أعمدة

لغة جديدة للتواصل الإنساني

 
أمل السعيدي

لقد تطورت علاقتنا بالـ«ميمز» حتى باتت لغة جديدة نعبر من خلالها عن مواقفنا المختلفة مهما تنوعت حدتها. أعادت لي إسلام الخطيب باحثة وكاتبة لبنانية التفكير في مسألة صناعة الميمز وتداولها، إذ تختبر من خلال دراسة ما زالت قيد العمل «الميمز» كأداة نسوية، تفحص من خلال مشروعها هذا الميمز لا كوسيلة للتسلية والضحك فقط، بل «لتعميم خطاب نسوي يساري وجذري» وتستعد إسلام لتقديم معرض للميمز التي جمعت من فترة الحجر الصحي الذي تسببت به جائحة كورونا.

كتبتُ تعريفًا قصيرًا للغاية في موقع منشور «الكويت» عن الميمز بدأته بهذا التساؤل: «هل تخيل سكوت إي فالمان الذي أنشأ «الوجه المبتسم» بوساطة علامات الترقيم في ١٩ من سبتمبر ١٩٨٢ أن طموحه بشأن وجود قنوات مرئية للتواصل بين الناس عبر الإنترنت لتجنب سوء الفهم والقدرة على التفرقة بين السخرية والفكاهة مثلًا، أن الأمر سيتطور حتى تصبح الصورة أكثر من مجرد رمز تعبيري بل لغة جديدة تمامًا» إلا أنني هنا أتوسع في مناقشة هذا الموضوع والعودة للدراسات والأدبيات المهتمة بالبحث فيه، على أمل أن تتطور دراسات اجتماعية تبحث في استخدامات الميمز في المجتمع العماني، وحضور الطبقات المختلفة في تمثيل هذه الرموز الدلالية. وأهدافها، وأكثر الطرق المستخدمة للتعبير بها بهذه الوسائط الحديثة.

لا شك أننا نعيش اليوم في فضاء يجمع الوسائط بفوضوية إذ يجب علينا أن نكون مستعدين لاستيعاب نوع جديد من البيانات المتطايرة عبر شاشاتنا بل والمشاركة في إنتاج وتدوير هذه البيانات، وأننا لكي نكون جاهزين لمواجهة التحديات الاجتماعية والثقافية علينا أن نصنع «الميمز» وإلا سنستبعد من عضوية هذا الفضاء! ربما تكون صديقي القارئ قد اختبرتَ موقفًا توقفت فيهم لفهم دلالة رد «ميمي» وصلك عبر الواتس اب أو تويتر حول منشور خاص بك، لتحاول اكتشاف ما يريد الآخر قوله لك، أو ربما التقطت الرد سريعًا لأنك منخرط في هذا الفضاء وتستطيع قراءة السياق التي تولدت فيه هذه الرموز.

هذا على الأقل ما ساهمت في قراءته ليندا ك. بورزي في دراستها حول «تاريخ موجز لميمز الإنترنت» ومع محاولة تعريف مفهوم «الميمز» تُستعار من علم الأحياء التطوري صياغة قدمها المؤلف ريتشارد دوكينز في كتابه «الجين الأناني» الذي ولد فيه مفهوم «الميم» لأول مرة والذي يعني باختصار الشيء غير المقلد، وكان قد استخدمه للإشارة إلى جميع السلوكيات والأفكار الثقافية التي لا تنتقل عبر الجينات من شخص إلى آخر والتي تبدأ عند اللغة ولا تنته عند قواعد لعب كرة القدم.

«الميمز» إذن هي تصوير مرئي يظهر في تنسيقات عديدة منها: الصورة الثابتة، أو صورة gif متحركة أو مقطع فيديو. يمكن أن يكون كل واحد من هذه التنسيقات قائمًا بذاته أو مصحوبًا بنص أو أيقونة وأحيانًا تجمع كل هذه الوسائط معًا لصناعة إيحاء ودلالة واحدة.

ويعد العالم بكل ما فيه مصدرًا محتملًا للميم، مثلما يمكن أن تكون السينما أو ألعاب الفيديو أو السياسة أو المشاهير. يهاجر الميم باستمرار بين الأفراد عبر الإنترنت، ويمكن أن يتطور في هجرته هذه.

ركزت موضوعات الميمز في بدايتها على القضايا العالمية لكن سرعان ما أصبحت منتجًا محليًا، أو منتجًا يتم فيه المزج بين مفردات عالمية ومحلية في الوقت نفسه، يمكن للجميع أن يصنع الميمز خصوصًا وأن التطبيقات اللازمة لإنشاء ميم متاحة ويمكن إتقانها بسهولة وكثيرًا ما تعتمد على القص واللصق. لكن لماذا يا ترى يصنع الناس الميمز؟

تنستج بورزي أن زيادة الفائض المعرفي نتيجة لزيادة في وقت الفراغ المتاح للسكان المتعلمين وانتشار وسائل الإعلام التشاركية فإنهم يضعون وقتهم وجهدهم في إنشاء محتوى جديد، كما أن إنتاج الميمز عادة ما يكون رد فعل مباشرًا وفوريًا يشجع على الانتشار، ويُمكن الأشخاص من التعليق على القضايا التي تهمهم. إن طبيعة الحياة اليومية اليوم «عابرة، مرنة، فورية» وهذا بالضبط ما يمكن للميمز أن تحققه بسهولة. أوضحت الدراسات التي اعتمدت عليها بورزي أن «الميمز» إحدى أكثر الطرق التي يستخدمها الناس شعبية، للتعبير عن الآراء وإيجاد الحلول الاجتماعية والتشجيع على المشاركة، والدفاع عن القضايا في كل من فرنسا والصين.

يوجد اليوم العديد من الحسابات التي تقدم محتوى خاصًا بالميمز، كما يوجد مجموعة من المواقع التي تجعلك في مركز صناعة الميمز، فتستطيع من خلالها التعرف على الصيحات الجديدة، وما الذي تعنيه وكيف انطلق «الإيفيه» منها موقع know your meme بل أن العديد من الشركات المعنية بصناعة المحتوى أصبحت تهتم بثقافة الميمز لدى موظفيها، سعيًا من هذه الشركات لاستثمار صيحات الميمز الجديدة لصالح منتجاتهم أو أفكارهم على اختلافها؛ لذا ليس غريبًا أن نشهد بعد بعض الوقت، أن ُتضمن مهاراتك في متابعة جديد الميمز أو في صناعتها، كواحدة من الخصائص التي تؤهلك لشغل وظيفة ما، خصوصًا في المهن المرتبطة بصناعة المحتوى.

أصبحت الرموز المرئية والتفاعلية التي نستخدمها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، طريقة في تعبيرنا عن ذواتنا، ليس هذا فحسب، بل عادة ما نمتلك تحفظًا على مشاركة رمز بعينه على الرغم من أن رسم الرمز نفسه قد لا يبدو داعيًا للامتعاض، لكننا ثقافيًا حملنا تلك الرموز دلالات جديدة، هذا بالضبط ما فعلناه مع الكلمات، وإلا ما الذي ستعنيه كلمة «شجرة» لو أفرغناها من ذلك الكائن الأخضر.

كنتُ أفكر كثيرًا في مصير أولئك الذين صاروا مادة لمحتوى الميمز، أشخاص لا نعرفهم، لكننا نكتب عن أفكارنا ومشاعرنا بمرافقة صورهم، شاهدت قبل فترة الرجل العجوز الذي يظهر مشمئزًا - متأكدة أن هذه الصورة قد مرت عليك سابقًا عزيزي القارئ، وأنك ستضحك فور مشاهدتها - تيديكس استضافت András Arató الشخص في هذه الصورة وهو مهندس الكترونيات هنغاري للحديث عن شهرته المفاجئة هذه وما الذي تغير في حياته بعد هذه الشهرة عن طريق الميمز، وما قصة تلك الصور التي انتشرت له. أعجبني اللقاء بحق، وزاد من إعجابي بهذه الشخصية، لكنني بكل تأكيد لن أحبذ أن أصبح «ميما» مشهورًا ومتداولًا في سياقات لا نهائية تنتج الحياة اليومية في أماكن قصية قد لا أعرفها يومًا ما. ماذا عنك؟