عمان ... التي في خاطري !!
الاثنين / 12 / صفر / 1443 هـ - 22:51 - الاثنين 20 سبتمبر 2021 22:51
د. عبد الحميد الموافي
إذا كان من المعروف أن حديث الذات ليس سهلا، فضلا عما يكتنفه عادة من صعوبات وحساسيات ومزالق، قد تحدث بغير إرادة، أو قد يضعك فيها آخرون لسبب أو لآخر، فإن الأصعب هو أن يتحدث الإنسان عن حياة ممتدة في مجتمع أحبه وتعامل معه بإخلاص وتفان كبيرين، كأحد أبنائه دون أية مبالغة، فمرحلة النهضة والبناء على مدى الخمسين عاما الماضية كانت قادرة على استيعاب كل جهد مخلص من أي مواطن أو مقيم على امتداد الأرض العمانية.
والمؤكد أنه من حسن الحظ أن أتيحت للإنسان هذه الفرصة الطيبة للمشاركة في عملية تنمية وبناء شامل للسلطنة، التي شكلت بإرادة ووعي قوة مضافة لمجمل القوة العربية على كل المستويات. وهي تظل عملية تنمية وبناء ذات سمات خاصة ومميزة بين تجارب التنمية العربية في النصف الثاني من القرن العشرين، سواء بحجم الإنجاز ومجالاته واتساعه، أو بحكم طبيعته وتساميه وإنسانيته وقدرته على استيعاب كل العاملين، مواطنين ومقيمين في دولاب عمل وتفاعل، لم يتوقف ولم يميز بين مواطن ومقيم بأي شكل تقريبا، وهو ما عزز مشاعر الارتباط والالتزام لدي القطاع الأكبر من العاملين المقيمين وأشعر الجميع بأنهم ضمن منظومة العمل العمانية التي تعتز بهم وتحرص عليهم.
جدير بالذكر أن الالتحاق بقافلة العمل في السلطنة لم يكن مصادفة، ولكنه كان اختيارا تغلب على خيارات أخرى صاحبته قبل أكثر من أربعين عاما، ففي أول ثمانينيات القرن الماضي لم تكن توفرت لي معلومات كافية عن السلطنة، فالتقارير حولها كانت محدودة في ذلك الوقت، مقارنة بالتطورات في اليمن والكويت مثلا، ولكن مع تحول صحيفة عمان إلى صحيفة يومية تم اختيار كل من الدكتور محمد السعيد إدريس والدكتور عبد العاطي محمد والأستاذ صلاح أبو النجا - رحمه الله - وكانوا ضمن العاملين في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، للعمل في القسم السياسي في صحيفة عمان، وفي 14 فبراير 1982 وصلت والصديق الدكتور إبراهيم نوار إلى مطار السيب - مطار مسقط الدولي - للانضمام إلى الأصدقاء سعيد وعبد العاطي وصلاح، وعندما ذهبت أعتذر للأستاذ سيد ياسن مدير مركز الأهرام لأنه كان قد اتخذ إجراءات التعيين لي وللصديق الدكتور حسن أبو طالب، قال ما هي حكاية عمان التي جذبتكم، « هتعملوا هناك كوميونتي؟»، قلت له: إن الأمر مؤقت ولن يستغرق وقتا طويلا، ولم نكن ندري أن المقادير تسير في اتجاه آخر !! شعرت بالامتنان لمعالي عبد العزيز الرواس وزير الإعلام ورئيس مجلس إدارة صحيفة عمان « في ذلك الوقت» لموافقته على سفري إلى تونس بعد بضعة أسابيع من عملي في عمان، وذلك للمشاركة بدراسة في ندوة مركز دراسات الوحدة العربية حول «جامعة الدول العربية الواقع والطموح»، والتي عقدت في العاصمة التونسية، وكان قد تم الاتفاق بشأنها مع المرحوم الدكتور خير الدين حسيب رئيس المركز. وفي أغسطس 1985 تمت مناقشة رسالة الدكتوراه بعد أن تأجلت أكثر من مرة لعدم توافق المواعيد مع أستاذي الدكتور عز الدين فودة رحمه الله.
كان العمل في قسم الدراسات في صحيفة عمان، وفي الصحيفة ككل، جادا ومكثفا، فكان بمثابة مهمة ودور ينبغي القيام به على أفضل ما يكون للإسهام في عملية التنمية والبناء على أوسع نطاق ممكن، وشهد القسم انضمام الصديق حسين عبد الغني، والصديق عوض باقوير ومعالي سالم المحروقي والصديق على الحارثي والأستاذ علي حاردان، رحمه الله، وترسخت الصفحات السياسية وافتتاحية الصحيفة - لقاء اليوم ثم كلمة عمان - وانتقل ذلك إلى الصحف العمانية الأخرى والتي لم تكن تهتم أو تخصص صفحات للآراء السياسية ضمن تبويبها. وساعد على ذلك أن شريحة مهمة من الشعب العماني كانت تهتم بالقضايا والتطورات السياسية ومتابعتها. وكان تولي حمد الراشدي رئاسة تحرير صحيفة عمان بمثابة نقلة كبيرة خاصة على صعيد الاهتمام بالقضايا المحلية من خلال ملحق الولايات الذي أشرف على إصداره، و كذلك من خلال كتابة افتتاحية في الصفحة الأولى، مع استمرار «لقاء اليوم» في مكانه بصفحات الدراسات.
وفي افتتاحية الصفحة الأولى تحدث حمد الراشدي، وللمرة الأولى، عن « القابوسية « وفكر السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه - في ذلك الوقت المبكر من ثمانينيات القرن الماضي، كانت المباني في مسقط قليلة العدد نسبيا، وأحياء كثيرة لم تكن قد ظهرت بعد، لا الحي التجاري، الذي كان به مبنى البنك المركزي ومبنى بريد عمان، ولا حي الشاطئ، شاطئ القرم، ولا المباني التي امتدت وتوسعت في أحياء الوادي الكبير والغبرة وبوشر، وبالطبع بين مطار مسقط ومدينة السيب، وعندما تم إدخال إشارات المرور والسماح بسيارات التاكسي وتطوير النقل الجماعي، وتشييد جسور طريق السلطان قابوس وتوسيعه وبناء قصر البستان في منتصف الثمانينيات، كان ذلك نقلة ضخمة شعر بها كل المواطنين والمقيمين، وجسدتها احتفالات العيد الوطني الخامس عشر، فهناك دولة تتكامل وتنمو وتكبر يوما بعد يوم، وهي في طريقها تحرص على بناء الإنسان والشباب بشكل خاص، لأنهم قوة الحاضر وأمل المستقبل، وكان السلطان قابوس - طيب الله ثراه - دائم المتابعة والتحرك والاطمئنان بنفسه على ما يجري من عمل وإنجاز، ليس فقط في مسقط وضواحيها، ولكن في مختلف ولايات السلطنة، كانت السلطنة كلها خلية نحل نشطة، ولذا لم تكن هناك فرصة، ولا مجال لإضاعة الوقت، ولا للتوقف أمام الصغائر، وكانت مصلحة الوطن تسبق أية مصلحة أخرى، وكان الإعلام مواكبا لذلك كله ومعبرا عنه بفضل جهود عبد العزيز الرواس، وهو ما سار عليه حمد الراشدي خلال توليه وزارة الإعلام، والتي شهدت الانتقال إلى التقنية الرقمية بفضل الاستوديوهات الرقمية التي أكملها، واستمرت المسيرة برعاية الدكتور عبد المنعم الحسني، وهو ما يكمله الآن معالي الدكتور عبدالله الحراصي وزير الإعلام. وطوال هذه المسيرة كان الإعلام العماني، ولا يزال مرآة صافية وصادقة لحركة التنمية والبناء على امتداد الوطن، ودون مبالغات أو مزايدات، ودون تجاهل أيضا لأية قضايا تهم الوطن والمواطن وخاصة قطاع الشباب. والمؤكد أن جيل الشباب الذي يتولى المسؤولية في المؤسسات الإعلامية المختلفة، يتحمل عبئا ومسؤولية كبيرة، ليس فقط في الحفاظ على رسالة الإعلام العماني والأسس التي ارتكزت وتقوم عليها، ولكن أيضا في تطوير الأداء ومواكبة التطورات الكبيرة التي لا تتوقف على صعيد الأداء وتقنية الاتصالات والمعلومات، والتطورات السياسية التي تموج بها المنطقة والعالم من حولها، وجميعها يفرض المزيد من اليقظة والوعي والانحياز إلى مصلحة الوطن والمواطن بكل ما يعنيه ذلك من معنى.
نعم مرت سنوات العمر سريعا، ولم يتبق سوى أقل من أربعة أشهر ليكتمل العام الأربعين في ربوع هذه الأرض الطيبة، إنها بالفعل فترة طويلة، ولكن المؤكد أنه لم يكن مخططا لها، ولم تكن متصورة أيضا، ولكن الاشتغال بالعمل، والحرص على الإجادة، والوفاء لعمان المجتمع والمواطن، أتاح الفرصة في الواقع للتعرف وتلمس الكثير من الجوانب الطيبة والأصيلة لدى المواطن والمجتمع العماني، وهو ما سمح بقدر كبير من التفاعل والتوحد مع جهود التنمية والبناء للوطن العماني، ومن ثم اختفت الفجوة بين المواطن والمقيم، وأصبح الأداء في عمان، كالأداء في مصر، وأصبح تقدم ورفاهية وازدهار عمان بمثابة جزء من تقدم ورفاهية وازدهار مصر وكل وطن عربي آخر، وكانت الأصالة التي يتمتع بها المواطن العماني، بكل مستوياته، مسؤولين ومواطنين عاديين، والكياسة والسلوك الحضاري، وتقدير الآخر والود حياله، بمثابة خيوط قوية تربط الإنسان بهذا المجتمع العربي الأصيل، الذي لا يفرض عليك أية مشكلات، ولا يسبب للمقيم أية مضايقات طالما أنه يلتزم بقيم المجتمع وتقاليده، وبالفعل نمت واتسعت علاقات الصداقة مع الكثيرين من الإخوة والأصدقاء والزملاء، ولم يشعر الإنسان بالغربة، فالجميع كان يحرص دوما على بث الود والمشاعر الطيبة والصادقة وإتاحة الفرصة للمشاركة في المناسبات المختلفة بقدر الإمكان. ومما ينبغي الإشارة إليه على سبيل المثال أن الشيخ سعيد هو نموذج للعماني الأصيل، وهو والد صديق عزيز تربطني به علاقة صداقة طيبة، عميقة وممتدة، أدعو الله أن يحفظها دوما، ومع احترامي وتقديري لكل البيوت التي دعيت إليها، فإن بيت الشيخ سعيد هو أكثر البيوت العمانية التي دخلتها وأعتز بها كثيرا.
جدير بالذكر أن الأربعين عاما التي تسرع الآن إلى نهايتها شهدت ما أعتز به بالفعل من أداء، سواء في عملي الصحفي أو البحثي على المستوى الشخصي، وإذا كان تقييم الإنسان يترك دوما لمن عمل معهم بمستوياتهم المختلفة، فإن مما أعتز به أن الأعوام الماضية، وبرغم طولها، كانت أعواما طيبة ولم ينغصها شيء على أي مستوى. وإلى جانب كثير مما أسهمت فيه مع مؤسسات عمانية مختلفة، فإنه قد تم إصدار كتاب «عمان بناء الدولة الحديثة « عام 2002 وكتاب «عمان والأمن في الخليج» عام 2013، وسيتم إصدار كتاب «السلطان قابوس الحياة من أجل عمان» خلال الأسابيع القادمة، إلى جانب كتاب يضم الأحاديث الصحفية والمقابلات التي أجراها السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه - وقد تم تجميع تلك الأحاديث والمقابلات بجهد كبير ومن مصادر عدة من أبرزها دائرة الدراسات بوزارة الإعلام، وصحيفة عمان، وصحيفة الوطن، وتم نقل المقابلات بعد استكمالها من النسخة الورقية إلى النسخة الإلكترونية وسيتم نشرها لتمثل إلى جانب خطب السلطان قابوس مرجعا لا غنى عنه للمهتمين والباحثين في الشؤون العمانية، ولعل هذه فرصة للتقدم بالشكر والتقدير لكل من أسهم في تحقيق هذا الأمر شديد الأهمية.
كما كانت هناك المشاركة في ندوة «عمان في التاريخ «، وندوة «عمان في القرن الحادي والعشرين» بجامعة السلطان قابوس، وندوة «الديمقراطية في العالم العربي» بمركز الدراسات بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة بدراسة حول السلطنة، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.
وبينما يسعدني أن أتقدم بكل الشكر والعرفان إلى عبد العزيز الرواس، وحمد الراشدي، والشيخ عبدالله القتبي، والدكتور عبد المنعم الحسني، ومعالي الدكتور عبدالله الحراصي وزير الإعلام، وسعادة علي الجابري وكيل وزارة الإعلام، وكل الأخوة والزملاء الذين شرفت بالعمل معهم في صحيفة عمان ووكالة الأنباء العمانية، وهم كثر فإنني أدعو الله أن يتغمد برحمته كل من السيد سلطان بن حمد البوسعيدي والشيخ محمد المرهون وسهيل المعشني، وكل من انتقل إلى رحمة الله من الزملاء، وأن أدعو بالتوفيق لمن يتولون مسؤولية الإعلام في صحيفة عمان ووكالة الأنباء العمانية، وأثق بالفعل في قدراتهم وكفاءاتهم وخبراتهم التي تمكنهم من الوصول إلى الأهداف المرجوة، في الحاضر والمستقبل.
وإذ أتمنى لعمان الوطن والدولة والمجتمع والمواطن كل التقدم والازدهار في ظل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - فإن عمان ينتظرها مستقبل واعد إن شاء الله، في المرحلة الثانية من نهضتها المتجددة ومن «الحياة من أجل عمان» وهو ما أكد عليه جلالة السلطان هيثم بن طارق في أكثر من خطاب، ويسعى جاهدا إلى تطبيقه على أرض الواقع. وسأبقى دوما معتزا بعمان، دولة ومجتمعا ومواطنا، وبأصدقائي فيها وهم يعرفون أنفسهم، ومتمنيا لها دوام الصحة والسعادة، إنه سميع مجيب. ولأن هذه هي طبيعة الحياة فإنه آن الأوان للعودة إلى الوطن، ومن بيتي إلى بيتي، حفظ الله عمان وأسبغ عليها الأمن والأمان والتقدم والازدهار. وهي مهمة تقع على عاتق القيادة والشباب في المقام الأول.
إذا كان من المعروف أن حديث الذات ليس سهلا، فضلا عما يكتنفه عادة من صعوبات وحساسيات ومزالق، قد تحدث بغير إرادة، أو قد يضعك فيها آخرون لسبب أو لآخر، فإن الأصعب هو أن يتحدث الإنسان عن حياة ممتدة في مجتمع أحبه وتعامل معه بإخلاص وتفان كبيرين، كأحد أبنائه دون أية مبالغة، فمرحلة النهضة والبناء على مدى الخمسين عاما الماضية كانت قادرة على استيعاب كل جهد مخلص من أي مواطن أو مقيم على امتداد الأرض العمانية.
والمؤكد أنه من حسن الحظ أن أتيحت للإنسان هذه الفرصة الطيبة للمشاركة في عملية تنمية وبناء شامل للسلطنة، التي شكلت بإرادة ووعي قوة مضافة لمجمل القوة العربية على كل المستويات. وهي تظل عملية تنمية وبناء ذات سمات خاصة ومميزة بين تجارب التنمية العربية في النصف الثاني من القرن العشرين، سواء بحجم الإنجاز ومجالاته واتساعه، أو بحكم طبيعته وتساميه وإنسانيته وقدرته على استيعاب كل العاملين، مواطنين ومقيمين في دولاب عمل وتفاعل، لم يتوقف ولم يميز بين مواطن ومقيم بأي شكل تقريبا، وهو ما عزز مشاعر الارتباط والالتزام لدي القطاع الأكبر من العاملين المقيمين وأشعر الجميع بأنهم ضمن منظومة العمل العمانية التي تعتز بهم وتحرص عليهم.
جدير بالذكر أن الالتحاق بقافلة العمل في السلطنة لم يكن مصادفة، ولكنه كان اختيارا تغلب على خيارات أخرى صاحبته قبل أكثر من أربعين عاما، ففي أول ثمانينيات القرن الماضي لم تكن توفرت لي معلومات كافية عن السلطنة، فالتقارير حولها كانت محدودة في ذلك الوقت، مقارنة بالتطورات في اليمن والكويت مثلا، ولكن مع تحول صحيفة عمان إلى صحيفة يومية تم اختيار كل من الدكتور محمد السعيد إدريس والدكتور عبد العاطي محمد والأستاذ صلاح أبو النجا - رحمه الله - وكانوا ضمن العاملين في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، للعمل في القسم السياسي في صحيفة عمان، وفي 14 فبراير 1982 وصلت والصديق الدكتور إبراهيم نوار إلى مطار السيب - مطار مسقط الدولي - للانضمام إلى الأصدقاء سعيد وعبد العاطي وصلاح، وعندما ذهبت أعتذر للأستاذ سيد ياسن مدير مركز الأهرام لأنه كان قد اتخذ إجراءات التعيين لي وللصديق الدكتور حسن أبو طالب، قال ما هي حكاية عمان التي جذبتكم، « هتعملوا هناك كوميونتي؟»، قلت له: إن الأمر مؤقت ولن يستغرق وقتا طويلا، ولم نكن ندري أن المقادير تسير في اتجاه آخر !! شعرت بالامتنان لمعالي عبد العزيز الرواس وزير الإعلام ورئيس مجلس إدارة صحيفة عمان « في ذلك الوقت» لموافقته على سفري إلى تونس بعد بضعة أسابيع من عملي في عمان، وذلك للمشاركة بدراسة في ندوة مركز دراسات الوحدة العربية حول «جامعة الدول العربية الواقع والطموح»، والتي عقدت في العاصمة التونسية، وكان قد تم الاتفاق بشأنها مع المرحوم الدكتور خير الدين حسيب رئيس المركز. وفي أغسطس 1985 تمت مناقشة رسالة الدكتوراه بعد أن تأجلت أكثر من مرة لعدم توافق المواعيد مع أستاذي الدكتور عز الدين فودة رحمه الله.
كان العمل في قسم الدراسات في صحيفة عمان، وفي الصحيفة ككل، جادا ومكثفا، فكان بمثابة مهمة ودور ينبغي القيام به على أفضل ما يكون للإسهام في عملية التنمية والبناء على أوسع نطاق ممكن، وشهد القسم انضمام الصديق حسين عبد الغني، والصديق عوض باقوير ومعالي سالم المحروقي والصديق على الحارثي والأستاذ علي حاردان، رحمه الله، وترسخت الصفحات السياسية وافتتاحية الصحيفة - لقاء اليوم ثم كلمة عمان - وانتقل ذلك إلى الصحف العمانية الأخرى والتي لم تكن تهتم أو تخصص صفحات للآراء السياسية ضمن تبويبها. وساعد على ذلك أن شريحة مهمة من الشعب العماني كانت تهتم بالقضايا والتطورات السياسية ومتابعتها. وكان تولي حمد الراشدي رئاسة تحرير صحيفة عمان بمثابة نقلة كبيرة خاصة على صعيد الاهتمام بالقضايا المحلية من خلال ملحق الولايات الذي أشرف على إصداره، و كذلك من خلال كتابة افتتاحية في الصفحة الأولى، مع استمرار «لقاء اليوم» في مكانه بصفحات الدراسات.
وفي افتتاحية الصفحة الأولى تحدث حمد الراشدي، وللمرة الأولى، عن « القابوسية « وفكر السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه - في ذلك الوقت المبكر من ثمانينيات القرن الماضي، كانت المباني في مسقط قليلة العدد نسبيا، وأحياء كثيرة لم تكن قد ظهرت بعد، لا الحي التجاري، الذي كان به مبنى البنك المركزي ومبنى بريد عمان، ولا حي الشاطئ، شاطئ القرم، ولا المباني التي امتدت وتوسعت في أحياء الوادي الكبير والغبرة وبوشر، وبالطبع بين مطار مسقط ومدينة السيب، وعندما تم إدخال إشارات المرور والسماح بسيارات التاكسي وتطوير النقل الجماعي، وتشييد جسور طريق السلطان قابوس وتوسيعه وبناء قصر البستان في منتصف الثمانينيات، كان ذلك نقلة ضخمة شعر بها كل المواطنين والمقيمين، وجسدتها احتفالات العيد الوطني الخامس عشر، فهناك دولة تتكامل وتنمو وتكبر يوما بعد يوم، وهي في طريقها تحرص على بناء الإنسان والشباب بشكل خاص، لأنهم قوة الحاضر وأمل المستقبل، وكان السلطان قابوس - طيب الله ثراه - دائم المتابعة والتحرك والاطمئنان بنفسه على ما يجري من عمل وإنجاز، ليس فقط في مسقط وضواحيها، ولكن في مختلف ولايات السلطنة، كانت السلطنة كلها خلية نحل نشطة، ولذا لم تكن هناك فرصة، ولا مجال لإضاعة الوقت، ولا للتوقف أمام الصغائر، وكانت مصلحة الوطن تسبق أية مصلحة أخرى، وكان الإعلام مواكبا لذلك كله ومعبرا عنه بفضل جهود عبد العزيز الرواس، وهو ما سار عليه حمد الراشدي خلال توليه وزارة الإعلام، والتي شهدت الانتقال إلى التقنية الرقمية بفضل الاستوديوهات الرقمية التي أكملها، واستمرت المسيرة برعاية الدكتور عبد المنعم الحسني، وهو ما يكمله الآن معالي الدكتور عبدالله الحراصي وزير الإعلام. وطوال هذه المسيرة كان الإعلام العماني، ولا يزال مرآة صافية وصادقة لحركة التنمية والبناء على امتداد الوطن، ودون مبالغات أو مزايدات، ودون تجاهل أيضا لأية قضايا تهم الوطن والمواطن وخاصة قطاع الشباب. والمؤكد أن جيل الشباب الذي يتولى المسؤولية في المؤسسات الإعلامية المختلفة، يتحمل عبئا ومسؤولية كبيرة، ليس فقط في الحفاظ على رسالة الإعلام العماني والأسس التي ارتكزت وتقوم عليها، ولكن أيضا في تطوير الأداء ومواكبة التطورات الكبيرة التي لا تتوقف على صعيد الأداء وتقنية الاتصالات والمعلومات، والتطورات السياسية التي تموج بها المنطقة والعالم من حولها، وجميعها يفرض المزيد من اليقظة والوعي والانحياز إلى مصلحة الوطن والمواطن بكل ما يعنيه ذلك من معنى.
نعم مرت سنوات العمر سريعا، ولم يتبق سوى أقل من أربعة أشهر ليكتمل العام الأربعين في ربوع هذه الأرض الطيبة، إنها بالفعل فترة طويلة، ولكن المؤكد أنه لم يكن مخططا لها، ولم تكن متصورة أيضا، ولكن الاشتغال بالعمل، والحرص على الإجادة، والوفاء لعمان المجتمع والمواطن، أتاح الفرصة في الواقع للتعرف وتلمس الكثير من الجوانب الطيبة والأصيلة لدى المواطن والمجتمع العماني، وهو ما سمح بقدر كبير من التفاعل والتوحد مع جهود التنمية والبناء للوطن العماني، ومن ثم اختفت الفجوة بين المواطن والمقيم، وأصبح الأداء في عمان، كالأداء في مصر، وأصبح تقدم ورفاهية وازدهار عمان بمثابة جزء من تقدم ورفاهية وازدهار مصر وكل وطن عربي آخر، وكانت الأصالة التي يتمتع بها المواطن العماني، بكل مستوياته، مسؤولين ومواطنين عاديين، والكياسة والسلوك الحضاري، وتقدير الآخر والود حياله، بمثابة خيوط قوية تربط الإنسان بهذا المجتمع العربي الأصيل، الذي لا يفرض عليك أية مشكلات، ولا يسبب للمقيم أية مضايقات طالما أنه يلتزم بقيم المجتمع وتقاليده، وبالفعل نمت واتسعت علاقات الصداقة مع الكثيرين من الإخوة والأصدقاء والزملاء، ولم يشعر الإنسان بالغربة، فالجميع كان يحرص دوما على بث الود والمشاعر الطيبة والصادقة وإتاحة الفرصة للمشاركة في المناسبات المختلفة بقدر الإمكان. ومما ينبغي الإشارة إليه على سبيل المثال أن الشيخ سعيد هو نموذج للعماني الأصيل، وهو والد صديق عزيز تربطني به علاقة صداقة طيبة، عميقة وممتدة، أدعو الله أن يحفظها دوما، ومع احترامي وتقديري لكل البيوت التي دعيت إليها، فإن بيت الشيخ سعيد هو أكثر البيوت العمانية التي دخلتها وأعتز بها كثيرا.
جدير بالذكر أن الأربعين عاما التي تسرع الآن إلى نهايتها شهدت ما أعتز به بالفعل من أداء، سواء في عملي الصحفي أو البحثي على المستوى الشخصي، وإذا كان تقييم الإنسان يترك دوما لمن عمل معهم بمستوياتهم المختلفة، فإن مما أعتز به أن الأعوام الماضية، وبرغم طولها، كانت أعواما طيبة ولم ينغصها شيء على أي مستوى. وإلى جانب كثير مما أسهمت فيه مع مؤسسات عمانية مختلفة، فإنه قد تم إصدار كتاب «عمان بناء الدولة الحديثة « عام 2002 وكتاب «عمان والأمن في الخليج» عام 2013، وسيتم إصدار كتاب «السلطان قابوس الحياة من أجل عمان» خلال الأسابيع القادمة، إلى جانب كتاب يضم الأحاديث الصحفية والمقابلات التي أجراها السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه - وقد تم تجميع تلك الأحاديث والمقابلات بجهد كبير ومن مصادر عدة من أبرزها دائرة الدراسات بوزارة الإعلام، وصحيفة عمان، وصحيفة الوطن، وتم نقل المقابلات بعد استكمالها من النسخة الورقية إلى النسخة الإلكترونية وسيتم نشرها لتمثل إلى جانب خطب السلطان قابوس مرجعا لا غنى عنه للمهتمين والباحثين في الشؤون العمانية، ولعل هذه فرصة للتقدم بالشكر والتقدير لكل من أسهم في تحقيق هذا الأمر شديد الأهمية.
كما كانت هناك المشاركة في ندوة «عمان في التاريخ «، وندوة «عمان في القرن الحادي والعشرين» بجامعة السلطان قابوس، وندوة «الديمقراطية في العالم العربي» بمركز الدراسات بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة بدراسة حول السلطنة، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.
وبينما يسعدني أن أتقدم بكل الشكر والعرفان إلى عبد العزيز الرواس، وحمد الراشدي، والشيخ عبدالله القتبي، والدكتور عبد المنعم الحسني، ومعالي الدكتور عبدالله الحراصي وزير الإعلام، وسعادة علي الجابري وكيل وزارة الإعلام، وكل الأخوة والزملاء الذين شرفت بالعمل معهم في صحيفة عمان ووكالة الأنباء العمانية، وهم كثر فإنني أدعو الله أن يتغمد برحمته كل من السيد سلطان بن حمد البوسعيدي والشيخ محمد المرهون وسهيل المعشني، وكل من انتقل إلى رحمة الله من الزملاء، وأن أدعو بالتوفيق لمن يتولون مسؤولية الإعلام في صحيفة عمان ووكالة الأنباء العمانية، وأثق بالفعل في قدراتهم وكفاءاتهم وخبراتهم التي تمكنهم من الوصول إلى الأهداف المرجوة، في الحاضر والمستقبل.
وإذ أتمنى لعمان الوطن والدولة والمجتمع والمواطن كل التقدم والازدهار في ظل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - فإن عمان ينتظرها مستقبل واعد إن شاء الله، في المرحلة الثانية من نهضتها المتجددة ومن «الحياة من أجل عمان» وهو ما أكد عليه جلالة السلطان هيثم بن طارق في أكثر من خطاب، ويسعى جاهدا إلى تطبيقه على أرض الواقع. وسأبقى دوما معتزا بعمان، دولة ومجتمعا ومواطنا، وبأصدقائي فيها وهم يعرفون أنفسهم، ومتمنيا لها دوام الصحة والسعادة، إنه سميع مجيب. ولأن هذه هي طبيعة الحياة فإنه آن الأوان للعودة إلى الوطن، ومن بيتي إلى بيتي، حفظ الله عمان وأسبغ عليها الأمن والأمان والتقدم والازدهار. وهي مهمة تقع على عاتق القيادة والشباب في المقام الأول.