاستخبارية والدعم الجوي واللوازم إلى جانب «مُعينَات» أخرى.

الهدف من هذه البعثة أساسا هو الحيلولة دون انبعاث داعش مجددا. ولكن أيضا التصدي لنمو النفوذ الإيراني في المنطقة.

فقدت داعش «خلافتها» التي كانت في وقت ما تسيطر على معظم شرق سوريا وشمال وغرب العراق في عام 2019. لكن لايزال لديها آلاف من المسلحين الذين يشنون هجمات إرهابية في العراق وسوريا.

لداعش أيضا تسعة فروع على الأقل حول العالم بما في ذلك في شمال إفريقيا وغرب إفريقيا والفلبين وبنجلاديش. ونفذ فرعها في أفغانستان «جماعة الدولة الإسلامية في خراسان» تفجيرا إرهابيا أدي إلى مقتل 13 عسكريا أمريكيا وما يقرب من 200 أفغاني في مطار كابول الشهر الماضي. لذلك من المعقول تماما أن تحتفظ الولايات المتحدة بوجود عسكري محدود لمنع داعش من التحول إلى مهدد متعاظم دائما.

توضح تجربة الصومال مدى صعوبة إنهاء مثل هذه العمليات الأمريكية فعليا. أمر الرئيس دونالد ترامب سحب الجنود الأمريكيين «700 جندي» من الصومال في ديسمبر لكن معظمهم لم يذهبوا بعيدا. فقط أعادوا تموضعهم في مخافر أمامية في الجارتين كينيا وجيبوتي.

وكشف الجنرال ستيفن تاونسيند قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا «آفريكوم» في أبريل أن حوالي 100 من الأفراد العسكريين لايزالون في الصومال وآخرين «يتنقلون جيئة وذهابا للعمل». بمعنى أنهم يطيرون إلى الصومال لتدريب القوات الصومالية لمقاتلة حرب الشباب بقدر أكبر من الفعالية.

وفي يونيو ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن قيادة آفريكوم تعكف على إعداد خطط لإرسال المزيد من المدربين إلى الصومال.

كما تتواصل الضربات بالطائرات المسيرة في ذلك البلد. ويورد مركز أبحاث «نيو أمريكا» في واشنطن أن الولايات المتحدة نفذت11 ضربة بالطائرات المسيرة في الصومال هذا العام وكان آخرها في 24 أغسطس. لقد شدَّد بايدن الضوابط التي تحكم الموافقة على ضربات الطائرات المُسيَّرة لكنه لم ينهِها.

هنالك سبب وجيه لاستمرار تدخل القوات الأمريكية عسكريا في الصومال والعديد من البلدان الأخرى. لا يعود ذلك إلى نفوذ القوات المسلحة والصناعات التي تزودها بالمعدات العسكرية «أو» المحافظين الجدد «أو» جنرالات حركة الوعي بالقضايا الاجتماعية «أو» أية نظرية مؤامرة.

سبب ذلك ببساطة أن واضعي السياسات في الولايات المتحدة يتصورون وجود تهديد حقيقي. لننظر في حالة الصومال. إنها بلد بعيد وفقير لكن «الشباب» وصفوا بأنهم «أكبر وأغنى وأعنف جماعة مرتبطة بالقاعدة في العالم».

يُعتَقد أن حركة الشباب لديها ما بين 5000 إلى 10000 مسلح يسيطرون على «مساحات واسعة من الأراضي جنوبي الصومال». وفي السنوات الأخيرة اُعتقل اثنان من عملاء الحركة كانا إما يتلقيان دروسا في الطيران أو يحاولان أن يفعلا ذلك وهما مدفوعان بما يبدو أنها رغبة واضحة في تقليد الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر.

تعهدت إدارة بايدن مرارا وتكرارا بتنفيذ ضربات ضد الإرهابيين قريبا. لكن الضربة التي أخطأت هدفها بواسطة طائرة مسيرة يوم 29 أغسطس في كابول وقتلت 10 من المدنيين توضح مدى صعوبة جمع معلومات استخبارية دقيقة في ظل عدم تواجد أفراد على الأرض. «من تبقى من الجنود الأمريكيين في أفغانستان وقتها كانوا فقط أولئك الموجودين في مطار كابول».

عمليات محاربة الإرهاب تكون أكثر فعالية حين تتوافر للولايات المتحدة عيون على الأرض «أفراد استخباريون وعسكريون يعملون مع القوات المحلية لتعقب الأهداف الإرهابية». ذلك هو السبب في أن الولايات المتحدة، مع كل ما يقوله بايدن عن إنهاء «الحروب الأبدية»، لا يمكنها سحب كل أفرادها من الخطوط الأمامية.

خفَّ القتال كثيرا قياسا بذروته عندما كان لدى الولايات المتحدة عشرات الآلاف من الجنود المقاتلين في أفغانستان والعراق ، لكنه لم ينته.

لكن الجماعات المتطرفة لاتزال تقاتل. لذلك تتصدى لها الولايات المتحدة وحلفاؤها. هذا يعني أننا، بعكس ما قاله بايدن يوم الثلاثاء، لا نزال نحارب.

عن واشنطن بوست