أعمدة

العصا لمن عصى

 
حمدة بنت سعيد الشامسية

hamdahus@yahoo.com

جميعنا تقريبًا نخرج العصا بين حين وآخر لجلد ذواتنا، أحيانًا على أخطاء تافهة لا تكاد تذكر، فما أن يخرج المرء منا من لقاء حتى يبدأ في محاسبة نفسه على ما قال ولم يقل، وكيف تصرف، وليته فعل ولم يفعل، ويبدأ مسلسل تأنيب الطفل بداخلنا، وتهديده، وجلده، غير عابئين بصراخه المؤلم الذي يطالبنا بالتوقف.

تزداد حدة هذه القسوة، كلما قل تقدير الذات، وانخفاض مستوى الثقة بالنفس، عندما تسود مشاعر الدينونة، ويبدأ المرء يقارن نفسه بفلان وعلان من الناس، غافلا عن أن الكثيرين ممن حولنا يرتدون أقنعة مزيفة تخفي حقيقتهم عنا، وربما لو خلعوها، لفررنا منهم فرارًا، وما تمنينا أن يجمعنا بهم مكان واحد.

جميعا على اختلاف مستوياتنا الثقافية، ومراحلنا العمرية، نمارس هذا التعنيف مع ذواتنا بشكل متفاوت كما ذكرت، وأحيانًا فعلا لا يكون هذا التأنيب على قدر الذنب، أخذ مني شخصيًا فترةً طويلةً لأنتبه لهذا الأمر، وأتخذ بالتالي قرارًا حاسمًا لإيقافه، وبدأت عوضًا عن طرد الفكرة المؤلمة بحدة، أتوقف عندها، اسمح لنفسي باستشعار الألم، ومصارحة نفسي عن سبب هذا التأنيب.

أخذ الأمر مني فترة من المراقبة لأكتشف، بأن تلك الطفلة التي تعودت على التعنيف أسلوبًا في التربية، لم تكبر في الواقع، وما زالت تعتقد بأن هذا هو الأسلوب الوحيد لإصلاح الأخطاء، المؤلم أن أخطاء تلك الطفلة كانت بتفاهة أخطائها وهي صغيرة، حيث العقاب لا يتناسب مع الخطأ.

شيئًا فشيئًا بدأت أكتشف بأن هذا الألم ما هو إلا ملاك حارس ينبهني على خطأ وسوء تصرف حتى لا أعود لتكراره، فبدأت أستوقف نفسي، عندما تخرج العصا، واسألها عن سبب هذا التعنيف، لصدمتي اكتشفت أن هذا دائما مرتبط بمواقف لم أكن فيها صادقة مع نفسي، كسبا لود الآخرين، وسعيًا في تقبلهم لي.

وفعلا كلما اقتربت من ذاتي أكثر، وكلما كنت أكثر وعيًا باللحظة قلت حدة التعنيف.

هذا الصوت ملاك حارس جاء ينقل لك رسالة، لا تطرده، ولا تبعده، استمع له مهما كان حجم الألم، توقف لحظة استحضر الموقف الذي استدعى العقاب من نفسك، وستجد دائمًا وأبدا أنك خرجت عن طبيعتك، عدل السلوك، وتخلص من العادة التي لا تتفق مع طبيعتك، والتي جاء ملاكك الحارس ينبهك بها، افعل ذلك بحب وتعاطف مع الطفل بداخلك، فلا شيء على الإطلاق يستحق أن نعذب فيه ذواتنا.